السبت ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩

الحرمان والحرمة

بقلم: محمد مصطفى درويش.

وأنا فى صحراء حياتى، قابلت إمرأة ذات جمال وبهاء وشهوة. كانت متبجحة حتى فى أول لقاء لي معها. خدشت حيائى حين وضعت للحياء معها إعتبار. قضت على برائتى وقلت خبرتى وحلت بنظرة عينيها بكارتى. كانت كتلة جسدها تحتل من الفراغ نسباً، ثير حسد كل الإناث، وشهوة الذكور. كانت ممتلئة بالبروز والإنخفاضات، كأعتى ما يكون. النهدان خنجران، ينغرسان فى العيون الناظرة، فتسيل الشهوة والرغبة من النفوس، والريق من الأفواه، والعرق من المسام، واللزوجة من الطرف الخامس. الذكر أمامها كتلة من اللحم والدم، وهي النار تسويه صانعة منه المرق.

إختلت بى فى حجرة خالية من الأثاث إلا سرير ذووسادة حمراء. وهى هناك ليس عليها إلا ما يزيدها عرياً وفتكاً. كانت تمتلك من الوسائل، ما تستطيع به أن توقظ الأصم من نومه، والمارد من قمقمه. فخذاها كتلتان من اللحم الأبيض الكاشف لحمرة دم متدفق ساخن. والبطن صفحة محيط هادئ منساب، فى منتصفه دوامة لانهائية تبتلع عيون من نظر. وبمنتهى السهولة، قشرت ملابسى من على وقبلتنى فى عينى قبلة، إنهار لها جسدى، وكانت الشرارة التى أشعلت نيران. لم أقاوم ولم أتردد. أردت أن ألتهم شفتاها، فأشاحت بوجهها، إلا أن إلتصاق نهداها بصدرى، وإحساسى بوخز إبر حلمتاها جعلانى كمريض الصرع. أخذت أتشنج وهى تمتنع إتباعاً لقوانين الذكورة والأنوثة الأبدية: للذكر المبادرة الظاهرة، وللأنثى الخفية. وبجنون قطعت بأظافرى وأسنانى ملابسها، وأخذت أشرب من نبع ثديها. تمادت فى الإمتناع، كدت أصرخ طالباً إياها أن ترحم وتخضع. أريد أن أشرب من ريقها، أريد أن تلمس شفتاى شفتاها، أن تنطفئ الجمرة وتموت العنقاء القابعة فى سجنى.

وأخيراً فعلتها، وقبلتها، فما كانت القبلـة إلا بئر بترول ضخم إتحد مع نارى مسبباً حريق عظيم هائل. إحمر جسدى وكدت أنهار. إشتعل كله، والألم لايحتمل. وكالثور حملتها على ظهرى. أمسكت لجامى وقادتنى إلى الفراش. إستلقت عليه، وبنظرة من طرف عينها دعتنى، فإندفعت بإتجاهها وسقطت عليها.

جسدى فى حالة لم أعهدها فيه من قبل. لقد تبدل وتغير. هذا ليس جسدى. لم أعد أحتمل عضلة فيه أوعظمة أوقطرة دم أوحتى خلية. كان كله منتصباً متصلباً. تجمع الدم فى أطرافى ورأسى حتى كاد أن يندفع من عينى التى لم تعد ترى إلا لحم الطاغية كالأعمى رؤياه الوحيدة هى الظلام. تمردت على ذرات كتلتى المادية، وأخذت تتطاير منى فى الفضاء. لم أعد أحتمل الألم. وأخيراً إلتصقنا

وشعرت بتلك السخونة. سخونة سرت فى جسدى. سخونة خاصة جداً. سخونتها الأنثوية. إرتعد جسدى كله لذلك وطبعتنى سخونتها تلك بطابعها فأحسست أنى منها وإليها. كانت هى الماء وأنا النبت الصغير العطشان. كانت هى الحطب وكنت أنا نار تنشد الأبدية. كانت هى الأفكار وكنت أنا عقلاً حالماً بحقيقة أزلية. كنا ذكر وأنثى.

كانت النشوة كطعام أهل جنة، أكل بلا شبع، وشبع بلا أكل. صرت ملهوفاً إلى سخونتها راغباً فى الإستزادة منها. أخذت أتلوى، أرتفع وأنخفض فى قوة وجنون وهستيرية. أحفر بإبرتى فى بركة الطين. أريد أن أصل إلى شىء، إلى نهاية أوغاية علًّنى أهدأ أوأدرك حقيقة. إزدادت سخونتها وصرت للسخونة مخزناً، أمتصها بسرعة وشدة حتى أصبت منها ما يكفى لتفكيك كل ذرة من ذرات كتلتى المادية ونثرها فى الكون ذوالأبعاد. تعالت آهاتى، وإزدادت أنّاتى. تحولت كتلة الدم المنتصبة إلى قطعة من الجلد القاسى الخشن من أثر الإحتكاك و أنها كعبى فلاح مصرى حافى القدمين على الأرض السوداء فى زمن القحط.

وظننت أن جزءً منى صغير فى كهف الأسرار هذا لا يكفى فمددت يداى ودسستهما فى قلب السر. بعدها ثارت على قدماى فدفستهما إلى الداخل دفساً فزادت الجمرة إحمراراً، وأنا الذى كان ينتظر أمطاراً. عندها لم يعد لى قدرة على التحكم أوالهدوء والإنتظار فإندفعت بما تبقى من لحمى إلى الداخل. الآن فقط إحتوتنى السخونة من فوقي وتحتى. إننى فى قلب السخونة، فى كبد النشوة، فى أصل النار ومركز المتعة.

تأملت وضع جسدى فعادت بى الذاكرة إلى البداية. لقد كنت هنا من قبل. إننى أتذكر ذلك الوضع الجسدى الملتف وهذا الصوت الأشبه بموسيقى أبدية يرقص عليها كل كل إنسان. عدت إلى البداية كعودة السيف الجديد إلى الغمد بعد أن إحمر نصله بدماء ألف ألف إنسان. كعودة الحديد إلى الحديد بعد أن صار مطرقة وسندان. كعودة إنسان إلى الكفر بعد دهور من الإيمان. ومع الوقت إنهارت مقاومتى. لم أعد أحتمل وتجمعت كتلة الألم كلها في حنجرتى فخرجت فى شكل قنابل من صراخ إندمجت مع السخونة السارية فى جسدى مكونةٌ قنابل صراخ ذرية النوع. عندها إندفعت كلى إلى الخارج صارخاً صراخ أبدى، تماماً كسابق العهد. تشابه الفعل وإختلف الإنسان.

نظرت فوجدت نفسى أمتلأ باللزوجة منها ووجدتى أنزف دماً أبيض لزج الملمس، نالت منه الكثير ولعبت به لعب الطفل بالطين. بعدها هدأت خلاياىّ وإستقرت ذرات جسدى فى مداراتها. فنت السخونة، وسرت البرودة تدريجياً إلى أطرافى بعد أن ذابت كتلة الدم الهائلة وصارت فى حجم القطرة. إلا أن المخيف هوقسوة تبدل الأشياء من حولى. الأنثى لم تعد أنثى، لم يعد لوجهها ذلك السلطان، لم يعد لنهدها ذلك الوخز ولفخذاها تلك السطوة. لم يعد لجمالها ذلك الجمال.

وأخذت فى الإنهيار مع إنهيار العوالم والصور من حولى وأدركت أن للأشياء عالم، وللأنثى عالم وأن تاريخى ما هوإلا إنتقالات بينهما. وأيقنت أن خيولى الشمعية قد إنصهرت فوق سخونة أرض الواقع، وتحتم علىّ إستبدالها بخيول من لحم ودم علّنى أستطيع الإستمرار فى عالم الأشياء، عالم السخونة والبرودة الأزلية فى الجسد والمادة والأشياء. فى الأنثى والحائط والطعام والشراب. فى الذهب واللعب والسوط والسراب. فى الماء والثلج والنار والإنسان.

بقلم: محمد مصطفى درويش.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى