الاثنين ٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم عبد الله الحميدي

بين الكِتاب والقُرصْ

أما الكتاب فتعرفونه يا سادة يا كرام. وأما القرص فله معاني كثيرة. منها الخبز خاصة خبز البيوت وليس المخابز، وذلك يعتمد على نوع الدقيق على أية حال. الدسك هو إسمه بالإنجليزية، له نفس المعنى فى العربية أي شيء مدور مفلطح فهو قرص.

القرص فى هذه المقالة لا يصلح لا خبز ولا عيش نخالة. بلاستيك على قزاز أو شيئا مشابها. شغلته فقط حمل برامج و أغاني منوعات ومشكلات مرسومة على لباسه المغناطيسي الذى لا يقي من حر وبرد ويَخربُ بسرعة الكهرباء أحيانا. لا يمكن قراءته إلا بجهاز ولا بد للجهاز من كهرباء. صحيح أنه بواسطته يمكن حمل مكتبة منزلية محترمة فى دسك أو قرص صغير تحمله فى جيبك وتنقله عبر الأثير التلفوني. لكن! الممتازات منها تحتاج محافظة فهى سريعة العطب و لا يعتمد عليها فى الوثائق ذات القيمة. عمر هذه الدسكات فى أحسن الأحوال الجوية بضع سنوات مقارنة مع عمر الورق ألوف السنوات. الجيد من الورق يعيش ألوف السنين مثل الصيني والمصري القديم (البُردى). ثانيا، لا تحتاج لكهرباء لقراءة كتاب. الكتاب كيان مادي وفكري لا كهربة فيه. تلمسه بيديك ولا يضر عينيك وتقرأه على ضوء شمعة وربما تمسح عنه الدمعة إن كنت فاهما وشاعرا بمشاعر وفكر وعاطفة الكاتب. أو كنت تأمر الخادم بمسحه وتنظيفه إن لم تكن قارئا نهما، بل همك الإستعراض بخشب وكتب مكتبة صالون قصرك. فى حين تذيب وتقتل الشمعةُ الدسك. أيضا الكتاب يحتاج الى حفظ وصيانة. لكن! الفرق فى مدى الإعتماد. على الكتاب مقارنة بالإعتماد على الدسك. وهو فرق كبير واضح. صيانة الكتاب سهلة ولا يحتاج تلك الصيانة والعناية. مشكلته انه ثقيل بالنسبة للحمل مقارنة بالقرص. فكر فيها. الثقل فيه الجودة. الخفة جوفاء. الكتب كميراث للأبناء ثمنه فيه. عائلة عباس العقاد رحمه الله باعوا مكتبته بتراب الفلوس. أربعون ألف جنيه. ليست بطالة (أيام وفاة العقاد كان الجنيه غير) رغم الثمن البخس. هل سمعتم بمن ورث دسكات؟ محتويات الدسكات ربما تصبح قديمة بسرعة. من يشتري دسكات عمرها عشر سنوات (شختك بختك إنته وحظك) ممكن تشتغل وممكن لا!؟ الدسك ممكن كشطة أو مخشة بسيطة تافهة أو ماس أو ... وراح فيها.

الكتاب والورق عالمان من الهدوء والقراءة المتأنية والكتابة المتأنية. أما الكمبيوتر والدسك و مُشغِلُه فهم فى ربشة، من سرعة فى سرعة. ومشاكل الكمبيوتر كثيرة منها محلية (فى البيت) أو خارجية (للمهندس ليصلح الجهاز أو من يدعي ذلك). أو دولية فى عالم الذكاء الإفتراضي والحاسبات القوية البرمجة أو البشرية فى الشبكة الدولية.

تأتي فى ساعة صفاء بعد نوم الأطفال والحي نائم مثلا الساعة العاشرة. خرمان قراية وشايل فى جيبك دسك مليان. فرحان تحضره بهدوء وحياء لا يُخدش. تشغل الكمبيوتر ويبدأ الحاسب بحركاته و أصواته المعتادة لقراءة ما فى الدسك. و أنت تفكر فى هذه الصفقة المربحة. بسعر زهيد خمسة ريالات لخمسة آلاف كتاب فى قرص واحد. يا بلاش! مرماة فى الشوارع وحول المساجد. يقطع هذا الفكر رسالة بصوت إنذار ورسالة تخبرك بأن الدسك غير صالح للإستعمال. هل تريد الإستمرار أو إلغاء العملية. طبعا إستمرار! كم مرة ولكن بدون فائدة نفس الرسالة! فأنت تخاطب آلة! بقي أمل فى إخراج الدسك وتنظيفه بالنفخ مع نفخ مكانه فى الآلة. و إدخاله بحنان. لعله يجاوب. نفس الرسالة. أقرب قمامة وترميه فيها. ناقصنا عمليات! واضح انه مغشوش ونسخة مقلدة صيني على صيني. رحم الله الكِتاب، إفتح وإقرأ. وكل ما قدم كل ما إرتفع سعره بعكس الدسك.

هذه تهون مع من يمضى سنوات فى الكتابة والحفظ. ويعتمد على الدسكات و كل شيء تمام. لتضيع هذا الكل فى لحظة خاصة إذا لم يكن هناك نسخ إحتياطية. والنسخ الاحتياطية فكرة جيدة لكنها من جرف الى دحديرة. القُرصْ لا يطيق البروق والرعود لأنها ربما تُعدم ليس فقط الدسكات بل أجهزة كثيرة خاصة الكهرومغناطيسيات، وهذه الكلمة متعبة حتى فى شكلها وكتابتها. فكيف بفعلها غير المتوقع. لو أعدمت جهازك لا قدر الله. القرص سعره زهيد، لكن آلة تشغيله ليست زهيدة. أغاني وصور ممكن. لكن لوثائق ذات قيمة،لا أظن القرص خيار جيد و لا حتى كوسه.

الكتاب مشكلته أنه ثقيل، نسيت إسم العالم والأديب العربي رحمه الله، مات بسبب تساقط كتبه عليه بعد أن ملأ رأسه والصفوف العليا بكتب أكثر مما يتحمله خشب المكتبة التى تعود أن ينام بالقرب منها. أردت أن أقول الجاحظ. لكن تذكرت معاناته آخر عمره من الفالج. وميزة الكتاب فى بيعه وقت الحاجة والضرورة. فى الأسعار ما يبور. ممكن بيعه لعارفه بنصف الثمن أو من يستخدمه كمنظر وديكور يربع الثمن. أو كورق مدفأة إن إشتد البرد فى خريف العمر وصعب توليع الخشب. وما بار الكتاب حتى لو بيع بالجملة عشرة بدرهم كعلف للنار، أسعاره لم تصل إلى الصفر كالدسك. وصل سعر الكتاب ببيضة أو بيضتين فى الصيف. كما وصل إلى خمسة كتب بدجاجة أو عشرة ولكنه والحق يقال وصل لمستوى بقرة إن لم يكن من كتب الثرثرة طبعا، وأشباهها من كيف تتعلم كذا فى خمسة أيام، والطبخ والنفخ، والأعشاب الصينية وغير الصينية، والحبل على الجرار. ومن لا يعرف قيمة البقرة ولا الثور ، لا يعرف قيمة الكتاب. الدسك سَهّل عملية السرقة والنسخ. نسخ الكتاب الورقي الى آخر ورقي غير مستحيل ولكنه أصعب بكثير من نسخ دسك لينتشر مثل الجراثيم وينشر الفيروس المبرمج. الكتاب نظيف من هذه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى