الثلاثاء ٣ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم سعداء الدعاس

أيديولوجيا البلاط

لكل فعل، فكر ينطلق منه، نتاج مخزون طويل من التجارب، القراءات، المشاهدات، والعرض المسرحي واحد من أعظم هذه الأفعال المدفوعة بأفكار معبرة عن توجه العرض شكلا وضمنا . تناسب كل مرحلة يمر بها المبدع، فبريخت – على سبيل المثال- لم يقفز للملحمية إلا بعد أن مر بعدة مراحل، متأثرا بسابقيه، ومجايليه.

والمسرح – كفعل جماعي - أبرز الفنون المرئية التي تتطلب توافقا فكريا تاما بين عناصره، فلا يمكن أن يتعامل المخرج الطليعي مع ممثل كلاسيكي لا يؤمن بالتغيير، ويرى في الاتجاهات الجديدة مجرد ثورة آنية، وفقاعة ستتلاشى يوما ما .

هذا التوافق الذي يبدأ منذ لحظة اختيار النص، تتضح نتائجه لمتلقيه عند العرض بالتأكيد، أما المخرج، القائد فيبدأ بتلمس آثاره منذ بروفة الطاولة الأولى، بل أن الانسجام الفكري، أو في أقل الأحوال الاتساق العام بين رسالة هذا العمل وفكر العناصر المشاركة فيه، لابد أن ينعكس على أفعالهم خارج إطار العمل أيضا، فالمشاركون في العروض التي تتبنى فكرا سياسيا مغايرا لواقع (القطيع) المتعارف عليه في مجتمعاتنا العربية (وإن كنت أرى أن المسرَحَة فعل سياسي في جميع الأحوال) يمتلكون بالضرورة ذات الموقف السياسي خارج إطار خشبة المسرح .

فهل يؤمن كل ممثل بالفكر الذي يطرحه العرض؟

في إحدى الأعمال التي أرقبها عن كثب، تملصت الممثلة من البروفات النهائية، لظرف اعتبرته هي هام جدا، وقبل التطرق لظرفها (المهم) لابد أن أشير إلى الرسالة التي يبثها العمل الذي تشارك فيه .

تتناول المسرحية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتدعو إلى نبذ العبودية التي جُبلت عليها بعض الشعوب، كما تدعو المسرحية في الختام إلى القضاء على حاشية الملك التي سعت لعزل الحاكم عن شعبه، عبر تملقها للسلطة .

في المقابل، كان الظرف الصعب الذي تملصت بسببه الممثلة عن حضور البروفة النهائية، بسبب تلبيتها لدعوة (VIP) للغناء في بلاط (خليجي)، في احتفال دوري تقيمه نساء ذلك البلاط لملء وقت الفراغ، والتسلية بمعية مهرجات (جميلات) يعتقدن بنجوميتهن .

الغناء لأبناء البلاط، أيا كانوا، فعل مهين، أرأف بحال من ينجرف وراءه مدفوعا بالمال، وسلطة تنتهي بانتهاء الحفل المزعوم .

هذه الممثلة كانت تهذي بفخر عن رحلاتها لتلك القصور، بصحبة مذيعة معروفة (بجمالها) تعتاش على مثل تلك الرحلات المدفوعة مسبقا، لأشخاص يرون فيها وجها زائفا خلق لمتعتهم وصوتا مفبركا يأنسون برقته حتى وإن عبّر عن خواء صاحبته.

يبقى ذلك الفعل (خدمة البلاط) خيار شخصي، لا أملك التدخل فيه، لكن ما أثارني حقا، القيام بنقيضه عبر المشاركة في عرض مسرحي يبث في متلقيه روح الاختلاف بعيدا عن هتافات (طفولة القطيع) المطعمة دائما بأسماء الحكام لا أفعالهم .

 [1]


[1بوح أخير:

يصر معظم مخرجو أعمال شكسبير على تصوير مهرج الملك لير بصورة مطابقة لمهرج السيرك، متناسين أن مهرجي البلاط في زمننا هذا نجوما تعج بهم قنواتنا الفضائية، وصحفنا الفنية، مهرجو الملك يبدون أحيانا كملوك فقدوا عرشهم ساعة حصولهم على أجر ليلة الأنس بيد أحد السّـعاة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى