الخميس ٥ شباط (فبراير) ٢٠٠٩

مفهوم الشعر عند عبد الكريم غلاب

تعتبر الأبحاث والدراسات التي اهتمت بنقد الأستاذ عبد الكريم غلاب قليلة، إن لم نقل منعدمة 1، بالرغم من أن حجم كتاباته في النقد أوفر وأغزر مقارنة بحجم إنتاجه في القصة والرواية. وهو أمر يؤكد هيمنة الدراسات الحديثة في مجال السرديات من جهة، وعزوف الباحثين والدارسين عن نقد الشعر في المغرب بعامة،ونقد المحتفى به بخاصة. وهو الجانب الذي نحاول معالجته من منطلق مفهوم الشعر.

وتعميما للفائدة أرى أن أثبت في هذا المقام المصادر المتضمنة للمفاهيم النقدية التي سطرتها أنامل الأستاذ غلاب سواء في مؤلفاته، أو مقالاته، أو في تقديمه لبعض الدواوين.
فعلى مستوى المؤلفات فيمكن أن نذكر:- نبضات فكر (196) - في الثقافة والأدب (ط 1- 1964) - رسالة فكر (196) - دفاع عن فن القول (1972) - مع الأدب والأدباء (196) - الثقافة والفكر في مواجهة التحدي (1976) - عالم شاعر الحمراء (1982).

أما على مستوى المقالات فيمكن العودة إلى ما فهرسه (صالح جواد الطعمة) في كتابه (عبد الكريم غلاب: بيبليوغرافيا بأعماله وما كتب عنه في مصادر عربية) (1993)، أو إلى ما أثبته صاحب المقال ضمن أطروحته ( النقد الشعري في المغرب)، وهي مرقونة بكلية الآداب بوجدة.
والمقالات المفهرسة هي نفسها التي شكلت متن المؤلفات المذكورة.

أما على مستوى التقديم فيكفي الإشارة إلى تقديم الأستاذ غلاب لديوان الحرية للشاعر عبد الكريم بن ثابت باعتبار مثل هذه المقدمات شكلا من أشكال الخطاب النقدي.

نعترف في البداية – كما اعترف الأستاذ عبد الكريم غلاب نفسه - بصعوبة تحديد مفهوم للشعر عنده لأسباب منها:
 أنه لا يمكن أن نخصص لهذا الغرض مداخلة مثل هذه محكومة بالزمن والمناسبة. فمفهوم الشعر عند المحتفى به تلزمه أطاريح تستدعي وقتا كافيا لقراءة إنتاجه قراءة متأنية موضوعية.
 وتعود الصعوبة ثانيا إلى وفرة ما كتبه الأستاذ غلاب في الموضوع تنظيرا وممارسة، وهو أمر يدعو ثانية إلى استقراء مؤلفاته العديدة والمتنوعة للإمساك بالخلفيات الفكرية والإبستمولوجية التي تتحكم في مفهومه للشعر.

وأمام المناسبة الكريمة لا مفر من تذليل الصعوبات المذكورة لنقدم قراءة نتمنى ألا تكون مسيئة للموضوع لأنه يستحق وقتا أوفر، وقراءة فاحصة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

إن مفهوم الشعر من منظور الأستاذ غلاب ينطلق من مفهوم مركزي يعتبر: الشعر معاناة وتجربة ذاتية، ولكن على الشعراء جعلُ هذه المعاناة في خدمة قضايا الوطن والعقيدة والقومية والإنسانية. والشعر بهذا المفهوم ينبغي أن يكون صادقا وأصيلا، صادقا في التعبير وتوعية الجماهير، وأصيلا في اختيار الموضوعات التي تعكس حياة الشعوب بأفراحها وأحزانها في أي فترة من فترات الزمن، وفي أي بقعة من بقاع الأرض.كما ينبغي أن تنسجم فيه أدواته الفنية من لغة وصورة وموسيقى.وإذا توافرت هذه العناصر مجتمعة لا بد من شرطين لنجاح العملية الشعرية وهما الحرية والجمهور،إذ بدونهما لا معنى لوجود الشعر.

ويمكن تفريع هذا المفهوم المركز إلى فروع نتبينها كما يلي:

أولا - الشعر ذات واقعية:

قبل أن ينظر للشعر كيف ينبغي أن يكون ناقش الأستاذ غلاب الرومانسيين والرمزيين من خلال سؤال مهم هو: ماذا نختار من المذاهب الأدبية ؟ وصبت أغلب أجوبته في اتجاهين، يدعو في الأول إلى اعتناق المذهب الواقعي ؟ ويحارب في الثاني أتباع الرومانسية والرمزية.

يقول في دعوته لاعتناق المذهب الواقعي : << إن رسالة الشعر يجب أن تنصرف إلى تصوير حالة المجتمع، وإلى نقل الصور الحية، لأن المجتمع يطفح بالصور الإنسانية التي لا يستطيع أي فنان أن يمر أمامها دون أن تدفع به إلى استخدام موهبته في تصويرها، وإبراز أثرها مما يدخل في رسالة الشعر.. الشعر الذي يحيا مع الناس، ويحس بإحساسهم، ويصور جوانب من حياتهم>>2.

والحياة التي يعنيها (عبد الكريم غلاب) ليست تلك التي يحياها الشاعر في برجه الخاص، فقد لا يكون لها أي أثر في توجيه الشاعر، ولكنها – كما يقول – حياته وسط الأحياء الذين يعيش معهم، ويبادلهم المنفعة لإكمال عناصر الحياة في المجتمع الخاص 3. وفي عبارة هذا الأخير إشارة صريحة إلى تبني المذهب الواقعي، وإشارة إلى التعريض بالرومانسيين والرمزيين الذين يخالفون الواقعيين.

لم يعد الشعر – في نظر غلاب – عملا سلبيا أو تعبيرا عن عواطف فردية.. وحياة عاطلة، ولم يعد يعتمد على التهويمات الرومانطيقية أو اللمسات العاطفية أو التلوين اللفظي بمقدار ما يعتمد على الفكر والعقل والتحليل والتوجيه. إنه في معناه الحقيقي يعتمد على التعبير الجميل عن أدق الانفعالات الإنسانية والقومية والوطنية، والنضال عن طريق الكلمة السامية في سبيل الخير والحياة الأسمى والجمال الأرفع >> 4.

وفي رأي (غلاب) أن الشاعر الذي يعيش مع خيالاته أو الذي اصطلح على إدراج شعره في الموجة الرومانسية – قد يقول شعرا لأنه معبر عن الذات ولكنه يظل بعيدا عن الآخرين إلا حينما يعبر عن إحساس الحالمين من أمثاله، وتلك شريحة باهتة نجدها في المجتمعات التي لا تواجه الحياة بكل أبعادها وصراعاتها 5. يقول : << والشعر.. لا يعني أن الشاعر يستند في ترنمه إلى ذات نفسه – ولا شيء غير هذه الذات – وإنما يستند انطلاقا من ذاته إلى تجاربه في الحياة، مع الواقع الحلو أو المر الذي يعيشه داخل نفسه …>> 6.

إن الشاعر بهذا المفهوم هو الذي يرتبط بالحياة اليومية للمجتمع، ويصف هموم الناس، ويعيش معهم مشاكلهم. فالوطن - في نظره - في حاجة إلى من يزيح عنه كابوس العبودية والظلم، لا من يبكي وينتحب ويجتر أوهام الذات.


ثانيا – الشعر فضاء إقليمي:

يقول الأستاذ غلاب: << إننا نعتقد بأن إقليمية الأدب تكاد تكون من ضروريات الأدب الحي، لأن الأدب الذي لا يعكس طابع إقليمه معناه أن صاحبه لا يشعر بما حوله، ولا يتفاعل مع طبيعة بلاده، ولا مع التيارات التي تتقاذف المجتمع الذي يعيش فيه، وسيكون إنتاجه مجرد اجترار لمحفوظاته فقط، ولا صلة بواقع الحياة، وهو بالتالي غير قادر على البقاء والاستمرار في إطار المحلية >> 7.

غير أن المذهب الواقعي الذي ينادي به الأستاذ عبد الكريم غلاب لا يعني بالضرورة أن يكون عن طريق الأسلوب الواقعي في الشعر ؛ ولا يعني كذلك الانصراف إلى التعبير عن المجتمع المغربي فقط، وإنما يعني الدعوة إلى تركيز الجهود لإنتاج أدب قومي وإنساني في الوقت نفسه. ولا يعني ذلك ثالثا أنه يدعو إلى أدب إقليمي ضيق، وإنما يدعو إلى البحث عن أسس حضارية تخرج الأدباء إلى ما يسميه بالمحيط الإنساني. 8


ثالثا: الشعر فضاء إنساني

إن الأستاذ غلاب لا يدعو إلى إقليمية أدبية، وإنما يدعو إلى المساهمة في رسم هذه اللوحات الكبيرة للأدب التي يشارك في رسمها جميع أدباء العالم، كل واحد منهم يرسم فيها ما يقع عليه نظره، وما تنفعل له نفسه 9.

فهذا المفهوم يعمد فيه غلاب إلى النظر في الشعر من زاوية الرؤية الإنسانية، ومن خلال علاقته بكل بيئات العالم، فلكي ننتج شعرا مغربيا لا بد أن نمتلك حسا إنسانيا، وإذا كان بعض الشعراء في أمم أخرى يعرفوننا ببيئاتهم عن طريق ما ينشرونه من إنتاج فيكون من اللازم – في نظره – أن نعرفهم بالبيئة المغربية عن طريق إنتاجنا الشعري.

هكذا أصبح الشعر في ظل الإنسانية ؛ بعيدا عن الإقليمية الضيقة ، وظل مقياس الروعة في الشعر محصورا في مقدار ما ينطوي عليه الأثــر الشعري من قوة مستمدة من واقع البيئة التي ليست بالضرورة محلية (أي مغربية)، بل هي إنسانية عالمية تتجاوب مع جميع رسالات الآداب الإنسانية العالمية، وتتعاون معها وتتفاعل وتتكامل. وبحكم هذا التعاون والتفاعل والتكامل بين أبناء الإنسان في كل مكان من الأرض، فإن الحدود المكانية للمجتمع لا ينبغي أن تكون حدودا عقلية بالنسبة للشاعر. كما أن اتصاف الشعر بالواقعية والإنسانية يفرض عليه أن يكون شعرا إنسانيا حقا، يعبر حدوده مكانيا، ويتجاوزها ليصل إلى كل مكان في الكرة الأرضية.

وللخروج بالشعر من قوقعة الحدود المكانية للمجتمع يشترط الأستاذ غلاب، أربعة عناصر أساسية لبلوغ دائرة الإنسانية العامة، وهي: - الصدق- والالتزام - والوعي - واختيار الموضوعات.

العنصر الأول: الصدق

يعتبر الصدق أو الحقيقة الشرط الأساس لتحمل أعباء مسؤولية الرسالة الإنسانية العالمية للشعر، وهو نقطة الانطلاق للشعر الإنساني. فـعلى قدر هذه الحقيقة وهذا الصدق يكون الشعر الوطني شعرا إنسانيا، وبغيابهما يظل الشعر وطنيا محليا، فاقدا لكل انفتاح على الإنسانية أو العالمية. وهو في هذه الحال لا يقوم برسالته الشعرية خير قيام، وعندئذ يفوته الركب المتفوق الذي يقود قافلة الآداب العالمية إلى الأمام، ويبقى هو يتعثر في مسيرته البطيئة يجر خطواته جرا ثقيلا.

والصدق لا يتأتى إلا إذا اندمج الشاعر في المجتمع ليستطيع التعبير عن الحياة الإنسانية بما فيها من آمال وآلام، ومن الأحسن – كما يقول (أحمد زياد) – أن ينفعل الشاعر مع واقعه ومع أحاسيسه انفعالا صادقا ليأتي بالصور الشعرية الفنية التي ترسم الصور في غير مبالغة ولا تهويل. 10

والشعر – في ظل الشعر الإنساني- لا يكون رائعا إلا إذا كان صادقا يصور إحساسات تفاعلت فيها عناصر المشاهدة والملاحظة، ويكون على العكس من ذلك خافتا وباهتا كلما صدر عن نفسية مصطنعة تقـلـد ولا تبتكـر . 11

وتبعا لذلك فإن الصدق في التجربة الشعرية يساهم بأكبر نصيب في تشخيص أماكن الضعف في الشعوب التي ما زال فيها ضعف، ثم إنه قادر على أن يكيف نفسية الشاعر بكيفية خالية من كل أثر للتصنع أو التكلف. وتبعا لذلك أيضا، فإن الشعراء لا يقولون إلا الحق، ولا يلجون إلا باب الصراحة الواضحة، والصدق المجرد في تصوير وسائل الحياة ومظاهرها تصويرا صادقا. 12

إن علاقة الصدق الشعري بالواقع ( الإنساني ) مباشرة، ويمكن أن يتحقق الشاعر من صحة التطابق فيها. والشعر الواقعي الصادق هو محك الشعر الإنساني الخالد، وبدون هذا الصدق يبقى الشعر باهتا ومحليا إقليميا، لا يرقى إلى درجة الشعر الإنساني.

العنصر الثاني - الالتزام:

وهو في نظر غلاب الشرط الثاني في العملية الشعرية لبلوغ دائرة الإنسانية، والشاعر الملتزم – على حد تعبيره – هو الأديب الواعي بمسؤوليته الفكرية والأدبية.. ولا يمكن إلا أن يكون ملتزما بقضايا أمته ووطنه وبالقضايا الإنسانية جمعاء 13. << وهو ينبع من ذات الأديب نفسه ومن تقديره لرسالته، ومن اندماجه في الحياة والناس، ومن استيحائه من مجتمعه ومن معرفته الخاصة للخير وقدرته على الدفاع عنه، ومن تمييزه للجمال وقدرته على إبرازه ومن اشمئزازه من الشر وقدرته على النضال ضده، ومن ممارسته للحياة مع الناس، وقدرته على الإيحاء إليهم، ومن أسلوبه في التعبير والأداء وقدرته على النفاذ إلى ضمير مخاطبيه>> 14.

والالتزام بهذا المعنى هو أن يتخذ الشاعر موقفا من الشؤون التي تعرض أمامه، ولا بد من أن يصدر حكمه فيها، لأن الحياد في مثل هذا القيام ليس ممكنا ولا مرغوبا فيه. وبعبارة أخرى يجب على الشاعر أن يصبح مكافحا من أجل مثل عليا ينشدها، ويسخر لها مواهبه وقواه، شأن غيره من المكافحين.

ولا يقف مفهوم الالتزام – في نظر غلاب – عند اتخاذ المواقف أو الانصهار مع حياة الشعوب، فقد تتوافر هاتان الخاصيتان في الشاعر، فلا يكون واقعيا ؟ ولا تكون واقعيته إنسانية ؟ والالتزام بهذا المعنى يلزم الشاعر بالابتعاد عن الطبقية، والشعر بهذا المعنى لا يكون شعرا صحيحا إلا إذا كان مرآة للحياة العامة، لا مرآة لنوع خاص من الحياة.

وهذه إشارة لمفهوم الطبقية في الإنتاج الأدبي التي تعني أن عوامل البيئة تستطيع التأثير على بعض الشعراء من الطبقة الأرستقراطية مثلا، فيكيفون إنتاجهم تكييفا خاصا، فيخرجون شعرا رائعا، يصورون فيه هذه البيئة في مستواهم العام ؛ وفي مستواهم الخاص.

العنصر الثالث – التوعية:

إن غاية الشعر عند الأستاذ غلاب هي أن يعيش على نشر الوعي في كافة الميادين. فإذا كان الشعر مسؤولا وجب عليه – في نظر ( غلاب ) – أن ينـزل إلى الجماهير الكادحة ليحركها ويوقظها، ويبعث في جوانبها الحركة والتمرد، والأمل والحياة. 15

والتوعية ليست من مسؤولية الأحزاب السياسية وحدها، ويخطئ كل الخطأ – في نظر أتباع الواقعية – من يظن أن السياسة هي التي تستطيع وحدها أن توقظ الوعي في الجماهير أو تعبئها، بل الشعر – كما يقول (زياد) هو الذي <<يستطيع أن يوقظ الوعي في الجماهير وأن يعبئها>>. 16

والصلة الوثيقة التي تربط الأدب بالواقع هي التي خولت لوظيفة الشعر أن تكون وظيفة كفاح ونضال، إلى جانب أنها وظيفة توعية، ومعنى هذا أن الشعر أصبح أداة من أدوات إعداد الأمة إلى خوض معركة الحياة.

العنصر الرابع - الموضوع:

الموضوع في الشعر هو المنطلق بالنسبة لغلاب، ولكن المضمون هو ما يستطيع الشاعر أن يضفيه على موضوعه. فالسر إذن ليس في الموضوع بمقدار ما هو في الشاعر نفسه، ومن هنا لا يتنكر غلاب لبعض الموضوعات التي تسمى تقليدية أو للأبواب التي حصرها النقاد القدامى في الشعر العربي باعتبارها أبوابا تقليدية قديمة مستهلكة. ومن هنا أيضا لا يدعو غلاب الشعراء إلى أن يلتصقوا بالموضوعات القديمة التي يعدها كثيرون مستهلكة، ولكنه يدعوهم إلى أن يعطوا لموضوعاتهم مضامين جديدة مهما كان الموضوع..قديما مستهلكا، يقول: << فالموضوع لا يستهلك الأدب ولكن الذي قد يجعله مستهلكا هو الأديب نفسه، وقد يجعل منه رغم قدمه غير مستهلك >> 17.

إن اختيار الموضوعات الشعرية ضروري حسب غلاب، وهذا الاختيار سيصطدم مع شعراء المناسبات الذين يتصيدون الفرص للإنتاج 18. فشعراء المناسبات لا يتخذون خطة عامة تؤدي إلى غاية معينة، بل يكتفون بالسير مع الصدف والمناسبات. ولذلك فإن معظم الشعر الذي ينظمه هؤلاء لا يستطيع - كما يقول (عبد الكريم غلاب) -أن ينسبه القارئ - الذي لا يعرف عمن صدر - إلى المغرب والى شعـراء المغرب، ومن ثم كان هذا الشعر لا يمثل إقليمه ولا البيئة التي صدر عنــــها. 19

و(عبد الكريم غلاب) الذي رفض شعر المناسبات جملة وتفصيلا يعجب بالمتنبي وأبي تمام وابن الرومي أولا لأنهم <<حاولوا أن يصرفوا المدح من الشخص إلى التعبير عن قضية أو فكرة، فكان المدح أو الهجاء أو الرثاء عندهم إطارا لفن رفيع من فنون التعبير الشعري، ينسيك الإطار وأنت تقرأه لأنه يضعك أمام شعر حقيقي لا يضيره أن عنوانه - مثلا - مدح سيف الدولة أو المعتصم>>20.

ويعجب بالشاعر أحمد زكي أبي شادي ثانيا لأنه - في نظره - <<يستطيع أن يخلق من المناسبة العابرة ميدانا للشعر الإنساني الخالد بما ينفحه من عقله وعاطفته، وما يولد فيه من معان إنسانية لا تمس شخصا معينا ولا تتصل بحادثة خاصة، وذلك ما يخرج بشعره عن شعر المناسبات الذي ألفـناه عند كثير من الشعراء يتعبهم فلا يستطيعون أن يخرجوا به عن معـناه الضيق إلى المعنى الإنساني العام>> 21.

كيف نفسر - إذن - موقف رافض لشعر المناسبات يقبل شعر شاعرين واحد من القديم وواحد من الشرق لأنهما يخلقان – في نظره – من المناسبة ميدانا للشعر الإنساني ؟.

لا نملك تفسيرا لهذا الموقف سوى أن نقول: إن (غلاب) يميز بين الشعر المرفوض والشعر المرتضى. فهو يقبل بشعر المناسبات الذي يعود نفعه على الإنتاج بصورة عامة وعلى الأمة جمعاء، ويرفض شعر المناسبة الذي يهم فردا أو هيئة.

والموضوعات الجديرة بالاهتمام – في نظر أتباع الواقعية – هي التي تتصل بالحياة العربية والإسلامية والعالمية العامة، مثل مأساة فلسطين، وميلاد فكرة القومية العربية وفكرة توحيد المغرب العربي.. الخ

أما إذا استهلكت هذه الموضوعات، فينبغي على الشعراء أن يبحثوا عن أخرى، بل أصبح لزاما على الشاعر، وواجبا في حقه – كما يقول ( زياد ) – إن أراد إرضاء شعوره الخاص، وشعور قرائه – أن يحدث المناسبة ويخلقها خلقا ليذكر الناس بأحوالهم ومعاناتهم. 22

رابعا: الشعر ثقافة:

لكي يكون الشاعر شاعرا لا يمكن أن يكتفي منه بأن يتقن علوم اللغة كالنحو والصرف والاشتقاق أو علوم الوزن كالعروض والقافية أو علوم الأدب كتاريخ الحركات الأدبية والشخصيات الأدبية وعلوم البلاغة والنقد أو صنعة كتابة الرواية والقصة. ولكن يجب إلى جانب علوم الآلة هذه أن يكون مثقفا واسع المعرفة مسايرا لنمو العلوم والآداب. 23

إن الأدب والشعر -حسب غلاب -في حاجة إلى ثقافة، والشاعر الذي لا يستند على رصيد هائل من الثقافة لا يمكن أن يكون شاعرا ولو كانت عنده المؤهلات الذاتية للشعراء كالذكاء وحسن الملاحظة وسرعة البديهة وقوة الاختزان ورهافة الحس. 24

خامسا: الشعر طبع وصنعة:

إن الصناعة هي أساس جودة الأدب..وأن الكتابة فن كسائر الفنون لا تحتاج إلى الموهبة فحسب، ولا إلى معرفة اللغة وعلوم العربية فحسب ولكنها تحتاج أكثر من ذلك إلى إتقان صناعة الكلمة. 25

والواقع أنه لا يوجد تناقض بين الطبع والصنعة وبين الموهبة والتعلم.كلاهما ضروري للشاعر وأحدهما لا يغني عن الآخر. 26

الموهبة إذن ضرورية ولكنها في حاجة إلى صناعة لتخرج من نطاق النظر إلى مجال الواقع. 27

سادسا: الشعر حرية:

الحرية بالنسبة للشاعر بصفة خاصة أو الأديب بصفة عامة هي الهواء الذي يتنفسه فيسري في فكره وفنه سريان الهواء الطبيعي في جسده. يقول غلاب:<<وما نشأ أدب وما نما في غير هواء الحرية. والأديب عندما يخلو إلى قلمه لا يفكر في الحرية، لأنه لا يمكن أن يخلو إلى قلمه إذا لم تكن هناك حرية يستطيع معها أن يخلو إلى هذا القلم، وإذا احتاج إلى التفكير في الحرية عندما يخلو إلى قلمه فذلك هو الخنق الذي يمنع الأديب عن أن يتنفس>> 28.

والدولة في نظر غلاب مسؤولة عن هذه الحرية من ناحيتين: أما الأولى فهي أن الدولة هي التي تمنح هذه الحرية أو على الأصح لا تمنعها. ( فمسؤوليتها كائنة بين الحاء والعين ).وأما مسؤوليتها من الناحية الثانية فمن واجبها أن تهيئ الجو لنشر الشعر وذيوعه، فلها أن تيسر سبل النشر وسبل القراءة، تدفع الشعراء والأدباء عامة إلى الإنتاج، وتدفع القراء إلى الاستهلاك عن طريق وسائل النشر والدعاية للأدب إنتاجا وقراءة ومشاهدة. وعن طريق تيسير الطباعة والنشر من الترخيص أو الإعفاء من الضرائب التي تثقل كاهل الأديب. وعن طريق إنشاء المكتبات في المدن والقرى والأحياء، أو عن طريق إنشاء مكتبات متنقلة في الأسواق حتى يروج الكتاب. 29
يقول الأستاذ غلاب: <<والدولة التي تجد الكتاب فيها أغلى من الخبز هي دولة لا تقدر الحياة الفكرية بل إنها تضع في طريق الحياة الفكرية صعابا لا تستطيع هذه الحياة أن تتخطاها >> 30

سابعا: الشعر أداة:

الشعر في نظر غلاب فن يعتمد على أدوات أساسية في التعبير في مقدمتها: اللغة والصورة والموسيقى. 31

أما اللغة فمعناها الكلمة الجميلة التي تحتاج إلى عملية انتقاء.. وانتقاء الكلمة ليس سهلا.. ومعنى هذا أن الشاعر لكي يختار ألفاظه في حاجة إلى ثروة لغوية واسعة وإلى دقة في الحس اللغوي تمكنه من اختيار اللفظة الشعرية الجميلة المعبرة.32

واختيار اللغة لا يعني الالتجاء إلى القاموس أو إلى الغريب ، ولكنه يعني الاختيار على أساس الأداء النفسي للمفهوم الشعري، يقول: << الشيء الذي يتفق مع لغة الشعر المعبرة عن أحاسيس الشاعر ومفاهيم الشعر هو ما يستطيع الشاعر أن يشحن به الكلمة مستمدا من مشاعره وإحساسه فينقلها من مفردة قاموسية إلى مفردة شعرية>>33.

وأما الصورة فوسيلة الشاعر لأداء الفكرة أو التعبير عن العاطفة. وهذه الوسيلة لا تدرك بالفطرة ولا بالطبع ولا تدرك بتعلم أصول الكلام اللغوية والنحوية والصرفية والعروضية ولكنها تدرك بالممارسة والمجاهدة كما تدرك كل الصناعات الفنية التي تعتمد على الذوق إلى جانب التجربة.

وتأتي الموسيقى باعتبارها عنصرا أساسيا في الشعر، وهي صنعة لا موهبة أو فطرة وما لم يستطع الشاعر أن يتقن هذه الصنعة لا ينتظر منه أن يكون شاعرا. 34

والأستاذ غلاب إذ يعتبر الموسيقى عنصرا أساسيا في الشعر فهو يهدف إلى أمرين:
  أولهما: ألا يقيد الشعراء بقيود لا يحاد عنها أو يجبَ الجمودُ عندها كما يقول فلا تتطور مع تطور الشعر.
  ثانيهما: أن التطور ليس معناه إلغاء كل القيود بدعوى الحرية. فتلك فوضى في نظره.
ويضع غلاب أمام المجددين في موسيقى الشعر العربي شروطا هي:
  ألا يكون عملهم صادرا عن تبرمهم – فقط - من الأوزان والقوافي باعتبارها قيودا تقيد إنتاجهم، أو باعتبارهم لا يتقنون هذه القيود فيجب إذن التخلص منها.
  أن تتوافر في هؤلاء المجددين ثقافة واسعة بالشعر العربي والشعر الإنساني وبالموسيقى القديمة والحديثة ليعرفوا إلى أي مدى يعتمد الشعر على أصول فنية لا يستطيع التخلص منها.
  لا يمكن أن يصبح تجديدهم في الموسيقى أصولا تحتذى إلا إذا قبلها الذوق العام للشعراء والنقاد، ويكافح أصحابها من أجل بقائها. 35

نستخلص من الأدوات التي يشترطها غلاب للشعر أن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعرا بمجرد المواهب الأولية: الموهبة - الذوق - الإحساس والشعور، وأن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعرا بمجرد إتقان علوم اللغة أو البلاغة، فلا بد من أن يتقن صناعة الشعر ليكون شاعرا حقيقيا.

ثامنا: الشعر تلقي:

الشاعر الذي لا يجد متنفسا لا يمكن أن يعيش، والمتنفس هو القارئ بالمعنى الكامل للقراءة أي القارئ الواعي المتفهم الناقد المناقش المحاور، يقول الأستاذ غلاب: << إن الكاتب الذي لا يضمن القراء لا ينتج إلا إذا كان يعيش في عالم المثاليات أو في عالم الذين يكتبون القصيدة لينقشوها على الأحجار مثلا كعمل فني لا يهدف إلا إلى الفن نفسه >> 36 .

والشعر في نظر الأستاذ غلاب ما يزال يشكو من قلة القراء ذلك بأن المواطنين في هذه البلاد إما أميون بالمعنى الأولى للأمية، وإما أميون فكريا بمعنى أنهم لا يحسون بالحاجة إلى أن يطوروا فكرهم وثقافتهم، ومن ثم لا يقرؤون ولا يحسون بالحاجة إلى القراءة >> 37 .

وعلى الرغم من هذه الشكوى الصاخبة فإن الأستاذ غلاب يتفاءل خيرا بالشعر فيقول: << وما نظن أن قيمته كفن تعبيري ستنقص إذا قل مستمعوه في الأسواق والمهرجانات والاحتفالات، ولكن قيمته ستزداد بين قرائه الذين يخلون إليه كما يخلو الشاعر إلى نفسه ويقرؤونه بنفس الروح الذي أملاه على الشاعر. لا خوف على مستقبل الشعر العالمي والعربي رغم صخب الأحداث التي يعيش فيها العالم لأن الشعر كفن قولي رفيع ما زال يدرك رسالته ويستطيع أن يقوم بها >> 38.

ومن الصدف العجيبة أن يستعير الشاعر أحمد هناوي هذا التفاؤل الحسن ليخرج أكثر من مجموعة شعرية تحمل هذا الشعار: (لا خوف على أمة ما دام فيها الشعر والشعراء).

تقويم عام:

لا أسمح لنفسي في هذا المقام، وهذه المناسبة الكريمة بتقويم هذا المفهوم الذي سطرته أنامل الأديب عبد الكريم غلاب، فهو نفسه لم يلزم الشعراء بهذا المفهوم، يقول:<<لا أريد بالطبع أن أفرض هذا التصور على شاعر ما، ولا أن أجعل منه دروسا نقدية أحكم بها على هذا الشعر أو ذاك، ولهذا فأنا لا أحاكم على أساسها الشعر الحديث في المغرب>> 39.

ولكني أمنح لنفسي إبداء ملحوظة عامة هي أن مفهوم الشعر عند الأستاذ غلاب ينبعث من واقعية لها خصوصياتها الفكرية ولا أقول السياسية .

والملحوظة السابقة قد تختلف في منظورها مع بعض الآراء التي حاولت أن تجعل من فكر الرجل فكرا سياسيا، يقول الأستاذ فطري مثلا:<< والالتزام السياسي..هو الذي نجده في معظم إنتاجات غلاب الأدبية مما جعل هاته الإنتاجات تصبغ بالصبغة السياسية في كثير من الأحيان حتى أصبحت آثار السياسة غير خافية في مختلف الفنون الأدبية التي كتب فيها>> 40.

قد نتفق مع الأستاذ فطري فيما يتعلق بفكر غلاب بعد الحماية، وبإبداعه بعد الاستقلال، لكننا نتحفظ في تبني رأيه بخصوص اصطباغ نقد الأستاذ غلاب بصبغة سياسية فيما قبل ذلك. إننا نعتبرها واقعية. فالفترة السابقة لعهد الحماية كانت تفرض سلطة الواقعية حسب تعبير عبد القادر الشاوي. وهي التي جعلت واقعيته اختيارا أساسيا في مواجهة التأثير الثقافي الغربي – الاستعماري، وذلك ما حدد توجهها إلى الواقع.<<والحال أن الأصل في تكون سلطة الواقعية على صعيد الأدب المغربي الحديث.. يعود إلى هذا الاختيار وإلى هذه المرحلة بالذات >> 41.

حواشي:

- نستثني من ذلك عمل الأستاذ أحمد فطري في كتابه: ( الأدب السياسي عند عبد الكريم غلاب).
2- رسالة الشعر – رسالة المغرب – ع 59 – 6 رجب 1369 – 24 أبريل - 1950 – ص: 2.
3- نفسه.
4- دفاع عن فن القول –- ص 21 – 27 - دار الفكر المغربية - طنجة – 1972.
5- عالم شاعر الحمراء - ص 14 - دار الثقافة - ط 1 - 1982.
6 - عالم شاعر الحمراء - ص: 10 .
7 - أثر الإقليمية في الإنتاج الأدبي المغربي – عبد المجيد بنجلون - رسالة المغرب – ع 140 – مايو 1952.
8 - أثر الإقليمية في الأدب – رسالة المغرب – ع 142 – س 11 – يوليوز – 1952.
9 - للتفصيل أكثر أنظر رأي غلاب في مقالته: ( بين الإقليمية والإنسانية ) – ضمن كتاب مع الأدب والأدباء – ص 132 وما بعدها.
10 - قرأت في العدد السابق – دعوة الحق – ع 1 – س 3 – ربيع الأول 1379 - أكتوبر 1959 – ص:86.
11 - الواقعية في الأدب: أحمد زياد – دعوة الحق – ع 10 – س 2 – يوليوز – 1959 – ص: 62.
12 - أيهما أبلغ في التأثير: الحقيقة أم الخيال ؟: إبراهيم الصقلي – السعادة – ع 8057 – 24 يناير 1951.
13 - عالم شاعر الحمراء - ص 7. انظر كذلك كتاب: دفاع عن فن القول – ص 102.
14 - دفاع عن فن القول – ص 106 – 107.
15- الأدب المسؤول – رسالة الأديب – ع 4 – س 1 – أبريل - 1958 – ص: 2.
16 - الواقعية في الأدب – دعوة الحق – ع 10 – س 2 – يوليوز – 1959 – ص: 62.
17 - دفاع عن فن القول - ص 88
18 - دفاع عن فن القول - ص 104
19 - أثر الإقليمية في الإنتاج الأدبي بالمغرب - رسالة المغرب - ع 142 - س11 - يوليوز 1952 – ص: 27.
20 - عالم شاعر الحمراء - ص 13.
21- من السماء: ديوان أبي شادي – رسالة المغرب – ع 138 – س 11 – مارس 1952 – ص: 40.
22- أثر الجامعة العربية في الأدب – العلم – ع 477 – 11 جمادى الأولى 1367 - 23 مارس – 1948 – ص:4.
23 - دفاع عن فن القول -ص 33.
24 – دفاع عن فن القول ص 29
25 - دفاع عن فن القول ص 38
26 - دفاع عن فن القول ص 39.
27 - - دفاع عن فن القول -ص 39.
28 - دفاع عن فن القول - ص 97
29 - دفاع عن فن القول - ص 99
30 - في الثقافة والأدب – ص: 143.
31- عالم شاعر الحمراء - ص 14
32 - دفاع عن فن القول - ص 41 -52 وما بعدها .
33 - عالم شاعر الحمراء – ص: 16.
34- دفاع عن فن القول - ص 44.
35 - في الثقافة والأدب – ص 168 – 169.
36- دفاع عن فن القول - ص 91 وما بعدها.
37 - دفاع عن فن القول – ص – 92.
38 - نفسه – ص 126.
39 - عالم شاعر الحمراء - ص 27.
40- الأدب السياسي عند عبد الكريم غلاب – أحمد فطري – ص 59 -دار الثقافة – البيضاء – 1982.
41 - سلطة الواقعية – عبد القادر الشاوي – منشورات اتحاد كتاب العرب - ص 10.
 
المراجع:
 
- أثر الإقليمية في الإنتاج الأدبي بالمغرب - رسالة المغرب - ع 142 - يوليوز 1952.
- أثر الجامعة العربية في الأدب – العلم – ع 477 – 11 جمادى الأولى 1367 - 23 مارس – 1948.
- الأدب الإسلامي –عبد الكريم غلاب - العلم -29 يناير 1960.
- الأدب السياسي عند عبد الكريم غلاب – أحمد فطري – دار الثقافة – البيضاء – 1982.
- الأدب المسؤول – محمد الحبيب - رسالة الأديب – ع 4 – س 1 – أبريل - 1958.
- أيهما أبلغ في التأثير:الحقيقة أم الخيال ؟-إبراهيم الصقلي –السعادة – ع 8057 – 24 يناير 1951.
- الثقافة والفكر في مواجهة التحدي – عبد الكريم غلاب – دار الثقافة – البيضاء – 1976.
- دفاع عن فن القول – عبد الكريم غلاب – دار الفكر المغربي – 1972.
- رسالة الشعر – عبد الكريم غلاب - مجلة رسالة المغرب - بتاريخ 24 أبريل 1950.
- سلطة الواقعية – عبد القادر الشاوي – منشورات اتحاد كتاب العرب – 1981.
- عالم شاعر الحمراء – عبد الكريم غلاب – دار الثقافة – البيضاء – 1982.
- العدد الماضي في الميزان - دعوة الحق - ع 2 – س 2 - شتنبر 1958.
- في الثقافة والأدب – عبد الكريم غلاب – مطبعة الرسالة – الرباط- ط2 – 1981.
- مع الأدب والأدباء – عبد الكريم غلاب – دار الكتاب – البيضاء – 1974.
- من السماء: ديوان للشاعر الكبير أحمد زكي أو شادي - رسالة المغرب - ع 138 مارس 1952
- الواقعية في الأدب – أحمد زياد - دعوة الحق – ع 10 – س 2 – يوليوز – 1959.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى