الاثنين ٩ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم ريمون جرجي

إيلاريون كبوتشي... هذا الطوباوي الصالح

هذا المطران العائد مع رفاقه من رحلة (الأخوة إلى غزة)، وهو الذي خاطر بحياته وصحته لأجل غزة وشعبها، وقدم جسده قرباناً لفلسطين أمام مذبح الصهاينة المحتلين.

إنه المطران إيلاريون كابوتشي( وهي كنيته الصحيحة) الذي كتب الله له بأن يجعل القدس قبلته وفلسطين دربه ليلاقي الحقد والبطش والإجرام الصهيوني المحتل ودولة إسرائيل المزيفة التاريخ والتي استندت في نشأتها إلى نظريات سياسية بغيضة ينتقدها بعض من علمائهم ومفكريهم ويتهمونها بأنها مزيفة ودنيئة، مليئة بالإجرام والإبادة وأن استمرارهم فيها سيودي بالشعب اليهودي في إسرائيل إلى التهلكة.

نعم انتظرناك يا أيها الطوباوي لأن تعود من غزة فلسطين لتحكي لنا عن لثم شفتيك لها وعن إحناء رأسك أمام إيمان وتضحيات شعبها المقاوم.

انتظرناك لتحمل لنا تراباً من غزة سُجيَ فيه الشهداء من الأطفال الرضع والشباب والنساء والشيوخ.

انتظرناك لتحكي لنا بعد ثلاثين عاماً ونيف من إبعادك عن أرض فلسطين، كيف وجدتها وهل عرفتك بعد هذا الغياب، أنت الذي تصلي يومياً في صومعتك بمكان إقامتك البعيد عنها لكي ترجع إلى شعبك وكنيستك ومدينتك القدس.

نعلم يا سيدنا بأن شكوكاً ساورتك بأنك لن تكحل عينيك برؤية القدس مجدداً في هذه الحياة الفانية، وأنك كنت تُهيئ نفسك لرؤيتها من السماء مع سائر القديسين والصالحين والشهداء.

وندرك بأن محاولتك لوطئ قدميك على أرض فلسطين ما هي إلا تحدٍ جديد منك كما هي سير القديسين والصالحين والأبطال الذين خلّدهم التاريخ وأنها ربما لن تتكرر مرة أخرى، ونُقدر مدى هلع وخوف ساسة إسرائيل من تحقيق حلمك هذا لأنهم يخافون من المعجزات التي تؤثر في الشعوب وتعلمهم معنى الإيمان والتضحية والتضرع إلى الله عند كل ألم ومحنة وعناء.

انتظرناك يا أيها الطوباوي الصالح في ليلة باردة عرفنا فيها معنى النضال وكيف يبقى من في عمرك ليال أربعة دون أن ينام، وتسمرنا أمام الشاشات الفضائية ننتظر أملاً ونأمل عملاً تطأ فيها قدميك على أرض فلسطين وتكسر الحصار مع كل فرسان السفينة الذين كانوا معك، ودعم من كان يتابعكم ويساندكم، ولكن هيهات فالصهيوني يأبى ذلك لتستمر جرائمه (فوق جراح غزة) والتي دعمها بعض الدول الغربية وتواطأت لأجلها بعض الحكومات العربية فتجاهلتْ تاريخ شعوبها في النضال لأجل تحرير فلسطين وأقفلتْ المعابر وأجبرت السفن على شاكلة سفينتكم للتوجه بحراً لمواجهة الأخطار وكسر الحصار كطريق وحيد لدعم أهل غزة وإيصال الطعام والدواء والكساء وألعاب الأطفال لأبرياء كتب لهم الصهاينة الحصار وقتل الكثير من الشهداء.

انتظرناك يا سيدنا لتحدثنا عن بطش الجنود الصهاينة، وكيفية تعاملهم مع شيخ جليل ومطران طوباوي صالح هو رمز كبير، وانسان يبكي كي يمشي على درب آلام السيد المسيح، فدرب غزة هي جلجلة السيد المسيح في القرن الواحد والعشرين.

انتظرناك لتقص على مسامعنا هل لمستَ فرقاً بين الجندي الإسرائيلي الذي سجنك في زنزانة حقيرة لأربعة أعوام قبل خمسة وثلاثين عاماً، وبين هذا الجندي الذي شتمك وأهانك مع ذلك الضابط الذي حقق معك، ألم يسألك أين هو سلاحك ولماذا لا تحمل إلا الإنجيل معك؟ فنحن في عصر التكنولوجيا والعولمة وعولمة الديمقراطية الذين جاؤوا إلينا ليطبقوها عندنا منذ سنوات وفق مسميات عدة، فعاثوا بيننا فساداً وحلّوا الخراب بمنطقتنا بسبب مخططاتهم الجهنمية، ولذلك يمكن أن ندرك بأنه لابد من تغيير قد حصل، فليس من المعقول أننا فقط نتغير وعلينا أن نتبدل بينما هم لا احد يسائلهم.

و أخيراً عدتَ إلينا أيها الطوباوي الصالح... عدتَ وكانت سورية رئيساً وقيادةً وشعباً في انتظارك حتى قبل أن تصدحَ المآذن وتقرع أجراس الكنائس فجراً، عدتَ واستُقبلتَ كما يُستقبل الصالحون، فبات اسمك على لسان كل انسان على مختلف مشاربه وأطيافه فهكذا هم الطوباويين والصالحون....

نعم بنضالك الطويل وإصرارك العجيب، بشجاعتك وتضحياتك، بإيمانك وإخلاصك، بلغت مراتب القديسين فعلمتنَا كيف يكون الطوباوي وكيف يشقُ دربه نحو القداسة وكيف يسجل أعمالاً في صفحات التاريخ بشكل عام وفي صفحة مدينة القدس الخالدة بشكل خاص.

نحن في سوريا شعبك الذي خرجت من بينه كما خرج كثيرون في سبيل القدس، وليس غريباً على سوريا وشعبها حين يكَرمون أبطالها وروادها ومبدعيها، فكم هو واجب عليها تكريم طوباي وصالح بمكانتك وتاريخك، ولدَ فيها وعاش بين أهلها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى