الأحد ١٥ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم زكية خيرهم

سقوط القناع

كنت أراها تسبح في فضاء البهجة تهمس لزرقة السماء، مشغولة في انبهار لصفاءها. تنظر لخيوط الشمس المترامية على البحار كيف تحضن برفق السهول الممتدة واشجار الصنوبر والورود. كل شيء كان يشع حياة وشروقا. الفراشات ترقص على الفرح بين الزهور والمروج، والطيور تغني اشراقة الشمس والحياة. الحياة بأسرها كانت متناغمة، حتى النسيم والرياح والهواء تغني على ايقاع المطر الذي يشدو في شرفة تحت السحاب. أتأملها من ذلك المدى البعيد، أراها بهجة تزهو بحلمي المنتظر وقلبي خلفها إلى ان اختفت في اختناق الضباب.

ركضت في وحدتي أجري والهث في فزع بين جنبات الحنين، وفي طريق ارتحالي على وجع السنين المعتقة بالهموم، مضيت وحيدة على صراط الصمت القاتل وحيرة تأسر استنطاقي وفي لساني كلمات تعجز عن الحراك.

انفجر الصمت فجأة ودوى سكون رهيب، أسر روحي فغابت كلماتي وفاض السكوت. تغير كل شيء حتى زرقة السماء انقلبت بلون الرماد. الشمس تراجعت والنيسم والهواء والرياح توقفت عن الغناء. اختفت أضواء النجوم وأنا في صمتي مازلت أسير، رغم ضياع خطواتي في سكون تلك الشوارع وهدوء الأرصفة حتى زجاج النوافد توحي باللامبالاة.

غاب كل شيء، وتوقف الزمن، كما اندثر فراغ على ألقي المستحيل. أتعكز مستأنسة في فراغ أحلام مقطوعة، جريحة أبكي الجفا على زمني الأعشى. كيف استطاعت أن تمزق أسمال فرحتي. وبعدها تدير بثرثرتها المعتادة إلى جدول آخر، لتحط فيه ألمها واعتصارها على السنين التي ولت وتركتها مع الكوابيس والوحوش الضارية في ليلها ونهارها. حياتها العطشى إلى الشمس تجري، ولهاثها فحيح يحرق كل شيء. عجيب أمري، كانت كما المخدر تحملني عاليا في السماء مع أوهامي، أطير في السماء أبني وأشيد لوحدي، حيث الإخلاص والأمل يكبران. وحيث بريق النجوم. أهو عمى البصيرة...؟ هوت بخنجرها المسموم على ظهري، وهوت دموع كدم القلب على خدي وخارت ركبتاي على الأرض وابتسامة حسرة على صدق مغلف بكذبة ولم تترك لي إلا ظلاما وخوفا ووحدة.

كيف استطاعت أن تقتحم حياتي وتستمع لهدير موجي، وتسحب من تحتي جدوة فرحي. كيف تمطرني بعطر الكلمات ومن ورائي تحرق كل الأشياء وتترك رمادا على كفي. وحتى الآن مازالت تأتي ولا أعرف من أي باب تدخل، ثم تلقي ابتسامة ببراعة ساحر وتدكّ بعدها طيف مرحي، وتغادر على وجومي وحيرتي. وتأتي ثم تأتي بلا كلل تطير في جنونها الأحمق كالبرق، وقبل أن أرمش بعيني أجدها من يميني وشمالي تحيطني من كل الجهات. تمطرني بالكلمات وتكرار زيف المفردات، حفظتها غصبا من تكرار الانصات، احتسيتها رغم مذاق القذف والغدر، وأنا أهدي في سباتي دافنة رأسي بين يدي. كفى مستنقع الأحرف التي تخدش الروح وتفتك بالوجود.

بعدها شعرت بالإغماء، أتساقط كما الندى على نهاية العالم وفي سقوطي أتعود من الشيطان ومن حاسد الشمس والنمل، أتعود من ظلم وبهتان وشقاء الانسان، ومازال لساني يتلو دعائي إلى أن اشتدت عاصفة الصمت من أعالي تلك الجبال. كسر البرق شموخ النخيل وأجساد الأشياء تهاوت من حولي وروحي في رعشة تستمع لأنين صمتي ووحدة كتماني.

تراكمت بداخلي كلماتي، تأوهت ونزفت كما قلمي، ورغم ذلك مازلت أبحث في كل مكان. في صحوي وفي منامي وخيالي. مازلت بلا كلل أتأمل تلك السماء وعلى امتداد زرقتها ارتقب تلك السعادة التي ولّت.

ستأتي رغم اهتزاز الأرض وارتعاش نسيم الليل. نعم، ستأتي من بين جنبات كل تلك الكلمات القاتلة والمصطفة بتهذيب وعبث في صياغ الحكايات. أراها قادمة رغم المسافات التي تقزمت ورغم ألم الذكريات ورغم بهتان سم دسم في عسل. ورغم قرع الطبول على ايقاع القول والقال ستأتي السعادة ممتطية على صهوة ذلك الصدى الآتي من السماء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى