الخميس ٢٦ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم غزالة الزهراء

التوهج

قصة حبكتها أنامل الأيام، نابعة من الواقع المعيش تدغدغ حنايا الخيال، تمايلت سناء على إثر إيقاعاتها الموسيقية المتماوجة طربا، وداخلها شعور أصفى وأعمق بأن الكتابة هي ملاذها الوحيد، هي القلعة الحصينة التي تفر إليها لتحتمي بأسوارها الشاهقة من شرور العواصف الغادرة، وعوادي الدهر وأزماته.

الأمل الساطع يحدوها من كل الجهات، ويرسم بتفان مطلق في عالمها السحري المترامي الأطراف وردا نديا يتفتح، وأيكة ظليلة متشابكة أفنانها يفوح من أعطافها مسك وعنبر.

وفي لحظات شفافة كالصدق، كالبراءة تتأهب للكتابة، اليراع الوفي يتراقص بين أصابعها الغضة رقصات عجيبة احتفاء بما ستجود به قريحتها. الأفكار الثرية، المزهرة تتوالد في تلافيف رأسها كتوالد السرطان، تتزاحم بقوة لانظير لها لتنصب فوق الأوراق البيض منتشية، ماسية، معسولة، مثمرة، ولتعلن أمام الملأ عن ميلاد قصة محبذة تباركها يد الرحمن، وتحرسها عينه. سرعان ما تنطفئ الأفكار الوهاجة من رأسها كما تنطفئ عروس النهار أثناء المغيب. شتائم مقذعة يقشعر لها البدن، وتنتصب لها شعيرات الرأس فزعا، إنها تترامى إلى سمعها من جارها نذير كالقذائف المرعبة. فما أقبحه!

دوما في عراك شنيع مع زوجته أم أولاده، يوسعها ضربا مبرحا لأتفه سبب، أو دونما سبب.

تتقنفذ المسكينة، تتلوى بين يديه الخشنتين، القاسيتين، وتعوي ككلب ضال، معذب، مقهور. هذا الصراخ الآتي من عمق المعاناة بدد من سمائها الأرجوانية الرحيبة نعمة التركيز، وبلبل وجدانها.

طرقات خفيفة، حانية على الباب، صغارها الثلاثة عادوا من مدرستهم وفي عيونهم الملونة تنط غزلان البراءة، ويحميهم درع الأمان.

نطق سمير في مرح زائد: إني أرى أوراقا فوق طاولتك. فماذا عساك تكتبين يا غاليتي؟

وسألها فريد بحثا عن جواب شاف ليراقص غده البهيج: وعن ماذا تكتبين؟

أما كريم لف يديه العصفورتين حول عنقها العاجي وسألها بكل حب: ماعنوان قصتك ياأمي؟

ندت من فمها جملة مهزوزة، شاحبة كشحوب الموت، باردة في برودة الصقيع: لم أكتب شيئا، أنظروا إلى أوراقي مازالت تستنجد بي، إنها بيضاء كالحمائم البرية لا حرف فيها.

شعرت بسلاسل الضيق تخنق أنفاسها، وبنداء حاد كالسيف القاطع انبثق من أغوار النفس السحيقة معاتبا إياها: متى تثمر أوراقك الجذلى، وتسخو على الغير من غير مقابل؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى