الاثنين ١١ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم ماجد عاطف

حيث تمكث الغزلان

إنه يوم آخر طويل وأنا ممتلئ بالخواء.
لا معنى لشيء، لا الزيتون ولا الحقول ولا الشارع الملغي المسدود الذي تحوّل إلى ممر ثكنة عسكرية.
وحتى عندما قررت أن "أسرح" لجمع الزيتون، فقد كانت الفكرة هي أن أتسلق و‎"أخرط" الثمر فقط، ولا شأن لي بالجمع.

وحين اعترضتنا الدورية وأجبرتنا بعد التفتيش على النزول من السيارة ومواصلة الطريق سيراً على الأقدام، لم أشعر بشيء البتة. فقط تنبّهت إلى أعمار الجنود ورأيتهم أصغر من أن يكونوا جنوداً..
الغرسات تحولت إلى شجيرات كثيفات، وقطعة الأرض حافظت على حدودها المتهدمة مع أنها اختفت تماماً من ذاكرتي، أما "الروميات" العتيقات فبدت لي أنها تقلصت ما خلا جذوعها المتقشرة الخشنة.
وما زالت قدماي حين تغوصان في أثلام التراب قليل الحرث تنثنيان وتؤلمان. ولا أدري ما الذي أغراني باصطحاب طفلي إلى شيء لم أحبه قط، لكني عقدت العزم قديماً على أن أمرر ما يصلني عن طريق الإرث، دون إعاقة أو تدخل.

لست سوى جسر زمني كئيب لا يعني الكثير. نقطة فيء وستذوب يوماً. لا الزيتون يعني لي شيئاً –مع أنني أحب الزيت- ولا الأرض.
‏وبقيت كما أنا "أخرط" بضجر الحبات "الشلتونيات" المتناثرات من فوق الأغصان كيفما اتفق،‎ تاركاً ما علا وتطرف، أو أضرب عن الأرض بعصا أتكئ أيضاً عليها، أو أحاول أن أصغي لأصوات الجيران في الحقل المجاور دون أن أفقه شيئاً؛ بقيت كما أنا حتى‏‎ لمحت إلى جانب "السناسل"، بين الأشواك والعشب اليابس، بقعاً جرداء ناعمة كأن حيوانات تقلّبت فيها أو رقدت، والكثير من كومات البعر‎.‎

‏وأردت أن أتأكد مما راودني فسألت العجوز مشيراً بإصبعي‏‎:‎

  ‎بعر غزلان؟؟
  نعم..

كان المعسكر لا يبعد مئتي متر عن المكان الذي اختارته غزلان البر لتبيت فيه أو تمكث: بعيداً عن قرية رتيبة بتفاصيلها ونهمها للاصطياد، وفي كروم الزيتون المهجورة المهددة بالمصادرة، أسفل معسكر يوشك أن يطلق الرصاص على كل ما يتحرك!

‏وفجأة سكنني معنى واسع حزين جعلني أفكر بقية اليوم في شيء واحد‎: المكان الذي تمكث فيه الغزلان..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى