الجمعة ٢٢ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم إيمان أحمد

سقوط

كان يومًا رائعًا.. لم تغضبِ الشمس على البشر في ذلك اليوم.. كانت رحيمة برؤوسهم العارية الصغيرة.. ذهبتُ أتمشى على البحر قليلًا بعد أن أخبرتُ صديقتي أنني سأقابلها في الموعد المتفق بيننا.. عليها أن تأتي من الجهة الأخرى لتقابلني على الشاطئ.. سرتُ لا ألوي على شيء.. أستمتع بلطافة الجوّ وروعة المنظر حولي.. البحر على يساري بتموجاته التي تسلب فؤادي ولونه التركوازيّ الشفاف.. أحب تلك الصخور المكسوّة بالخضرة التي تتناثر هنا وهناك.. بعض المقاهي على يميني يجلس روّادها ليستمتعوا نفس متعتي..

لا أعـتـبـر أن هناك أمر جلل إذا مرّت تلك السيارة فئة المرسيدس أكثر من مرة بجواري.. يبدو من لوحتها الخلفيّة أن صاحبها ليس من أهل المدينة.. ربما ضلّ طريقه أو يجول باحثًا عن شخص ما بانتظاره..
لكنّ ظنّي كان خائبًا بامتياز مع مرتبة الـخوف.. عندما توقفت تلك السيارة بجواري تمامًا.. بينما فُتِح الباب الخلفي ليبدو شخص متأنق بابتذال.. هذا ما أقوله عن شخص يرتدي ما يبدو أنه غالي الثمن.. لكن سحنته تدل على انخفاض حادّ في الأخلاق مهما غطى ذلك بملابس وعطور..

سألني: كيف أصل لـ... وذكر اسم أحد الشوارع المعروفة..

كرد فعل طبيعي جدًا.. أول ما يسألك أحدهم عن عنوان شارع ما.. تجد نفسك تنظر باتجاهه- الشارع- وتشير بيدك وكأنك مذيع للنشرة الجوية يعلم جيدًا كيف يمارس فنّه مغمضًا عينيه!

لكنني لم أكد أكمل مشهد الفنان حتى وجدتُ يدًا تمتد فخفتُ على حقيبتي وخطوت خطوة للوراء وكدتُ أقع على الأرض.. لكنه جذبني من يدي قبل أن أفيق من الصدمة.. شددتُ على حقيبتي بقوّة.. ضحك وقال بأنه لا يعبأ بالحقيبة.. بل يريدني أنا.. ارتجفتُ خوفًا ورعبًا مُضاعَفَـين.. لم أر هذه المشاهد سوى في الأفلام.. لمحتُ نظرة أحدهم في الداخل.. فانتبهتُ لنفسي.. صرختُ.. صرختُ أكثر وبكلّ قوّتي كي يسمعني الرجال في المقهى القريب..

وجدتُ أحدهم.. يبدو شابًا صغير السن.. ينظر لي وعلى عينيه أسمى نظرات الأسى والشفقة.. " أنا لا أستطيع أن أفعل شيئًا.. هم أقوى مني"

  " أنقذني أرجوك.. من مات دون عرضه أو ماله أو نفسِه فهو شهيد "..
  تبكي عيناه دون دموع.. " أنا آسف.. أنا أجبن من أن أفعل "..

أصرخ أكثر طالبة النجدة.. بينما أقاوم ذلك الذئب.. تتمزق ملابسي ويظهر جزء كبير من صدري.. لم يعد بي عقل أكثر، ضربته بالحقيبة على رأسه كيفما اتفق، فكشّر عن أنيابه وقال: هيّا لا تضيّعي وقتنا! وجذبني بوحشيّة أكبر.. لكنني أدخلت أظافري بقسوة في ذراعيه مبعدةً إياها عنّي.. فأمسك بملابسي.. هاهو رجل قادم.. أرجو أن ينقذني.. صرختُ طالبة النجدة.. أرجوك أنقذني من هؤلاء إنهم يختطفوني.. لم يبدُ أنه سمعني وهو يمرّ محدقًا بي كذئب آخر.. فانتبهتُ أن كنزتي قد تهشمت كليًّا وأنني انتهيتُ.. ذئاب في الداخل وذئاب في الخارج..انهرتُ باكية، فوجد الذئب القريب مطلبه سهلا..جذبني بقوة إلى السيارة، وأغلق الباب.

ولم يظهر لمن بالخارج سوى سيارة مرسيدس توقفت لتقلّ أحدهم بعد قليلِ نقاش.

 [1]


[1• هذه القصة مبنية على أحداث حقيقية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى