الجمعة ٢٩ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم علي دهيني

أيها الأدباء والكتّاب العرب.

في اجتماعكم: أين القدس... وأين الشباب العربي اليوم..؟؟

من المفروض أن الأدباء والكتّاب بصورة عامة، يشكلون المشهد الأول في صورة المثقف، وهُم الخاطر الأول المبحوث عنه في أي قضية يجد الرأي العام حاجة للتواصل معها لمعرفة ما يجري من أحداث آنية أو ليتزود بتعبئة فكرية ومعرفية تغني ذاكرته وتنمي مداركه، فضلاً عن الدور الذي يوجب عليهم التجرد والموضوعية في أي أمر يتصدون له أو يطرحونه أمام المتلقي بما يشكله هذا المتلقي من محكمة واقعية يُفترض بهم الانصياع إليها والالتزام بحاجاتها بعيداً عن أي التزام بأي قانون سوى قانون الأخلاق والمسؤولية الفكرية، من أي جهة كان هذا القانون أو عن أي مرجعية صدر.

قرأنا البيان الصادر عن اتحاد الأدباء والكتّاب العرب الذي صدر عن اجتماعه الأخير الذي انعقد في الكويت، فلم نجد فيه سوى تكرار لما يصدر عادة عن أي اجتماع سياسي، في وقت من المفترض أن الأدباء والكتاب عليهم أن ينشغلوا بما هو أهم من الحديث عن اللحظات السياسية التي تتبدل وتتغير وفقاً للمعطيات الآنية والظروف المرحلية.

عدى ذلك بدى البيان الختامي في مضمونه العام وكأنه تتمة لما صدر عن القمة الاقتصادية التي انعقدت في الكويت منذ أشهر، حيث أبدى "الأدباء والكتّاب" تخوفهم من الوضع الاقتصادي العالمي وما ترتب عليه سابقاً وخشيتهم من انعكاساته لاحقاً.؟! فضلاً عن وقوفهم مطولاً عند التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة الأميركية وما هو متوقع في تبدلات (محتملة) في (سياسة) الادارة الجديدة وليس في مخططاتها لضرب جذورنا (الثقافية) التي تغزو بها أصغر تفاصيل حياتنا اليومية.

نحن نفهم أن يكون الأدباء والكتّاب حاضرون في كل قضايا الرأي العام، لكن مسؤوليتهم أكبر وأهم في معالجة الهم الثقافي والحاجة إلى تنميته وتطوير وسائله وتنقيته من كل ما يمكن أن يؤثر عليه أو يحاول النيل منه .. بل إيجاد السبل الكفيلة في صد المحاولات الجادة لطمس كل معالم ثقافتنا ومصادرها.

إن ما يتعرض إليه شبابنا اليوم من أخطر ما يمكن أن يتعرض له شعب على مستوى التعبئة النفسية والتأهيل الثقافي المستقبلي، بعيداً عن روح الانتماء القومي، أكان على مستوى الأخلاقيات والسيطرة على سلوكهم من خلال وسائل متعددة باسم اللحاق بالركب الحضاري ومسايرة العصر، أم لجهة إغراقهم بإرهاصات نفسية تستلب منهم حقيقة التزامهم العقائدي بحيث تعبأ نفوسهم بالحقد على الشريك في الوطن وتنمية روح التعصب بما اذهب كل اعتزاز ديني ووطني ليحل مكانها الفردية والانتماء للشخص أو المجموعة في العودة قهقرى آلاف السنين إلى الوراء.

إن عقول الأجيال الجديدة أمانة في أعناقكم، ومن أولى مسؤولياتكم، وانتم ترون وتشاهدون وتسمعون وتلمسون ما يتعرض له عقل هذا الجيل ـ والاجيال القادمة إذا ما بقي الحال على ما هو عليه ـ من محو للذاكرة الخلاقة المبدعة في حياة الإنسان وبناء المجتمع.

صحيح ان حق الاختلاف بالرأي مطلوب لتنشيط الحياة الفكرية والثقافية في المجتمع، لكن الخلاف شيء والاختلاف شيء آخر. من حقنا جميعا أن يكون لنا رأي نناقشه ونقدم حجتنا به، لكن ليس من حقنا ان نختلف على حساب مبادئنا وقوميتنا وحتى ديننا شرط أن يكون فهمنا لديننا كما هو على حقيقته لا كما يراه فرد بعينه أو مجموعة بعينها، حينها لا يعود دين ولا يكون التزام، يصبح كيد وحقد وكراهية.

كنا نتمنى أن يتصدى الاتحاد لمثل هذه الموضوعات لأنه من المفترض به يجمع أصحاب العقول النيرة المثقفة البانية لعقول أجيال المستقبل، فإذا كان المثقف الناضج والواعي تخلى عن دوره لمروجي العنصرية والطائفية، فماذا ننتظر مستقبلا، بل أين سيجتمع (المثقفون والكتّاب والأدباء) إذا كان العنوان الذي ينضوون تحته لم يعد له مصاديق تدل عليه.؟

المطلوب من الاتحاد وبمن ينضوي تحت لوائه، أن يتصدوا لمناقشة أخطر ما يواجههم كأدباء وككتاب، من خطر اندثار كل ما عملوا من أجله في ماضيهم وما يطمحون إلى عمله في مستقبلهم حفاظا على تراثهم وثقافتهم نتيجة خلافهم في الرأي ووجهات النظر وليس اختلافهم. لأن بين الاختلاف والخلاف فرق كبير.

شيء آخر وهام كنا نتمنى أن يأخذ حقه في هذا الاجتماع الذي صادف انعقاده مع تسمية القدس عاصمة للثقافة العربية، فلماذا لم نر ولو مجرد بند مستقل يتحدث عن هذه المناسبة ويعلن سخطه على ما تواجهه الفعاليات العربية في داخل القدس من اعتقالات ومنع على يد قوات الاحتلال للاحتفال بهذه المناسبة؟

اللهم جاء ذكر القدس في بند خجول من ضمن الحديث عن التطبيع (!!) وكان الأجدر أن يذكر التطبيع من خلال الحديث عن القدس ومحاولات تهويدها وطمس معالمها العربية الانتماء والهوية والتراث.

معنى القدس في هذه المناسبة هو أهم ما يجب أن يناقش على المستوى الثقافي في هذه الفترة وأن يستعاد المشهد الاغتصابي لها من بداياته، فنتيجة الإعلام المقفل في بعض الدول، قد لا يعرف كثيرون شيئاً عن القدس بعد ستين سنة من الاحتلال جهدت خلالها الصهيونية العالمية في طمس الهوية العربية لها تحت عناوين شتى.

وكم كنا نتمنى على اتحاد الأدباء والكتاب العرب أن ينتهزوا فرصة اجتماعهم هذه السنة وأن يوجهوا ولو بياناً أو نداء إلى الاتحادات العالمية يُذكّرون بأن القدس مدينة عربية مقدسة احتلتها الصهيونية وتعيث بتراثها كما تعيث بشعبها. فإذا كان للسياسيين حساباتهم في موضوع القدس، فلا شك أن حسابات المثقفين تختلف، ويجب أن تختلف، عن حسابات السياسسيين، لأنهم المسؤولون أولا عن الهوية والتراث والفكر.

وأما لغتنا التي تستباح بشكل فاضح علانية، هي أيضاً كان يجب أن تطرح مآسيها للنقاش، ولا يسمح المجال هنا للحديث عنها وما يصيبها على أيدي البعض حتى من أبنائها، وكذلك حل الإشكال بين التغريب والتعريب، وما هو دور كل مسار منهما.

ـــــــــــــــ

* مدير تحرير مجلة دليل الكتاب ـ بيروت

في اجتماعكم: أين القدس... وأين الشباب العربي اليوم..؟؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى