الجمعة ٢٩ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم نوزاد جعدان جعدان

اليد العمياء

إنه رنين الساعة وعليّ الاستيقاظ للذهاب إلى المدرسة فالطلاب بانتظاري، استيقظ زياد بعد تذمره الروتيني كل صباح، فزياد أستاذ مدرسة بدأ الشيب يغزو شعره، له بشرة صبغتها الشمس بلونها والإرهاق كحل عينيه، عشق زياد منظر الغيوم وهي تغطي الشمس ولطالما كان يراقبها .

ظروفه الصعبة أجبرته على العمل في المساء كسائق أجرة وفي الصباح يداوم في المدرسة معلما للطلاب .
توجه زياد إلى المدرسة ودخل الصف وبدأ درسه بعد تحية طلابه، كان يعطي درسه والجميع ينصت إليه إلا طالباً واحداً ذو رأس صغير وشعر أحمر وأذنين صغيرتين كشكل الرادار لا يستمع إليه ويرمي بالأوراق على اللوح وعلى أصدقائه .

اقترب زياد من الطالب المشاغب وبدأ ينصحه :

انظر يا بني ..أنا لست مهرجا أمامك ، أنا هنا لأنهل لك زبدة العلوم وأضعها في متناولك، فالعلم شيء جميل، ستشعر تارة أنك بحار تسافر وأنت قابع في مقعدك وأحيانا تغادر في رحلة رومانسية على ظهر جمل إلى بلاد طرفة بن العبد أو على متن طائرة إلى بلاد جون كيتس، أيا بني ..ربما والدك تاجر غنيٌ والمال شيء جيد ولكن الروح بحاجة لغذاء طعامه الكتاب، فالكتاب يرشدك إلى الطريق الصحيح للحصول على كل شيء وخاصة إن أردت ركوب قطار لتزور بلاد السعادة، فمن لا يتعلم يكون حصاده في الدنيا كحصاد الصحراء.

كان زياد ينصحه والطالب المشاكس غارق في الضحك غير آبه، دُق الجرس ليكون جرس الإنقاذ للطالب البليد ..
كان حذاء زياد البالي المثقوب يصدر زقزقة تخجله، فكان يضغط على قدمه لتثقل وكي لا تطلق صوتا .

عاد زياد إلى البيت بعد الدوام وجهز لنفسه كأسا من المتة التي أعتاد على شربها جراء وحدته الطويلة بدون زوجة تؤنسه، بدأ يفكر بحبيته التي تركته إثر وضعه المادي التعس، فكان يجتر أحزانه كما يجتر البعير طعامه .

بعد قيلولة الظهيرة توجه زياد إلى عمله كسائق أجرة وشغل السيارة وبدأ أغنية العمل وخلع ثوب المدرس ليلبس ثوب السائق :

أنا سائق التاكسي زياد ..

الطرائد أمامي وأنا الصياد..
برؤية الجميلات أصفر العداد ..
وأطوف شوارعهن كالسندباد ..
عن عبلة ابحث كابن شداد ..
أغلق الباب بهدوء يا عماد..
لا تكن على الباب جلاد ..
لا تفتح النافذة يا مراد ..
الهواء جامد كالبراد ..
هيه ..قرب يا حباب

كانت النساء اللواتي يتعطرن بالعطور الباريسية ويركبن معه تذكرناه بحبيته ذات العطر الباريسي والحذاء الايطالي، فكانت ترده إلى ماضيه وتعيده بقوة بحيث أنها تمحو حاضره بسلطان قوي .

حاول زياد كثيرا أن يعمل بجد لاصطياد الركاب رغبة بشراء حذاء جديد، انتهى دوام زياد وعاد للبيت والليل يكتب سطوره الأخيرة واستلقى على فراشه وهو يفكر بطريقة ليؤدب بها ذاك الطالب البليد تقلب على فراشه ودارت الأفكار برأسه وارتأى أن يصفعه صفعة قوية عساها تكون الدواء.

توجه زياد في الصباح الباكر إلى المدرسة والمطر يقرع أسطح البيوت النحاسية مثيرةً نغمة مرعبة، استقبله الطالب المشاغب بسخرية من حذاءه، وثار غضب زياد وتذكر خطته ولحظة تركته حبيبته فلطم الطالب صفعة قوية أصدرت لحناً، اشتد صراخ الطالب :لقد فقدت سمعي ..آه ..لقد أفقدني سمعي ذاك الطاغية، واجتمع كل من في المدرسة ينظرون لزياد بنظرة مزدرية .

ركض زياد مسرعا فارا إلى البيت وأغلق الباب على نفسه خائفا محتارا ومؤنبا لنفسه : كيف ليد تمسك القلم أن تصم الأذان ، يا لجريمتي الكبيرة ما الذي سأفعله وكيف سأنظر في عيني ذاك الطالب، لقد دمرت مستقبله وحياته.

تشاءم زياد من الحياة وأصبح كبومة قابعا على فراشه لا يتحرك وكلما كان ينظر إلى يده يحتقر نفسه إلى أن جاءته الفكرة الخرقاء، وفكر إن كانت يده قد أصمت الطالب فالقطع قصاصها، وبتر يده وانطلق إلى منزل الطالب .

دق على الباب ففتح له والد الطالب واجتمعت العائلة حوله يحاصرونه بنظراتهم المؤنبة ، فصرخ زياد قائلا :

أنا أعرف غلطي ولقد قطعت يدي جزاء لفعلتي الشنعاء، قهقه الجميع وعلا صوت ضحكاتهم وصرخ الأب مستهترا : لقد قطعت يدك، يا لك من مغفل لقد كانت مزحة صغيرة من ابني، كان يدعي بأنه فقد سمعه، ابني ظريف وخفيف الظل ألا تحتمل المزاح أيها الأستاذ الساذج..


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى