الثلاثاء ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم سعاد درير

جـنـون

قذفتها ريح السنين إلى معبد لا يرابط فيه سواها. اتكأت المرأة الطاعنة في الذكرى على صخرة انتصبت قبالة البحر الذي اجتمع حوله أولياء الله الصالحون: الولي الطاهر، مولاي احمد، وسيدي علي.

مدّت المرأة بصرها المتهالك بعيدا عن قدميها اللتين طفق يعاكسهما الموج بعد آخر إبحار تقدم الصّبا بصبا. أوقفت بصرها عند النقطة التي تزاوج فيها البحر والسماء على امتداد الأفق الأبعد من شواطئ العينين. وفي هذه النقطة لاح لها منديلها الأبيض يتهادى على أمواج المساء المصلوب على نخلة الحنين إلى ضوء الشمس الهاوية على مرّ الولاء لمركب العمر، والشراع رمح أعمى.

ما فتئ المنديل يمارس طقوس الغوص كدلفين حائر بين شهوة الإبحار ونشوة القفز إلى الخارج. ألأن المرأة الطاعنة في الذكرى خانتها عيناها المتداعيتان، بدا لها المنديل حورية تؤدي رقصة الفلامينكو بإيقاع كٌناوة، أم لأن البحر باح لها بسر من أسراره؟

في غفوة لفحتها بحلم بارح النوم واليقظة تحسست المرأة كتلة الجليد التي توسدت ركبتها ذات طفولة ضائعة... الجثة الزرقاء تشي بفساد الدم وانحباس الأوكسجين. والبحر يجر أذيال الليل.

سرب من النوارس المهاجرة أيقظ المرأة من غفوتها. لحاف الرمل ازداد برودة. سواد زي المرأة ذاب في سواد الليل. حبات الندى تحط رذاذا على مرآة روح المرأة، وتؤذن بزخات مطرية ترطب طريق العمر. قبل موعد الفجر بفصول، يصدح صوت عبد الرحمن المجذوب متقفيا أثر قرينته علّ تلهمه بحكمة ضائعة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى