الأحد ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم أشرف بيدس

سعاد حسني في ذكراها: حالة خاصة جداً لم تتكرر!!

لأنها لا تضن بنظراتها المتوهجة التي تقطر "قرنفلا"، وتبعث الأمل للبائسين
تنسجُ حولها الحكايات الملفقة، فيظن البعض أنها حقيقية!!

هي أشبه بالريح في أكف المريدين، متاحة في أحلامهم دون قيد..

لكن عندما يقبضون أياديهم عليها يكتشفون أنهم يتشبثون بالريح..

مأساة سعاد حسني الحقيقية أنها عاشت سندريللا، وعندما كانت تحاول أن تستدعي ذاتها، كنا - دون قصد- نضع العراقيل أمامها، فقد كان يستهوينا أن نراها بالثوب الأبيض الفضفاض ترقص حتي يفقدها الإعياء اتزانها، فتسقط مغشيا عليها، وعندها، ننشغل بالتصفيق الحار والمتواصل، ولا نكلف أنفسنا بإحضار كوب ماء "تبل" به ريقها، ولم نعلم - حينها- أننا كنا نسرق منها عمرها، أو نرغمها- قسرا- أن تتجاهله. ولما نفضت الدنيا أياديها وأدارت بوجهها عنها في تلك البلاد الجليدية والتي لا تحمل دفء الوطن وحميمية الأصدقاء، لم تجد غير معاناتها تؤنسها، وبعضاً من ذكريات يمثل اجترارها آلاما مبرحة، وللأسف كان المريدون والملتاعون منشغلين أيضا - هذه المرة بقصد- في نسج حكايات أكثر مرارة وقسوة عن مأساة النهاية. وسواء ماتت السندريللا منتحرة أو مقتولة، فهذا لا يعني بأي حال أن أيادينا بيضاء مما حدث، فمازالت الشبهات تحوم حولنا في ذكراها السابعة.

إن خطوات سعاد حسني الأولي في السينما المصرية كانت نقطة انطلاق جديدة وغير مسبوقة كسرت كثيراً من القيود الثابتة التي كانت مفروضة من قبل - بحكم التراكم- واستطاعت بسهولة ودون ضجة أن تحدث نقلة أدائية سارت علي خطاها أجيال من بعدها، وتحولت تلقائيتها وعفويتها إلي مدرسة جديدة في فن التشخيص لاقت إقبالاً كبيراً، واعتبرت - دون مبالغة - نقطة فارقة وحاسمة بين جيلين، بمعطيات وتقنيات مختلفة لم تكن معهودة.
جيل من العمالقة

وقفت السندريللا في مواجهة جيل من العمالقة والنجوم اللامعة (أسماء تخض) والتي لن يجود الزمان بمثلهم، محمود المليجي، فريد شوقي، رشدي أباظة، أحمد مظهر، كمال الشناوي، شكري سرحان، عمر الشريف، حسن يوسف، أحمد رمزي، عادل إمام، محمود ياسين، عزت العلايلي، نور الشريف، حسين فهمي، محمود عبد العزيز، وأخيرا أحمد زكي. ورغم ذلك استطاعت أن تفرض سطوتها الإبداعية وكانت نداً قوياً يخشي مواجهته ويحسب له ألف حساب، فلم يستطع أحد من هؤلاء الكبار أن يطوع أداءها، بل إن معظم هؤلاء كانوا يحلقون عندما تقف أمامهم وتصيبهم بعدوي موهبتها الخارقة.

تصدير الشخصية

كلما كان الفنان متمكنا من أدواته استطاع أن يمرر أداءه بسهولة، وأن يصدر لجماهيره الشخصية التي يجسدها، حتي ولو شابها بعض من المبالغة، و "سعاد" كانت قادرة علي إيصال رسالتها دون تعقيد، فالتمثيل عندها ليس حالة تقمصية تحكمها الحرفة والخبرة، بل المعايشة لحد الذوبان، والحرص علي التفاصيل الصغيرة التي قد لا يلحظها المتفرج، لكنها تمهد مع غيرها لترسم بصدق صورة واقعية وحقيقية تثير الإعجاب والانتباه والتقدير.

في فيلم "نادية" يتم ضبطها متلبسة بالانصهار مع شخصيتين مختلفتين في المزاج والطباع والانفعالات دون أن تترك أثراً ولو ضئيلا لهذا الخداع المشروع، فمن يتابع نظرات عينيها والتفاوت الرهيب في التعبير خلال المشهد الواحد يكتشف حجم موهبتها الخارقة والقدرة المذهلة علي التلوين.

عبقرية الأداء

إن سعاد حسني لا تجيد التحايل علي شخوصها وتتعامل معهن بحرص بالغ، تجتهد في إيجاد خيط رفيع تصل به إليهن، وعندما تمسك به تبدأ في اجتذاب خيوط أخري حتي تتشكل لوحة عنكبوتية شديدة التعقيد تُسجن داخلها، فنري حالات الانكسار مع «إحسان»، و «القاهرة 3.» و «سهام» في «أهل القمة» و «وفاء» في «الراعي والنساء»، والتحدي والإصرار مع «فاطمة» في «الزوجة الثانية» و «أميرة حبي أنا» و «خلي بالك من زوز» والانصياع في «الحب الضائع» و «شفيقة ومتولي» و «غروب وشرق»، والبراءة في «غصن الزيتون» و «الست الناظرة» و «الطريق»، والشقاوة في «السبع بنات» و «عائلة زيزي» و «صغيرة علي الحب» والأنوثة في «شقة الطلبة» و «شيء من العذاب» و «زوجتي والكلب»، وأعمال أخري كثيرة (82 فيلما).

ستظل كادرات سعاد حسني السينمائية مثار تحليل لا ينقطع، وسيكتشف مع السنوات مدي عبقريتها الاستثنائية، ومواطن الإبداع التي تتجلي عند التعرض لأعمالها، ورغم ظهور عشرات من المبدعات والواعدات ستظل السندريللا حالة غير متكررة تحمل معايير وسمات خاصة جدا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى