الاثنين ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم محمود فهمي عامر

قراءة في قصيدة أيمن اللبدي

رسالة إلى ملك الليلك

نتعامل خلال هذه القصيدة المنشورة في دنيا الرأي: 8-6-2009م مع أسلوب التشفير والأزقة، وهذا يضعنا في مأزق السؤال، ما قصة هذه الرسالة؟ ومن هو هذا الملك الليلكي؟ ومن هم هؤلاء الذين (راوَدوهُ عنِ المهمةِ)؟... أسئلة ثلاثة قد تجد إجابة عنها، ولكنها في النهاية ربما تكون غير مقنعة، وعندما تعيد القراءة تجد نفسك في كل مرة مع إجابة جديدة تعيدك إلى متاهة الطريق المسدود، أو إلى لغز أيمن اللبدي في هذه القصيدة.

وهذه تعد فنية واعية في الخطاب الشعري الموجه لطبقة خاصة من القراء، وما مال الشاعر إلى هذا الأداء الحلزوني في التعبير واحتمالية المجاز بمده وجزره؛ إلا لأنه يحاكي تركيبة الأصل والأثر، وما نتج عنها من اختلاف في الواقع لغياب الأصل الذي يصدع أي حضور أو أثر يحاول سد فراغه، حتى مال الأثر إلى التكرار؛ فزادت الأخطاء والتجاوزات؛ لأن النسخة لن تحاكي الأصل أبدا، (والزاجل النبوي) لا صوت في الحاضر يضاهيه، وشتان ما بينه وبين (والصَّارخونَ آثروا أنْ يهبطوا عنْ سترةِ الجبلِ الجريحِ)، والمُمْتَطِي لا يُمْتَطَى.

إنها متعة الشعر أن ترى المعنى يتكاثر بكلماته الموحية المتناسلة في حركة مستمرة تفيض حيوية بإشاراتها السيميائية التي تضعك في توقعات دلالية لا تصل إلى درجة اليقين في تحليل الخطاب اللبدي.

لله درك أيها الشاعر لقد جعلتني بعبارتك الشعرية المتبخترة (والممتطي ظهرَ الزَّوابعِ) اتخذ النقد البنيوي مطية في مناقشة تجربتك الليلكية؛ لأن هذا النظام الكلي المتكامل المعتمد على وساطة اللغة وقدسيتها قد يقرب البعيد من المعاني المتناسخة في حضرتها.

نحن في هذه القصيدة مع رسالة شخصية متفتحة، تحمل دلالات تعكس رقتها وجمالها الفني، وتثير في ذاكرتها أحلام الماضي، وتعبر خلال حاضرها القلبي عن مأساة ملك ليلكي أو زهرة ملكية شعبية العطر والأثير، زيتونية الملامح، وليست باريسية الأثر؛ بعبير (الزاجل) وما تحويه الكلمة من معان زجلية، وهو نجم سابح، وملاح مغامر، تعرض إلى مصادرة حقه المشروع وحلمه في الالتصاق بقضيته ووطنه ونشر أريجه (والسّابحُ الليلَ الوحيدُ جرَّدوهُ من الزَّعانفِ)، والزعانف تمثل تلك الأطراف المتصلة بالشيء، وعملية التجريد تعني المصادرة وكبش الفداء؛ حتى أصبح المكان بعده فضاء لا نبت فيه، وسماء لا غيم فيها، هي باختصار عملية تعرية للأصل والاحتفاظ بأثر أو ببقية تشبهه؛ لتبرهن على ولائها وانتمائها للمكان:

الزاجلُ النّبويُّ سافرَ في إجازةْ
والممتطي ظهرَ الزَّوابعِ راوَدوهُ عنِ المهمةِ
كلَّ يومٍ في وليمةْ
والسّابحُ الليلَ الوحيدُ جرَّدوهُ من الزَّعانفِ
فانتهى لا يحسنُ الآنَ سوى نثرِ ابتساماتٍ عجوزٍ
كلَّما ظفرتْ بهِ فلاشاتُ الجريمةْ
والصَّارخونَ آثروا أنْ يهبطوا عنْ سترةِ الجبلِ الجريحِ
فلا حوافزَ أوْ إضافاتِ انتدابٍ في الجنازةْ

والذين قاموا بهذه المهمة (الأثر) هم من أصحاب البطون (شلة) وتمثلوا في قوله (راودوه)، وفي المروادة صداقة، وتكرار في المحاولة من أطراف متعددة، تسعى إلى إنجاز المهمة التي تستحق العناء والمداولة، وتظن أنها ستحقق في النهاية (التكرارية) كأساس أو أصل في هويتها الجديدة التي تجيز لها مشرعية السيطرة واللعب بعواطف المشاهدين، وهذا يدفعني إلى القول: وهي من هذا الباب تدخل في معنى الإرادة، أي هذه المجموعة (الأثر) قامت بهذا العمل بإرادتها الكاملة بعد المروادة، ولا نتهم أحدا:

والصَّارخونَ آثروا أنْ يهبطوا عنْ سترةِ الجبلِ الجريحِ
فلا حوافزَ أوْ إضافاتِ انتدابٍ في الجنازةْ
والماسِحُ الضوَّئيُّ مختومٌ عليهِ بــ" لا تحاولْ"
والبؤبؤُ السحريُّ في شبّاكها العاري تداعى فوقَ ظلِّهْ
ويدانِ ساقطتانِ منْ خَصْرِ الروايةِ عندَ سَقْطِهْ
يا سيِّدي
الحاضرونَ الآنَ في قدّاسِ شُقوتِها
خليطٌ لا تواكِبهُ الفراسةْ
والمستريحونَ الذينَ تخفَّفوا منْ ثَديها
كانوا كما كانوا مزيجاً ذا شجونْ
والماكرونَ اليومَ أكثرُ بينَ خطوتِها
وأسرابِ القوافلِ في حوانيتِ النّخاسةْ
والسّاقطونَ منَ الترابِ همُ الخديعةْ
لمْ يفتحوا الغيمَ المحاصرَ بالسّياطِ اللولبيةِ إنما زادوا عليهِ في الشّرَكْ

وتقويم الضلوع يعني انكسارها، وعلى الرغم من جمالها الفطري الأعوج، إلا أنهم أرادوها أصلا مكسورا، وشربوا نخب خيانتهم حتى تتضلعوا، ولكن الليلك الشعبي (الأصل) يبقى أرجواني التأثير في النفوس والعيون، وهؤلاء (الأثر) هم الذين باعوا كل شيء فـ:

ماذا تبقّى كيْ نقدِّمهُ مجازاً أو جوازا ؟
لاشيءَ، والباقي اليقينُ المستريحُ فيكَ وحدكَ
سيّدي ملكٌ على أضلاعِ ليلَكْ......

ويأتي المقطع الثاني من القصيدة ليعلن في حكمته الأخيرة الفرق بين الأصل والأثر (فالفرقُ بينَ العشقِ والذلِّ رضاعةْ........)، ونعمت المرضعة، وبئست الفاطمة في الإمارة؛ لأن المرضعة تجلب المنافع، وفيها أخوة من وجه، والفاطمة تهدم لذة المنفعة من وجوه، ودخول الهاء في المرضعة يشير إلى الفعل، فعل الأصل والأثر، وهذا يقودني إلى من يرضع عشقا، ومن يرضع لؤما وجشعا.

ويعود الشاعر أيمن اللبدي بناء على ما تقدم في فهمي لتجربته الليلكية إلى مخاطبة (الأصل) بما يثبت حقه والرأي فيه الذي لا يتغير مهما حاول (الأثر) تشويه صورته المبجلة في النفوس، والكلمة تشير إلى شيخ كبير في السن أو كهل ترى له هيئة وتبجيلا، والشاعر يطلب إليه أمرين الأول: أن يطلق بتسكين الطاء وتضعيفها سنابل زرعه (برها وشعيرعا وذرتها)، فلا حاجة لتقييدها، والثاني يتصل بتجاهلها بعد إطلاقها أو تطليقها، لتبقى هي في أبراجها العاجية وتأويلاتها، وتتابع أنت المشوار دون لفتة لا تليق بحضرتك؛ لأنهم يعتقدون أنهم المحض الخالص الذي لا يشوبه شيء يخالطه، وهم يريدون الكعكة لهم وحدهم دون أن يخالطهم أحد فيها، إنهم يا سيدي وسيدهم يحسبون أنهم المخاض الوحيد في الحسب والكرامة مهما محضتهم نصحك ومودتك؛ لأنهم محض خسة ووضاعة:

ولكَ القرارُ ما تحوَّلْ
يا أيُّها العالي المبجَّلْ
أطلقْ سنابلَكَ العجيبةَ لا تغامرْ بانتظارٍ
لا يزيدُ على المشاهدِ غيرَ زائدةٍ رخيصةْ
صلَّيتَ من أجلِ الفطورِ فآثروا أن يأكلوكَ
لأنهم محضُ وضاعةْ
ما زلتَ سيِّدَنا وسيِّدَهم ومحرابَ الشّفاعةْ
لا حلْمَ في الموتِ البطيءِ ولا شجاعةْ
يا أيّها العالي المبجّلْ
لا وقتَ للقولِ المؤجّلْ

ومن هنا فلا بد من وضع النقاط على الحروف مهما كانت النتائج؛ لأن الحال مائلة، ولا تحتمل الزيادة والمزايدات:

لا بدَّ منْ فصلٍ جديدٍ دونَ حدٍّ واختصارٍ
واضحٍ لا لبسَ فيهِ منْ صياغاتِ حريصةْ
فاللّصوصُ غدتْ مدارسَ في العقوقِ والخيانةِ
تستزيدُ من البراعةْ
همْ سارقوا الزيتِ المقدّسِ للحوانيتِ المباعةْ
أوْ نابشوا القبرِ المدنَّسِ،لدغةُ الأفعى وقنطرةُ المجاعةْ
يا أيّها العالي المبجّلْ
لا وقتَ للقولِ المؤجّلْ
لا حدَّ في العشقِ النبيلِ ولا استراحةْ
انثرْ زهوركَ كلَّ ساعةْ
واعشقْ كما شئتَ الحياةَ ألفَ ألفٍ
إنما لا تخطيء العدَّ المكرَّرَ في الوجوهِ
والمساحاتِ المشاعةْ
فالفرقُ بينَ العشقِ والذلِّ رضاعةْ........

هذه هي رسالة الشاعر أيمن اللبدي لملك الليلك (الزاجل النبوي، والممتطي ظهر الزوابع، والسابح الليل، والعالي المبجل، والسيد، وصاحب القرار...) في الماضي والحاضر◄ (الأصل) وهؤلاء هم في حاضره وماضيه (الصارخون، ومحض الوضاعة، واللصوص، والسارقون، ونابشو القبور، ولدغة الأفعى، وقنطرة المجاعة...)◄ (الأثر).

رسالة إلى ملك الليلك

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى