الثلاثاء ١١ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم لطفي خلف

الشاعر الريشة وقطار نتاجه السريع

محمد حلمي الريشة يعد شاعرا مميزا من بين أبناء جيله من شعراء فلسطين الذين عايشوا الانتفاضة الأولى والثانية ولا زالوا يتربعون على كرسي المتابعة والترصد والتمحيص لملاحظة كل صغيرة وكبيرة بميكروسكوبه وقرون استشعاره الشعرية !
محمد الريشة ابن مدينة نابلس، عانى كغيره من ويلات الاحتلال وسطوته وجبروته ، فتألم كغيره من أبناء جيله حينما كان لا يزال طالبا في المدينة ورأى المآسي بأم عينه وهي تتكرر يوميا أمام ناظريه، جدران البلدة القديمة تتداعى وتهوي، وأزقة المخيم وبيوت الصفيح تهرسها جنازير الدبابات العابرة والخارجة إليه، انقطاع الكهرباء والماء والدواء لفترات ليست بالوجيزة، إغلاق المدارس، شل الحركة لأيام وأسابيع وربما تتعدى الشهر أحيانا، كل تلك المآسي شاهدها الريشة بالإضافة للشيء الأكبر والأهم ألا وهو اغتيال إنسانية الإنسان.

كيف سيلجم الريشة قلمه أمام تلك التحديات التي تثير الحجر والشجر قبل البشر؟

إن من ينشأ في بيئة كهذه سيمتلأ صدره وقلبه وفكره بأحاسيس وهواجس وعنفوان لا ينضب أو يتوقف مصدره عن مواصلة التدفق والعطاء.

لو خضنا قليلا في أسلوب كتاباته سنرى كثافة الصور والاستعارات وسعة جدار الوصف في شعره يجعلك تنسى الفكرة التي أنت بصدد قراءتها للحظة ما إلى أن تستعيد ذاكرتك قواها البنيوية في استرجاع ما مر عليها منذ لحظات، لكننا لا نعد ذلك عيبا ولا نشازا لأن الأسلوب السردي والتقريري في الوصف أو في سياق المضمون سيميت أشياء كثيرة في نفس المتلقي تجعله ينفر مما يقرأ لتكرار نفس المفردات المبتذلة لدى أغلب شعراء قصيدة التفعيلة أو شعراء النمط العمودي التقليدي في الشعر العربي.
في رأيي المتواضع أن الريشة يستطيع أن يعجن من صلصال اللغة والمفردات الشعرية قوالب شعرية ليس بوسع عمالقة الشعر العربي الحديث – أقصد من يكتبون قصيدة النثر والحداثي منها – أن يقدروا على إنجاز ما يماثله أو يوازيه في مضمار الوصف. فنراه بعد منجزه الثالث – ليس على وجه التحديد -قد أصبح متمكنا بعد تحرره من قيود الوزن والقافية أن ينطلق في فضاءات أرحب وأكثر سعة عن ذي قبل ، لهذا نرى نتاجه الغزير والطافح باللغة المتينة والمفردات الجامحة تصول وتجول في حقول الكلام بكل يسر وبساطة ودون عناء وكأنه أطلق لفرس كتاباته العنان لتسرح كيفما تشاء ضمن حدود رسمها لنفسه دون أن يشط بعيدا لئلا يكبو فرسه كغيره من المغرورين الذين سقطوا في فخ غرورهم الذي نصبوه لأنفسهم.

الريشة يكتب لشريحة صغيرة وصغيرة جدا من المثقفين والشعراء والمهتمين بقصيدة النثر والشعر الحداثي الذين يتناولون قصائده على محمل من الجد والصراحة لأن من عيوبنا نحن المثقفين أننا نظن أن بائع الخضار والفلاح والنجار والخباز والعامل والمهندس والمحامي والمدرس والعتال وكافة فئات الشعب بمقدورهم تناول نصوص موغلة في التكثيف وعالية في البناء اللغوي بأريحية وسهولة ويسر وأنهم متفرغون دائما للقراءة والمطالعة وأن العدالة الاجتماعية قد تحققت والظروف النفسية تحت سقف الاحتلال أصبحت لا بأس بها وأن غالبية المتلقين من أفراد هذا الشعب بمقدرتهم استيعاب نصوص الريشة وغيره من الشعراء والكتاب على مستوى وطننا المنكوب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى