الأحد ١٦ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم شعبان أحمد بدير

جدلية الاغتراب فى الشعر الصوفى

لقد كان التصوف الأرض الخصبة التى نمى فيها الاغتراب، فاستخدمه الصوفية بمعانيه المختلفة، وعايشوه تجربة وجدانية ووجودية، ذات أبعاد دينية وميتافيزيقية تبدأ بخروج الإنسان من الجنة، وهبوطه إلى الأرض وهذا ما يشير إليه ابن عربى الذى يرى أن الاغتراب يعنى انفصال الإنسان عن الله، ويعبر عن هذه الفكرة بقصة"آدم"وهبوطه من الجنة إلى الأرض، يقول:"إن أول غربة اغتربناها وجودا حسيا عن وطننا غربتنا عن وطن القبضة عند الإشهاد بالربوبية لله علينا، ثم عمرنا بطون الأمهات فكانت الأرحام وطننا فاغتربنا عنها بالولادة"

ويرى ابن عربى - من جانب أخر - أنه يمكن أن نطلق الغربة عن الحال عند الصوفى فى تطلعه إلى الله، فيقال غريب عن حال، وذلك لأرباب الأحوال من أهل التلوين من الأولياء، يقول:"الغربة تطلق بإزاء مفارقة الوطن فى طلب المقصود، ويقال الغربة عن الحال عن حقيقة التعود فيه، وغربة عن الحق من الدهش عن المعرفة"، وفى هذا إشارة إلى أن الصوفى يظل فى غربة وحيرة وتطلع إلى الحق، فيبذل قصاري جهده من أجل بلوغ ما يصب وإليه، فينقطع عن متاع الدنيا وملذاتها، ويعزل نفسه بالخلوة عن الناس، ومجاهدة النفس والهجرة إلى المحبوب والاغتراب عن الخليقة، للانمحاق برسمه فى الحقيقة كما فى تعريف الكاشانى

والصوفية فى طريقهم إلى الله لابد لهم أولا – قبل أن يسلكوا – أن يحددوا طرقهم وأن يرسموها بعناية ودقة، ويلتزموا بجميع بنودها ومعالمها، وأن يضع الصوفى"قدمه على أعتاب تجربة جوانبها تتطلب شمول الوعى والدراية بالنفس الإنسانية فى غرائزها، ونزواتها، وجموحها، وقهرها، ولا يخفى ما للنفس من سلطان يظهر بوجوه مختلفة، فتتدرج من المكر ومن الضعف إلى قمة القوة، لذلك كان فيه متخصصون مرشدون مهمتهم توصيل"الصوفى الذى أراد الوصول"وتأله إلى"الحضرة الإلهية"

وإذا كانت التجربة الصوفية لابد أن يطابق فيها القول العمل، وتحتاج إلى أسلوب لبلوغ المحبين لآمالهم، أطلقوا على هذا الأسلوب"طريقا"وهذا الطريق يشمل التجربة الصوفية بكاملها، وتتعدد الطرق مع الصوفى الواحد، فما بالنا بتعدد السالكين، يقول العفيف التلمسانى:"اعلم أن أحوال السالكين تختلف فى مدة السلوك إلى أن يقضى اختلافا كثيرا، وتكون واردات السالك مختلفة بحسب اختلاف أحواله، ولذلك قيل إن الطرق إلى الله تعالى على عدد أنفاس الخلائق، فللسالك الواحد فى كل نفس طريق خاص بذلك النفس، وهذا فى السالك الواحد، فما ظنك بالحال فى اختلاف السالكين من سائر طوائف أهل الأرض"

فنسمع شاعراً من أصحاب الحس المرهف، والشاعرية الخاصة ه ومحمد بن عبد المنعم الخيمى، يتساءل عن طريق الوصال قائلا:

يا أهل ودى يا مكان شكايتى
يا عز ذلى يا ملاذ رجائي
كيف الطريق إلى الوصال فإننى
فى ظلمة التفريق فى عمياء
ما ضركم أن تنقلوا بوصالكم
سرى من الضراء والسراء
روحى تدور على الورود ظمأ وقد
جاءتكم تمشى على استحياء
أشك وغليلا ليس يملك ريه
برد النسيم ولا زلال الماء
لم يرونى إلا صريح وصالكم
فصبابتى لم تر وبالإيماء
قد حل حبكم عقود مدامعى
وأجاد فى إحكام عقد ولائي
فإذا بكيت فمن سرورى بالذى
فيكم بلغــت من الغــرام بكائي

نراه يشعر بحرارة الاغتراب عن الذات الإلهية، ويعيش فى ظلمة التفريق، ويعانى من الظمأ والحرمان الذى لا يروى صداه سوى لحظة الوصال التى يأمن فيها من اغترابه ويعود له السرور نتيجة الحب والغرام.

والمريد يسلك الطريق الصوفى إلى غايته"منذ انخراطه فى زمرة أهل هذا الطريق، وسلوكه هذا يسمى سفرا، وه ويجتاز الطريق مرحلة بعد أخرى، وهذه المراحل التى قسم إليها الطريق الصوفى تسمى مقامات، والمريد فى اجتيازه هذه المقامات، تعرض له أحوال مختلفة من سرور وحزن ومن فتور إلى نشاط، وقد أكثر الصوفية من الكلام عن المقامات والأحوال واختلفوا اختلافا بينا فى تعريفها وعددها"

وهذه المقامات هى من جملة الأعمال والمجاهدات، والرياضات النفسية وتعنى:"طريق الطلب ومقام العبد بين يدى الله عز وجل، وتكون درجته بمقدار اكتسابه فى حضرة الحق تعالى، وما يبذله السالك من العبادات والمجاهدات"ولا يصل إلى مقام إلا بعد استيفاء حقوق ما قبله، حيث إن"المقام: ه واستيفاء حقوق المراسم، فإنه من لم يستوف حقوق ما فيه من المنازل لم يصح له الترقى إلى ما فوقه...، المراد تملكه على المقام بالتثبت فيه بحيث لا يحول فيكون حالا وصدق اسمه عليه بحصول معناه..."وأهل الطريق دائما فى تطلع دائم إلى أعلى، ومن أراد الوصول، لا يقف عند مقام، ولا يكتفى بحال، ولكنه طموح نشط، يغذى طموحه هذا أنه دائما مشدود إلى أعلى، حيث مصدر النور الإلهى، لذلك فهم:

ما لاحظوا رتبة تقيدهم
وهم جميعا عمارة الرتب
فطف بحاناتهم عسى قبس
من بعض كاساتهم بلا لهب
يصرف من صرفها همومك أو
تصبح فى القوم ملحق النسب
وكن طفيلهم على أدب
فما أرى شافعا سوى الأدب

فالرتب هى الأحوال والمقامات والدرجات الروحية التى ينزل بها الأولياء فى الطريق الصوفى الممتد من الخلق إلى الحق ومن الحق إلى الخلق.

والصوفى فى هذه الحالة يعيش نوعا من الاغتراب يسمى اغتراب الهمة"وغربة الهمة هى غربة طلب الحق تعالى، وهى غربة العارف... وغربة العارف غربة الغربة؛ لأنه غريب الدنيا والآخرة"، حيث اغترب عن ربة ويحاول جاهدا اجتياز المسافات الحائلة بينهما، فاستهجنه الناس، وثار على حاله ومقاله الفقهاء ورجال الدين المسيطرون على فكر السلطة الحاكمة، حتى أدوا ببعض الصوفية العارفين إما إلى قتل مثلما حدث مع الحلاج والسهروردى المقتول، وإما للوقوع فى مواجهات مع السلطة مثلما حدث مع ذى النون المصرى (ت 245 هـ) الذى يذكر المترجمون له أنه كان ذا تاثير قوى على أهل مصر، إلى الحد الذى جعل حساده ينظرون إليه على أنه زنديق ويسعون لدى الخليفة المتوكل فاستحضره الخليفة إلى بغداد، وأودعه السجن لساعته، ولكنه سرعان ما ملك عليه نفسه بصبره وأفحمه ببيانه، فإذا ه ويرده إلى مصر مكرما

ولذلك تمسك الصوفية بحديث الرسول :"جاء الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمتى"

ويعلق ابن عطاء الله السكندري على هذا الحديث بقوله:"فاعلم أن الغربة المذكورة فى الحديث معناها قلة من يعين على القيام بالحق، فيكون القائم به غريبا لفقدان المساعد وعدم المعارض، فلا ينهض القائم حينئذ إلا قوة إيمانه، ووفور إيقانه فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء.
يريد  أنهم قاموا بأمر الله فى بلاده وعباده حيث تقاعدت همم الناس عن القيام به"

ويعبر عبد الغفار الأقصرى (ت 708 هـ) عن مؤدى هذا الحديث وما يعانيه أتباع الدين - وخصوصا العارفين منهم - من ضياع واغتراب فى زمن الانكسار يقول:

فؤاد لا يقر له قرار
وأجفان مدامعها غزار
وليل طال بالإنكار حتى.
ظننت الليل ليس له نهار.
ولم لا والتقى حلت عراه
وبان على بنية الانكسار
لتبك معى على الدين البواكى
فقد أضحت مواطنه قفار
وقد هدت قواعده اهتداء
وزال بداكم وعنه الوقار
وأصبح لا تقام له حدود
وأمسى لا تبين له شعار
فقد نقضوا عهودهم جهارا
وأسروا فى العداوة ثم ساروا

ولقد وصل أب وحيان التوحيدى (ت فى القرن العاشر الميلادي) إلى القمة فى التعبير عن الاغتراب بمعانيه المختلفة مما يعكس معايشته لهذه الحالة الاغترابية معايشة وجودية، يقول:"الغريب من غربت شمس جماله، واغترب عن حبيبه وعزاله وأغرب فى أقواله وأفعاله، وغرب فى إدباره وإقباله، واستغرب فى طمره وسرباله، يا هذا الغريب من نطق وصفه بالمحنة بعد المحنة، الغريب من إن حضر كان غائبا، وإن غاب كان حاضرا. الغريب من إن رأيته لم تعرفه، وإن لم تره لم تستعرفه"

وهذا الوصف يعكس حال الصوفى السالك إلى ربه أنه لا يقر له قرار؛ لأنه فى تطلع دائم للوصول لهدفه الذى يرج وويتمنى، ولذلك عرف عن الصوفية أنهم فى سفر مستمر، ويعنى السفر فى مفهومهم"توجه القلب إلى الحق. والأسفار أربعة: الأول: ه والسير إلى الله من منازل النفس إلى الوصول إلى الأفق المبين، وه ونهاية مقام القلب، ومبدأ التجليات الأسمائية. الثانى: ه والسير فى الله بالاتصاف بصفاته، والتحقق بأسمائه إلى الأفق الأعلى ونهاية الحضرة الواحدية. الثالث: ه والترقى إلى عين الجمع والحضرة الأحدية، وه ومقام قاب قوسين ما بقيت الاثنينية، فإذا ارتفعت فه وفى مقام أ وأدنى وه ونهاية الولاية. السفر الرابع: ه والسير بالله عن الله للتكميل. وه ومقام البقاء بعد الفناء، والفرق بعد الجمع"

ولكى يجتاز الصوفى هذه الدرجات ويرقى فى تلك المراقى لابد له من جهاد طويل يجعله مغتربا اغترابا كونيا ووجوديا مزدريا لنفسه، منتقصا لعالمه. وهذا يحد وبى إلى الانتقال إلى وصف طبيعة الاغتراب عند شعراء الصوفية فى مصر فى القرن السابع الهجرى.

  ألوان الاغتراب عند شعراء الصوفية فى القرن السابع الهجرى:

وإذا تتبعنا حركة الشعر الصوفى فى القرن السابع الهجرى، نراه يعبر عن تجربة روحانية صادقة لصوفية عاشوا تجربتهم، واستغرقوا فيها، ثم عبروا عنها بعد الصح ووبعد الاستمتاع بلذة الوصال، فاستخدموا الشعر وسيلة للخلاص من اغترابهم الذى يشعرون به عند الصح ومن ملاقاة الحبيب، فيخرجون لواعج الشوق؛ وزفرات الحيرة التى تتأجج فى داخل الصوفى، ولا يمكن أن تهدأ أ وتنطفئ حتى وقت الوصال؛ لأنه ساعتها سيكون خائفا من الهجر وهنا يكون الفن من وسائل التخلص من الاغتراب.

ويرى أحد الباحثين أن هناك علاقة ارتباط بين الاغتراب والإبداع خصوصا الإبداع الفنى، فالفنان مغترب، ولكن اغترابه ليس من نوع الاغتراب العصابي السلبى، بل من نوع الاغتراب الإيجابي، صحيح أن الفنان له طبيعة انفعاليه تؤثر سلبا على الفاعلية، ويعانى من بعض الصراعات والإحباطات التى تنكص به إلى الطفولة، ولكنه بفضل قدراته الإبداعية وموهبته الفنية قادرا على أن يتجاوزاغترابه بأن يستلهم من ثرائه الداخلى وخبايا اللاشعور مادة لأعماله الفنية، يساعده فى ذلك خياله الطفولى إلى أن يخرج لنا إبداعات بالغة الروعة، تولد فينا المتعة الجمالية. وحين يستقبل الجمهور المتلقى أعمال الفنان بالتقدير البالغ والإعجاب يتجاوز ما يعانيه من قلق واغتراب"

ومع تجاوب الباحث مع هذا الرأى إلا أن المبدع الصوفى يختلف عن المبدع العادى؛ لأنه لا يهتم فقط بآراء المتلقين، وإعجابهم بشعره، ولا يطفئ ظمأ اغترابه إعجابهم بفنه؛ لأنه مغترب حتى فى أسلوبه الذى يحمله الكثير من الرموز والايحاءات التى لا يفهما العامة الذين لا يفهمون مقصده، وربما اتهموه - من أجلها - بالشطح والخروج عن الدين، وإنما يكتبه – معبرا عن موهبته وتجربته العرفانية – للخاصة الذين يسيرون معه على الدرب، ولا يخفف من وطأة اغترابه هنا إلا لحظات الوصال، وما يجده فى قلبه من واردات الحب التي يهتدى بها المريدون فى ظلمات الحياة.

ولقد عبر شعراء الصوفية عن نوعين من الاغتراب هما الاغتراب عن الوطن والاغتراب عن النفس.

أولا: الاغتراب عن الوطن.

إن الاغتراب عن الوطن لا يعنى عند الصوفية ترك الوطن فحسب، ولكن قد يغترب الصوفى عن وطنه داخل وطنه لاختلافه الفكرى، أ ورفضه لما ه وسائد من عادات، وتقاليد لا تتوافق مع طبيعته، وهؤلاء هم الذين يطلق عليه ابن باجة (ت 1138م) النوابت، ويقول عنهم: إن النوابت هم من لم يجتمع على رأيهم أمة أ ومدينة. وهؤلاء هم الذين يعنيهم الصوفية بقولهم الغرباء، لأنهم وإن كانوا فى أوطانهم وبين أقرانهم وجيرانهم غرباء فى آرائهم، فقد سافروا بأفكارهم إلى مراتب أخرى هى لهم كالأوطان"محاولين إحداث صدمة للواقع، وما تواضع عليه الناس، ثائرين على الأشكال الموروثة، فاستحقوا أن يطلق عليهم"أغرب الغرباء"مع وجودهم بين أهليهم وفى أوطانهم، يقول التوحيدى:"وأغرب الغرباء من صار غريبا في وطنه، وأبعد البعداء من كان قريبا في محل قربه؛ لأن غاية المجهود أن يسل وعن الوجود، ويغمض عن المشهود ويقصى عن المعهود... يا رحمتا للغريب طال سفره من غير قدوم، وطال بلاؤه من غير ذنب... الغريب فى الجملة كله حرقة، وبعضه فرقه، دليله أسف... وخوفه وطن"

وهذا يعنى أنه اغترب عن الغربة نفسها حتى يجد خلاصه من مفسدات الدنيا ومساوئها فى الانفصال عن الناس، حتى ل وكان انفصالا فكريا. مثال ذلك الحلاج"فقد كان اسم الحلاج مثلا يتبع بهذا النعت:"العالم السيد الغريب"وه والقائل:

أبكى على شجنى من فرقتى وطنى
طوعا ويسعدنى بالفوح أعدائي
أدن وفيبعدنى خوف فيقلقنى
شوق تمكن فى مكنون أحشائي
فكيف أصنع فى حب كلفت به
مولاى قد مل من سقمى أطبائي
قالوا تدا وبه منه فقلت لهم
يا قوم هل يتداوى الداء بالداء
حبى لمولاى أضنانى وأسقمنى
فكيف أشك وإلى مولاى مولائى

وإذا كان الصوفى العالم يعيش فى عصر لا يقدر سعيه ولا يدرك قيمة علمه، ويعطى القدر للجهلاء والأغبياء من أصحاب الطبقية والمال هنا يشعر الصوفى"بعدم تجانس المكانة"وهكذا يقع"الاغتراب"فى قلب فقدان الشعور بتعاطف الآخرين مع الأنا أ وتقديرهم لها، يقول أب وحيان التوحيدى:

"الغريب من إذا قال لم يسمعوا قوله وإذا رأوه لم يدوروا حوله، الغريب من إذا أقبل لم يوسع له، وإذا أعرض لم يسأل عنه، الغريب من إذا سأل لم يعط، وإن سكت لم يبدأ. الغريب إذا عطس لم يشمت، وإن مرض لم يتفقد الغريب من إن زار أغلق دونه الباب، وإن استأذن لم يرفع له الحجاب"

ولكى نضع اغتراب شعراء الصوفية فى القرن السابع فى مكانه الصحيح علينا أن نشير إلى أن ظروف العصر كان لها دور كبير فى هذا الاغتراب، حيث عاش هؤلاء الشعراء ظروفا اجتماعية وسياسية قاسية أدت بهم إلى الانعزال والانزواء، حيث عاش الناس بين حجرى رحى: الاستبداد الداخلى للحكام، والحروب الطاحنة التي لا تنتهى مع الصليبيين تارة، والتتار تارة أخرى، وهنا نمت شجرة التصوف وترعرعت، حيث"تتكاثر أغصانها كلما اضطرمت نيران الصراع فى العالم الإسلامي، وكلما فشا الجور واستبد الحكام، وكأن هذه الشجرة إصبع احتجاج أ وإدانة موجهة للواقع الإسلامي..، وعلى أى حال فإن مجتمع مصر المملوكية، وما كان عليه من اختلال وفساد مد شعلة هذا الاغتراب الصوفى بزيت جديد، فتوجهت نارها، وسعى إلى ضوء هذه النار خلق كبير ممن أثقلت كاهلهم الحياة، ورأوا فيها شرا لا صلاح له"

وقد نصب الصوفية من أنفسهم معاول تهدم حوائط الفساد، وصدرت منهم صرخات اعتراض على أوضاع مجتمعاتهم مثل قول ابن دقيق العيد :

أهل المراتب فى الدنيا ورفعتها
أهل الفضائل مرذولون عندهم
فما لهم من توقى ضرنا نظر
ولا لهم من ترقى قدرنا همم
قد أنزلونا لأنا غير جنسهم
منازل الوحش فى الإهمال بينهم
فليتنا ل وقدرنا أن نعرفهم
مقدارهم عندنا أ ول ودروه هم
لهم مريحان من جهل وفرط غنى
وعندنا المتعبان العلم والعدم

تبين هذه الأبيات إلى أى مدى كان الصوفية وأل والفكر المتميز غرباء فى أوطانهم حيث كان التقدير والنظرة الراقية للأثرياء الجهلاء الذين يعيشون فى راحة لثرائهم وجهلهم"والمثقف الحقيقى يقف دائما موقف المعارضة والرفض تجاه أى واقع ردىء. إنه لا يتطابق أبدا مع الواقع القائم ما ظل هذا الواقع يستأصل إنسانية الإنسان. وه ويرفض أن يجعل من ذاته امتدادا لأية سلطة؛ لأنه ل وفعل ما استطاع أن يتخذ موقفا نقديا من المؤسسات القائمة، ذلك كما أنه سيتنازل عن حكمه، والحكم نفى وسلب وتجاوز لكل ما ه وقائم. وبالتالى فه وشكل من أشكال الاغتراب"

وأقوى ما وجدت من نصوص دالة على الاغتراب لعدم تجانس المكانة عند عمر بن عيسى بن نصر الذي عاش فى عالم غريب لا يحترم الفضلاء ولا أولى العلم , حتى شعر بغربته داخل وطنه. يقول:

أعيذك إنى بين أهلي وجيرتي
وحيدا عادم ود مشفق
أقلب طرفي لا أجد لي مؤنسا
لعمرك فيهم غير طرس منمق
يحدثنى عن حسن أحوال من مضى
ويخبرني عن قبح أحوال من بقى

إن هذه الكلمات تخرج ملتهبة , وكأنها تنزف من جرح غائر فى نفسه , وكأن الدوال قد امتزجت بدموعه. فنراه ينقلنا إلى متناقضات الحياة , رمفارقاتها بين العالم المهان والجاهل المقدر لماله وسطوته، وذلك في قصيدته:

أبى الدمع إلا أن يفيض وأن يجرى
على ما مضى في مدة النأي من عمري

يقول فيها:

أعيذك إن القوم من كان فيهم
فقيرا رموه بالقطيعة والهجر
وعدوه ذا نقص وإن كان كاملا
وغودر فيما بينهم خامل الذكر
وقد أصبح المرموق فيهم بسؤدد
ورفعة قدر في الوجود ه والمثري
وإن كان ذا جهل وجبن وخسة
وتلك وبيت الله قاصمة الظهر
لقد فسدت أحوالهم بترفع الـ
أسافل منهم وانحطاط ذوى القدر
متي ارتفع الأذناب بان برفعها
لعينك عورات تباح مدى الدهر
فلا ساد نذل في الأنام ولا علا
فإن عل والنذل مما به يذرى

إن هذه القصيده - كما يظهر من دوالها ودلالاتها- أصبع احتياج يرفعه صاحبه في وجه الزمن , وكأنه يقول: انتبه أيها الزمن , واستردي وعيك أيتها الحياة , إن بين حنباتك أناس ضاعت حرياتهم بسبب اختلال الواقع وموازينه المتناقصة , وكأن التناقص والمفارقات الموجعة هما السمتان الواضحتان فى خلق الإحساس بالاغتراب داخل الوطن.

ولنستمع إلى بعض الأبيات أيضا. يقول:

ومالي إن كفكفت ماء محاجرى
وقد بعدت دار الأحبة من غدر
أما إنه لولا اشتياقي لذكرهم
ولا شوق إلا ما يهيج بالذكر
لما شاقنى نظم القريض ولا صبا
قؤادى على البلوى إلى عمل الشعر
فما لى وللأيام كدرن موردي
وبدلنني من حل وعيشى بالمر
تناهين من ظلم إلى إساءة
فيما عجبا من أمرهن ومن أمرى
وألجأنى بالرغم منى لمعشر
يضيق لما ألقاه من كيدهم صدري

إن الإحساس الموجع المخيف بالاغتراب داخل الوطن , وتلك الآهات المتجمعة في أحشاء هذا الشاعر النموذج لكل شريف , شعر بأنه مهيض الجناح مهضوم الحق فى وطنه , كل هذا دفعه للإبداع , وكأن الإبداع قتل للاغتراب , واسترداد للحرية المسلوبة أ والمغتصبة , إن محاولته تحقيق الحرية اوقعته في جدل كبير بين واقع مر كائن , وعالم مثالي يستحيل تحقيقه طالما أن هذه هي أخلاق المجتمع

وهذا شاعر آخر من صعيد مصره وعبد الرحمن بن عبد الوهاب، يعبرعن أزمته مع حياته وواقعه فى قوله:

ومن رام فى الدنيا حياة خلية
من الهم والأكدار رام محالا
وهاتيك دعوى قد تركت دليلها
على كل أبناء الزمان محالا

إنها غربة نتيجة الحياة القاسية، التى يملؤها الظلم والاضطهاد، والتهميش لأصحاب الرأى والمثقفين الذين جاء إبداعهم دليل إدانة لعصر أفرز كل هذا الاغتراب وعدم تجانس المكانة، حيث أعطى الجهلاء الحقوق والوجاهة وبخس المثقفين حقوقهم.

وبالطبع إن الصوفية على رأس هؤلاء المثقفين ولكنهم كانوا أكثر شجاعة، وأملك لعلاج هذا الاغتراب من غيرهم، إذ لجأوا إلى حياتهم الروحية، يبحثون فيها عن وطن يخلدون إليه بدلا من وطنهم الحسى الفاسد الذى هجروه داخله وخارجه، فلربما يكون فى ذلك قهر لاغترابهم عن طريق الإيمان وهذا ما يعالجه ابن الفارض فى قصيدته:

سائق الأظعان يطوى البيد طى
منعما عرج على كثبان طى

يقول فيها:

مسبلا للنأى طرفا جاد إن
ضن نوء الطرف، إذ يسقط خى
بين أهليه غريبا نازحا
وعلى الأوطان لم يعطفه لى
جامحا إن سيم صبرا عنكم
وعليكم جانحا لم يتأى
نشر الكاشح ما كان له
طاوى الكشح، قبيل النأى طى
فى هواكم رمضان عمره
ينقضى، ما بين إحياء وطى
صاديا شوقا لصدا طيفكم
جد ملتاح إلى رؤيا ورى
حائرا فى ما إليه أمره
حائر والمرء فى المحنة عى

فقد شعر بالغربة بين أهله؛ لأنه تحقق فى نفسه بالحى القيوم الذى ه والوطن الأصلى الذى تحن إليه الأرواح"فإذا تحقق بالقيومية ارتحل عن عالم أهله وبعد عنهم فصار غريبا وه وبينهم.. وحاصله أنه خرج من عالم أهله وأمثاله من البشر، ولم يدخل فى عالم الغيب على التمام لبقاء أثر البشرية عليه"وهذا الوطن الأصلى يقول عنه هيجل:"إن العالم الفعلى ه وعالم اغتراب ذاتى.. أما العالم الآخر فه وعالم يبتنيه الروح لنفسه.. وه ويرتفع فوق العالم الأول، فالروح يترك عن وعى ذاته الطبيعية من أجل الحصول على ذات جوهرية، لكنه بمجرد أن يفعل ذلك، فإنه لا يقدر على التعرف على ذات جوهرية، لكنه بمجرد أن يفعل ذلك، فإنه لا يقدر على التعرف على"كليته"بوصفه ذاتا، ذلك أن ماهيته قد انفصلت عن العالم الفعلى وهربت منه إلى عالم الماوراء، عالم الإيمان، صحيح أن الروح يريد بهذا الإيمان أن يقضى على اغترابه لكن الهرب ذاته ه ونوع من الاغتراب"

ويتجاوب هذا الرأى مع ما شدا به ابن دقيق العيد فى قوله:

تجاوزت حد الأكثرين إلى العلاج
وسافرت واستبقيتهم فى المعاوز
وخضت بحاراً ليس يعرف قدرها
وألقيت نفسى فى فسيح المفاوز
ولججت فى الأفكار ثم تراجع أخت
ارى إلى استحسان دين العجائز

سافر وبحث وعذب نفسه من أجل الوصول إلى الحقيقة، وفى النهاية وجد نفسه أمام حقيقة واحدة هى الإيمان بالله
ونلقى صوفيا آخر ه وابن عطاء الله السكندرى الذى له رأى فريد فى الغربة، حيث يكشف الزاهد عن ملك الآخرة، فتبقى موطن قلبه ومعشش روحه، فيكون غريبا فى الدنيا إذ ليست وطنا لقلبه فيما عاين، فهؤلاء العباد تصير الحضرة معشش قلوبهم إليها يأوون، وفيها يسكنون ويعبر ابن عطاء عما نثره من المعانى قائلا:

أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعا
ونحن قعود ما الذى أنت صانع
أترضى بأن تبقى المخلف بعدهم
صريع الأمانى والغرام ينازع
وهذا لسان الكون ينطق جهره
بأن جميع الكائنات قواطع
وأن لا يرى وجه السبيل سوى امرئ
رمى بالسوى لم تختدعه المطامع
ومن أبصر الأشياء والحق قبلها
فغيب مصنوعا بمن ه وصانع
بواديهى أنوار لمن كان ذاهبا
وتحقيق أسرار لمن ه وجامع
فقم وانظر الأكوان والنور عمها
ففجر التدانى نحوك اليوم طالع

فابن عطاء الله يحاول فى اغترابه أن يتخلص من الشواغل الحسية ومخالفة المألوفات والعادات حتى لا يكون معه سوى الله، فيسقط التدبير والاعتماد على ما سواه، فيكشف له مولاه عن أنوار طلعته وبهاه.

ويذهب د. وفيق سليطين إلى أن الهجرة هى الوجه الآخر للمعراج وهى تبدأ من الداخل، إذ إنها تعنى الفرار من نير العالم الخارجى، ومن سطوته وطغيانه، وعلى حين يبد والمعراج فى كثير من الأحيان، نعمة"ممنوحة"تبد والهجرة مبادرة"شخصية"كما أن المعراج يعنى الصعود، بينما تعنى الهجرة"الإسراء"أ والسفر الليلى دون المعراج إلى دائرة الأفلاك، ولما كان"الإسراء"لا يكتمل إلا بالمعراج، كانت"الهجرة"لا تكتمل إلا به، والدورة هنا تمثيل لرحلة الأرض والسماء، وبمعنى آخر فإن هذه الدورة تفسر غاية الدابة، والطير،أ وغاية الحقائق السفلية الكثيفة والحقائق العلوية اللطيفة بتعبير"الجيلى"

فنسمع ابن الفارض يحاول الوصول إلى الحقيقة بإحداث صدمة لواقعه، بهجره حتى ل وسكن إلى الوحش وتشبه بالشعراء الصعاليك، يقول فى التائية الصغرى:

وأبعدنى عن أربعى، بعد أربع:
شبابى وعقلى وارتياحى وصحتى
فلى بعد أوطاني سكون إلى الفلا
وبالوحش أنسى إذ من الإنس وحشتى
وزهد فى وصلى الغوانى إذ بدا
تبلج صبح الشيب فى جنح لمتى
فرحن بحزن جازعات بعيد ما
فرحن بحزن الجزع بى لشبيبتى
جهلن كلوامى، الهوى، لا علمنه.
وخابوا وإنى منه مكتهل، فتى
وفى قطعى اللاحى، عليك ولات حيـ
ـن فيك جدال، كان وجهك حجتى

يرد على اللائمين بأنهم لا يفهمون، وأيضا لا يشعرون بجمال ما يصبوا إليه؛ لأنهم ل وذاقوا ما ذاق، لتمنوا أن يبيعوا الدنيا بما فيها من أجل لحظة من سنا النورالذى يتطلع إليه؛ لأن من"ذاق عرف"ولما شعر بأنه غريب الرأى، غريب الحب والعشق والهوى، تمنى ل وترك هذا الوطن الذى لا يقدر مسعاه، ولا يشاركه الإحساس بل الشعور بجوهر الدين والعقيدة، وليس المقصود دين الشريعة، بل دين الحب والحقيقة.

إن الاغتراب يحيط بالعارفين من كل مكان، يحيط بوجودهم، ويتسرب إلي أعماقهم حتي جعلهم مغتربين عن أنفسهم وعن عالمهم المادي وزمانهم وعن الآخرين، ومغتربين عن الغربة ذاتها، وهذا ه وصلب الاغتراب الوجودى، حيث يشعر الصوفى أنه منتزع انتزاعا نفسيا ومعنويا من عالمه المادى، وكإنه بلا جذور تربطه بماضيه وحاضره ومن ثم مستقبله، يقول عبد العزيز الدرينى:

زمانى للقرى قد ضر وهنا
وقد منع القرى فبقيت مضنى
ومالى فى القرى يا صاحى سكنى
وفى ليلى أراعى النجم فكرا
سلكت من التعرب كل عرسٍ
ولم أسكن إلى إنس بعرس
وليس مسرقى بحضور عُرس
وهل يدعى الغريب سوى ابن بحرا

إنه يعالج اغترابه بالانتماء إلى عالم الماوراء أ وعالم الملكوت"وهكذا نمضى مع الصوفية فنحس أن قضية الاغتراب عندهم بدأت فى إطار اجتماعي لكون من التمرد على الواقع أ والثورة عليه، ولكنها أخذت تنم ومستحيلة إلى غربة كونية. قوامها الهرب من هذا الوجود الحسى بوصفه غريبا وغير أصيل بالرجوع إلى الله والفناء فيه بوصفه الوجود الحق،أ و– على حد تعبير الصوفية – الوطن الأصلى"

ومن أجل ذلك فالشاعر الصوفى فى حالة اغتراب دائم طلبا للاتصال بالذات الإلهية، ويعبر العفيف التلمسانى عن هذا المعنى نثرا وشعرا، حيث كان له آراء قيمة فى الاغتراب بثها فى ثنايا شرحه لمواقف النفرى كلها تربط بين الاغتراب والحجاب الذى يحجب العبد السالك عن ربه، ولابد من تجاوزها حتى يتم له الوصال، فيقول معلقا على موقف النفرى القائل:"قال: وجاء الموج فرفع ما تحته وساح على الساحل".

قلت (التلمساني):"معناه انكشف لى فى ذلك الموقف حال الهالكين، فى ذلك البحر فمن ركب، وهم الذين كانوا تحت الموج، والمراد أن الموج ه والأحكام المعطية رمت الهالكين فى البحر إلى الساحل، أى ردتهم إلى عالم الحجاب ومحل الاغتراب، فكأنه قال: الأسباب حجاب"

ويصور لنا موقفه من الاغتراب من أجل الحبيب شعرا يقول:

حبيب هجرت الخلق طوعا لحبه
ومن أجله أضربت عن ذكرهم صفحا
حتمت على قلبى مراقب بابه
عسى مغلق الأبواب يعقبها فتحا
حسدت على دمع عليك أرقته
وذاك لأن الحب بالسح فد صحا
حنانيك ليس الصبر عنك بممكن
فإن لم أنل منك المحبة فالصفحا
حرام على العيدين طرفى ومسمعى
لأنك يا مولاى فطـرى والأضــحا

يستبطن العفيف نفسه، ويعبر عن تجربته الروحية التى بث فيها لواعج نفسه، ونفثات الشوق فى داخله نح والحبيب الذى يناجيه، ويرج ومحبته أوالصفح عنه، والشاعر هنا مازال يقر بوجود عالمين: عالم المحسوسات الذى يحاول التخلص منه أوالتغلب عليه بالعودة والانفتاح – إن صح التعبير – على العالم الآخر، عالم الروحانيات، فإنما:

يذاد عن الورد العذيب سوى امرءٍ
غريب له فى كل منهلة وردُ

فلا يشرب من المنهل العذب سوى الغريب الذى يجاهد من أجل القرب، وهذا ه وهدفه من وراء اغترابه، لذلك فإن الباحث يختلف مع من يرى أن الاغتراب ناجم عن الفراغ الوجودى الناتج عن إحباط إرادة المعنىأ وفقدانها، وأن المغترب حياته تتسم بالخواء، فلا هدف أسمى جدير بالنضال من أجله أ وقيمة بإمكانه أن يحققها والمغترب لم يعثر على ذاته بعد، وإذا عثر عليها ليس فى مقدوره أن يتطابق معها

ويرد التلمسانى على هذا الزعم مبينا الهدف من اغترابه قائلا:

غريب الحى قلبى فى حماكم
نزيل فى دياركم غريب
رحلتم عن حمى الوادى سحيرا
وسرتم وه وخلفكم جنيب
عجبت لناركم بربا المصلى
ومنها الصب فى نجد يذوب
ونشركم على بعد وقرب
إلى المشتاق تحمله الجنوب
وإن أرجوكم وأخيب كلا
سواكم قصد راجية يخيب
وبى – من لا أسميه حياء
بحكم حضوره فه والرقيب
يميس قوامه فيكاد قلبى
يطير من اللذاذة إذ يطيب

فالصوفى المغترب لا ييأس أبدا، لأن له هدف سام يسعى إليه، وإن خاب سعيه مرة، فلديه فرصة، أ وعنده العزم الكافى لإعادة الكرة مرة أخرى، ولا يمنعه من القرب حياء ولا غيره، ونلاحظ – كما سنرى بعد ذلك – هذا التنازع بين القرب والبعد. ويرد ابن الفارض على هذا الزعم أيضا قائلا:

لم أدر ما غربة الأوطان وهى معى
وخاطرى، أين كنا، غير منزعج
فالدار دارى وحبى حاضر، ومتى
بدا، فمنعرج الجرعاء منعرج

ويعلق النابلسى على هذين البيتين قائلا:"المعنى أنه لا يعرف ما هى الغربة عن الأوطان لإعراضه عن كل ما سوى المتجلى الحق فى جميع الأكوان، وإنما يدرك ذل الغربة ومشقتها الغائب عنه تعالى، الحاضر مع الأشياء فى الأماكن والأزمان، وفى الحديث"حب الوطن من الإيمان"وأول الأوطان حضرة العلم الإلهى القديم، ثم حضرة الإرادة الربانية، ثم حضرة القلم الأعلى واللوح المحفوظ إلى أن يظهر الكائن فى عالم الدنيا، فيكون غريبا عن أوطانه، فإذا شهد الحق تعالى الغائب عنه بالذات، وه وحاضر بالأسماء والصفات فى أنواع التجليات، لم يدر ما غربة أوطانه فى جميع أزمانه..."

وهذا يعنى أن المغترب الصوفى لا يشعر بهذا الفراغ الوجودى الذى عممه الباحث محمد عباس يوسف على المغتربين، بل إنه جعله مرادفا للاغتراب

فالصوفى إن كان يشعر بالاغتراب داخل وطنه وبين مجتمعه، إلا أنه – مع ذلك – لم ييأس، ومن ثم نراه دائم البحث عن مواطن الأمان والطمأنينة، وهذا ما يجلعه فى حنين دائم إلى الأماكن المقدسة لاعتقاده أنها رمز للحضرة الإلهية.

  الحنين إلى الأماكن المقدسة ومهابط الفتوحات:

يلاحظ الباحث فى الشعر الصوفى عموما - وفى مصر الإسلامية فى القرن السابع الهجرى خصوصا - أن الشعراء كانوا دائمي الحنين إلى الأماكن المقدسة والى أرض الفتوحات بصفة عامة، سواء كانت حجازية أ وشامية، فامتلات قصائدهم بها، وأظن أن ذلك بث فى نفوسهم نوعا من الاغتراب، جعلهم يتطلعون دائما إلى التجرد من متاع الدنيا وزينتها بالهجرة عن الأوطان حيث الأهل والخلان الحسيين أ والظاهرين، للبحث عن مواطن الصفاء، ومنازل الروح، ولذلك نرى أن أغلب قصائدهم تنطق بالرحيل والإعداد للسفر، والحادى، والعيس، وهى – فى الغالب – رموز وتلويحات إلى مواطن الحضرة الإلهية، وأماكن تجلياتها، وهذا يجعلنى أجزم بأن ما وجد فى الشعر الصوفى من وصف الرحلة بجميع تفصيلاته، والإعداد لها، وما قدموا به قصائدهم من مقدمات تنطق بالنزوح والارتحال، ما كان تقليدا للشعراء السابقين لهم،أ وجريا على نمط معتاد فى القصيدة العربية، وإنما كان نابعا من شعور نفسى وفكرى دائم بالاغتراب لدى الشاعر الصوفى بحثا عن ضالته التى ينشدها، ولن يقر له قرار حتى يظفر بها.

مثال ذلك قصيدة بدر الدين محمد بن عبد الوهاب الأدفوى التى يبدأها بقوله:

حادياها خلياها وسراها
للحمى إن شئتما أن تسعداها

يقول فيها:

يا أهيل المنحنى له مهجة
عزها الوجد وقد عز عزاها
شاقها ذكر المصلى والنقا
فصبت وجدا لنجد ورباها
تشتهى نجدا وتهوى تربها
فهى لا تصب وإلى معنى سواها
لا ترم مصرا ولا روضاتها
لا ولا مشتهاها مشتهاها
لا ولا جلق فى انهارها
وجنى جناتها ليس مناها
إنما تصبوا لنجد المنحنى
ولها شوق إلى وادى قباها
حرم النوم على مقلتها
فرط وجد فه ويسه ولسهاها

فالشاعر لا يصبوا إلى مصر بجمالها وروضاتها، وإنما يشتاق ويهتز قلبه إلى نجد وما حولها من أماكن الفتوحات والفيوضات الربانية، حتى حرمه هذا الشوق من النوم لتطلعه إلى رؤيتها.

والدليل أيضا على ما ذكرت أن أغلب شعراء الصوفية فى هذا القرن كانوا مغتربين اغترابا داخليا وخارجيا، بحثا عن أماكن الفتوحات، فالشيخ الأكبر ابن عربى هاجر من الأندلس إلى مصر ثم إلى مكة ثم إلى الشام، وليس أدل على سعيه إلى أرض الفتوحات والإلهامات من كتابه"الفتوحات المكية"الذى يظهر من عنوانه أنه تعبير عما أفاض الله عليه من فيوضات علميه وروحانية فى مكة وه والقائل:

وهم طالبوا ما قد دعاهم لنيله
وأين اقتراب العبد من اغترابه
لقد أخطأوا نهج السلامة ل وبقوا
على سيرهم لولا رجيم شهابه

وكان ابن الفارض دائم التجرد والسياحة فكان فى الأطوار الأولى من حياته يستأذن أباه فى السياحة بوادى المستضعفين بالجبل الثانى من المقطم، ويقيم فى السياحة ليلا ونهارا، ثم يعود إلى والده لأجل بره ومراعاته، ويتكرر ذلك كثيرا ولكن يبد وأنه لم يفتح عليه بشئ، وقد سبق الإشارة الى قصته مع البقال الذى اعترض ابن الفارض على وضوئه فقال له: يا عمر أنت ما يفتح عليك فى مصر، وإنما يفتح عليك بالحجاز فى مكة شرفها الله، فاقصدها فقد آن لك وقت الفتح... فنظر إلى وقال: هذه مكة أمامك، فنظرت (أي ابن الفارض) معه فرأيت مكة شرفها الله تعالى، فتركتها وطلبتها، فلم يفتح أمامى إلى أن دخلتها فى ذلك الوقت. وجاءنى الفتح حين دخلتها فترادف ولم ينقطع"

وهذا الحوار يعكس سعى ابن الفارض الدائم لأماكن الفتوحات، والتطلع المستمر للاستقرار الذى لم يتحقق إلا خارج وطنه، مما يعكس كذلك حالة اغترابية داخل بلده وخارجها، وهذا ما يعبر عنه ابن الفارض عندما استعصى عليه الفتح فى مصر قائلا:

ويا جلدى، بعد النقا، لست مسعدى
ويا كبدى، عز اللقا فتفتتى
ولما أبت الا جماحا، ودارها انـ
ـتزاحا، وضن الدهر منها بأوبة
تيقنت ألا دار من بعد طيبة
تطيب، وألا عزة بعد عزة

ويقول:

يا أهل ودى، هل لراجى وصلكم
طمع، فينعم باله استرواحا
مذغبتم عن ناظرى لى أنة
ملأت نواحى أرض مصر نواحا
وإذا ذكرتكم أميل، كأننى
من طيب ذكركم سقيت الراحا

إذن فه وفى قلق وحيرة وإحساس بالاضطراب، بعيدا عن مهبط الفيوضات الإلهية، وبالطبع إن الفيوضات تهبط فى أى مكان، والمهم نقاء القلب والروح، ولكن للمقدسات الإسلامية خصوصية فى ذلك، وهذا ما يتغنى به ابن الفارض فى قوله:

كيف يلتذ بالحياة معنى
بين أحشائه كورى الزناد
عمره واصطباره فى انتقاص
وجواه ووجده فى ازديار
فى قرى مصر جسمه والأصيحا
ب شآما، والقلب فى أجياد
إن تعد وقفة فويق الصخيرا
ت رواحا، سعدت بعد بعادى
يا رعى الله يومنا بالمصلى
حيث تدعى إلى سبيل الرشاد

وبعد أن وصل مكة، وشعر بالأمان من اغترابه، وأخذ فى تلقى الواردات الإلهية، أخذ يعبر عن مواجيده وعشقه لهذه الأرض المقدسة، وإحساسه بالراحة فيها:

وأى بلاد الله حلت بها فما
أراها وفى عينى حلت غير مكة
وأى مكان ضمها حرم، كذا
أرى كل دار أوطنت دار هجرة
وما سكنته فه وبيت مقدس
بقرة عينى فيه، أحشاي قرت
ومسجدى الأقصى مساجد بردها
وطيبى ثرى أرض عليها تمشت

ولطالما كان يسمعنا نواحه واشتياقه لهذه الأرض بعد عودته منها، مما يدل على أن اغترابه لا ينتهى، وبمعنى أشمل اغتراب مخيف وممتع فى نفس الوقت؛ لأنه ينحت من نفسه وأعصابه ليقدم عملا فنيا عظيما، يقول ابن الفارض:

يا سميرى روح بمكه روحى
شاديا إن رغبت فى إسعادى
كان فيها أنسى ومعراج قدسى
ومقامى المقام والفتح بادى

وقد يتبادر إلى الأذهان أن الباحث خلط بين الاغتراب والحنين، مع أن الحنين إلى الأرض المقدسة موجود فى نفس كل مؤمن، وهذا قول صحيح، ولكن حنين الصوفى شئ مختلف حيث تمثل هذه الأماكن رموزا للحضرة الالهية بما تحتويه من معان وأسرار؛ ولذلك عندما يعبر الصوفى عنه يخرج تعبيره مفعما بالحرقة والشوق، مما يعكس نبرة اغترابية لا تخفى ولا نستطيع إنكارها.

ولقد نمَّى الحنين إلى الأراضى المقدسة ومهابط الفتوحات عند الصوفية نوعا من أدب الرحلة الذى تعاملوا معه بنوع من الحذرأوالحدودية وفقا لآرائهم ومعتقداتهم، ول وأنهم أطلقوا لأنفسهم العنان، ولأرواحهم وملكاتهم الحرية، لخرج من إنتاجهم شعرهوأرفع ما يكون قيمة فى الرحلة والترحال.

وهذا شاعر آخر ه والعفيف التلمساني الذى كان جوَّالاً بين دمشق ومصر والأماكن المقدسة، ولهذا جاء شعره ناطقا بروح الترحال والحنين إلى تلك الأماكن، وقلما نجد قصيدة لم يذكر فيها حنينه إلى نجد، وغيرها كالجرعاء ووادى المصلى، فيشد وقائلا:

قفا بالمطايا بين نجد وشعبه
نؤدى تحيات الغرام لصبه
فبين ربا تلك الربوع منازل
لعلوة ماء الدمع أكثر شربه
إذا ما التثمنا بالنواظر تربة
تمسكت الأجفان منا بتربه
أحن إليها وهى قلبى وهل ترى
سواى أخ ووجد يحن لقلبه
ويحجب طرفى عنه إذ ه وناظرى
فما بعده إلا لإفراط قربه

ففى هذه الأبيات وغيرها يعبر الشاعر عن مقدار شوقه إلى هذه الربوع الظاهرة والحاضرة فى القلب. ولذا فهى ليست – فى العرفانية الصوفية – مجرد أماكن؛ بل رموز لعالم الملكوت، ومقامات القرب من الله.

ويلفت انتباه الباحث فى شعر العفيف خصوصا، وشعراء الصوفية - فى مصر - عموما أنهم يقرنون ذكر هذه الأماكن المقدسة بذكر العرب ووفائهم وكرم أخلاقهم من الجود والسخاء والصدق.. الخ.

وهذا - فى ظنى - يرجع إلى اعتبار شعراء الصوفية"العرب"إشارة ورمزا إلى الحضرة الإلهية. وعالم الملكوت الأعلى، لإقامتهم فى الأماكن المقدسة، حيث الطهر والعفاف، وينتسب إليهم خير البشر رسول الله محمد صاحب الحقيقة المحمدية والسر الذى يمتد فى حياة البشرية منذ الأزل.

ومما يؤيد هذا الرأى أن الشعراء الصوفيين نسبوا إلى العرب كل صفات الكرم، مثل قول العفيف التلمسانى:

وارج قراهم إذا نزلت بهم
فأنت ضيف لهم وهم عرب
واسجد لهم واقترب فعاشقهم
يسجد شوقا لهم ويقترب

فهل السجود والاقتراب للعرب أم لله، وهذا دليل على أن العرب هنا ليسوا الجنس البشرى بعينه، وإنما تلويحا ورمزا للحضرة الالهية

الاغتراب عن الأوطان - إذن - لم يكن مجرد سخط من الصوفى على مفاسد المجتمع واختلاله الفكرى والسياسي والاجتماعي، بل كان نتيجة تطلع نفسى دائم لدى الشاعر الصوفى للبحث عن الحقيقة الكامنة فى"الحضرة الإلهية"وطرق الاتصال بها والتقرب إليها نيلا لمواهبها المتمثلة – كما سيتضح- فى المحبة الخالصة للذات الإلهية.

  الشوق والاغتراب:

الشوق عند الصوفية هبة خص الله بها المحبين، فمن أحب الله اشتاق الى لقائه"قال ذ والنون: الشوق أعلى الدرجات، وأعلى المقامات، فإذا بلغها الإنسان استبطأ الموت شوقا إلى ربه، وقد قسم أب والعباس المرسي الشوق إلى قسمين: شوق على الغيبة لا يسكن إلا بلقاء الحبيب، وه وشوق النفوس، وشوق الأرواح على الحضور والمعاينة، فإذا رفعك إلى محل المحاضرة والشهود المسلوب عن العلل فذلك مقام التعريف إيمانا حقيقيا وذاك ميدان تنزل أسرار الأزل"

فالمشتاق فى عمل دءوب، وترقب مستمر إلى لقاء الحبيب والتمتع بجماله وبهائه يشعر بالغربة الوجودية والكونية، لأن حضوره لا يكون إلا بالحى القيوم. يقول ذ والنون المصرى:

توجع ممراض، وخوف مطالب
واشفاق مهموم وحزن كئيب
ولوعه مشتاق، وزفرة واله
وسقطة مسقام بغير طبيب
وفكرة جوال، وفطنه غائض
ليأخذ من طيب الصفا بنصيب
ألمت بقلب حيرته طوارق
من الشوق حتى ذل ذل غريب
يكاتم لى وجدا، ويخفى محبة
ثوت فاستكنت فى فؤاد لبيب
خلا فهمه من فهمه لحضوره
فمن فهمه: فهم عليه رقيب
يقول إذا ما شفه الشوق واحتدى
به العيش، يا أنس المحب يطيب
فهذا لعمرى عبد صدق مهذب
صفى فاصطفى، فالرب منه قريب

ويعتبر بعض الباحثين الشوق قريب الاغتراب؛ لأن"الشوق إلى الشئ يعنى فيما يعنيه الاغتراب عنه، فالمشتاق إلى وطنه لابد أن يكون مغتربا عنه"

ونتفق مع هذا الرأى ونضيف إليه أن هذا النوع من الاغتراب المقرون بالشوق لا ينتهى ولا يقر له قرار، لأن السالك ل ووصل إلى درجة من درجات الوصال، لاشتاق لغيرها، ول ووصل إلى النهاية لاشتاق إلى الملازمة والملازمة مستحيلة، لأن النفس فى مدارجها بين صعود وهبوط.

ويؤكد ذلك تعريف الكاشانى للشوق بأنه حركة الشوق الى الله بالمحبة المنبعثة من مطالعة تجليات الصفات. وتقسيمه الشوق الى مراتب تبدأ بالاشتياق إلى وعد الله للمحبين بالجنة ثم الشوق الى الكرامة ثم التخلق بأخلاقه تعالى إلى أن ينتهى إلى الاشتياق مع الوصول إلى شهوده بجميع التجليات ومعاينة جماله فى الكائنات

وهذه المراتب تبين تحفز العارف وتطلعه إلى اجتياز كل مرحلة لبلوغ الأعلى منها، كفعلهم مع المقامات.

والدليل أيضا أن الشوق يعرف بأنه سفر القلب إلى المحبوب الأعلى سبحانه"وقد قيل: ه واحتياج القلوب إلى لقاء المحبوب.. وقالت طائفة: بل يزيد الشوق بالقرب والوصال، ولا يزول؛ لأنه كان قبل الوصول على الخبر والعلم، وبعد قد صار على العيان والشهود، ولهذا قيل:

وأبرح ما يكون الشوق يوما
إذا دنت الخيام من الخيام

قالوا: ومن الدليل على الشوق يكون حال اللقاء أعظم: أن نرى المحب يبكى عند لقاء محبوبه وذلك البكاء إنما ه ومن شدة شوقه إليه ووجده به، ولذلك يجد عند لقائه نوعا من الشوق، لم يجده فى حال غيبته عنه"وهذه الفقرة الأخيرة تؤكد ما ذهبت إليه سابقا أن المحب السالك مغترب لا ينتهى اغترابه مطلقا.

يقول أب والحسن الصباغ :

وردنا على أن الهوى مشرب عذب
وحط به للسفر أشواقه الركب
فلما وردنا ماءه ألهب الظما
ألا من رأى ظمآن ألهبه الشرب
أكب الهوى يزكى على زناده
أيا قادحا أمسك فقد علق الحب.
ول وأننى أخليت قلبى لغيركم
من الناس محبوبا فما وسع القلب
ترى تسمح الأيام منكم بنظرة
فتلقى على الأيدى الرسائل والكتب
أعاتبكم لا من ملال ولا قلى
ولكن إذا صح الهوى حسن العتب

فعبارة"ألا من رأى ظمآن ألهبه الشرب"تؤكد استمرار الشوق، واهتياجه بالوصال، ولذلك ارتبط الشوق عند الصوفية بنبرة الحزن، وما تكنه النفس من ألم الفراق.

ويقول ابن الخيمى الذى كان ديوانه ينطق بالشوق والحنين الملتاع:

إذا ما بثثت الشوق ياعز فاعلموا
. بأن يسير الشوق يعجز عن بثى
.
تجدد لى الأشواق فى كل ساعة
. على بالى البالى ومصطبرى الرث
.
وأنفث أشك وفرقة فيطبها
. بأخرى كأن البين يطرب من نفثى

ويقول:

شوقى إليكم مثل وجدى فيكم
. أبداً يزيد حضرتم أ وغبتم
.
والقلب أصبى ما يكون لوصلكم
. والجسم أضنى والمدامع سجم
.
وحقكم لم يطف دمعى لا ولا
ج برد الصبا نارا بقلبى تضرم
.
كلا ولا سكن الذى ه وساكن
. فى القلب من قلق الحنين إليكم
.
وأنا الذى لم يسله ما يفعل الـ
. ـأحباب فيه وما تقول اللوم
.
بأن يقربنى التذكر والنهى
. عنهم وتبعدنى المهامة عنهم
.
ومن انتهى طلبى إليهم وانتهى
. فالآن مالى مطلب إلا هم
.
كلى لكم متوجه ويصدنى
. إجلالكم عن أن أقول إليكم
.
فالشوق يجبرنى وقدرى حابسى
. والقلب ينجد والجوارح تتهم
.
بديار حسنكم أطوف ملبيا
. داعى الغرام وعن سواكم يحرم
.

فنبرات الحزن التى تعلوا الأبيات توحى بما تكنه نفس الشاعر من الإحساس بالحرمان والحزن لبعد الحبيب , والتطلع لمواصلته حتى ل وسكب المحب بدلا من الدموع الدماء، فالشوق يحفزه للقاء، ولكن قدره ما زال ضعيفا حقيرا أمام قدر المحبوب الذى تهف ونفسه إليه.

وهذا الإحساس بألم الفراق ناتج عن امتلاء قلوب المحبين بالمحبة، يقول الطوسى: وسئل بعضهم عن الشوق فقال: هيام القلب عند ذكر المحبوب، وقال أب وسعيد الخراز رحمه الله: ملئت قلوبهم عن المحبة فطاروا بالله عز وجل طربا وهاموا إليه اشتياقا؛ فيالهم من قلق مشتاق آسف بربه، كلف دنف ليس لهم سكن غيره ولا مألوف سواه !!.

وأهل الشوق على ثلاثة أحوال:

فمنهم من اشتاق إلى ما وعد الله تعالى أولياءه من الثواب والكرامة والفضل والرضوان، ومنهم من اشتاق إلى محبوبه من شدة محبته وتبرمه ببقائه شوقا إلى لقائه.

ومنهم من شاهد قرب سيده، وأنه حاضر لا يغيب، فينعم قلبه بذكره، وقال: إنما يشتاق إلى غائب وه وحاضر"لا يغيب"، فذكر بالشوق عن رؤية الشوق، فه ومشتاق بلا شوق، ودلائله تصفه عند أهله بالشوق ولا يصف نفسه بالشوق، والشوق يقتضى الأنس"

وهذا يعنى أن اغتراب الشوق إلى الله، ه واغتراب حرمان من الوصال والعودة بالروح إلى مصدرها النقى، وكذلك تمنى رؤية المولى ببهائه وجماله. يقول التلمسانى:

أحبابنا هل بقربكم أمل
. أم هل بوصلكم أرى سببا
ج
آها لأيامنا بقربكم
. وطيب عيش بوصلكم ذهبا
.
يا سائق العيس نح وكاظمة
. أبلغ سلامى لنازلين قبا
.
وقل قضى ذاك المشوق بكم
. وما قضى من وصالكم أربا
ويقول:
بوارق لاحت للوصال فثمها
. فيا بعد قد دنا زمن القرب
ج
بقيت وهل يبقى صب به لوعة
. تقلبه الأشواق جنبا إلى جنب
ج
بلغت المنى ممن أحب بحبه
ج ولابد للمربوب من رحمة الرب

وينقلنا ابن الفارض إلى أجواء شوقه، ويحيطنا خبراً بما جره عليه من وهن وضعف ونختار له أبياتا قلائل، يقول فى تائيته الصغرى:

وقالوا جرت حمرا دموعك، قلت:
عن أمورجرت فى كثرةالشوق قلت

ويقول فى أبيات متفرقات من يائيته:
آه، وأشوقى لضاحى وجهها
. وظما قلبى لذياك اللمى
.
قد برى أعظم شوقى أعظمى
. وفنى جسمى، حاشا أصغرى
ج
ذابت الروح اشتياقا، فهى، بعـ
. ـد نفاد الدمع، أجرى عبرتي
.
فهبوا عينى، ما أجدى البكا
. عين ماء، فهى إحدى منيتى
.
أ وحشا سال، وما اختاره
. إن تروا ذاك بها منا على
.
بل اسيئوا فى الهوى،أ وأحسنوا
. كل شئ حسن منكم لدى

إنه يشعر بحالة من الاغتراب بمعنى التمزق أوالانفصال بوصفه محب مادى متناهى يحمل بين طياته روحا لا مادية تشتاق للعودة إلى أصلها اللامتناهى، ولذلك فهى حزينة تشعر بالاغتراب لكونها فى عالم لا يتناسب مع طبيعتها، ولكنها لا تستطيع الهرب أوالفكاك من أجل البحث عن الذات الجوهرية، ومن أجل ذلك نرى العارف – لكشفه تلك الحقيقة – فى حالة من الحزن والبكاء والقلق الذى لا ينتهى. والقلق"ه وتحريك الشوق صاحبه بإسقاط صبره. وصورته فى البدايات: تحريك النفس إلى طلب الموعود، والسآمه عما سواه فى الوجود. وفى النهايات: قلق لا يبقى شيئا ولا يذر، ويفنى كل عين وأثر"

يقول ابن الخيمى:

يا مطلبا ليس لى فى غيره أرب
. إليك آل التقصى وانتهى الطلب
.
وما طمحت لمرأى أ ولمستمع
. إلا لمعنى إلى علياك ينتسب
.
وما أرانى أهلا أن تواصلنى
. حسبى علوا بأنى فيك مكتئب
.
لكن ينازع شوقى تارة أدبى
. فأطلب الوصل لما يضعف الأدب
.
ولست أبرح فى الحالين ذا قلق
. نام وشوق له فى أضلعى لهب
ج
وناظر كلما كفكفت أدمعه
. صونا لحبك يعصينى وينسكب
.
ويدعى فى الهوى دمعى مقاسمتى
. وجدى وحزنى ويجرى وه ومختضب
.
ثم يقول فى نفس القصيدة:
دانٍ وأدنى وعز الحسن يحجبة
. عنى وذلى والإجلال والرهب
.
أحيا إذا مت من شوق لرؤيته
. لأننى لهواه فيه منتسب
.
ولست أعجب من جسمى وصحته
. من صحتى إنما سقمى ه والعجب
.
وا لهف نفسى ل ويجدى تلهفها
. غوثا، وواحربا ل وينفع الحرب
.
يمضي الزمان وأشواقى مضاعفة
. يا للرجال ولا وصل ولا سبب
.

إ
ن الشاعر الصوفى- وفق هذه الأبيات- يعيش تجربة الاغتراب بكل كيانه، يشعر فى داخله بهوه سحيقه يكاد أن يسقط فيها، ويتوه فى دروبها، ومن أجل ذلك نسمعه يندب، ويرسل صيحات الاستغاثة، لأنه يشعر أن العمر يمر سراعا، وينفرط عقده من بين أصابعه، ولم يحقق الأمل الذى يسعى من أجله، ولم يصل إلى الوطن الذى اغترب عنه،أ وبمعنى آَخر الوطن الذى يبحث عنه، ليترك على أعتابه همومه ويقضى على اغترابه.

ويتمثل الاغتراب مع الشوق أقوى ما يتمثل فى"الحيرة"التى يشعر بها العارف أثناء سلوكه وشعوره بعدم الوصال. ويذهب ابن عربى إلى أن الحيرة تأتى نتيجة الحجاب والاستتار بالنظر العقلى، فإذا تم الكشف وصفا العلم الشهودى والعرفان الذوقى ارتفع التحير"فالحائر دائر"أى السير بالله ومن الله وإلى الله. ويقول ابن عربى أيضا:

حار أرباب الهوى
. فى الهوى وارتبكوا

لما كان الهوى يطالب بالشئ، وتفيضه حار صاحبه وارتبك فإنه من بعض مطالبه موافقة المحبوب فيما يريده المحبوب وطلبه الاتصال بالمحبوب، فإن أراد الهجر، فقد ابتلى المحب صاحب الهوى بالنقيضين أن يكونا محبوبين له فهذه هى الحيرة التى لزمت الهوى

فالحيرة لا تنتهى لا فى لحظة الوصال ولا فى لحظة الهجر، ولذلك فإن قلب الصوفى دائما مضطرب قلق، ومع ذلك ربما تكون الحيرة مطلوبة عند العارفين يقول ابن الفارض:

زدنى بفرط الحب فيك تحيرا
. وارحم حشى بلظى هواك تسترا
ج
وإذا سألتك أن أراك حقيقة
فاسمح ولا تجعل جوابى: لن ترى

ويعلق النابلسى على البيتين بقوله:"الحيرة فى الله تعالى عين الهداية، ولهذا طلب الزيادة منها.."ونسمعه يقول:

وما احترت حتى اخترت حبيك مذهبا
فواحيرتى ل ولم تكن فيك حيرتي
ج
فقالت: هوى غيرى قصدت ودونه اقـ
ـتصدت عميا عن سواء محجتى

ويفضى أب والعباس المرسى بمكنون نفسه من الحيرة واللوع قائلا:

ومن وجه ليلى طلعة الشمس تستضى
. وفى الشمس أبصار الورى تتحير
.
وما احتجبت إلا برفع حجابها
. ومن عجب أن الظهور تستر
ج

فالصوفى لا يقر له قرار، بين تطلع لرؤية الذات الإلهية، وبين خشية من الاستتار بعد الظهور، وهذا التطلع ما زال ينبئ عن تجربة شعورية محتدمة وناطقة بأدب صادق رفيع. ويقول أب والعباس المرسي:

وقد بقينا مذبذبين حيارى
. نطلب الوصل ما إليه سبيل
.
فدواعى الهوى تخف علينا
. وخلاف الهوى علينا ثقيل
.

فالعارفون يريدون أن يفصلوه تعالى بالكلية عن العالم من شدة التنزيه، فلا يقدرون، ويريدون أن يجعلوه عين العالم من شدة القرب فلا يتحقق لهم، فهم على الدوام يتحيرون، فتارة يقولون هو، وتارة يقولون ما هو، وتارة يقولون ه وما ه و"

فالحيرة هنا تأخذ منحا فكريا أ وبالأجدر تفكريا، حيث يتفكر العارف فى حقيقة الله وملكوته فلا يزيده ذلك إلا حيرة. يقول محمد بن محمد بن عيسى القوصى:

إذا ابتسمت من الغور البروق
تأوه مغرم وبكى مشوق
يذكرنى العقيق وأى حب
له صبر إذا ذكر العقيق
ويسعدها على الخفقان قلبى
ويسكن وه ومضطرم خفوق
أفق يا قلب من سكر التصابي
وأقسم إن مثلك لا يفيق

نراه يقسم فى النهاية أن قلبه لا يفيق من سكر الحب، بل ه ودائما"مضطرم خفوق"وهذا يجعلنا نفسر سبب الشعور الدفين بالحزن لدى الشاعر الصوفى، وما تنطق به لغته المليئة بالدموع والأسى فما من قصيدة لشاعر صوفى، إلا وجدناها أنشودة حب مأساوى، فمثلا عفيف الدين التلمسانى الذى تراقصت ألفاظه وصورة على قيثارة الحزن والبكاء، مثل قوله:

كيف بتنا من الهوى نتشاكى
يا لقومى وفى الرحال الماء
كم بكينا حزنا بمن ل وعرفنا
كان من شدة السرور البكاء
ولولا بكاها ما بدا فوق خدها
دموع حكاها اللؤلؤ المتبدد
وما كنت أدرى فتنة العشق قبلها
إلى أن رأت عينى جمالك يعبد

فالنار المتوقدة فى القلب، والحزن المتأجج والدموع التى لا تجف، كل هذا من طبيعة العارفين، ومن ثم فنسمع جلال الدين الرومى يقول:"إن هذا الهواء الذى أنفخه فى هذا الناى نار وليس هواء، وكل من ليست له هذه النار فليمت"

وكأن ابن الفارض يعبر عن هذا المعنى شعرا قائلا:

فلولا زفيرى أغرقتنى أدمعى
ولولا دموعى أحرقتنى زفرتى
وحزنى ما يعقوب بث أقله
وكل بلا أيوب بعض بليتى

إذن يصير(الشوق والحيرة والقلق والحزن) عند الصوفية مترادفات للاغتراب الذى يجعل الصوفى مبدعا ولكنه بائس دائما يتغنى للجمال، ويشد وللنور والتجلى، ومع ذلك يعل وصياحه ويشتد عويله وبكاؤه وما ذلك إلا للبعد أ وللحذر من البعد بعد القرب من الذات الإلهية.

ثانيا - الاغتراب عن الذات:

إن الشاعر الصوفى - الذى يحلم بعالم مثالى فى نفسه وفى مجتمعه - يجد نفسه واقعا فى حالة انقسام فى وجوده بين الواقع والمثالى، أى بين الواقع المادى الملموس والعالم السامى الروحى الذى يصعب عليه الوصول إليه، بسبب طبيعته المشدود إلى أسفل، والبعيدة عن العل وبفعل التلوث بالمعصية التى تسببت فى أول حالة اغتراب – كما أسبقت – بخروج آدم وحواء من الجنة. يقول د. محمود رجب:"ومما لا شك فيه أن لحظة هبوط الإنسان من السماء وسيطرة النفس اللوامة عليه فى حياته على الأرض، هى من بين جميع لحظات الإنسان الوجودية، أشدها عمقا، وأكثرها إثارة للتوتر والقلق والتأزم، وقد أطلق أحد الباحثين الهنود، وه والدكتور حسن عسكرى"كلمة"الاغتراب على هذه اللحظة، ففى نظره أن الاغتراب فى الإسلام يتمثل فى أن الإنسان بعدما كان واحدا مع الله، صار منفصلا عنه، وبعبارة أخرى يقول: إن الوحدة التى كان يتمتع بها روح الإنسان فى وجوده الأصلى الأول، أى وحدته مع الله، انفصمت عراها من خلال المعصية، وتحاضر فى الإنسان الجانب الإلهى، والجانب الإنساني تحاضرا، ولد معه ألوانا شتى من الازدواجية"

ومن هذه اللحظة شعر الإنسان أن نفسه الأمارة بالسوء هى السبب فى شقائه وعنائه، ولابد من مجاهدتها ومحاربتها، من أجل الترقى مرة أخرى للوصول إلى المصدر النقى الصافى الذى هبطت منه، بالتخلص من سجن المادة الذى انعجنت فيه، يقول ابن عطاء الله السكندري فى إحدى حكمه:"أخرج من أوصاف بشريتك عن كل وصف مناقض لعبوديتك؛ لتكون لنداء الحق مجيبا، ومن حضرته قريبا"ويصور أحد سادة المدرسة الشاذلية، ه وأب والعباس المرسي مدى ارتباط النفس بالبدن، يقول:

إن كنت سائلنا عن خالص المنن
وعن تعلق ذات النفس بالبدن
وعن تشبثها بالخط مذ ألفت
أدرانها فغدت تشك ومن العطن
وعن تنزلها فى حكمها ولها
علم يفرقها بالقبح والحسن
وعن بواعثها بالطبع مائلة
تهوى بشهوتها فى ظلمة الشجن
وعن حقيقتها فى أصل معدنها
لا ينثنى وصفها منها إلى وثن
فاسمع هديت علوما عز سالكها
عن العيان ولا يغررك ذ ولسن
قصد إلىالحق لا تخفى شواهدها
قامت حـقائقـها بالأصـل والـفـنـن

فإذا كانت النفس أساس حياة البدن، كما يعرفها كل من ابن سينا والغزالى بقولهما:"إن النفس التى نجدها هى كمال لجسم طبيعى آلى له أن يفعل أفعال الحياة"إلا أن ذلك لا يمنع أنها لطيفة روحانية،أ وكما أطلق عليها ابن سينا"جوهر روحى"وهذا الجوهر الروحى حبيس فى سجن الجسد المادى، منطبعة بطباعة، مغتربة فى داخله.

يقول العفيف التلمساني:

نعم هذه الدار التى أنت ترغب
إلى أين عنها يالك الخير تذهب
أعن دار ليلى بعدما بان بانها
وفاح شذا أنفاسها تتحجب
لقد سمحت روحى بقرب مزارها
بفرقة جسم لم تزل فيه ترغب
وهل كانت الأجساد إلا مطينا
تقربها معنى لها حين تقرب
نعم ذلك المعنى الذى أشرقت به
بدور سناها بعدما عنك تغرب
ولاحت وهل يوما توارت وإنما
بتنزيهها عن ذاك طـرفـى يكـذب

تحمل الأبيات رمزا لطيفا إلى الطريق الذى يسلكه العارف للوصول إلى بغيته وإشارة إلى العالم العلوى الذى يرمز إليه بدار ليلى، التى لا يصل إليها إلا من تخلص من أسر الجسد.

والنفس كى تتخلص من أسر الجسد لابد من مقاومتها، وكسر شرتها؛ لأنها – كما يقول الغزالى – لها معنيان لا يمكن الوصول إلىالمعنى الثانى إلا بتحقيق الأول الذى يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة فى الإنسان ويرى أن هذا الاستعمال ه والغالب على أهل التصوف , لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان، فيقولون لابد من مجاهدتها وكسرها، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: أعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك"ولهذا يتم الوصول إلى المعنى الثانى، ويقصد به حقيقة الإنسان، وهى نفس الإنسان وذاته، التى عارضت الشهوات سميت النفس المطمئنة... وقد يجوز أن يقال: المراد بالأمارة بالسوء: هى النفس بالمعنى الأول، فإذن النفس بالمعنى الأول مذمومة غاية الذم، وبالمعنى الثانى محمودة لأنها نفس الإنسان أى ذاته وحقيقته العالمة بالله تعالى وسائر المعلومات"

وفى هذا التوضيح يشير الغزالى إلى كيفية الوصول إلى حقيقة النفس الصالحة للترقى عن طريق الاغتراب عن النفس الأولى بصفاتها المذمومة ومجاهدتها، حتى يستطيع المتناهى الترقي الى اللامتناهي أوالمطلق؛ لأن"الاغتراب عن الذات أ وفقدان النفس، قد يكون ليكسب الإنسان ذاتاً كلية شمولية، كما فى رحلة الصوفى إلى الله، فقد يفقد نفسه الجزئية ليتحد بالمطلق، ويصبح إنسانا كاملا، فيخرج بذلك من سجن الاغتراب"

ولأن شعراء الصوفية فى القرن السابع عايشوا تجربة الاغتراب عن الذات معايشة واقعية؛ فكلهم من السادة الكبار الساعين للوصول إلى الحقيقة، فإنهم قد نقلوا إلينا تجربتهم فى مجاهدة أنفسهم وخطوات الطريق الذى سلكوه لتطهيرها.

فهذا ابن الفارض الذى اغترب قبل ذلك عن وطنه: داخله وخارجه، يعلن الحرب على نفسه، وحرص على أن يتعبها حتى يستريح، ويبلغ ما يريد:

فـنفسى كانت قبل لـوامـــة مـتـــى.
أطعها عصت أ وتعصى كانت مطيعتى
فأوردتها ما الموت أيسر بعضه
وأتعبتها كيما تكون مريحتى
فعادت ومهما حملته، تحملتـ
ـه منى، وإن خففت عنها تأذت
وكلفتها، لا بل كفلت قيامها
بتكليفها عن عادها، فاطمأنت
ولم يبق هول دونها ما ركبته
وأسهد نفسى فيه غير زكية
وكل مقام عن سلوك قطعته
عبودية حققتها بعبودة
وصرت بها صبا، فلما تركت ما
أريد أرادتنى لها وأحست
فصرت حبيبا بل محبا لنفسه
وليس كقول مر نفسى حبيبتى
خرجت بها عنى إليها، فلم أعد
إلى ومثلى لا يقول برجعة
وأفردت نفسى عن خروجى تكرما
فلم أرضها من بعد ذاك لصحبتى
وغيبت عن إفراد نفسى بحيث لا
يزاحمنى إبداء وصف بحضرتى

فألفاظ (الموت – أتعبتها – حملته – كلفتها – هول) تبين المعاناة الشديدة، التى يقاسيها الصوفى فى سبيل تهذيب نفسه، وقتل رغباتها وشهواتها حتى تنطاع له فى هذا الإسراء الأرضى، حتى يتمكن بعد ذلك من العروج؛ لأن"من أشرقت بدايته أشرقت نهايته"

ويصور ابن الفارض أيضا سموه بنفسه عن عالم المحسوسات، يقول:

ولما نقلت النفس عن ملك أرضها
بحكم الشرا منها إلى ملك جنة
وقد جاهدت فاستشهدت فى سبيلها
وفازت ببشرى بيعها حين أوفت
سمت بى لجمعى عن خلود سمائها
ولم ترض إخـلادى لأرض خـلـيـفـة

يبين أن هدف الاغتراب عن النفس، والسم وبها عن عالمها الأرضى، إنما ملك سماء الجنة، بحكم الشراء والحال أنها جاهدت فى سبيل إليه، فصارت شهيدة"وفازت ببشرى بيعها حين أوفت"وهذه المبايعة مذكورة فى قوله سبحانه:"إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ"(التوبة 111) وشروط هذا البيع مجاهدة الشيطان والهوى، والانخلاع عن الحياة الدنيا. وهذه الرغبة فى المجاهدة تعود إلى طبيعة سيكولوجية ترتبط بالإحساس الدائم بالخطيئة والشعور بالذنب , مما يجعله يتوجه إلى جلد ذاته وتعنيفها , حتى تصل معه للدرجة التى تستحق معها أن تكون حبيبته ,كما يقول فى النص السابق:

فصرت حبيبا بل محبا لنفسه
وليس كقول مر نفس حبيبتى

وحاول أن يخرجها منه أى من طبيعته الكثيفة لبلوغ درجة الروحانية التى تصب وإليها. يقول:

وإنى وإياها لذات ومن وشى
بها، وثنى عنها صفات تبدت.
فذا مظهر للروح، هاد، لأفقها.
شهودا بدا فى صورة معنوية
وذا مظهر للنفس حاد، لرفقها
وجودا غدا فى صيغة صورية
ومن عرف الأشكال مثلى لم يشبـ
ـه شرك هُدىً،فى رفع إشكال شبهة
فذاتى باللذات خصت عوالمى
بمجموعها، إمداد جمع وعمت
وجادت ولا استعداد كسب بفيضها
وقبل التهيى، للقبول استعدت
فبالنفس أشباح الوجود تنعمت
وبالروح أرواح الشــهود تــهنـت

ولابد من أجل بلوغ درجة الروحانية من تجريد النفس بمخالفة اللذات، والشهوات ورؤية تأثير الكائنات والهيئات النفسانية، وعدم الالتفات إلى الغير أومحبة السوى:

وجردت نفسى عنهما فتجردت
ولم تك يوما قط غــير وحـــيـــدة

وباتباع أعمال العبادة:

رجعت لأعمال العبادة، عادة
وأعددت أحوال الإرادة عدة
وعدت بنسكى بعد هتكى، وعدت من.
خلاعة بسطى، لانقباض بعفة
وصمت نهاري، رغبة فى عقوبة
وأحييت ليلى، رهبة من عقوبة
وعمرت أوقاتى بورد لوارد
وصمت لسمت واعتكاف لحرمة
وبنت عن الأوطان هجران قاطع
مواصلة الإخوان، واخترت عزلتى
ودققت فكرى فى الحلال تورعا
وراعيت فى إصلاح قوتى قوتى
وأنفقت من يسر القناعة، راضيا
من العيش فى الدنيا بأيسر بلغة
وهذبت نفسى بالرياضة ذاهبا
إلى كشف ما حجب العوائد غطت
وجردت فى التجريد عزمى تزهدا
وآثرت فى نسكى، استجابة دعوتى

فالنفس حجاب، ولكى يزال هذا الحجاب لابد من إزالة المذموم من أخلاقها، ونفوس الصوفية أجابتهم إلى الأخلاق الكريمة , ولم تغتر بما تصنعه من الطاعات، وذلك راجع إلى أنهم خبروا حقيقتها فوطنوها فى الموطن الذى تستحقه , واتبعوا أعمال العبادة والتزموا بفعل الطاعة والذكر ,واغتربوا عن العالم السئ بما فيه من معاصى، وأخذوا أنفسهم بالرياضة والتجريد وإيثار التنسك والطاعة وبذلك وصل إلىالنفس المطمئنة التى يرغب فيها. والنفس المطمئنة: هى التى تنورت بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة وتوجهت إلى جهة القلب بالكلية

يقول ابن الفارض:

تقربت بالنفس احتسابا لها، ولم
أكن راجيا عنها ثوابا، فأدنت
وخلفت خلفى رؤيتى ذاك، مخلصا
ولست براضٍ أن تكون مطيتى
ويممتها بالفقر، لكن بوصفه
غنيت فألفيت افتقارى وثروتى
فأثبت لى إلقاء فقرى والغنى
فضيلة قصدى فاطرحت فضيلتى
فلاح فلاحى فى اطراحى فأصبحت
ثوابى، لا شيئا سواها مثيبتى
وظلت بها، لابى، إليها أدل من
به ضل،عن سبل الهدى، وهى دلت
فخل لها خلى، مرادك، معطيا
قيادك , من أنفس بها مطمئنة

نلاحظ أن ابن الفارض يقع بين هجر وتثبيت، بين ترك لأخلاق ذميمة، ومظاهر حياتية خادعة كالغنى، ويلجأ إلى الفقر والزهد، وفى هذا اغتراب عن ذات، والبحث عن ذات أخرى صافية"وعندما تغترب الذات عن أجزائها فهى تغترب عن ذاتها أيضا"لأنه يغترب عن بعض أفعاله القديمة، والأفعال جزء من الذات , وبهذا"يرجع الاغتراب – بمعناه الصوفى – إلى ازدراء الذات لحاضر الوجود وازورارها عنه، والتسامى عليه، بغرض الوصول إلى أهلية التحقق فى وجود آخر، يقع فيما بعد هذا الوجود، ويتصف بالجمال والعدل واللاتناهى. والصوفى – بذلك – غريب عن العالم، مغترب فيه وبه، فالعالم ليس بيته بالتعبير الوجودى"

ولابد أن نعلم أن اغتراب الذات عند الصوفية ليس اغترابا سلبيا،أ ومجرد تخارج الروح عن النفس، دون مغزى أ وهدف سام مثل الذى يعرضه الحسن بن عبد الرحيم فى قوله:

عرضنا أنفسا عزت علينا
لديكم فاستحق لها الهوان
ول وأنا منعناها لعزت
ولكن كل معروض يهان

والهدف يتحقق بهوان النفس؛ لأن"المتناهى يعمل على مفارقة ذاته , ويقوم بسلبها ليحققها على نح وأفضل , فه وباستمرار هذه الحركة، يتجه نح وحقيقته العليا، ويستبدل بوجوده وجودا أرقى، وبذلك يكون عن كونه عبدا لماهيته التى أسقطها على شكل آخر مغاير له، ويصبح بمقدوره أن يعل وصوبها ويلتحم بها، من خلال هدفه المستمر لذاته المتناهية، ويمكن أن يقول: إن المثل الأعلى الذى رفعه الإنسان، وجعله خارجا عنه، وعاليا على وجوده , ولا يلبث أن يفقد هذه الصفة عندما يصبح قابلا للامتلاك أى عندما يتاح للإنسان أن يرتقى إليه ويتحقق به"يقول ابن الفارض:

هى النفس إن ألقت هواها تضاعفت
قواها وأعطت فعلها كل ذرة

وهذا ه والعفيف التلمسانى يعبر عن تجربته فى تزكية نفسه، واغترابه عن صفاتها الذميمة، ويستبدل عبارة"النفس المطمئنة"بـ"النفس النفيسة". وهذا يتضح من خلال شعره الذى لم يركز فيه على نقل تجربته الروحانية بجلاء مثلما فعل ابن الفارض، ولكنه حرص على بث آرائه وتجاربه بطريقة غامضة وغير مباشرة. وكما أسلفت أن الأسلوب الرمزى الغامض الذى ينح ومنحى التفلسف - فى حد ذاته- اغتراب؛ يجعل الصوفية بعيدين - فى فهم هذا الأسلوب - عن المتلقى العادى الذى لا ينهج نهجهم، وكأنهم يقطنون فى برج عاجى لا يعبأون بما حولهم طالما أنهم محافظون على السر الذى وكل إليهم. يقول التلمسانى:

نفوس نفيسات إلى القرب حنت
فلما سقاها الحب بالكأس جنت
وكانت تمنت أن تموت صبابة
فساق إليها الوجد ما قد تمنت
وفى الحى هيفاء المعاطف ل وبدت
على البان كان الورق فيها تغنت
عجبت لها فى حسنها إذ تفردت
لأية معنى بعدها قد تثنت
شكا سقمه مضنى هواها صيانة
فقالت له اصبر فى الصبابة أ ومت
فما عاش إلا مغرم مات فى الهوى
بحبى وهذا فى المحبين سنتى

ويقول:

إذا لم تكن للصب إقدام صبوة
تحل تلاف النفس وه وحرام
فليس له بين المحبين رحلة
ولا بين هاتيك الخيام مقام

فكلها محاولات من العفيف للتخلص من سجن المادة المتحكمة فى النفس، حتى تعود إلى أصلها النقى، وذلك
بسلوك محجة السالكين فإن"من لم يسلك محجة الصادقين، فه وفى الدنيا مقيم , ولا يمكن الإقامة فى الدنيا، وهذا السالك لم يخرج بنفسه، فالرسل إذن تأتيه تخرجه له..."بما بثوه من قيم ومناهج رسموها للذاهدين قبل العارفين، والمترقين فى مقامات الترقى.

ويقول التلمسانى أيضا:

أأحبابنا هل عابد فى حماكم
أ ويقات وصل كلها زمن الصبا
على حبكم أنفقت حاصل أدمعى
وغير ولاكم عبدكم ما تكسبا
وحاشاكم أن تبعدوا عن جنابكم
حليف هوى بالروح فيكم تقربا
وأن تهجروا من واصل السهد جفنه
وهذب فيكم عشقه فتهذبا
وأحسنتم تأديبه بصدودكم
فلا تهجروه بعدما قد تأدبا
ولى مهجة دين الصبابة دينها
فكيف ترى عنكم مدى الدهر مذهبا

يعلن أنه تأدب بأدب يؤهله لمواصلة الذات الإلهية التى أعرضت عنه حتى يكون أهلا لمواصلتها، والمدقق يجد الشاعر يستخدم الدوال المعبرة عن منتهى الخضوع والتسليم للمصدر النقي الذي يجلي نفسه ويهذبها، حتي تصل إلي درجة الروحانية، ويصبح دين الحب دينها ومذهبها الذي تعتقد فيه وبه.

وأما إبراهيم الدسوقى فقد جاهد نفسه، حتى قتل رغباتها، فوصل إلى باب المحبوب الذى فتح له واجتباه، وأعطاه القطبية، والزعامة الروحية، يقول:

لله قوم شروا بالدين انفسهم
واتعبوها بذكر الله أزمانا
أما النهار فقد أخفوا صيامهم
وبالظلام تراهم فيه رهبانا
أبدانهم أتعبت فى الليل أنفسهم
وأنفس أتعبت فى الليل أبدانا
ذابت لحومهم خوف العذاب غدا
وقطعوا الليل تسبيحا وقرآنا
فل ورأيتهم فى دار ملكهم
قد توجوا من حلى الخلد تيجانا
وقد دعاهم إلى الفردوس خالقهم
إلى الزيارة والتسليم ركبانا
على نجائب خيل قد تمر بهم
أبدى لهم وجهه الرحمن سبحانا
حتى إذا بلغت دار النعيم بهم
شقت بهم فى العلا وردا وسوسانا
خروا سجودا فناداهم بعزته
إنى رضيت بكم قربا جيرانا
إنى خلقت لكم هذا النعيم فلا
ترون بأسا ولا تخشون إخوانا
هذا النعيم الذى لا ينقضى أبدا
ولا تغيره الأزمان ألوانا

نلاحظ تشابها كبيرا بين كلٍ من الدسوقى وابن الفارض فى المعانى التى تناولا بها مجاهدتهما لنفسيهما، فإن الشاعر يسعى هنا بين حالتين: حالة اغتراب وحالة اقتراب؛ اغتراب عن أخلاق النفس الرديئة ومجاهدتها لتتمكن من معرفة ربها"يقول محمد بن على الترمذى رحمه الله:"تريد أن تعرف الحق مع بقاء نفسك، ونفسك لا تعرف غيرها". أى أن نفسك فى حالة بقائها محجوبة عن نفسها، ولما كانت محجوبة بنفسها فكيف تصير مكاشفة بالحق"وحالة اقتراب يحدث عند نجاحه فى محاولاته الأولى مع نفسه، فتوَّجه ربه بتيجان الخلد وأسكنه دار النعيم، ورضى عنه وقربه إليه.

ويصور ابن عطاء الله السكندري مقدار ما يطمح إليه المحب المشتاق إلى محبوبه فيجاهد ويبذل أقصى ما يستطيع من أجل القرب منه، يقول:

فلا والله ما طابت حياة
سوى بالقرب من كنف الحبيب
فلا تختر سوى داراً السعادى
وعد عن الأجارع والكثوب
وما لاقى الأحبة مثل بعد
تفتت منه حبات القلوب
ومن يعشق معززة شرودا
فلا يسأم مقاساة الكروب
ودونك فاستبق نح والمعالى
ولا ترضى بدونها من نصيب
ولا تقنع بغير العز مرقى
وسدد نحوه سهم المصيب
وأنهض همة الم تثرها
أقمت بموطن النكس الكئيب
ولا تيأس وإن طالت ليال
فكم شمس بدت بعد الغروب

سعادته لا تتحقق إلا بالقرب من الحبيب والبعد يفتت حباة القلوب، ولكنه لا ييأس ولا يمل وهذا من أهم خصائص التجربة الصوفية، إنها إن كانت قتلا للنفس ورغباتها، إلا أنها إحياء وتدعيم للروح والقلب، ونهوض بالهمة، وهذا يجعلنى أعود سريعا إلى ما قدمته أن اغتراب الصوفية هواغتراب الهمة بترك الخُلُقِ الذميم، يقول القشيرى:"من عرف الحق سبحانه، بأسمائه وصفاته، ثم صدق الله تعالى فى معاملاته، ثم تنقى من أخلاقه الرديئة، وآفاته، ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه، فحظى الله تعالى بجميل إقباله، وصدق الله فى جميع أحواله، وانقطع عن هواجس نفسه، ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره، فإذا صار من الخلق أجنبيا، ومن آفات نفسه بريا ومن المساكنات والملاحظات نقيا... ودامت فى السر مع الله مناجاته وحق كل لحظة إليه رجوعه، وصار محدثا من قبل الحق سبحانه... يسمى عند ذلك عارفا وتسمى حالته معرفة، وفى الجملة فبمقدار أجنبيته عن نفسه تحصل معرفته بربه عز وجل"

وبذلك نستطيع أن نحكم على أن الاغتراب عند الشاعر الصوفى ليس فلسفة تدرس موضوعا خارجيا ترصد معالمه وملامحه من تجارب الآخرين، ولكن تجربة معاشة، عاشوها بكل كيانهم وذواتهم، ولذلك عندما نقرأ أدبهم فإنما نقرأ أدبا صادقا ينبع من قلب مشرق، ونفس طاهرة وصافية بلغت درجة الروحانية، حتى انطبعت على صفحتها علوم المعرفة الربانية.

  الخلوة والاغتراب:

إن الشاعر الصوفى فى رحلته إلى الله يستعين بالخلوة، والانفصال عن الخلق للاتصال بالخالق؛ لأن الخلوة"صفة أهل الصفوة، والعزلة من أمارات الوصلة، وقال ذ والنون المصرى: لم أر شيئا أبعث على الإخلاص من الخلوة"التى يدفع إليها الحب الإلهى، وكان لها أثر فعال فى الحياة الروحية للصوفية"فهى بمثابة الأجنحة التى تصعد بها النفس فى عالم الملكوت وهى التى تعمل على شفافية النفس، وتسهل اتصالها بعوالم المغيبات، وهم يدركون هذا الأثر للخلوة مطلقا، سواء كان المقصود بها العبادة أم كان المقصود بها مجرد الرياضة..."، وفى الحالتين يستطيع الصوفى أن يصل إلى"محادثة السر مع الحق بحيث لا يرى غيره. هذه حقيقة الخلوة ومعناها، وأما صورتها فهى ما يتوسل به إلى هذا المعنى من التبتل إلى الله"والجوع والسهر والصمت، والاعتكاف عن الخلق، والتجرد عن الدنيا.

ووفق هذه الطقوس"تمثل الخلوة أ والعزلة عند الصوفى موقفا من مواقف الاعتزال الاجتماعى، وهى تلائم تماما سلوك الزهد الذى يأخذ الصوفية به أنفسهم، وهم فى أوائل الطريق، أما الصوفية الذين تجاوزا هذه المرحلة الأولى، فيمثلون درجة من الكمال الروحى، لا يلائمها سلوك الخلوة والعزلة والفرار"

ولا يشترط فى الخلوة الاعتكاف فى بيت مخصص، بل مفارقة الخلق والانقطاع عنهم فى أى مكان"روى العباس بن يوسف الشكلى قال: رأيت أبا العباس البغدادى جالسا على صخرة بساحل الإسكندرية والأمواج تضرب الصخرة ويده على خده ينظر إلى الأمواج، فوقفت أنظر إليه، وأقبل على بوجهه وأنشأ يقول:

أنست بالوحدة من بعد ما
كنت من الوحدة مستوحشا
فصرت بالوحدة مستأنسا
وصارت الوحدة لى مجلسا.

وخلوة الصوفى تشبه عزلة الرومانتيكى التى يشعر بها؛"لأنه يشعر بخطئه فه ويعرف أنه يحيا على نح ومخالف للغاية الأساسية"كثيرا ما رجعت عزلة الرومانتيكى إلى الاستغراق فى المشاعر الذاتية، مثلما ترجع عزلة الإنسان إلى شدة تقديره لذاته بتأثير نزعته العقلانية..."، ويرى الأستاذ"وايتهد"أن"النظريات الدينية الكبرى التى لازمت الخيال الإنسانى المتحضر من ثمار حالات العزلة، كموقف برومثيوس، وه ومقيد بالسلاسل فى الصخرة، ومحمد وه ويتعبد فى الصحراء، وبوذا فى تأملاته، وعيسى المصلوب وحيدا على الصليب، فمن أعمق دلائل الروح الدينية الشعور بالنبذ حتى من الله"

فالخلوة أ والعزلة - بهذه المعانى - لا تمثل نوعا من الاغتراب السلبى مفقود القيمة كالذى يشعر به أولئك الذين يفقدون القيمة والمعنى من الحياة، فيؤدى بهم ذلك إلى الانسحاب الكامل من الحياة بين الناس والاعتكاف والوحدة والميل الدائم إلى الانطواء والعزلة بل إن الخلوة عند الصوفى المراد منها تهيئة النفس السارية على الأرض للعروج والترقى، بنفى أنانية المترقى، وإزالة الحجب المانعة من رؤية الحق؛ لأن الحق – كما يقول ابن عطاء الله – ليس بمحجوب، وإنما المحجوب أنت عن النظر إليه فإذا زالت الحجب تحقق الأنس بالحق تعالى.

يقول قطب الدين القسطلاني:

إن كان أنسى فى حلولى خلوتى
وقلبى عن كل البرية خال
فما ضرنى من كان لى الدهر قاليا
ولا سرنى من كان فى موال

فالشاعر خلا قلبه مما سوى الله، ولم يعد يعنيه من هجره أ وقلاه،أ وأحبه وولاه؛ لأن الموالاة العظمى، إنما هى لرب الناس.

ويذكر عفيف الدين التلمسانى مكان خلوته وأنسه بخالقه قائلا:

أما هذه نجد أنيخا مطيتى.
ليسقىبها دمعى منازل علوة
وأسأل عن قلبى فثم فقدته
عشية سار الظاعنون بمهجتى
منازل إطرابى ومغنى تهتكى
ومربع إيناسى وموطن خلوتى
ومغنى به كان الحبيب منادمى
ومن قربه روحى وراحى وراحتى

ويعلق الدكتور يوسف زيدان على هذه الأبيات قائلا:"الخلوة واحدة من أهم الرياضات الروحية فى الطريق الصوفى، ففى عبارة صوفية شهيرة يقول سهل التسترى:"ما صار الأبدال إلا بأربعة خصال: الجوع والسهر والصمت والخلوة"ويشيرالتلسمانى في أبياته هذه إلى موطن خلوته فى مرابع نجد ذات القدسية الخاصة حيث يتحقق المعنى والهدف من ورائها فى الأنس بالحضرة الإلهية.

ويقول ابن الفارض فى التائية الكبرى:

وأبثثتها ما بى ولم يك حاضرى
رقيب بقا حظ بخلوة جلوة
وأشهدت غيبى إذ بدت فوجدتنى
هنالك إياها بجلوة خلوة

وتعنى الجلوة بعد الخلوة: ما يظهر للقلوب من أنوار الغيوب"، وتلك الأنوار تظهر القيمة العظيمة التي تمثلها الخلوة في العروج العرفاني إلي منابع النور، وتفعيل دور الخيال، كما سيتضح بعد ذلك. ولذلك نرى ابن الفارض يختار العزلة فى قوله:

وبنت عن الأوطان، هجران قاطع
مواصلة الإخوان، واخترت عزلتى

ويقول الدسوقى متمثلا أومتأثراً بأبيات ابن الفارض:

سقانى محبوبى بكأس المحبة
فتهت على العشاق سكرا بخلوتى
ونادمنى سرا بسر وحكمة
فما كان أهنى جلوتى ثم خلوتى

ويتمتع العارفون فى خلوتهم وفى طريقهم بقدر كبير من الصبر الذى يمكنهم من مواصلة السفر الروحانى دون كلل أ وملل أ ويأس، حتى عدوا الصبر من أهم مقاماتهم، وعرَّفوه بانه"حبس النفس عن المعاصى، وعلى الطاعات بالثبات عليها.. وفى الأحوال: الصبر مع الله وفى الولايات: الصبر فى الله: أى فى تجليات صفاته والاتصاف بها. وفى الحقائق الثبات على داوم المشاهدة والمعاينة، وعلى ملاحظة الغير والمقارنة. وفى النهايات الصبر بالله فى مقام البقاء بعد الفناء"

يقول الدسوقى:

قد بعت روحى لكم وما لى
بجنة الخلد والوصال
وجئت عبدا لكم فقيرا
فأنتم أكرم الموالى
يامن حلا الصبر فى هـــواهــــم
بــعــزة الــــــوصــــــل والــــــدلال

ويقول ابن الفارض:

جمع الهموم البعد عندي بعد ان
كانت بقربي , منهم أفذاذا
كالعهد عندهم, العهود على الصفا
إني. ولست لها صفا نباذا
والصبر صبر عنهم , وعليهم
عندي أزاه إذا أذى.. أزاذا

إذن فهم يتمسكون بالصبر الذى يجعلهم يتحملون الحرمان حتى يحدث التلاقى، ولكن عندما يحدث التلاقى، ثم يحدث البين، عند ذلك يخونهم الصبر، لأنه لا يستطيع أن يقاوم ما بداخلهم من شوق وتطلع لملاقاة الحبيب والتمتع ببهائه وجماله مرة أخرى. ولذلك يقول ابن الفارض فى قصيدة أخرى:

يا ساكنى البطحاءهل من عودة
أحيا بها، يا ساكنى البطحاء
إن ينقصى صبرى، فليس بمنقض
وجدى القديم بكم، ولا برحائي

أما عفيف الدين التلمسانى فنسمعه يقول:

بهواك يا أمل النفوس أدين
وعلى هواك أرى التلاقى يهون
وإذا شنا العذال حسنك فى الهوى
يا منيتى فالصبر كيف يكون

ويقول ابن دقيق العيد:

شوقى لقرب حنانه وصحابه
شوقا يجل يسيره أن يذكرا
افنى كنوز الصبر من إسرافه
وجرى على الأحشاء منه ما جرى

إذن فالصبر عند الصوفية مرحلتان: ما قبل وما بعد، ما قبل الوصول إلى الهدف المبتغى ويكون فى هذه الحالة شديداً قويا، ومرحلة ما بعد بلوغ الغاية، فإن كنوز الصبر تفرغ، وتضيق مجاريه، إن حدث البعد مرة أخرى , ولذلك طلب الصوفية أن يكون"الصبر أن تصبر فى الصبر، معناه أن لا تطالع فيه الفرج، قال بعضهم:

صابر الصبر فاستغاث به الصبـ
ـر فنادى الصبور يا صبر صبرا

ولا يهدىء من ثورتهم إلا الفناء فى المحبوب، والفناء ذاته اغتراب !.

  الفناء والاغتراب:

إن الباحث فى شعر التصوف يجد نفسه تائها بين الاصطلاحات الإشارية التى تدل على تردد العارف فى سفره، ورحلته الطويلة، بين"التلوين"و"التمكين"حتى ينتهى به الحال إلى"الفناء"الذى تعطل فيه إرادة المحب وتغيب بشريته، وتفنى هويته فى هوية الحق تعالى، بإبعاد جميع السوى والفناء على هذه الصورة، على الرغم من أنه يمثل قمة الاقتراب إلا أنه أيضا يمثل قمة الاغتراب؛ لأنه يدل دلالة قوية على التخلص من التعلق بكل ما سوى الله. وقد قسم العلماء الفناء إلى ثلاثة انواع:

1- الفناء عن إرادة السوى 2 – الفناء عن شهود السوى 3- الفناء عن وجود السوى

وكلها أنواع تدل على قرب العبد من سيده، يثبت ويبقى به، ولا يريد شيئا سواه، فتزول الحجب، ويمح والسالك فى المسلوك به بلسان القرب، فيبقى العبد بربه لا بنفسه، فمن أثبت نفسه احتجبت عن الكشف والتجلى، وأما من فقد أنانيته، فهم أناس عندهم عشق يحثهم لا يقدرون على مدافعته، ويجدون انعدامهم أحلى عندهم من بقاء أنفسهم فيه، فلذلك رأى أب ويزيد البسطامى أن الحظوظ تدل على بقاء النفس، فقال:"أريد أن لا أريد"وقال الحلاج:

بـيـنـى وبـيـنـك إنـى ينازعنى
فـاصـرف بــأنـك إنــــى مــن البين

فطلب أن يغلب عليه قسط الحق، فتنعدم أنانيته، ولا تبقى إلا أنانية سيده المنزهة عن حضور الأغيار، فهؤلاء هم الذين يصبرون على تعرفهم بمحوهم، ويصبرون على مداومته بفقد وجدهم نفوسهم"
والقارئ المتذوق – ومن ذاق عرف – يعيش مع جل شعراء الصوفية فى تجارب ارتقائية نقية، مثل تجربة ابن الفارض فى الفناء الذى ارتبط بالحب وأصبح شرطا له:

فلم تهونى ما لم تكن فى فانيا
ولم تفن ما لم تجتلى فيك صورتى
فدع عنك دعوى الحب , وادع لغيره
فؤادك ,وادفع عنك غيك بالتى
وجانب جناب الوصل، هيهات لم يكن
وها أنت حى،إن تكن صادقا مت
ه والحب إن لم تقض لم تقض مأربا
من الحب،فاختر ذاك أ وخل خلتى

أى لابد من تذليل النفس، وقتل رغباتها وتصفيتها حتى تكون مهيأة للاتصال والفناء فيه بمن تحب، ولذلك جعل ابن القيم المحبة أول أوديه الفناء، والعقبة التى ينحدر منها على منازل المحو، وه وآخر منزل تلتقى فيه مقدمة العامة، وساقة الخاصة."إنما كانت المحبة أول أودية الفناء"لأنها تفنى خواطر المحب عن التعلق بالغير، وأول ما يفنى من المحب خواطره المتعلقة بما سوى محبوبه؛ لأنه إذا انجذب قلبه بكليته إلى محبوبه، انجذبت تبعا
ويريد بمنازل المح و"مقاماته"يقول التلمسانى:

أقم ريثما تفنيك عنها بوصفها.
وتذهب عما منك فيها يباحث
فإن شاهدت منك العيون عيونها
ظفرت وإلا فالعيون أخابث
وإن لم تبدل آية منك آية..
بما قيل عنها اذهب فإنك ماكث
تنكر فى سام وحام حديثها.
وعز فلم يظفر بمعناه يافث

فالفناء هنا باب لمشاهدة الملكوت، بل مشاهدة رب الملكوت،"شاهدت منك العيون عيونها"وسام وحام رموز لظهور آثار الحق تعالى فى الكون، وقد عجزالبعض عن مشاهدة هذا التجلى بعين القلب.

ويرسم ابن عطاء الله السكندري صورة لفنائه الذى يطلق عليه:"الفناء النفسى"وه وما يعبر عنه الجنيد بقوله:"ذهاب القلب عن حس المحسوسات بمشاهدة ما شاهد، ثم يذهب عن ذهابه،"فالفناء عند الجنيد ه وفناء الشعور بالعلم والعقل والنفس، فيصبح القلب خالص التوجه والحضور مع الله، لا فناء الموجود بالمعنى الفاسد"
يقول ابن عطاء الله الذى غاب مراده فى مراد الله عزل وجل:

مرادى منك نسيان المراد
إذا رمت السبيل إلى الرشاد
وأن تدع الوجود فلا تراه
وتصبح ماسكا حبل اعتماد

ويقول:

فإن رمت الوصول إلى جناب
فهذى النفس فاحذرها وعاد
وخض بحر الفناء عسى ترانا
واعددنا إلى يوم المعاد
وكن مستمطرا منا لتلقى
جميل الصنع من مولى جواد
ولا تستهد يوما من سوانا
فما أحد سوانا اليوم هاد

فالمراد – كما يقول ابن عطاء نفسه – أن لا يكون لك مع الله مراد"أى لا يظهر ولا يبطن الاعتماد على أحد سوى الله عز وجل، ولا يشغل نفسه بالتدبير، يقول ابن عطاء أيضا:"فإذا أردت الإشراق والتنوير فعليك بإسقاط التدبير وأسلك إلى الله كما سلكوا، تدرك ما أدركوا".

أسلك مسالكهم وانهج نهجهم
والق عصاك، فهذا جانب الوادى

ويقول:

ومن أبصر الأشياء والحق قبلها
فغيب مصنوعا بمن ه وصانع
بواديه أنوار لمن كان ذاهبا
وتحقيق أسرار لمن ه وراجع
فقم وانظر الأكوان والنور عمها
ففجر التدانى نحوك اليوم طالع
فكن عبده والق القياد لحكمه
وإياك تدبيرا فما ه ونافع
أتحكم تدبيرا وغيرك حاكم
أأنت لأحكام الإله تنازع
فمح وإرادات وكل مشيئة
ه والغرض الأقصى فهل أنت سامع
كذلك سار الأولون فأدركو
على إثرهم فليسر من ه وتابع

فالصوفية يرون أن العبد كى يقوى صلته بخالقه، عليه أن يشغل نفسه بما طلب منه، وأن يترك ما ضمن له، فلا يدبر شيئا لغد؛ لأن الأمور جميعها تمشى بمقادير وضعها الله، وبذلك يجد الإنسان نفسه حرا من نفسه ومن الخلق، مغتربا عنهما؛لأنه وجد وطنه الذى يبحث عنه , فهل سيستقر؟!.

ولقد نوع الصوفية الحديث عن الفناء، فعبروا عنه"ببذل النفس، والموت والقتل والسقم"، وبهذا يكون الفناء قريب الشبه بـ"النيرفانا"Nirvana الهندية البوذية، وه ومذهب فى الفناء مع اختلاف بينهما , حيث إن النيرفانا زوال للشخصية لا غير، وأما الفناء فه وتلاشى الصوفى عن وجود الحس، ويسلتزم ذلك الفناء"البقاء"أ والاتحاد بالحياة الربانية..."أى أن الفاني ينى عن ذاته ويبقى بالله تعالى.

فهذا عبد الغفار الأقصرى ينوع فى حديثه عن الفناء قائلا:

بقاء نفسى فى يوم النوى عجب
لأن موتى من بعض الذى يجب
وما بقيت وروحى لست أملكها
وليس لى فى حياتى بعدهم أرب
رضاء قلبى أن يرضوا بسفك دمى
هم هم إن رضوا فى الحب أ وغضبوا
والقرب والبعد ما شاءوا فديتهم
هم الأحبة إن شطوا وإن قربوا

ويجعل الفناء مقترنا بالموت، بل يجعل هذا الموت شيئا واجبا، لأنه فقد روحه عن رضا وطواعية بتقديمها إلى محبوبه هدية متواضعة عساه أن يرضى عنه، ويرضى بوصاله.

ويعنى الموت فى عرفهم:"قمع هوى النفس فإن حياتها به، ولا تميل إلى لذاتها وشهواتها... وإلى هذا الموت أشار أفلاطون بقوله"مت بالإرادة تحيا بالطبيعة"قال الإمام جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنهما:"الموت ه والتوبة"قال الله تعالى: "فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ". فمن تاب فقد قتل نفسه...، ومن ثم يجعل التلمسانى الموت شرط القرب من المحبوب:

نحن قوم متنا وذلك شرط
فى هواها فلييئس الأحياء

ومثلما جاء أسلوب ابن الفارض متنوعا فى الاغتراب، جاء متنوعا كذلك فى أحد جوانب هذا الاغتراب وه والفناء"فعبر ببذل النفس والتلف وإهدار الدماء والموت والقتل، وقد أهاب الشاعر بأساليب المبالغة فى وصف الفناء الصوفى كتشبيه الفانى بهلال الشك، وأنه شبح لا ظل له، يخفى عن الذين يعودونه بحيث لا يرون منه إلا تخلل روح من أثواب ميت"فنسمعه فى بعض أبيات متفرقات من قصيدة واحدة:

وعش خاليا فالحب أوله عنا
وأوله سقم وآخره قتل
ولكن لدى الموت فيه صبابة
حياة لمن أهوى على بها الفضل
فإن شئت أن تحيا سعيدا، فمت به
شهيدا وإلا فالغرام له أهل
فمن لم يمت فى حبه لم يعش به
ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
وقل لقتيل الحب: وفيت حقه
وللمدعى هيهات مالكحل الكحل

ففى هذه التشبيهات والكنايات الناطقة بمعانى الصدق على تجربة حية ومعاشة فى الفناء والموت المعنوى الذى ه وسر السعادة فى الحياة الحرة الطليقة مع الواحد الأحد، صورا ابن الفارض حالة الفناء والمحو، بما يتحمله المجتنى من لدغ النحل حتى يشعر بحلاوة العسل، لأن حق الحب، ه والقتل والمحق، وأن يبذل المحب روحه (والروح جهد المحب) وأما المدعى فبعيد عن نيل الآثارالمستحقة ,لأن انكسار العين وفتورها لا يعنى اكتحالها وجمالها.

ولقد كان ابن الفارض يمارس الفناء والغيبة بحق وصدق، فعندما كان يسمع السماع يلم به وجد عظيم"هذا الوجد ربما أسلمه فى كثير من الأحيان إلى فناء لا يشعر معه بشئ مما حوله، وقدكان يقيم على هذه الحالة أياما، فيلقى على ظهره مسجى كالميت، وهذه هى حالة الفناء التى تعنى عدم الفانى لا بزوال رسمه، وهلاك عينه، ولكن بغيبة شعوره وحسه عن المشعورات والمحسوسات"

وفى بيتين فريدين نسمع ابن الفارض يقرن الفناء بالغربة والاغتراب، ولا يكتفى بهذا، بل يضع لنفسه عنوانا يهتدى به كل من أراد الوصول إليه أ وسلوك نهجه يقول:

فل ولفنائي من فنائك رد لى
فؤادى لم يرغب إلى دار غربة
وعنوان شأنى ما أبثك بعضه
وما تحته إظهاره فوق قدرتي

إذن فإن شرط معاينة عجائب جلاله سبحانه الفناء فى المشاهدات، والموت المعنوى الذى ينشده الصوفى ويستمتع به"وه وفى نظرهم معبر الوصول إلى الجمال المطلق الذى ينشدونه وإنهم لا يمعنون فى طلب هذا الموت بألوان المجاهدة وصنوف المكابدة.

يقول عفيف الدين التلمسانى:

هل السلامة إلا أن أموت بهم
وجدا وإلا فبقياى ه والعطب
إن يسلبوا البعض منى والجميع لهم
وإن أشرف أجزائي الذى سلبوا

وتذهب دكتورة سميرة سلامي إلى أن"الصوفى فى حالة فنائه فى محبوبه واغترابه الكامل عن نفسه يكون فى سعادة قصوى، ونشوة روحية ما بعدها نشوة، على عكس ما يرافق حالات الانفصال أ والاغتراب عادة من إحساس بالضيق والأم، وه وباغترابه عن ذاته وعن العالم المادى، يقهر اغترابه الآخرعن المطلق فالاغتراب الحقيقى – فى نظرها – ه وفى الابتعاد عن الحقيقة الكبرى عن الذات المتحققة فى الكمال المطلق... ففى حالة الفناء يغترب الصوفى عن نفسه الفردية ليحقق نفسا كلية، ويخرج من حالة جزئية ليصل إلى حالة شمولية، إنه ينفصل عن جزئيات العالم، ليحقق الوحدة مع الكل، مع الموجود الحقيقى، مع المطلق"

يقول ابن الخيمى (دوبيت):

خذ من سقمى وجمعى المسفوح
تعريض أسى يغنى عن التصريح
بانوا فبقاى بعد ما قد بانوا
عنى كبقاء الجسم بعد الروح

ويقول:

وقد بلغت بحبى فيك منزلة
جلالها عن حضيض النطق قد رفعا
يا جامع الشمل حقا للمتيم أن
يفنى سرورا بأن الشمل قد جمعا

فابن الخيمى اغترب عن نفسه وعن كل شئ طلبا للوصول إلى هدفه بالوصال بالمحبوب والفناء فيه، ولكن يبد وأنه لم يصل إلى منزلة استاذه ابن الفارض الذى جاء ديوانه تجربته روحانية فنائية ليس لها حدود؛ لأنها تعبر عن الاتصال باللامحدود، أما ابن الخيمى فما زال يجاهد فى سلوك مقاماته، وصعود معراجه أملا فى الترقى إلى منزلة عليا ,ولذلك جاء ديوانه كقصيدة حب مشتاق، يتردد فى جنباتها الشوق واللوعة والأسى والسفر والترحال، وكل يؤدى به إلى الاغتراب.

ويكفينا أن نأخذ بعض أبيات من قصيدته:

يا من ادار بحسنه المعبود
صهباء وصل فى كؤوس صدود

يقول فيها:

خطوات ذكرك لا تفارق خاطرى
وجمال حسنك لم يزل مشهودى
وإذا نطقت فأنت مقصودى وإن
أصمت فحين فناى فى مقصودى
لولاك لم ينض المساق مطيتى
ولما أنست بموحشات البيد
ولما حبست على معالم راحة
نضوى أسائل صامت الجلمود
ولعى بغزلان الصريم قضى به
ولهى عليك وموقفى بزرود
فى كل وقت لى هوى متجدد
لغريب حسن لاح فيك جديد
خفيت به ذاتى وأظهر صبوتى
فتبين المعدوم بالموجود
شهدت لى الأشجان فيك بأننى
فان فقد ثبت الفنا بشهود
غلب الغرام على رسومى فاعجبوا
لغرامى الموجود فى مفقود

فهذه الأبيات تعد أعلى ما وجدت فى ديوان ابن الخيمى دلالة على القرب والوصول حتى الفناء والشهود فى المحبوب، وتدل على أن الشاعر قد وفق فى سفره الذى قطعه مستأنسا بوحوش البيد ومتحدثا مع صامت الجلمود، واغترب عن كل شئ حتى عن ذاته التى غابت واختفت بصفاتها لأنها قد تعلقت بالمحبوب.

ومع حضور الصفات البشرية"فقد تجتمع للعارف إذا أنماط الاغتراب كافة، الاغتراب عن الخلق، وعن النفس، وعن العالم الأرضى كله فه وحين يصل إلى مقام الفناء لا يحس بما حوله ولا يحس بنفسه، بل يفنى عن الموجودات جميعا، يفنى عن كل شئ سوى الله، ويتجه بكليته لمطالعة وجه محبوبه"

  السكر والاغتراب:

إذا وصل الصوفى إلى المشاهدة سكر بخمرة الحب الإلهى، و"السكر والغيبة صاغها أرباب المعانى للتعبير عن غلبة محبة الحق تعالى، والصح وعبارة عن حصول المراد"وعرف الكاشانى السكر بقوله:"حيرة بين الفناء والوجود فى مقام المحبة الواقعة بين أحكام الشهود والعلم إذ الشهود يحكم بالفناء، والعلم يحكم بالوجود"
وفى السكر ينسى الصوفى نفسه ويتسنى اغترابه، وتعود روحه إلى وطنها الأصلى، وتطمئن إلى مصيرها، فالاتصال بالله أ واليقين – كما أشرت – ه ووطن الصوفى، يقول الطوسى:"إذا تحقق باليقين ترحل من يقين إلى يقين، حتى يصير اليقين له وطنا"يقول العفيف التلمسانى:

ستأتيك منى قهوة إن شربتها
صحوت وفى صح والهوى كل سكرتى
فلا تمزجنها فهى بالمزج حرمت
ول وجليت صرفا عليهم لحلت
فإن هى قد أفنتك سكرا فغب بها
فمن صرفته الصرف بالنفى يثبت
وفتيان صدق كالنجوم سروا على
ركائب عزم ما لها من أزمة

السكر يقع فى مقابلة الصح ووكلاهما يؤديان إلى الفناء"فالسكر كله ه وظن الفناء فى عين بقاء الصفة، وهذا ه والحجاب، والصح وكله ه ورؤية البقاءفى فناء الصفة، وهذا ه وعين الكشف"

وينقل إبراهيم الدسوقى نشوة القرب، وآثار الخمرة الإلهية التى تسحبه إلى ميدان جديد من الاغتراب، ه والاغتراب الكلى عن الشعور الحسى:

يا ساقى القوم من شذاه
الكل لما سقيت تاهوا
طابوا وبالسكر فيك غابوا
وصرحوا بالهدى وفاهوا
يا عاذلى خلنى وشربى
فلست تدرى الشراب ما ه و
قم فاجتلى قهوة المعالى
فى صفوة الكاس إذ جلاه
واسمع إذا غنت المعالى
تقول يا ه ولبيك يا ه و
ما قيل للقلب أين حبى
إلا وقال الضمير ما هو
ما شرب الكاس واجتلاه
إلا محب قد اصطفاه

ويبين الدسوقى مكانة الخمر والسكر الإلهى فى مذهبه الذى يرسم معالمه ويحدد ملامحه فى قوله:

على مذهبى كل المحبين يمنوا
ونشأة خمر هيمتهم فهمهموا
أنا الصاحى السكران من غير خمرة
أنا الضاحك الباكى وسرى مكتم

ولكن ما ثمره الفناء والسكر: إنها"البقاء"بالله الذى يعرفه ابن عربي بقوله:"رؤية العبد قيام الله على كل شئ"
ويقول عبد العزيز المنوفى:

وجدت بقائي عند فقد وجودى
فلم يبق حد جامع لحدودى

إن فناءه فى خالقه أراه وجوده الحقيقى، فصارت الدنيا كلها بين يديه، ولم يعد يشعربالاغتراب الكونى والوجودى الذى كان يشعر به أثناء تلبثه بصفات الجسد الترابى.
ويقول أب والحسن الصباغ معبراً عن معنى بقائه بعد الفناء:

بقائي فناء فى بقائى من الهوى
فياويح قلب فى فناه بقاؤه
وجودى فناء فى فناء فإننى
مع الأنس يأتينى هنيئا بلاؤه
فيامن دعا المحبوب سرا لسره
أتاك المنى يوم لاقاك فناؤه

ولكن بعد أن وصل السالك إلى درجة البقاء بعد الفناء هل يستريح ؟!! هل ينتهى اغترابه ؟ بالطبع لا !؛ لأن درجة الفناء فى الأصل – كما يقول د. أب والوفا التفتازانى: حالة وجدانية مؤقتة، يفقد فيها الشعور بالأنا، إلا أن هذه العملية ليست مقترنة بفقد تام للحس، بل هى غيبة مؤقتة عن المحسوسات التى لا تفنى وجودا ولكن تفنى شهودا وشعورا"
ومهما وصل الصوفى السالك إلى درجات ارتقائية لابد له من القلق والاضطراب؛ لأن هذه هى طبيعة التصوف، كما جاء فى الطبقات:"التصوف اضطراب فإذا وقع السكون فلا تصوف"وهذا يجعل الصوفى دائما واقع فى حالة تنازع بين الاغتراب والاقتراب.

 تنازع الاغتراب والاقتراب:

بعد أن تخلص الصوفي من جميع علائق نفسه، ووصل إلى حالة الفناء والسكر، أصبح مغتربا عن ذاته يشعر بالحرية والانطلاق، كأنه أسير فك من عقاله أ وطائراسترد جناحية بعدما سلبا منه فإذا به يطير مشدودا إلى أعلى حيث مصدر النور والبهاء.
يقول الدكتور يوسف زيدان:"يواصل الصوفى رحلة عروجه الذوقى إلى منابع النور الفياض على الكون، ويظل على مجاهدته لنوازع النفس أملا أن تمتد يد العناية الإلهية، فتهديه سواء السبيل... وعندما يتم للصوفى التجرد والارتفاع عن هموم حياته الفانية المتشابكة الأفرع الفقيرة الثمرات، يقف عند مقامات عالية، ينفرد فيها بمشاهد روحية لا يطلع عليها إلا الخواص من الأولياء"
إذن فإن كلا من الاغتراب والاقتراب يشد الآخر إليه فى حركة تصاعدية وهبوطية، والغريب أن أحدهما لا يصلح بدون الآخر. ويقول أدونيس:"وبما أن المشاهدة أ والفناء أ والحب حال أى أنها تحضر وتغيب، فإن ثمة جدلية يعيشها الصوفى هى جدلية الحضور والغياب، الاتصال والانفصال، الجمع والفرق، وهذه الجدلية هى محور وجوده، ومحور ما يعانيه"
فنستمع – مثلا – إلى عبد العزيز المنوفى يشد وبما وصل إليه من حالات متتابعة من الاقتراب، بعد الاغتراب، والفقد لوجوده الترابى وهذه الحالات مثل: (الوجد والوجود – الجمع والفرق):

وجدت بقائي عند فقد وجودى
فلم يبق حد جامع لحدودى
وألقيت سرى عن ضميرى ملوحا
برمز إشاراتى وفك قيودى
فأصبحت منى دانيا بمعارف
وقد كنت عنى نائيا لجمودى
ومن عين ذاك الأمر حكم مبين
لتحقيق ميراثى وحفظ عهودى
فمن مبتدى فرقى فنوتى ووجهتى
إلى منتهى جمعى يكون سجودى
وعاكف ذاتى مطلق غير مطرق
وبادى صفائي قد وفى بعقودى
وإن امرتنى نشأتى غير نسبتى
فصالح آبائي نذير ثمودى
سألقى عصاى فى رحاب تجردى
ليأتى من نح والقبول وفودى

فالشاعر يتناول التجربة الصوفية بأكملها بداية من مبتدى الفرق أ والفقد بإثبات الذات، إلى الجمع حيث يرى السالك"قوام الأشياء بالله ويرى كل شئ من الله، ويرجع فى كل شئ إلى الله.."ثم ينتقل إلى"جمع الجمع"أ و"منتهى الجمع"كما ذكر، وهى الحالة التى يؤخذ فيها بالكلية عن الإحساس بنفسه، وبكل غير، بما ظهر واستولى عليه من سلطان الحقيقة، وجمع الجمع بهذا المعنى ه والفناء الكلى..."

ومن ثم نرى شعراء الصوفية يربطون بين الوجد والفقد والمح ووالإثبات، والمحق، مثل قول ابن الفارض فى التائية الكبرى:

وطاح وجودى فى شهودى وبنت عن
وجود شهودى ما حيا غير مثبت
أروح بفقد بالشهود مؤلفى
وأغد وبوجد بالوجود مشتتى
ومأخوذ مح والطمس محقا وزنته
بمجذوذ صح والحس فرقا بكفة
ما فاقد فى الصح ووالمح وواجد
لتلوينه أهلا لتمكين زلفة

وكثيرا ما نجد الشاعر الصوفى واقعا فى ديالكتيك مستمر بين القرب والبعد،أ وبين الاقتراب والاغتراب، يصارع كل منهما الآخر، ويناضل من أجل إثبات وجوده، والعجيب أن أحدهما لا يصلح بدون الآخر، ولابد من استمرار هذه الجدلية.
فهذا ابن الخيمى يقول:

ويا نسيما سرى من ج وكاظمة
بالله قل لى كيف البان والعذب
وكيف جيرة ذاك الحى هل حفظوا
عهداً أراعيه إن شط ووإن قربوا
أم ضيعوا ومرادى منك ذكرهم
هم الأحبة إن أعطوا وإن سلبوا
إن كان يرضيهم إبعاد عبدهم
فالعبد منهم بذاك البعد مقترب
والهجر إن كان يرضيهم بلا سبب
فإنه من قبيل الوصل محتسب

ويقول:

يا من يقربنى التذكر والنهى
عنهم وتبعدنى المهامة عنهم
ومن انتهى طلبى إليهم وانتهى
فالآن مالى مطلب إلا هم
كلى لكم متوجه ويصدنى
إجلالكم عن أن أقول إليكم

فالقرب عند الصوفية: عبارة عن الفناء مما سبق فى الأزل من العهد الذى بين الحق والعبد فى قوله تعالى: ألست بربكم قالوا: بلى"قد يخص بمقام"قاب قوسين"ولذلك نرى ابن الخيمى يقول:"يا من يقربنى التذكر والنهى"أى تذكر العهد القديم بالعودة إلى الأصل النقى، قبل أن تتلوث النفس بكثافة البدن وأفعاله الترابية التى تسبب له البعد، ولكن هذا البعد يحدث التقرب؛لأنه يجعل العبد يتذكر حقيقته فيعود إليها ويحدث الاقتراب مرة أخرى، وليس فى ذلك يأس كما يقول محمد بن محمد القوصى:

ولست وإن طال البعاد يآيس
من القرب ان البعد بالقرب مقرون

أما التلسمانى فقد أكثر من هذا الديالكتيك ليؤكد تردده بين البعد والقرب يقول:

بوارق لاحت للوصال فثمها
فيا بعد بعد قد دنا زمن القرب
ترفق بقلبى فى هواك فإنما
بعادك نارى واقترابك جنتى
يا قاتلى وجوانجى أبدا
تشتاقه فى القرب والبعد
لك أن تجور على يا أملى
وعلى أن أرضى بما تبدى
دموعى أبت إلا انسكابا لعلها
بمكنون حبى عند حبى تشهد
دنوت فاقصانى فعدت فردنى
فلا ه ويدنينى ولا أنا أبعد

فهذه الجدلية واقعة بين الأمل والرجاء، وبين الإصرار والعزيمة يعلن مرة باقتراب زمن القرب ومرة اخرى يعود ويترجى محبوبه أن يحن عليه ويرح ذله واغترابه؛ لأنه يشتاق إليه فى القرب والبعد، وفى النهاية نسمعه يعلن التحدى، ولكن لمن ؟! هل لمحبوبه ؟ بالطبع لا؛ لأنه محبوب فوق التحدى، وإنما هذا التحدى لضعفه ونفسه وبشريته وكثافة جسده الترابى، تلك العوامل التى تحول بينه وبين القرب.
فأما ابن الفارض، فإنه لم يكن يعانى كثيرا من هذه الجدلية؛ وربما عاد ذلك إلى وصوله إلى حالة ارتقائية عالية جعلته يستعذب الذل، ويجد الوصل كامنا فى الهجر، يقول:
أحبابى أنتم، أحسن الدهر أم أسا
فكونوا كما شئتم، أنا ذلك الخل

إذا كان حظى الهجر منكم، ولم يكن
بعاد، فذاك الهجر عندى ه والوصل
وما الصد إلا الود، ما لم يكن قلى
وأصعب شئ غير إعراضكم سهل
وتعذيبكم عذب لدى، وجوركم
على بما يقضى الهوى لكم عدل

يقول النابلسى:"يعنى يا أيها الأحباب جمعتم على بعدين بعد الاختطاف الذى اختطفت فيه عنى وانفصلت منى وبعد الهجر وه وإعراضكم عنى واشتغالكم بما تنسيكم إياى بالكلية، والحاصل أن بعده عنهم بعد الاختطاف وبعدهم عنه بعد الاشتغال، والأحبة هم السبب عنده فى حصول هذين البعدين... وحالة البعد يغيب عنه محبوبه الحقيقى فيشتد عليه أمره وحالة الهجر لا يغيب عنه غير إقباله عليه فيسهل عليه الأمر"
والهجر ما ه وهجر فى المعنى ولا ه وإعراض بل ه وإقبال مطلب ومزيد اعتناء بالعبد ما لم يكن ذلك الهجر بعادا وطردا
إذن فجدلية ابن الفارض تختلف عن سابقيه لأنها جدلية تعنى الدلال والقرب وتنفى أى مساحة للبعد والهجر.

ولكن لابد أن نثبت فى نهاية هذا الفصل أن روح المتناهى إذا كانت قد استقرت بوصولها إلى مصدرها اللامتناهى، فلابد لها من العودة إلى الاغتراب فى سجن النفس والبدن مرة أخرى، فيعود عندها الشاعر الصوفى إلى النحيب والبكاء؛ لأن أقسى أنواع العذاب، عذاب الاغتراب بعد الاقتراب.

وهكذا عاش شعراء الصوفية تجربة الاغتراب، معايشة صادقة، إذ كان كل من الغربة والسفر أهم دعائم طريقهم الروحى، والتجرد من متاع الدنيا وزينتها بالزهد والورع شرطا لإزما لإداركهم معالم هذا الطريق، وكان وجودهم فى عصر متقلب اشتدت فيه عناصر الفتنة والفساد إفعالهم للاغتراب عن أوطانهم داخليا وخارجيا؛ لأنهم اصطدموا بواقع لم يقدر مسعاهم، ولم يحترم فكرهم والهدف الذى يسعون إليه فآسرالبعض منهم الانسحاب بالخلوة والبعد عن الناس، والبعض بالارتحال والتنقل فى الأماكن المقدسة بحثا عن مهابط الواردات، وتنزل العلوم الإلهية، مما ساعد على نم وأدب الرحلة فى أشعارهم.
ولم يكتف شعراء الصوفية بذلك بل عبروا عن اغترابهم عن ذواتهم وأنفسهم التى رأوا فيها مصدر الشرور والآثار فجاهدوها، اغتربوا عما اكتسبته من أوصاف رديئة، بل حاولوا البحث عن الروح النقية التى هى أصل الفطرة السليمة بالاغتراب عن أوصاف الجسد الترابى، والعودة بها إلى الصفاء والنقاء. مما أحدث عندهم الكثيرمن الجدليات المتباينة، وبرغم ذلك لا يتحقق أحدها بدون الآخر كالجمع والفرق والصح ووالسكر.
وهذه الأحوال والمشاعر المكثفة، عبر عنها شعراء الصوفية فى لغة إيحائية رمزية، وأسلوب ناطق بالحياة؛ لأنه نابع من تجربة عاشها أصحابها على صفحة الحياة.

 [1]


[1

1- ابن عربى: الفتوحات المكية.
2 - ابن عربى: اصطلاحات الصوفية إعدد وتقديم د. عبد الحميد صالح حمدان، مكتبة مدبولى، القاهرة ط الأولى، 1999 ص 292.
3 - الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية، ت د. عبد العال شاهين ط المنار، 1413 هـ - 1992 صـ337، 338.
4 - د. سعاد الحكيم: المعجم الصوفى والحكمة في حدود الكلمة صـ721، 722. ط دار دندرة للطباعة والنشر، بيروت، ط1 1401 هـ - 1981 م.
5- التلمساني " عفيف الدين ": شرح مواقف النفرى، ت د.جمال المرزقى، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب لسنة،2000 صـ 364.
6 - نقلا عن ذيل المرأة لقطب الدين اليوينى 301.4، 302
7- د. سعاد الحكيم: المعجم الصوفى 723.
8- أبو نصر الطوسى: اللمع فى التصوف صـ63،64 وراجع فى تعريف المقام والحال كشف المحجوب للهجويرى، جـ2، صـ615،616، 617.
9 - الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية 107، 108.
10- التلمساني: الديوان صـ118.
11- الهروى الأنصاري: منازل السائرين صـ27، والهمة عند الكاشانى ثلاثة درجات: همة الإفاقة، وتعنى الباعث على طلب الباقى وترك الفانى، وهمة الأنفة: الانشغال عن نتيجة العمل بالعمل نفسه طلبا للقرب، وهمة أرباب الهمم العالية، وتعنى التعلق بالحق والانشغال عن كل ما سواه. الكاشانى معجم اصطلاحات الصوفية صـ71، 72 بتصرف
12- راجع دائرة المعارف الإسلامية مقال عن ذى النون المصرى، د. محمد مصطفى حلمى صـ503، والمكنون فى مناقب ذى النون المصري. لجلال الدين السيوطى ص 209 وما بعدها.
13- الحديث رواه مسلم وابن ماجه.
14 - ابن عطاء الله: لطائف المنن صــ 157.
15 - الشعرانى: الطبقات الكبرى 139.1. والشاعر هو عبد الغفار بن أحمد بن عبد المجيد بن نوح الأقصرى المولد، القوصى الدار عالم ومحدث، صنف كتابا سماه " الوحيد فى التوحيد"، وكان له شعر حسن، وقدرة على الكلام، وحال= = فى السماع، ينسب أصحابه إليه كرامات وتوفى سنة ثمان وسبعمائة. – الأدفوى: الطالع السعيد، تحقيق سعد محمد حسن، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 2001 ص ـ 323، 327.
16- أبو حيان التوحيدى: الإشارات الإلهية، ت د. عبد الرحمن بدوى، وكالة المطبوعات الكويت، دار القلم، بيروت، ط الأولى 1981 صـ114 وراجع مقال الاغتراب عند أبى حيان التوحيدى لحسن محمد حسن، مجلة فصول، المجلد الرابع عشر العدد 3 خريف 1995 صـ 67 وما بعدها.
17- الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية 122، 123.
18 - د. محمد عباس يوسف: الاغتراب والإبداع الفنى صـ 136. ويذهب حسن محمد حسن إلى أن أي نشاط إبداعي يقتضى ضربا من ضروب العزلة وإحساسا ما بعدم التطابق والتماثل ؛ لأنه من خلال تلك الهوة التى توجد بين الفرد والآخرين، وبينه وبين الواقع، وبين الواقع والمثال، من خلال هذا التوتر السوى يتولد الإحساس بأن دائرة الوجود لم تكتمل بعد، وهذا ما يشعل جذوة الفكر، ويفجر فى داخل الذات ينابيع الإبداع – الاغتراب عند أبى حيان التوحيدى – فصول، المجلد الرابع عشر – خريف 1995 صـ77.
19 - ابن باجة: رسائل ابن باجة الإلهية، تحقيق ماجد فخرى، بيروت 1967 صـ43.
20 - التوحيدى: الإشارات الإلهية صـ81.
21 - الحلاج: الطواسين، نشرة ماسينيون نقلا عن الاغتراب للدكتور محمود رجب صـ44.
22 - الحلاج: الديوان جمع و تحقيق المستشرق الفرنسى لويس ما سنيون القصيدة الأولى " التلبية ".
23 - نقلا عن وليد منير: نزعة النفى عند أبى حيان التوحيدى، مجلة فصول، المجلد الرابع عشر العدد الثالث، خريف 1995، ص81. و يقول وليد منير: " وإذا كان الشعور بالعزلة والانفصال والهامشية واللانتماء – كما يقول سيان – من أهم العناصر المميزة لحالة الاغتراب – فإن " عدم تجانس المكانة " يتجاوب مع هذه العناصر جميعا من حيث كونها تمثل، فى سياق ما، انعكاسا واضحا لسوء التقييم الاجتماعي، وقد نشأ مصطلح " عدم تجانس المكانة " فى العلوم الاجتماعية ليعبر عن وضعية اجتماعية تتصف بالبخس الواقع عليها ويعنى فقدان التناسب بين الكفاءة الشخصية والموقع من السلم الاجتماعي من ناحية، وبين التقدير الاجتماعى من ناحية أخرى " المرجع نفسه صــ 80.
24- د. فوزى أمين: دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية 1993 صـ170، 171.
25 - " محمد بن على بن وهب " أحد الأعلام، وقاضى القضاة، ولد سنة خمسة وعشرين وستمائة بناحية ينبع وتوفى يوم الجمعة حادى عشر صفر سنة اثنتين وسبعمائة، وكان إماما متفننا محدثا مجودا فقيها أصوليا أديبا شاعرا،نحويا، غواصا على المعانى. فوات الوفيات 442.3، 443 – وله ترجمة طويلة فى الطالع السعيد 567: 599. و راجع ابن دقيق العيد حياته وشعره للدكتور على صافى حسين دار المعارف.
26 - نقلا عن الصفدى: الغيث المسجم 105.1.
27 - الاغتراب عند أبى حيان التوحيدى: حسن محمد حسن – فصول خريف 1995 صـ78.
- الأدفوى:الطالع السعيد 452. والشاعر هو عمر بن عيسى بن نصر، مجير الدين بن اللمطى القوصى كان فاضلا شاعرا أديبا، شريف النفس عزيزها، توفى فى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة فى شوال، وقد بلغ ثلاثا وثمانين سنة. الطالع 448، 454.
- المصدر نفسه 351.
- المصدر نفسه 351, 354.
- المصدر نفسه 453.
- إن هذا واقع الأدباء الفاقدين للحرية في كل عصر , تقول لطيفه الزيات: وهذا الواقع الاجتماعى والتاريخى , يملك أن يسلبنى القدرة على الفعل الحر بالوعد والوعيد , بالسجن والتشريد , بالحرمان من العمل وبالتالي من لقمه العيش , وما إلى ذلك من آلاف الوسائل المحسوسة التي قد تؤثر فى فعلى الحر وتحد من قدرتى , وتقمع فعلى.
الكاتب والحرية.فصول , خريف 1992، المجلد الحادى عشر العد الثالث (الأدب والحرية) وراجع شهادات غيرهاعلى العلاقة بين الأدب والحرية فى المرجع نفسه.
33 - د. على صافى حسين: الأدب الصوفى فى مصر صـ402. والشاعر هو عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الحسن أبو القاسم الكاتب القوصى الأصل المصرى المولد والمنشأ، قال الشعر الجيد، وكتب الخط الحسن. وتوفى بحماة سنة احدى وثلاثين وستمائة. الأدفوى: الطالع السعيد 287، 288.
34- ابن الفارض: الديوان صــ 45.
35- ابن الفارض: الديوان 45، 46، 47.
36 - عبد الغنى النابلسى: شرح ديوان ابن الفارض: دار إحياء الكتب العربية القاهرة 26.1.
37 - نقلا عن الاغتراب سيرة مصطلح للدكتور محمود رجب صـ174. وراجع هيجل أو المثالية المطلقة للدكتور زكريا ابراهيم فصل (الروح الموضوعى) ص 303 وما بعدها.
38 - د. على صافى حسين: ابن دقيق العيد حياته وشعره صـ175.
39 - ابن عطاء الله: لطائف المنن , صــ 157 بتصرف.
40 - ابن عطاء الله: التنوير فى اسقاط التدبير ص 18.
41 - وفيق سليطين: تنويعات الرؤيا الصوفية بين مفهومى الانفصال والتوحد صـ104، ط1 مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة 1995 م.
42 - ابن الفارض: الديوان صـ76.
43 - د. على صافى حسين: الأدب الصوفى فى مصر صـ383.
44 - د. فوزى أمين: أدب العصر المملوكى صـ188 ود. محمود رجب: الاغتراب سيرة مصطلح صـ180.
45 - راجع شرح مواقف النفرى للتلمسانى صـ102، 320، 329، 351.
46 - المصدر نفسه 102.
47 - التلمسانى: الديوان 190.1.
48 - المصدر نفسه 230.1.
49 - د. محمد عباس يوسف: الاغتراب والإبداع صـ80.
50 - التلمسانى: الديوان 93.1، 94.
51 - ابن الفارض: الديوان صـ195.
52 - النابلسى: شرح ديوان ابن الفارض.
53- انظر د. محمد عباس يوسف: الاغتراب والإبداع صـ80.
54 - الأدفوى: الصالع السعيد صـ561، 562
55- يقول ابن عربى عن هذا الكتاب:" كنت نويت الحج والعمرة، فلما وصلت أم القرى أقام الله سبحانه وتعالى فى خاطرى أن أعرف الولى بفنون من المعارف حصلتها فى غيبتى، وكان أغلب هذه ما فتح الله سبحانه وتعالى عند طوافى بيته المكرم " مقدمة الفتوحات المكية. تحقيق د. عثمان يحي، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 1405 هـ - 1985م.
56 - ابن عربى: الديوان قدم له محمد ركابى الرشيدى، دار ركابى للنشر، القاهرة 1998 صـ97.
57 - راجع ديباجة ديوان ابن الفارض لسبطه الشيخ على صـ22.
58 - ابن الفارض: دباجة الديوان صـ23.
59- ابن الفارض: الديوان صـ79.
60 - المصدر نفسه 178.
61- المصدر نفسه 183.
62 - المصدر السابق صـ125.
63 - المصدر نفسه 184.
64 - التلمسانى: الديوان 146.1، 147.
65- سيتم تناول الأماكن المقدسة فى فصل الرمز الشعرى. راجع الديوان 87.1، 93، 94، 113، 127، 130، 132، 177، 223.
66 - التلمسانى: الديوان 95.1.
67 - سيتم تنازل رمز العرب فى فصل الرمز الشعرى عند الصوفية.
68- نقلا عن ابن عطاء الله، لطائف المنن 168.
69 - السيوطى: المكنون فى مناقب ذى النون 224، 225.
70 - د. سميرة سلامى: الاغتراب فى الشعر العباسي صـ280.
71 - الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية صـ311، 312.
72 - ابن القيم: مدارج السالكين 38.3، 39.
73 - على بن أحمد بن اسماعيل بن يوسف، الشيخ أبو الحسن الصباغ القوصى، صاحب المعارف والكرامات، أخذ عن الشيخ عبد الرحيم القنائي، وظهرت بركاته على الذين صحبوه، وكان والده صباغا، توفى سنة ثلاث عشرة وستمائة. السيوطى: حسن المحاضرة، 1161 وابن العماد الحنبلى: شذرات الذهب 52.5، 53.
74 - د. على صافى حسين: الأدب الصوفى فى مصر صـ364.
75 - ابن الخيمى (محمد بن عبد المنعم): الديوان نشره الموسوعة الشعرية الإمارات.
76 - المصدر السابق.
77 - ابو نصر الطوسى: اللمع 94، 95.
78 - التلمسانى: اليدوان ل125.1، 126.
79 - التلمسانى: الديوان 145.1.
80 - ابن الفارض: الديوان 75.
81 - المصدر نفسه صـ50.
82 - المصدر نفسه 55.
83 - المصدر نفسه 49.
84 - الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية 313، 314.
85 - ابن شاكر الكتبى: فوات الوفيات 414.3، 415.
86 - المصدر نفسه 415.
87 - ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق، علق عليه ووضع حواشيه: خليل عمران، ط دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى 1420 هـ - 2000 ص12 - راجع ابن عربى: فصوص الحكم شرح القاشانى ط الحلبى – مصر، ط3 1407 – 1987. ص 68، 83.
88 - ابن الفارض: الديوان ص231.
89 - النابلسى: شرح الديوان 237.1
90 - ابن الفارض: الديوان ص93.
91 - نقلا عن ابن عطاء الله: لطائف المنن ص 51.
92 - المصدر نفسه ص 182
93 - د. عاطف جودة نصر: شعر عمر بن الفارض دراسة فى فن الشعر الصوفى، دار الأندلس، بيروت ص288 وراجع اليواقيت والجواهر للشعرانى 65.1.
94 - الأدفوى: الطالع السعيد 620. والشاعر هو محمد بن محمد بن عيسى النصيبى القوصى الأديب الشاعر، الفاضل المحدث، وحكاياته وأشعاره طويلة كما ذكر الأدفوى، توفى بقوص سنة سبع وسبعمائة الطالع السعيد 613: 622.
95 - التلمسانى: الديوان 83.1.
96 - المصدر نفسه ص 197.
97 - نقلا عن د. محمد مصطفى هدارة: النزعة الصوفية صـ116 فصول ,المجد الأول , العدد الرابع 1981م.
98 - ابن الفارض: الديوان 86.
99 - د. محمود رجب: الاغتراب سيرة مصطلح صـ180.
100 - ابن عطاء الله: الحكم العطانية شرح ابن عباد النفرى الرندى، إعداد محمد عبد المقصود هيكل، س تقريب التراث/ الأهرام ط الأولى 1408 – 1988 م صـ168.
101 - ابن عطاء الله السكندري: لطائف المنن صـ181.
102 - الغزالى: معارج القدس فى مدارج معرفة النفس، ت محمد مصطفى أبو العلا، مكتبة الجندى القاهرة صـ28، ابن سينا: النجاة، تحقيق محى الدين ناصر الكردى، ط ثانية 1357 – 1938 صـ155.
103 - ابن سينا: الإشارات والتنبيهات، تحقيق د. سليمان دنيا ط2 دار المعارف بمصر صـ355.
104 - التلمسانى: الديوان 110.1، 111.
105 - الغزالى: إحياء علوم الدين 5.3 ط دار نهر النيل القاهرة، وراجع فى تعريف النفس وطبيعتها: كتاب نظرية النفس بين ابن سينا والغزالى للدكتور جمال سيدبى ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 2000 والتصوف النفسى للدكتور عامر النجار ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 2002، وكشف المحجوب للهجويرى 427.2: 438.
106 - د. سميرة سلامى: الاغتراب فى الشعر العباسي فى القرن الرابع الهجرى صـ259.
107 - ابن الفارض: الديوان صـ108.
108 - ابن عطاء الله: الحكم العطائية صـ153.
109 - ابن الفارض: الديوان 137، 138.
110 - المصدر نفسه صـ129، 130.
111 - ابن الفارض: الديوان 168.
112 - ابن الفارض: الديوان 115، 116.
113 - يقول عفيف الدين التلمسانى: النفس هى الحجاب فمن أدركها كوشف. شرح المواقف ص286.
114 - راجع فى رياضة النفس والتجريد والمجاهدة: التصوف الوجه والوجه الآخر للدكتور عبد الفتاح أحمد الفاوى صـ 252 ومعه تحقيق كتاب أصول الملامتيه وغلطات الصوفية للسلمى ,وكتاب التعرف لمذهب أهل التصوف للكلابازى صـ 81.
115 - الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية ص 116.
116 - ابن الفارض: الديوان 104، 105.
117 - حسن محمد حسن: الاغتراب عند أبى حيان التوحيدى صـ75 فصول خريف 1995.
118 - وليد منير: نزعة النفى عن أبى حيان التوحيدى صـ80.
119 - الأدفوى: الطالع السعيد 205. والشاعر هو الحسن بن عبد الرحيم بن أحمد، السيد الشريف أبو محمد القنائي، كان من الصوفية الفقهاء، الفضلاء العلماء، وكان ذا خلق حسن وأدب مستحسن، وله خط جيد، وكتب كثيراً من كتب الأدب بخطه، وكتب الإحياء. توفى سنة خمس وخمسين وستمائة. الأدفوى: الطالع السعيد ص 203: 206 وحسن المحاضرة للسيوطى 237.1.
120 - وفيق سليطين: الشعر العربى بين مفهومى الانفصال والتوحد صـ 165.
121 - ابن الفارض: الديوان 158.
122 - التلمسانى: الديوان 153.1.
123 - بدر الدينى العينى: عقد الجمان صـ95.
124 - التلمسانى: شرح مواقف النفرى صـ185.
125 - التلمسانى: الديوان 140.1، 141.
126 - الدسوقى: جوهره الدسوقى صـ134، 135.
127 - الهجويرى: كشف المحجوب 430.2، 431.
128 - ابن عطاء الله السكندرى: لطائف المنن صـ208.
129 - القشيرى: الرسالة القشيرية 257.2.
130 – المصدر نفسه 298.1.
131 - د. عبد الحكيم حسان: التصوف فى الشعر العربى صـ 277.
132 - الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية صـ180.
133 - د. عبد الحكيم العلامى: الولاء والولاء المجاور صـ31.
134 - تاريخ بغداد، المجلد الرابع عشر 419، 420، نقلا عن: د. عبد الحكيم حسان: التصوف فى الشعر العربى ص 278
135 - الرومانتيكية ما لها وما عليها، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986 ت أحمد خاكى ص 113، 114.
136 - المرجع نفسه ص112.
137 - راجع الاغتراب والإبداع محمد عباس يوسف صـ134، 135.
138 - ابن عطاء الله: الحكم ش ابن عباد صـ 167 ويعنى " الحجاب " انطباع الصور الكونية فى القلب المانعة لقبول تجلى الحقائق " الكاشانى معجم اصطلاحات الصوفية صـ 81.
139 - ابن العماد: شذرات الذهب 5/ 397. والقسطلاني هو الإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المصري، ثم المكي، ولد سنة أربع وستمائه، وتفقه في مذهب الإمام الشافعي، وكان أحد من جمع العلم والعمل والهيبة،= = والورع، وكان بينه وبين ابن سبعين عداوة، وينكر عليه بمكة كثيراً من أحواله، وفوضت له مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة. المصدر نفسه 5/ 397.
140 - التلمساني: الديوان 1 , 155 , 156.
141 - المصدر نفسسه.
142 - ابن الفارض الديوان 84.
143 - المصدر نفسه 109.
144 - الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية 173.
145 - ابن الفارض الديوان صـ.
146 - الدسوقى جوهرة الدسوقى 129.
147 - شرح الحكم لابن عباد ص 198، 199.
148 - الدسوقى جوهرة الدسوقى 129.
149- ابن الفارض:الديوان 67 , 68.
150 - ابن الفارض: الديوان 174.
151 - المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى 41.6.
152 - د. على صافى حسين: ابن دقيق العيد حياته وشعره 144.
153 - الكلابازى: كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف ص، 65، 66.
154 - يقول القشيرى: التلوين: صفة أرباب الأحوال، والتمكين: صفة أهل الحقائق، فما دام العبد فى الطريق فهو صاحب تلوين ؛ لأنه يرتقى من حال.. صاحب التلوين أبدا فى الزيادة. وصاحب التمكين وصل ثم اتصل " راجع الرسالة 252.1 واصطلاحات الكاشانى 175 – 343.
155 - راجع فى تعريف الفناء والسوى: د. سعاد الحكيم: المعجم الصوفى 621، 622، ابن القيم: مدارج السالكين 24.3، 25 – معجم اصطلاحات الكاشانى 365 – د. عبد البارى داود الفناء عند صوفية المسلمين والعقائد الأخرى. والتجليات لابن عربى ص 92 وكشف المحجوب للهجويرى 480.2 وما بعدها.
156 - د. عبد الباري داود: الفناء عند صوفية المسلمين 192
157 - التملسانى: شرح المواقف صـ 81.
158 - ابن الفارض: الديوان 95، 96.
159 - ابن القيم: مدارج السالكين 24.3
160 - التلمسانى: الديوان 164.1.
161 - نقلا عن: د. عبد البارى داود: الفناء عند صوفية المسلمين 159
162- ابن عطاء الله: التنوير فى إسقاط التدبير 126.
163- المصدر نفسه 127.
164- المصدر نفسه 126.
165 - المصدر نفسه 89.
166- المصدر نفسه 90، 91. ورجع لطائف المنن صــ 163.
167 - نيكلسون: الصوفية فى الإسلام صــ 139. وراجع المعجم الفلسفي: مجمع اللغة العربية، القاهرة 1983 م، صـ 199. ود. أبو الوفا التفتازاني: مدخل إلي التصوف الإسلامي صــ 112.
168 - الأدفوى: الطالع السعيد 324، 325.
169 - الكاشانى: معجم إصطلاحات الصوفية 110.
170 - التلمسانى: الديوان 83.1.
171 - د. عاطف جودة نصر: شعر ابن الفارض دراسة فى فن الشعر الصوفى 276.
172 - ابن الفارض: الديوان صـ 185.
173 - د. عاطف جودة نصر: شعر ابن الفارض دراسة فى فن الشعر الصوفى صـ 275، 276.
174 - ابن الفارض: الديوان ص88.
175 - د. فوزى أمين: أدب العصر المملوكى الأول صـ 188 والبيتان بالديوان 108.1
176 - د. سميرة سلامى: الاغتراب فى الشعر العباسي ص 288، 289. وهذا الرأى يتوافق مع ما ذكره ابن طفيل عن رحلة حي بن يقظان أنه مازال يطلب الفناء عن نفسه في مشاهدة الحق، حتي تأتي له ذلك، وغابت عن ذكره وفكره= = السماوات والأرض وما بينهما، وجميع الصور الروحانية والقوى الجسمانية، وجميع القوى المفارقة للمواد، والتي هي الذوات العارفة بالموجود الحق، وغابت ذاته في جملة تلك الذوات، وتلاشي الكل و إضمحل، وصار هباءً منثوراً، ولم يبق إلا الواحد الحق الموجود الثابت الوجود. رواية حي بن يقظان لابن طفيل إعداد د. سمير سرحان، د. محمد عناني، ط2، 2000، الهيئة المصرية العامة للكتاب صــ 100.
177 - ابن الخيمى: الديوان. نشر الموسوعة الشعرية.
178 - المصدر نفسه.
179 - المصدر نفسه.
180 - المصدر نفسه.
181 - د. سميرة سلامى: الاغتراب فى الشعر العباسي 290.
182 - الهجويرى: كشف المحجوب 414.2.
183 - الكاشانى معجم اصطلاحات الصوفية 355.
183 - الطوسى: اللمع صـ103 وراجع الاغتراب فى الشعر العباسي لسميرة سلامى ص 288.
184 - التلمسانى: الديوان 153.1، 154.
185 - الهجوير: كشف المحجوب 416.2.
186 - الدسوقى: جوهرة الدسوقى ص127.
187 - المصدر نفسه 104.
188 - اصطلاحات الصوفية ص288. وراجع معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى صـ 367.
189 - د. على صافى حسين: الأدب الصوفى فى مصر ص 381.
190 - على بن يوسف الشطنوفى: بهجة الأسرار ومعدن الأنوار صـ320.
191 - د. أبو الوفا التفتازانى: مدخل إلى التصوف الإسلامى 147.
192- السلمى: طبقات الصوفية ص84.
193 - د. يوسف زيدان: عبد الكريم الجيلى فيلسوف الصوفية س أعلام العرب 132 الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988 صـ145.
194 - أدونيس:الثابت والمتحول، حـ2 تأصيل الأصول ص94. ط 1982، دار العودة، بيروت.
195 - د. على صافى حسين: الأدب الصوفى فى مصر صـ 381.
196 - الطوسى: اللمع ص 379.
197 - القشيرى:الرسالة 217.1، 219.
198 - ابن الفارض: الديوان 109، 112، 140، 141.
199 – ابن شاكر الكتبى: فوات الوفيات415.3, 416.
200 - المصدر نفسه.
201 - الكاشانى: معجم اصطلاحات الصوفية ص161.
202- الأدفوى: الطالع السعيد 314.
203 - التلمسانى: الديوان 145.1.
204 - المصدر نفسه 159.1.
205 - المصدر نفسه 241.
206 - المصدر نفسه 255.1.
207 - ابن الفارض: الديوان 186.
208 - النابلسى: شرح ديوان ابن الفارض 86.1، 87.
209 - المصدر نفسه 118.2.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى