الجمعة ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم حسن نبيل رمضان

تحالف الحضارات

نهاية لصراع؟.....أم تتويج لحوار الحضارات؟

قد يكون من المبكر جدا أن نسجل مصطلح تحالف الحضارات في قائمة المصطلحات التي تبحث في العلاقة مابين الحضارت بشكل عام وما بين الحضارة الاسلامية والغرب بشكل خاص، الا أنه وبشكل واقعي مصطلح يستحق البحث، ولكن قبل ذلك لا بد من العودة الى مفهومي صراع وحوار الحضارات، فنظرية صراع الحضارات اخذت بعدا قويا بعد احداث سبتمبر ويبدو انها تعود للواجهة من جديد بعد الاحداث الاخيرة التي تسببتها الرسوم المسيئة لرسول البشرية سيدنا محمد عليه افضل الصلاة، اما الحوار فقد راح يتجاذب ما بين ردات فعل تصنعها احداث متعددة وتدارس محدود على المستوى الرسمي،دون الالتفات بانه قضية يجب على العالم اجمع العمل لاجلها مسخرا لها كل طاقاته.

هل من تشابه بين ما بين النظرية والواقع؟

لقد توقعت نظرية "صراع الحضارات" أن الهوية الثقافية ستحل في عالم مابعد الحرب الباردة الأمر الذي سيفضي حتماً الى صراع حضاري، ذلك لان عالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سيكون منقسما وفقا لاسس حضارية ( اسلامية، كنفوشوسية، غربية.....الخ)، داعية صناع السياسة في الغرب وتحديدا في الولايات المتحدة الامريكية الاخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة والحفاظ عليها عبر تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية ‏والثقافية والعسكرية بين شطري العالم الغربي الاوروبي والامريكي، الامر الذي جعل شعار " الغرب والبقية " ياخذ مكانه في احشاء هذه النظرية و التي تعترف بأن الغرب الذي يسعى الى فرض القيم‏الديمقراطية والليبرالية على الاخرين، يسعى في الوقت ذاته الى الحفاظ على تفوقه العسكري وقوته الاقتصادية .
توقع «هنتجتون‏» من خلال نظريته أن اهم صراعات المستقبل هو صراع الحضارة الغربية مع الحضارة‏الاسلامية مضيفا أن الحضارتين الاسلامية والكنفوشيوسية ستشكلان اتحادا مقابل الغرب،يمثل المقاومة الوحيدة في صدام الغرب مع غير الغرب، وان الوظيفه الملحه للغرب تكمن في استغلال الخلافات ‏والنزاعات بينها.

وهنا لا بد لنا من الاشارة بان البعض يحاول اختزال مفهوم الحضارة الاسلامية في( ايران ) كدولة اسلامية تسعى الى بناء قوتها العسكرية في هذا القرن ومفهوم الحضارة الكنفوشيوسية في (الصين ) التي ايضا تسعى الى تطوير قدراتها الى اعلى مدى يمكن ان تتطمح اليه.
ويلاحظ أن أطروحة هنتجتون حول صدام الحضارات تعبر عن وصف الخطاب الاستراتيجي الأمريكي الحالي والذي يسوق فكره بناء على تحكمة في مصادر القوة العالمية ، كما أن عناصر الصدام التي يعددها هنتجتون ليبني عليها فرضيته، لا تندرج في نسق ومفهوم "الحضارات"، بل هي عبارة عن خطاب سياسي بحت يستغل بعض المكونات التاريخية التي تخدم الاطروحه الصراعية.

كيف يجب أن نرى هذه الحيثيات؟

ان اطروحة الصراع لا تصلح ابدا لتصبح أساسا مصيريا ذات بعد دلالي انساني عالمي. بالرغم من اننا لا نستطيع ان ‏نغض النظر عن حقيقة وجود صراعات بين ثقافات الشعوب والامم، ولكن في المقابل فان هناك تشارك وتعاون انساني احتضن الانجازات الانسانية العالمية دون النظر الى عرق او لون لمجمل الانجازات العالمية التي ساهمت في التطور البشري ككل، نعم هناك تعددية ثقافية في هذا العالم، وهذا امر واقعي نعترف بوجوده، وقد يتصارع ‏اصحاب هذه الثقافات مع بعضهم بعضا في مرحلة ما ولكن هذا لا يعني ان‏الصراع هو الطريق الوحيد الذي ستسلكه الامم، فقد تداخلت الحضارات بعضها ببعض من خلال التشارك والتراكمية الانسانية وتغير مفهوم الانعزال الى مفهوم التداخل، وان كنا لا نستطيع تحديد معنى دقيق لقضية التداخل لكننا نستطيع أن نذكرأن الغرب بالمعنى الشمولي ليس موحدا في فكرة صراع الحضارات، بل العكس فهناك مناهضة غربية لفكر العولمة الذي تتزعمه امريكا، كما أن المسلمين والكنفوشوسين( حسب تصنيف الاطروحه الصراعية ) على وجه الخصوص اصبحوا في وسط المجتمعات الغربية يتعايشون معها يتأثرون ويؤثرون بها ويشاركون في رسم النسيج الاجتماعي والفكري والسياسي لها.

وياتي التحدي الحقيقي الا وهو ( الحوار) ، كيف يمكن لنا أن نتحاور مع الحضارة الغربية ونستوعبها حتى نكون شركاء معها، مستغلين مفاهيم التوحد الانساني التي نحتاج ان تطفو على السطح لا ان يتم طمسها
كيف يكون الحوار الحضاري؟

ان كان علينا الدخول في حوار الحضارات بوعي‏ وثقة ومسؤولية، فلا بد من ان نعيد النظر في كثير من حساباتنا الثقافية والفكرية والسياسية‏ التي تتصل بالمشروع الحضاري الاسلامي والعربي المعاصر، وضرورة اعادة بلورته وطرحه،وتحديد ملامحه من جديد بما يتناسب مع مستجدات الحياة، ومتغيراتها على مستوى‏التفاعل الحاسم مع قضايا العدالة، والحرية، والمساواة، وحقوق الانسان، والتعددية السياسية،ومسائل البناء الحضاري.

ان هناك ضرورة قائمة الآن ذات أبعاد متعددة تؤكد من جديد على أهمية الحوار ليكون أشمل وأوسع يقوم على التبادلية، والمنفعة المشتركة والمتعددة ‏بالفعل لا بالاسم، وعلى التعددية والعدالة والتنمية والتكافؤ والندية بما يعزز رؤية سكان‏العالم لموقع كوكبهم في الكون ومستقبلة الواحد. وهذا ما يحتم على العرب والمسلمين‏السعي لتعزيز الهوية الحضارية في اطار من التفاعل الايجابي والمنتج مع الحضارات‏الاخرى، والتعامل الجدي والمسؤول مع المتغيرات والمستجدات العالمية الراهنة، بهدف‏الاستجابة والتكامل، وقبل هذا لابد ان يكون هناك حوار عربي واسلامي داخلي شامل لتحديد معالم الهوية والعمل على ترسيخها والدفاع عنها في اطار موحد يكاشف الذات ولا يتستر عليها.وهنا لابد من التـأكيد على أن الحوار يجب ان يطال كافة الشرائح والمستويات بطريقة يتم فيها تصدير الفكر النخبوي والرسمي الى كافة شرائح المجتمع العربي والغربي على حد سواء، شريطة أن يكون خالصا من الشوائب والتصورات المغلوطه ومتجها نحو صلاح البشرية وتحقيق السلم العالمي.

تحالف الحضارات أمل ما بعد الحوار

من الضروري التوضيح أن في مفهوم تحالف الحضارات لا يمكن ان يتحقق الا من خلال الحوار الذي اوضحنا اسسه وحتى يتحقق مفهوم التحالف لابد من الاتفاق وذلك بعيدا عن التعصب والتشوية وصناعة الشعارات، فاين وصل الحوار فيما سبق، وكيف تطور ليصل الى مراحله المتعثرة اصلا، والمنبثقة من احداث كبيرة، فالثقة الاساسية تكمن في توحيد الشعار والممارسة وترسيخ مرتكزات هذه الممارسة والبناء عليها، وقد يكون اهم ما يجب الاشارة اليه ان لا تكون مثل هذه المؤتمرات ناجمة عن ردة فعل لانها حينها ستكون مجردة من الفعل الحقيقي لها ذلك،لان الفعل الحقيقي للحوار يكمن في منع الاحداث والوقاية منها لا ان تترك لتتفجر نتيجه الفجوة الفكرية واستفحال نظريات متشددة مثل نظرية صراع الحضارات، فالتحالف اذا يحتاج الى اتفاق على الإقرار بالآخر، وحل الصراعات من منظور حضاري موحد يعيد الحقوق ويحافظ عليها، فالتحالف الانساني يحتاج الى وضوح انساني بعيد عن القطبية التسلطية، وهو أمل حقيقي يمكن ان يتحقق اذا وصلت قضية الحوار الى كافة المستويات واتفق به على القواسم المشتركة، وتحالفت الحضارات على المستوى الشعبي قبل تحالفها على المستوى الرسمي اذا جازت لنا التسمية، وتشاركت في اعادة الحقوق الى اصحابها على الأسس التي أجمعت عليها كافة المواثيق والاعراف الدولية، فهل يمكن ان يتم تحالف ما بعد الحوار في المدى المنظور ام انه مجرد شعار فرضته الاحداث الاخيرة؟ وهل ستكون هناك نظرية شاملة لتحالف الحضارات لتقف في وجه اطروحه الصدام؟

نهاية لصراع؟.....أم تتويج لحوار الحضارات؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى