الجمعة ١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٥
بقلم عزيز أبو خلف

الانتصار للمرأة

نحن نريد أن نستبدل مصطلح تحرير المرأة بالانتصار للمرأة أو نصرة المرأة، لأن المرأة في الإسلام لا يناسبها مسمى التحرير، فهي ليست مسترقة ولا من الجواري المستعبدات المسخرات لإشباع نزوات الرجال والتسري بهن، ولسن حضّانات أو آلات تفريخ أو طباخات، كما يحاول أن يصورهن من يريد أن ينفّر الناس من الإسلام. بل المرأة إنسان مبدئي مثل الرجل لها ما لها وعليها ما عليها، ومع ذلك فهي أم وربة بيت مصونة وعقيلة وعاقلة، تطبخ وتخدم في بيتها، ولها الحق فيمن يخدمها بشرط الاقتدار، ولها الحق في أن يأتيها رزقها رغداً من غير عناء. ولن تستنكف المسلمة أن تكون خادمة في بيتها مطيعة مطاعة بالمعروف، تمارس ما أباح لها الشرع بكل جرأة وثقة.

ولكن لماذا يسارع الناس إلى إلصاق الظلم الحال بالمرأة وتخلفها بالإسلام؟ وذلك على الرغم من القائمة الطويلة التي يسردها الوعاظ ومحامو الدفاع عن حقوق المرأة في الإسلام. ما ذنب الإسلام وقد اختلط الحابل بالنابل من عادات وتقاليد وأحكام شرعية وتصورات وممارسات غربية في خليط غريب؟ كيف يحكم الناس على الإسلام بذلك ولم يشهدوا تطبيقاً عملياً حياً لحياة إسلامية متكاملة؟ وهل الظلم مقتصر على المرأة وحدها أم تعداها إلى الرجل، بل والى الإسلام نفسه؟ أسئلة كثيرة وأجوبة اكثر، وكلام كثير وبرامج أكثر، كلها تريد تحرير المرأة ورفع الظلم عنها، ولكن من يرفع الظلم عن الإسلام المتهم بظلم المرأة وليس هناك من أعزها غيره؟

من المفارقات أن الذي يعمل على تحرير المرأة هو الرجل نفسه المتهم بظلمها، وأن المرأة لا تزال قاصرة عن الانتصار لنفسها، وأنها إن فعلت فبإيحاء من الرجل وتنفيذاً لرغباته. ولكن الرجل يسمح بهذا الهامش من الحرية إلى الحد الذي لا يؤثر على مصالحه، أو إلى المدى الذي يمكن أن يتوقف عنده الاستمتاع بالمرأة. لنأخذ شاهداً على ذلك مفهوم عقل المرأة، فكثير من الناس يجادلون بأن الإسلام ينتقص من عقل المرأة باعتبارها ناقصة عقل ودين. ولما شرعنا في بيان المفهوم الصحيح من ذات الإسلام نفسه، هرب المجادلون، وانهالت علينا الاتهامات من النساء قبل الرجال بأن هذا البحث ما هو إلا إرضاء للغرب ولأدعياء التحرر، سائلن متسائلين: وأي شيء في عقل المرأة يحتاج إلى كل هذا البحث؟ وبالطبع فإن هذا ناتج من فرضيات مستورة ومسكوت عنها عندهم، وهي احتقار هؤلاء، بمن فيهم المرأة نفسها، للمرأة وعقلها فيما عدا ما يمكن الانتفاع به منها. لكن الطامة الكبرى أن يكون العداء هو من المرأة نفسها، فالمرأة كثيراً ما تكون هي عدو نفسها الأول.


رفض مقالات المرأة

ونحن نضرب مثالاً حياً من تجربتنا في نشر مقالات عن عقل المرأة على الإنترنت. من المتوقع أن مواضيع كهذه ينبغي أن تهم المرأة، ولكن المفاجأة أن العداء لها يكون من المرأة نفسها. قد تستغربون أن رفض نشر المقالات عن عقل المرأة يأتي من المواقع النسائية، أو ممن يشرف عليها نساء أي محررات، أو من مواقع يفترض أنها للمرأة ومحرروها رجال !. والأغرب أن من يسارع في نشر المقالات مواقع غير نسائية يحررها رجال، والأشد غرابة أن يبادر إلى نشر هذه المقالات من يُصنفون بأنهم علمانيون مع أن الموضوع يتعلق بعقل المرأة في الإسلام، أو من المواقع السلفية المتهمون بالتشدد حيال المرأة. ومع ذلك لا يخلو الأمر من نماذج نسائية تنصر قضاياها وإن كانت على استحياء أو بتباطؤ شديد.

وسوف نبدأ بالمواقع التي نشرت هذه المقالات، ومنها بوابة العرب، وهي مجلة فكرية تطوعية يحررها المفكر المتفتح ساجد العبدلي، تحمل شعار بوابتك إلى الفكر الحر وغد عربي أفضل. نشرت جميع المقالات التي أرسلتها إليهم عن المرأة، على الرغم من تركيزهم على القضايا السياسية. ومنها مجلة ديوان العرب، وهي مجلة فكرية ثقافية أدبية بالدرجة الأولى وتوجهها غير ديني، بل لا يحبون التركيز على القضايا الدينية، ومع ذلك نشروا كافة مقالات المرأة. ويحرر هذه المجلة الشاعر عادل سالم والأديبة أمل إسماعيل صاحبة النبضات الرائعة، وهذه الأديبة من المناصرات بحق لقضايا جنسها، وترى أن الحدود بين المرأة والرجل دائرية لا تُعرف بدايتها من نهايتها، ويستمر الطرفان في خوضها معاً. ومنها العربي الحر، والتي يحررها الشاعر نزار الزين، وهو صاحب فكر يدل عليه اسم مجلته وقد استنكر على الذين يتصدون للدين ويعادونه. ومنها كذلك مجلة عربيات، وهي نسائية خالصة. فها أنت تلاحظ السمة الغالبة على هذه المجلات من أسمائها، ومع ذلك ناصروا المرأة ونشروا مقالاتها. ومنها موقع سلفي هو صيد الفوائد، على الرغم مما يقال عن تشدد السلفيين حيال المرأة، ولكنهم قاطعونا بسبب أننا نكتب أيضاً عن عمرو خالد، وهذا ما كان من مجلة عربيات والعربي الحر فيما يبدو أيضاً. هذا مع ان انتقادنا لعمرو خالد كان انتصاراً للمرأة لأنه يعتبر ان الرسول عليه السلام كان يمازح النساء بوصفه لهن بأنهن ناقصات عقل. وهل من يقول بان الرسول كان يمازح في مثل هذا الأمر يحترم المرأة وعقلها أو حتى الرسول المبلغ المشرع.

في المقابل نجد مواقع نسائية تصب جام اهتمامها على قضايا المرأة ويحررها رجال ! مثالها موقع لها اون لاين الخيري. فقد نشروا عدة مقالات، ثم لما لاحظوا انه من الممكن أن يتعرضوا لانتقادات توقفوا عن ذلك. ولكن أية انتقادات يمكن ان تسبب الأذى عند الحديث عن رأي علماء أو جماعات أو مفكرين عن عقل المرأة؟. ومنها موقع إسلام اون لاين، وهو موقع عام، فيه زاوية بعنوان "آدم وحواء" تحررها نساء، لكن فيما يبدو أنهن مقيدات بآراء المحررين أو بالنظام العام للموقع. فقد اعتذرت المحررة كوثر الخولي عن نشر مقالة عن نقصان عقل الرجل، وأخرى عن عقل المرأة بحجة أنه لا جديد فيهما ! ولكن ربما يكمن السبب الحقيقي في تجنب النقد والخوف المتوقع من القول بأن الرجل ناقص عقل، ومن قلة اطلاع المحررات أنفسهن على مثل هذه القضايا، أو من سيطرة المحررين الرجال في الموقع. فهذا مثال صارخ على عداء المرأة لنفسها ولقضاياها، حيث أن مناقشة قضايا تمسها في صميمها تعتبر غير جديدة في نظر هذه المحررة مثلاً، ولله في خلقه شؤون.


مشاركة منتدى

  • حديث جميل ..
    لكن بودنا التوضيح من قبل الكاتب في مسألة موقع لها اون لاين .. مااستناده لهذا الأمر ؟
    تجدد موقع لها اون لاين بحلة زاهيه .. وبديهي أن تزال الروابط القديمه ولايعني ذلك زوال المقالات القديمه .. بل موجوده بروابط أخرى ..
    فهل هذا مايعنيه الكاتب ؟ يظن أن مقالاته تم حذفها !!

    أرجو أن تتضح الصوره لأننا نثق بموقع لها أون لاين وحرصه على نصرة المرأه دون الالتفات لأي هجمه ..

    نرجو التوضيح حول هذا الأمر ..

    عرض مباشر : مقالات الكاتب / عزيز محمد أبو خلف

    • شكراً للاخت نوف العتيبي، التي يبدو من تحمسها لموقع لها اون لاين وحرصها عليه أنها تنتمي إليه ربما في مجال التحرير.

      ليس الأمر هكذا أيتها الاخت الفاضلة، بل هو كما ذكرنا في هذه المقالة، وكنا نقصد مقالة أخرى هي: عقل المرأة عند الجماعات الإسلامية. ولهذا الأمر حكاية هي كالتالي: كنت تكلمت مع محرر الدراسات الشرعية في موقعكم على نشر سلسلة من المقالات تتعلق بعقل المرأة من حيث رأي علماء الإسلام والجماعات والمفكرين والمفكرات وعلماء الغرب. والذي حصل انهم نشروا المقالة الأولى في السلسلة وهي رأي علماء الإسلام القدامى في عقل المرأة. ثم ماطلوا في نشر المقالة التالية وهي: رأي الجماعات الإسلامية في عقل المرأة. ولما اتصلت برئيس التحرير لم يظهر صراحة انهم لا يريدون نشرها، ثم اتصلت مع محرر الدراسات الشرعية فصرح بأنهم متحرجون من نشر هذه السلسلة نظراً لما يتوقعونه من حرج من جراء الانتقادات، ولأن المقالة غير موثقة.

      من اجل هذا كانت الفقرة الخاصة بموقع لها اون لاين وهي كالتالي: (في المقابل نجد مواقع نسائية تصب جام اهتمامها على قضايا المرأة ويحررها رجال ! مثالها موقع لها اون لاين الخيري. فقد نشروا عدة مقالات، ثم لما لاحظوا انه من الممكن أن يتعرضوا لانتقادات توقفوا عن ذلك. ولكن أية انتقادات يمكن ان تسبب الأذى عند الحديث عن رأي علماء أو جماعات أو مفكرين عن عقل المرأة؟).

      هذا مع العلم ان المقالات المنشورة هي بدون مقابل مادي، وانما هي لأجل نشر العلم.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى