السبت ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم مصطفى أدمين

يومُ نَحْس

المنبّهُ أصبحَ نائِماً.
 
نصف ساعة فقط للوصول إلى مقرّ العمل في الطرف الأقصى من المدينة.
الصنبورُ يشخُبُ ماءً مُطيّناً... ثم يسعلُ هواءً عَفِناً... ثم ينفكُّ بُرغِيُه؛ فتشرع بعض القطرات العنيدةُ تُنقِّطُ.
 
القنّينةُ البلاستيكيةُ جفّتْ من مائها... طِوال الليل باتتْ تسِحُّ بسبب جُرْحٍ خَفِيٍّ في أحد أضلاعِها.
 
لِحُسن الحظ بقيَ ماءٌ في إبريق... يليقُ لصنعِ كوب شاي أسود.
أعوادُ الثقاب مُبلّلة.
 
البوطاغازُ فارغة.
لم يبقَ لي وقت.
بدأتْ تُمطِر.
سأفطرُ في الحافلة.
يطيرُ الزرُّ الأوسطُ لقميصي.
ـ لا بأس! سأشدُّهُ بمشبك.
يخِزني... أسحبُ يدي... أكسِرُ أباجورة.
لا أحدَ يُعاتبني.
أنا أعزب.
أُديرُ المفتاحَ في قفلِ الباب... ينكسِر... أسبُّ... يحدجُني جارٌ بنظرةٍ مُريبة...
ولا حافلة!
اليومُ إضرابٌ على النقل...
- في هذه المرّة، لنْ أفلِت من توبيخِ المُدير.
لحُسن حظّي، يمرُّ زميلٌ بسيّارته...
يُقِلُّني بضعةَ أمتار... تتوقّف.
ـ إخّْ!... يومٌ نحسٌ.
يقول.
أشعُرُ بالذنبِ... أنزلُ. أدفعُ. أعرقُ. أتعبُ. أركبُ. أصبِر...
تتوقّفُ عند بابِ السّوقِ... أسألُ:
- أ لستَ ذاهباً للعملِ؟
- طبعاً لا! فاليومُ عُطلة، ثم إنَّ الساعةَ شارفتِ التاسعةَ والرُبع...
أخجلُ. أستسمِحُه المغادرة. أُودِّعُه.
أتسلّلُ إلى السّوقِ... أجلِسُ إلى طاولةِ مطعمٍ بَلَدِيٍّ صغير لأجلِ تناوُلِ وجْبة (بيصَارَةٍ) ساخنة...
أجِدُها صفراءَ باهِتةً، والزيْتُ المصبوبُ عليها مغشوشاً، ومسحوقُ الكامونِ والفلفل النّاريِّ المذَرذر عليها؛ غَمِلاً...والمِلحُ الذي في فيها حُلواً مُقْرفاً...
أُأدّي الثمن.
أقولُ للفتاة (البيصارْجية):
ـ الحياةُ صَعْبةٌ؟... أ لَيْسَ كذالك؟...
تبتسِمُ. لا تفهَمُ. تُناولُني (الصرْفَ). أناولُها دِرْهمَيْن إضافييْن (لكونِها جميلةً)، فأنصرفُ...
أجلِسُ في مقهى... في جوصحْوٍ... تأتيني صحيفةٌ...
أقرأُ فيها:
ـ...الصقيعُ يقتلُ في قرية (آنفكو) الجبلية... مُتاجرةٌ غير قانوينة في حيِّ (الهراويين)...العراق... غزّة تحت القصفِ اليهودي... مُرشّحٌ أسْود لرئاسة إمبراطورية أمريكا... اسمُهُ عجيبٌ: حُسَين باراك أوباما... أطفال الشوارع... الصحافة المُستقلّة...
أنادي على الجَرْسون... أقولُ له:
ـ يومُ نحْسٍ! أ ليسَ كذلك؟
يستغربُ...
أتذكّرُ قِصّةً قرأتُها عن رجُلٍ ماتَ من الرّوتين...
أعودُ إلى بيتي ماشياً...
أجِدُ امرأةً تنتظر...
إنّها نفسُ المرأة التي طالبتني بالزوّاج منذ عشرين سنة...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى