الخميس ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم بسام الطعان

قطعة الحلوى

وها أنذا الآن، أقف على جبل الحلم، أرسم الوقت مروجاً، أحمل قيثارتي، أرتّل حنيني إليك، وأحلم بأيام كلها ضحك ومواويل، وها أنت الآن، تذهبـين بعيداً، تأخذين الجمر من موقدي، وتسحبين النور خيطاً خيطاً من قنديلي الباكي، وها أنذا أسألك بالنور الطالع من عينيك، بالعسل السائل على شفتيك وبروحك الخضراء أن تأتي، وأن ترضي ربوع الشوق تجمعنا، وخيول الحب تحملنا، وتأخذنا إلى دنيا خلابة، أسألك وأنا لا أعلم إن كنت مخضّبة بالشوق نحوي، ولكني أعلم تماماً أنك في القلب وبدم القلب مكتوبة.

وأقول لحلاوة شفتيك، التي سالت على أروقة الوجدان، كم من نساء على الأرض؟ لا تعرفين؟ سأقول أنا.. أكثر من حبات المطر، ولكنني لا أرى أمامي إلا واحدة.
ويا لها من شمس، تشرق كل صباح ولا تعلم أن شعاع عينيك يملأ الكون.

إنك قطعة من الحلوى، قريبة من القلب، مريحة للعين، خفيفة الدم والروح، وجهك ضحكة طفل، عيناك بحيرتان لوزيتان، رموشك خيوط الشمس وقت الأصيل، شعرك أسود هفهاف يشبه مجداف بحار، صوتك ماء يهطل قطرة قطرة في إناء بلّوري، ويشع منك نقاء، فكيف لا تكونين قطـعة حلوى؟

ويا أقرب المقربين.. أيتها المسجّاة في أطراف حنيني، هل تتذكرين حين رأيتك أول مرة؟ كنت شارداً كالغمامة، اقتربتِ بخطوات هادئة، وقفـتِ إلى جانبي وانتظرتِ الحافلة، فانبهرتُ بك، وتمنيتُ لو أستطيع أن أحملك علـى ظهري وأطير بك إلى الربوة، وفي داخل الحافلة، جلستِ إلى جانبي، فقلــتِ مراتٍ ومرات: "إن الطموح إلى غيرها لعب وفراغ، وحين رأيتك للمرة الثانية وأنت تزنّرين خصر الدجى بسـواقٍ من الوميض، أسكنتك أوردتي وقلتُ لمن حولي: "أرجوكم لا تسلبوني رجفة العشق".

وآه منك، ومن صدرك الذي يشبه قمة جبل.. فأنا لم أتوقع أن تنثري من حولي الورد الأحمر، وأن تفجري في داخلي تفاعلات غير مألوفة من المتعة، ويوماً بعد يوم، صرتِ أغنيةً في النهار، ورغيفاً ساخناً في الليل، وأبداً لن أنسى تلك اللمسة الدافئة، فحين تقدمت نحوي في ليلة العيد وسـلّمت وابتسمت، سرتْ رعشةٌ لم أر ألذّ منها في كياني.

ويا له من عمر.. العمر الذي طال شبابه ونحن نسير معاً، تحت أضواء المدينة التي لم أرها بديعة في حياتي كما رأيتها تلك الليلة، كنتِ تبتسمين أحياناً، وأحياناً تكركرين، وعلى طول الطريق، كان بصري ينشد بانشداه إلى الصفاء المنبعث منك، فتأخذني حمّى وأشعر بأنني مريض بشيء مجهول.

وياه.. كم حملتك بشفتيّ وعينيّ بينما قلبي تحول إلى منديل على مرافئ جفنيك، وكم ضحكت أعماقي سعادة حين فاجأني صوتك الباسم:

 ما ألذَّ رجفة العشق في هذا المساء الدافئ.
ـ وابتدأ المشوار.. دخلنا إلى الحديقة، وعلى أول كرسي بدأنا نستمع لآرائنا كما نستمع لدقّات قلبينا. كلماتك كانت تجول في خاطري، وتتحول إلى مواويل عذبة. طلبت يدي ملامسة يدك، فرفعتِ يدك بهدوء لتلتقي يدي، أمسكتُ بيدٍ مرحةٍ كفَّك، فركتُها بلطف، أحسستُها ملساء صغيرة وذهبت إلى دنيا أخرى، تلك اللمسة أحدثت وهجاً يلهب جسدي، ودون وعي رحت أقبـّل أناملك بعذوبة، كنت تتأملينني وأنا لا أبالي بالعيون الكثيرة ولا بالأفواه المفتوحة، وأظن أنك شعرت بميل نحوي، وبأن شيئاً في داخلك يزداد تدفقاً أكثر من أية لحظة في حـياتك، من أجل ذلك، لم تتعب يدك من الغزل، وبقيت تمدينني بابتسامات محببة، أما أنا فبقيت أحدق بتحدٍّ في حلاوة عينيك، وهالة وبريق شفتيك، ورقة مشاعرك، ولم أعرف ما دار في خاطري، لكن شيئاً واحداً كان بإمكاني تمــيزه، كنت عصفوراً وجد رفيقاً له بعد طول انتظار.
ومع ليل عريض تألقت نجومه في بحر أسود خلاب، خرجنا كفراشتين مدللتين نجوب الشوارع.

وآه منك، فأنا ما زلت أدور وأسأل:
" أين قطعة الحلوى؟ أين..؟ أين..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى