الثلاثاء ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩
بقلم سعد علي مهدي

الحانة

1 )
هذه الحانة ُ والليلُ وأصنافُ الهموم
رحلة ٌ تفتحُ لي بابا ً..
لكي أغفو على خدّ النجوم
طائرا ً ما بين أرض ٍ و سماءِ
وليكن تحت حذائي
كلّ ما كانَ ..
فلا شىء مع الوقت يدوم
أيّها النادلُ كأسا ً ..
وليكن للثلج فيها ما يكون
قطعة ٌ تكفي .. أو اجعلها اثنتين ِ
الآنَ ناولني الثريّا
واتركِ الأرضَ لمن يسكنها منذ قرون ..
إنّني أسكنُ وحدي الآنَ أضواءَ (النيون) .
(2)
أنا والليلُ و أحزاني
على ظلّ القمر
حيثُ تمضي في جراح اللحن آهاتُ الوتر ..
أو يكونُ الدمعُ أضعاف مسافات المدى ..
من دون أن يدري إلى أينَ المَفر ..
إنّ تلك الساعة الخرساءَ لا تدري معاناة الجدار
منذ أن دقّت مساميرا ً لها في صمته ِ
ماتَ الهوى ..
من قبل أن يعلنَ رأيا ً أو قرار
لم يكن يعرفُ شيئا ً غير صمت ٍ وانتظار
إنّها تعلمُ أنّ الوقتَ كالسيف ..
فكانت تعلنُ الحكمة َ في دقاتّها ليلَ نهار
ذلك الصامتُ لا يتقنُ آدابَ الحوار
أيّها النادلُ كأسا ً ثانيه
( 3 )
مادَت الأرضُ على صوت انفجار ؟
أم أنا ارتحتُ لهذا الأصفر المائيِّ
فامتدَت إلى رأسيَ أشباحُ الدوار ؟
عد إلى رشدكَ ..
لا شيءَ يثيرُ الوضعَ فالتيّارُ ساكن
إذ عويلُ الريح لا تسمعهُ إلا المآذن
بعضُ زخّات رصاص ٍ ليس إلاّ ..
غيرَ أنّ الوضع آمن
طالما يسمعُ في الليل تعاليمَ ابن ِلادن ..
ثمّ يستقتلُ في تطبيقِها عند النهار .
أيها النادلُ لا بأسَ بكأس ٍ ثالثه .
( 4 )
قرنُنا العشرونَ ولّى ..
دون أن يندمَ قابيلُ على قتل أخيه
أو يرى ظلّ غراب ٍ ..
يحرث الأرض لكي يهزأ من عقل سفيه
حيثُ يمضي بخطاه العابثه
أذكرُ الآنَ بأنّ القطّ يستمتعُ في قتل ذويه
دون إحساس ٍ بذنب ٍ خلف آثار الخطيئه
لا ولا يرحمُ أرواحا ً بريئه
حينما يلعقُ في طيش ٍ دماءا ً لبنيه
بين قطّ ٍ وغراب ٍ عشتُ من تيه ٍ لتيه .
أيّها النادلُ أدركني بكأس ٍ رابعة .
( 5 )
كلّ حرب ٍ هي لاشكّ دمار ..
حكمة ٌ ردّدها صمتُ محارب .
ليس للبوم مكانٌ غير أحضان الخرائب
منذ أن كان يجوبُ الليلَ بحثا ً ..
عن دليل ٍ لحروب ٍ ..
أو بقايا لمصائب .
سنّة الله ولن يفلحَ في تغييرها ضوءُ النهار
فليكن للبوم أعشاشٌ على طول المدى ..
مادامَ للبلبل أنيابٌ ..
وللورد مخالب
ولتكن كلّ بلادي مسرحا ً للموت ..
مادامَ سلاطين الهوى ..
لم يأخذوا من مسكن البوم تجارب ..
أو لأنّ العاشقَ الأوحدَ فيهم ..
يذبحُ الأزهارَ ليلا ً ..
ثمّ يأتينا نهارا ً باسما ً في زيّ راهب .
أيّها النادلُ أسعفني بكأس ٍ خامسه .
( 6 )
جرحُ هذي الأرض لم يعرف سوى الملح دواء
منذ أن كانت قديما ً كربلاء
واسمُ هذا الوطن ِ المنحوس ِ كربٌ وبلاء
منذ أن كان العراق ..
لم يذق يوما ً لغير السيف طعما ً في عناق
من بقايا خطوة ٍ كانت لهولاكو بأرض الأولياء
آه ِ يا جرحَ بلادي ..
كيف أتقنتَ جنون الزحف في هذا المسار
من حروب ٍ لحروب ٍ لحصار
دون أن تبصرَ شكلا ً لدواء
أو ترى في غير طعم الملح أهلا للمذاق
دمعة ً كنتَ لها شكلُ العراق .
أيّها النادلُ أدركني بكأس ٍ سادسه .
( 7 )
قد تموتونَ من الحسرة يا أخوة َ يوسف ..
بعدما يجلدكم سوطُ الندَم !!
منذ أن أودعهُ الجبّ إلى قعر الألم ..
منذ أن بيعَ بذاك السوق في سعر ٍ رخيص
كانَ يستشعرُ ظلّ الله في عطر القميص
فارتضى سجنا ً به العمر على كفّ العدم
وارتدى ثوب بريءٍ متّهم .
هاهو الآنَ يغنّي ..
(أضاعوني وأيّ فتى ً أضاعوا
ليوم كريهة ٍ وسداد ثغر ِ ) .
أيها النادلُ لا بأسَ بكأس ٍ سابعه .
(8 )
بعض حبّات ٍ من الزيتون في ماعون (مزّه)
يجعلُ الوسكيّ ذا طعم ٍ لذيذ ٍ ..
دونَ أن يكشفَ لغزه
إنّما التلفازُ يغريني بجلد الذات ..
يدميني من الأخبار ..
كي يوقظ أحلامي الجميلات ِ بوخزه
( إنّ أطفالا ً يموتون بغزّه ..
إنّ أطفالا ً يموتونَ بغزّه
إنّ أطفالا ً .. وقد قالت حماس …)
ما به العالمُ لم يجعل مع الموت قياس
إنّ أحلامَ العصافير لها في كلّ يوم ٍ ..
وردة ٌ عند النعاس .
شاهَت الأخبار ..
إن كان لها في كلّ كاس
شبهُ إدمان ٍ على القتل بأرض ٍ مُستفزّه
أيها النادلُ نخبا ً ثامنا ً
في صحّة الباقينَ من أطفال غزّه
( 9 )
صوتُ زخّات رصاص ٍ ..
ليس في الأمر جديدٌ ..
فلقد أدمنتُ أصوات الرصاص
مثلما أدمنتُ داءً ودواءً ..
دون أن أعرفَ يوما ً للخلاص
حين كان العمرُ فيما كان كالطفل الوديع
كنتُ أستنزف غيم الروح
كي تمطرَ أزهاريَ عطرا ً للجميع
نصبُ عينيّ خريفٌ وبأجفاني ربيع !!
كنتُ لا أرضى من الدنيا بغير الحبّ ..
أو أحيا بغير الحبّ ٍ ..
إذ أخرجتُ دفء النار من قلب الصقيع ..
غيرَ أنّ الوقتَ أعمى ..
ليس ممّا يفرض العمرُ مناص
ويكأنّ العمرَ لا يرضى بما دون القصاص
أيّها النادلُ كأسا ً رابعه ..
_ سيّدي..
كأسكَ الآن تكونُ التاسعه .
( 10 )
هذه الأنثى تغنّي ..
ولها صدرٌ شهيّ ٌ مرمريّ
يجعلُ الحبّ يناديني لأنسى ..
كلّ أحزاني وداءَ السُكريّ
ماتزالُ الروحُ خضراءا ً ..
ومازال لهيبُ الشوق يدعوني ..
ويجتاحُ مساماتي بشكل ٍ بربريّ
آه ِ لوما كنتُ في الداء ِ حبيسا ..
كنتُ جمّعتُ نساء الأرض في جمهوريّة الحبّ ..
وأعلِنتُ عليّهنَ رئيسا
بعد اجراء انتخاب ٍ صوَريّ ..
آه ِ كم أهوى بأن أدفنَ مذبوحا ً على صدر إليسا .
أيّها النادلُ ..
_ عذرا ً سيّدي..
ما عادَ في الحانة روّادٌ سواك .
يا إلهي ..
أيّ صوت ٍ باتَ يدعوني لكي أغفو هناك
أيّها النادلُ ..
لا أقوى على شيءٍ فرأسي مُثقله
دون أن تفرغَ منها الأسئله
غادرِ الحانة َ واتركني هنا ..
ما بين أشباح ٍ وباب ٍ مقفله
إنّ بيتي لم يعد بين البيوت ..
مثقلٌ جسمي ورجلايَ خيوط العنكبوت ..
هكذا أشعرُ فاتركني لوحدي ..
إنني أشعرُ أني سأموت ..
أشعرُ الآن أموت
 
شوق الحروف
حـــروفٌ مـــــالـــهـــا عـــَدُّ
تُريدُ النومَ في عَينيكِ كي يطفو بها الشَهدُ
وتشتاقُ انهمارَ الماءِ من جَفنيكِ أحياناً ..
لتصويرِ انعكاسِ الضوءِ .. إذ يَسترسلُ الرَعدُ
دَعيـــــها كــَــــيفـمـــا تــبــدو
حروفاً تستبيحُ الخَوضَ في الممنوعِ إذ تعدو
وطوفاناً من الألفاظِ ..لا خوفٌ .. ولا حدُّ
أيا لَحناً شَجيَ العزفِ .. مُنساباً
كشلاّلاتِ أحلامٍ لِبحرٍ مالَهُ سَدُّ
ويا وَجهاً قَضيتُ العُمرَ كي أَفدي مَلامِحَهُ
ولكــــنْ .. خانَنـــــي القصــــدُ
***
حــــروفٌ مــــالَـهـــا عـــــَدُّ
تُريدُ القُربَ من خَدَّيكِ كي يُستَنشَق الوردُ
وتسترعي انتباهَ الريحِ خوفاً من جَسارَتِها ..
إذا ما قارَبتْ جَفنَيكِ .. علَّ الريحَ تَرتَدُّ
دَعـيـــــها كَيـــفَما تــَغـــــدو
مَزيجاً من جنونِ العقلِ إذ يُستَقبَحُ الرُشدُ
وصوتاً من مزاميرٍ تُغَنّي حينَ تَحتَدُّ
ويا كُلَّ انفعالاتي وقوفاً عندَ لَهفَتِها
لكي لا يُقطَفُ الرُمّانُ دونَ النُضجِ يا سعْدُ
وعــــُذراً يـــا شــــــذا عُــمـــري
إذا استعجلتُ سَلَّ السيفِ واستعصى بهِ الغمدُ !
**
تُــــرى هــل فَكــَّرتْ هــــــندُ
بما يُفضي لهُ تموزُ لو أودى بهِ البَردُ
ولو حرفٌ كحرفِ الحاءِ قد ملَّ استدارَتَهُ ..
فألفى نُقطةً سوداءَ فوقَ الرأسِ تَمتدُّ
خُذيـــــني في ثمانيـةٍ وعشريــنٍ ..
وهَمزتُها تريدُ النومَ في الدهليزِ ذا نهدٌ وذا نهدُ
ودُلّيني على لحنٍ تمادى في عذوبتهِ
فكادَت عندَ مُنعَطفٍ بهِ الأوتارُ تَنقدُّ
لكي أغفو بِسفحِ التلِّ أو تحت استدارَتِهِ
وعُذراً أمَّ كُلثومٍ لأُغنيةٍ بها تَشدو

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى