الخميس ٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم أديب قبلان

حكاية نصر

هذه الليلة ليست كباقي الليالي.. أكتب هذه الكلمات وفي أذني الكثير من الأصوات وتحت مظلة قلبي الكثير من المشاعر وفي زورق تفكيري الكثير من الأفكار!!.

الدنيا كلها تهتز، حتى سريري الذي أجلس عليه أشعر أنه يهتز من زئير الأبواق، وصراخ المتظاهرين أسفل مبنانا في المنيل.
كل ما أستطيع أن أصفه هو أنني لا أستطيع النزول إلى الشارع لأن لدي مشكلة في وجهي توجب علي البقاء في جو دافئ في البيت، لذلك وفي هذه اللحظة أشعر بأن الملعب بأكمله أصبح تحت منزلنا!!، وأبواق السيارات كلها مفتوحة بلا تعب، تنادي وكأنها هي من حصل على هذا النصر الكبير!!،
أصوات المفرقعات تحف طبلة أذني كلما أطلقت واحدة أشعر وكأن من أطلق هو طبلة أذني، الصراخ.. الزغاريد.. الدق على الطبول، كل هذه كانت مظاهر الاحتفال لهذا النصر الكبير!!

لم أكن أتخيل أنني طوال إقامتي الجامعية في مصر سأواجه مثل هذا اليوم الغريب العجيب!!، منذ الصباح والكليات والجامعات بأكملها في حالة عدم استقرار وفرحة، تمر في الكلية فتحس نفسك في عرس جماعي أو حفل تحرير فلسطين أو كأنك في وسط مظاهرات لصالح الانتخابات.. فعجبًا لهذا الأمر الذي ما رأيت له مثيلاً إلا في أرض الكنانة!!.

قررت أن أنزل إلى الشارع.. وفعلت.. بعد أن عانيت الكثير لإقناع نفسي.. وليتني لم أفعل..!

والله إن اللسان ليعجز عن وصف ما رأيت!، كل الأمة قد اجتمعت في الشوارع والمقاهي والمحلات، صدقني أخي القارئ ما بالغت في هذا الوصف، تخيل أن القاهرة بجميع سكانها أصبحت في الشوارع..!!، شيوخًا وأطفالاً ونساءً، سيارات.. حافلات.. شاحنات، كلها تحولت إلى الشوارع، أصبحت الشوارع تعج بالسكان والآليات، وكأن القاهرة كانت محاصرة ثم فك عنها الحصار!!، نيران هنا وهناك.. أبواق تصرخ، أطفال يصيحون، فتيات يزغردن، والله إن اللسان ليعجز عن وصف ما رأيت اليوم!!.

رجل واقف هنا إلى يمين مبنى المصرف يوزع السكريات فرحةً بهذا النصر، وامرأة هناك ترفرف بالعلم فرحةً متهللةً لما تحقق اليوم، الأشجار بدت متمايلةً من اهتزاز الأرض تحتها، الشوارع.. الأرصفة بدت مزهوة بحلل العيد احتفالاً بالنصر.

تمر سيارة ضخمة، تدب على الأرض كما تدب الدبابة في حرب، ويطلق صاحبها الضخم ذو الصلعة الشقراء المحاطة بشعر أشيب والشاربين عظيمي الحجم، يطلق صوت بوق دبابته الذي يهز أركان شارع المنيل بأكمله، إضافةً إلى أجهزة الاستماع العملاقة التي لا أدري أين وضعت في السيارة فوق ما يقرب من ثلاثين فردًا ركبوا فيها، منهم من يبدو عليه حالة الثراء، ومنهم من تعلق بدواساتها مبديًا بذلك شكله المزري وقدميه الحافيتين مما دلني أنه من أولئك الذين لا يعلمون لم هم يفعلون هكذا في هذا اليوم وهذا الوقت بالذات!!.

في نزولي هذا إلى الشارع، قابلت الكثيرين ممن لم تجمعني بهم الكلية في هذا العام، وقابل من كان معي الكثيرين من أصحابه أيضًا، وبدأت القبلات الحارة والتهنئات بهذا النصر مع أننا كلنا لسنا من أهل مصر وإنما مقيمون، إلا أن هذا الشعور قد يطغى علينا تعايشًا مع هذه الفرحة العارمة التي انتفض لأجلها كل المصريين وكل العرب على أمل نجاح هذه المحاولة وكان النصر!!، وها أنا الآن عدت للمنزل وما زالت أسمع تلك الأبواق وتلك الأصوات التي تمنع من النوم، وقد شارفت الساعة على الواحدة صباحًا، ويبدو كأنني لازلت أقف في شارع المنيل، فلم أجد حلاً إلا أن أدس بنفسي تحت غطائي الثقيل، وأحزم ما أجد حول وجهي، علني أستطيع أن أنام، بعد هذا النصر!! فهنيئًا لنا جميعًا هذا النصر!!، ولنحاول مرة أخرى قبل الاحتفال بنصر كهذا أن نسلط الضوء على ما حققناه قبله من نصر، وأن نقف دقيقة مساءلة أمام أنفسنا، هل هذا فعلاً نصر أمام ما يجب أن نحققه كعرب ؟؟!!

أما عرفت أخي القارئ أي نصر هذا؟!

إنه اليوم.. الرابع عشر من نوفمبر تشرين الثاني من عام تسعة وألفين للميلاد، يوم فوز منتخب مصر على منتخب الجزائر وبذلك تأهل لنهائي تصفيات الفرق التي ستدخل في كأس العالم لهذا العام..!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى