الخميس ١٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم ماهر طلبة

ملل

منذ أن صعد السلم وارتقى أصابه الملل.. فقد علم كل ما كان يمكن أن يعلمه، لهذا جلس على درجة السلم الأخيرة.. وبدأ يفكر فيما سيقضى بقية عمره – كان الزمن يضرب جدران الكون يقطع الطريق صاعدا..هابطا.. قَلِقا فى انتظار فعله – أعياه الفكر.. لاحظ خطوط الشيب التى ضربت فوديه والخمول الذى ينز من عينيه.. يسيل.. يبلل قدميه.. فكر فى أن يقتطع هذا الجزء المبلول، ينشره على أى درجة من درجات هذا السلم حتى يجف – لعل النشاط الذى بدأ به رحلته يعاوده.. وفعل.. لكن ما كان يُقلقه حقيقة.. كيف يوقف هذا الخمول المنهمر من العين!!؟؟.. نظر إلى أعلى..

(هل كان يعلم أن ارتقائى سيقودنى إلى الجنون؟!..)

فيما سيقضى بقية عمره؟!.. هل يفعل مثلهم يركب حصانه الأبيض يشهر سيفه ويدور فى البلدان فاتحا..هل يعود إلى النظر فى عينى محبوبته – تلك التى كان فيما مضى يشعر أن الغيب ينكشف حين ينظر داخلهما – لعله يرى؟.. هل يعود من جديد إلى المرأة اللعوب يراودها عن نفسها وتراوده عن نفسه؟.. تجذبه إلى عالمها، ليَقتل أو يُِقتل، يَسجن أو يُسجن، يَظلم أو يُظلم، يعيش الفقر ويحلم بالغنى.. أم يتلبس زى الفقهاء/العلماء ويفتى بأكل الخنفس والصرصور والباعوض ويحرم أكل الذباب والناموس.. أعياه الفكر فتح دفتر يومياته – ذاك الذى ملأه بما رأى وعلم فى رحلته المشؤومة - فى صفحته الأولى..جذبه نداء غامض..سؤال..أرهقه السهر حتى فُتح الباب.. دخل الضوء..وتوالى..ليالٍ لم يرفع وجهه إلى أعلى حتى لا يرى غير مايُرى..

(كانت المرأة اللعوب تراودنى تجذبنى وكانت تنتابنى فى لحظات الصحو القليل تلك الرغبة الجهنمية، يحتوينى ذاك الاشتهاء.. عندها كنت أعود للنظر فى عينى محبوبتى فتدثرنى وأرى الغيب.. أقول لها أنى سأهجر هذه الأرض لو تركتنى وأبكى، فتضحك..لكنى عودت النفس أن تُدير الظهر لها وأحنيه – آه من آلام الظهر – وأصعد..أصعد..)

.. تمنى لو يرى مالا يُرى واستُجاب.. فتح يوما ما عينيه، هل هذه هى الصفحة الثانية
..(كيف وصلتُ إلى هذا العلو؟!..لم أستطع أن أفسر..كيف يطير الجسد ينتقل من مكان إلى مكان بدون جناحين – فيما مضى كنت أطير داخلها.. كانت تفرد ذراعيها تمدهما جناحين لى وأصير أنا الجسد.. نلتحم.. نطير.. ندخل عالم الحلم مخترقين حاجز الزمن.. عندها كنت أشعر أنى أرى وأنى أعلم- لم أستطع أن أفسر..لكننى أعلم أنى أرتفع وأطير)

زادت مساحة البلل فكر فى أن يخرج امعاءه وجهازه التناسلى لينشرهما.. وفعل.. الثالثة.. الرابعة.. الخامسة.. تواصلت رحلة الصعود..

(أصعد.. أصعد.. أصعد.. فى المنتصف خرج الضوء الغامر بهرنى..فنسيتها ونسيت نفسى... حتى عندما كانت تفرد جناحيها ونلتحم لم أعد أشعر أنى أطير.. فقط كنت أشعر بها ترتفع فتفتقدنى وتعود لى من جديد.. عندها كانت تجن تضمنى بشدة، تصرخ وتدمر كل ما تصل إليه يداها من أعضائى لعلها تستطيع أن تستعيدنى وفقط كنت أشعر أن غيب عيونها لم يعد سوى صورة باهتة.. فكنت ابتعد.).

أصاب البلل القلب والرئتين وملأ القفص الصدرى ماء الملل.. فكر فى أن يواصل نشر الأعضاء.. وفعل..

(رأيت ما لم أكن أستطيع أن أراه لولا الصعود.. سجدت فى محرابى – آه من آلام الظهر –)
.. ما بعد المنتصف عبره ورقة.. ورقة.. ممتلئُ حتى الصفحة الأخيرة.. كانت الأعضاء المتناثرة على درجات السلم تعوق حركة الزمن فى الصعود – آه من صفحته الأخيرة
(.. عندها كنت قد جمعته فى إسفنجة وامتصصته)..

رائحة البلل تزكم الأنف..

(لم يعد صعبا أن أصل إلى الفكرة بغير فكر.. أن أسمعها.. أراها.. ألمسها.. بغير عضو... أن أدير هذا العالم بهذا المفتاح وأن أغلق شمس الله عندما أضع على عينى نظارتى السوداء)..

اخترق الماء الأم الحنون.. قالت..

أن عينيّ منذ وضعت فوقهما نظارتى السوداء لم تعدا تريا..وتحركت نحوى عارية تجذبنى.. أشرت إلى أعضائى المتناثرة..فاختارت أحدها وذهبت به..

فكر فى أن يخرج عقله ينشره على درجات هذا السلم لعله يجف – كانت كل درجات هذا السلم منحوتة فى تضاريس عقله – وفعل..أغلق يومياته ألقى بها لأعلى..كان الشيب يزحف وكان الملل يغرقه..يغرقه..يغرقه..ي...

هل كان يعلم؟؟!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى