الجمعة ١٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم فرغلى هارون محمد

العدالة الاجتماعية فى مصر

بين الكلام والفعل

رغم أن العدالة الاجتماعية كانت من بين المفاهيم التى ورد النص عليها صراحة فى برنامج الرئيس الانتخابى الذى قدمه فى سبتمبر 2005، باعتبارها مدخلاً للإسهام فى حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، ودليلاً تهتدى به السياسات الحكومية لتحقيق الإصلاح السياسى والاقتصادى فى البلاد.

حيث تبدى مفهوم العدالة الاجتماعية تنفيذياً فى ثلاثة برامج من الستة برامج التى تضمنها برنامج الرئيس الانتخابى، وهى: برنامج (شبابنا يعمل) والذى تحدث عن توفير 4.5 مليون فرصة عمل خلال الفترة 2005 – 2011، وبرنامج (حياتك أفضل) الذى تحدث عن مد خدمة التأمين الصحى لنسبة 100% من السكان بحلول عام 2010، والعمل على الارتقاء بمستوى التعليم بإنشاء 3500 مدرسة جديدة ورفع أجور العاملين فى الجهاز التعليمى ووضع كادر خاص للمعلمين، وفى مجال الإسكان يهدف إلى إنشاء نصف مليون وحدة سكنية للشباب وتوصيل مياه الشرب النقية لأغلب القرى، والعمل على تطوير العشوائيات وإعادة تخطيطها. وأخيراً برنامج (تأمين اليوم والغد) والذى تضمن وعوداً بتحسين مستوى المعيشة للموظفين ورفع الأجور وتطوير نظام المعاشات والتوسع فى اتاحة أنظمة خاصة للتأمين ضد العجز والوفاة والمرض، وأنظمة متعددة للمعاشات تضمن معاشاً لمن لا معاش له. إلا أن حقائق الواقع تكشف عن انحسار كبير لقضية العدالة الاجتماعية فى المجتمع المصرى خلال حكم الرئيس مبارك، بعد أن كانت من أهم القضايا المركزية التى تبنتها السلطة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.

وبعيداً عن الإنجاز النظرى الذى تحقق بالنص على العدالة الاجتماعية وإدراجها فى صلب المادتين 4 و73 من الدستور المعدل فى مارس 2007، بعد حذف ما يشير إلى الاشتراكية، إلا أن الواقع الفعلى، واستناداً إلى تقارير محلية ودولية عديدة، يؤكد فشل البرامج المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والتى تعهد بها الرئيس مبارك فى برنامجه الانتخابى.

ففى دراسة حديثة بعنوان (العدالة الاجتماعية فى برنامج الرئيس مبارك)، أجراها الدكتور إبراهيم البيومى غانم – خبير أول العلوم السياسية، ورئيس قسم بحوث الرأى العام بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية – واستهدفت تحليل مفهوم العدالة الاجتماعية فى البرنامج الانتخابى للرئيس مبارك، مع التركيز على المقارنة بين الأقوال أو الوعود التى صدرت عن الرئيس، وبين الأفعال أو الانجازات التى تحققت على أرض الواقع، أكدت الدراسة أنه بمراجعة تصريحات وخطب الرئيس مبارك منذ فوزه فى انتخابات سبتمبر 2005، تبين أنه لم يتحدث عن السياسات العامة التى تكفل تحقيق العدالة الاجتماعية فى إطار دور محدد للدولة فى المجال الاقتصادى، مثل سياسة الضرائب التصاعدية، وسياسة توفير الخدمات التعليمية والصحية، ودعم السلع الأساسية، كما لم يتحدث عن سياسة محددة لمحاربة الفساد العدو الأكبر للتنمية والعدالة الاجتماعية. وإنما جاءت تصريحات الرئيس وخطبه لتؤكد على أن العدالة الاجتماعية تارة تعنى (النمو الاقتصادى)، وأخرى تعنى (المواطنة)، وثالثة تعنى (الوصول بالرعاية الصحية والبنية الأساسية لكافة أرجاء مصر). أى أنها مجرد سياسة من السياسات العامة للدولة، بدلاً من أن تكون المبدأ العام الذى تنطلق منه وتتأسس عليه كل سياسات الدولة.

والنتيجة، أن جملة السياسات الفعلية التى طبقتها الحكومات المصرية المتعاقبة فى عهد مبارك، لم تؤد إلا إلى اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتركز الثروة فى يد فئات محدودة، وتهميش قطاعات اجتماعية واسعة، وتفاقم البطالة حتى وصلت إلى ما يقرب من 10% من السكان حسب تقرير البنك المركزى، إلى جانب زيادة المديونية الداخلية، والدين الخارجى، إضافة إلى النمو السرطانى للعشوائيات التى بلغ مجموع سكانها ما يقرب من ربع مجموع سكان مصر. أى أن السياسات التى جرى تطبيقها منذ عام 1981 قد أسهمت فى تدهور العدالة الاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع.

ورغم تأكيد الخطاب السياسى الرسمى على أن رعاية محدودى الدخل تحتل أولوية متقدمة فى السياسات العامة للدولة، إلا أن التقارير الدولية والمحلية تؤكد عكس ذلك تماماً، فتقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية لعام 2007 أكد أن هناك 14 مليون مصرى يعيشون تحت خط الفقر، بينهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم، وأن نسبة من يعيشون على دولار واحد يومياً بلغت 3.1% من السكان، كما أكدت دراسة لمعهد التخطيط القومى أن أكثر من 16% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. ورغم كل هذه البيانات ترفع الحكومة ومعها الحزب الوطنى شعار (وعدنا .. فأوفينا)، ويطل علينا وزير التنمية الاقتصادية ليصرح بأن المواطن المصرى بإمكانه أن يعيش على 150 قرشاً فى اليوم، وهو ما يعكس مدى انفصال الحكومة عن الواقع الذى يعيشه الناس. وعدم ادراكها للأزمات التى تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم.

وليس أدل على ذلك من تزايد مظاهر الاحتجاج والرفض والتململ الاجتماعى، الآخذة فى التصاعد كمياً ونوعياً سواء على شكل مظاهرات أو اعتصامات أو اضرابات أو تجمهر أو انتقادات حادة للحكومة فى وسائل الإعلام ..الخ، حيث تؤكد بعض التقارير التى أوردتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومركز الأرض لحقوق الإنسان وغيرهما، تزايد هذه الاحتجاجات من 86 احتجاجاً عام 2003 إلى ما يقرب من 900 احتجاج فى عام 2008. وهو ما يشير بوضوح إلى اختلال موازين العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع المختلفة. حيث اتسمت أسباب أغلب هذه الاحتجاجات بطابع اقتصادى/ اجتماعى وليس سياسياً، جاء فى مقدمتها: عدم صرف المستحقات المالية، عدم استقرار العمالة المؤقتة ومطالبتها بالتثبيت، ضعف الرواتب والأجور، تخفيض أجور العمال وحرمانهم من الحوافز والترقيات ..الخ. كما شملت أعمال الاحتجاج معظم أنحاء مصر، بما فى ذلك بعض المناطق الحدودية النائية مثل سيناء والسلوم، وانتشرت بين مختلف فئات المجتمع مهنيين وموظفين وعمال وفلاحين وطلاب ..الخ، كما شارك فيها الرجال والنساء من أجيال مختلفة. وإذا كانت الحكومة تحاول التقليل من أهمية هذه الاحتجاجات وصلتها بالسياسات العامة التى تطبقها، إلا أن هذه الاحتجاجات تظل ذات دلالة بالغة الأهمية فى ضوء عاملين أساسيين، أولهما، أنها فى أغلبيتها احتجاجات غير سياسية، وثانيهما، انتشارها الواسع فى نسيج المجتمع وفى مستوياته الأكثر فقراً ومعاناة.

وأخيراً تؤكد الدراسة أن المواطنين لن يشعروا بالعدالة الاجتماعية إلا عندما تمكنهم السياسات العامة للدولة من المحافظة على آدميتهم وكرامتهم، وتحقيق احتياجاتهم، والحصول على فرص متساوية دونما إقصاء أو محاباة. فالعبرة ليست برفع شعار العدالة الاجتماعية أو إدراجه فى الخطاب السياسى ولا حتى بوضعه فى صلب الدستور والقانون، فكل هذه الإجراءات تظل (معلقة فى الهواء) ما لم تتم ترجمتها على أرض الواقع فى سياسات عامة تطبقها حكومة رشيدة.

بين الكلام والفعل

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى