الاثنين ٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم موسى إبراهيم

أصدقائي والحبّ

1- ما ذنبها؟؟!
في ذات الشقّة الصغيرة المتواضعة، نجتمع كلّ فترةٍ من الزمن لنعبث بوجع الغربة علّه يغيب عن أفئدتنا، لنخرج من عالمٍ لا يعرف إلإ الكدّ والتعب، لا يعترف بالمشاعر الإنسانية ولا ينطق الكلمات الجميلة إلا في المناسبات القليلة، جلسنا نتسامر كالعادة، نسترجع ذكريات الشباب، عبث المراقهة وجمال قلوبنا الحالمة، نستذكر الأيام الخوالي، ووجع الذات أحياناً.

قررنا أن نعطي الجلسة نكهة الإثارة والتشويق، فتّشنا عن مصدر السعادة فلم نجد أجمل من الحبّ ليكون مدار حديثنا، «أنس» الشاب الوسيم ذو العينين الساحرتين والنظرات الثاقبة وشعرٍ ينساب فوق جبينه كشلالاتٍ سوداء لامعة، عاش شبابه لا مبالٍ بالقادم، يعشق المغازلة، يهوى افتراس كلمات الحب دون عناء، بعد مغامراتٍ كثيرة والحب، قابلها في رحلته مع زملاء الدراسة في إحدى المناطق الأكثر جمالاً في وطننا، بين الجبال التي تستمد ألوانها من سحر أشعة الشمس، وتستنطقُ العيون لتبهرها وتشدّ الفكر بعمق، رمالها النقية وحسناواتها من شتى بقاع الأرض، التقى بها لا ليحب، بل كعادته ليمضي بعض الوقت مع أنثى بطعمٍ آخر، ولونٍ آخر وشكلٍ أجمل، كانت أجمل مما يحلم أروع مما يتصوّر، رمقها بنظراته الجاذبة، ومشى إليها بخطواته الواثقة ليطلب التعرف والصداقة، لم تنكر بينها وبين نفسها أنه يستحق الإهتمام، وشاءت الصدفة أن تعجب به كما أعجب بها، بعد ساعات من الكلام الجميل في ظلّ جمال الطبيعة الخلابة، حصل على رقم هاتفها المحمول، وعادا على موعدٍ للقاء، انتظرها كي تتصل، لم تفعل، تعجب من نفسه حين اشتاق إليها، حين راوده شوقه كي يتصل بها، لا يريد إلا أن يستمع لصوتها الساحر، قرر أن يهاتفها لكن لبضع دقائق كي لا تكتشف سرّه، ولتكن علاقة عابرة ستنتهي بسماع صوتها لا أكثر، استمرت المكالمة ساعتان، كانتا من أجمل الساعات اللاتي عاشهنّ في حياته، لم يقفل السمّاعة بل أجبره نفاد الرصيد على ذلك، أمضى ليالٍ طويلة يهتم بها، يسمعها عذب الكلام، وهي تتمنع بدلال ورقة وأنوثة أثارت غروره، وأربكت كبرياءه، وفي إحدى مقاهي الجامعة باح لها بسرّه الكبير، أخبرها بكل ثقة أنه سعيدٌ بمعرفتها لا لشيء ولكن لأنها تمنحه شعوراً آخر حين تتمنع وحين تجبره على الإتصال بها، وأخبرها بأنه كان دائماً مستقبلاً للإتصالات، واليوم هو من يتصل ويهتم ويرتب مواعيد الغرام. قابلت اعترافه بكل الكبرياء والغرور والتعالي، بضحكات عالية عصفت برجولته وكبريائه المصطنع، لكنها ورغم هذا وما فعلته به، كانت قد أيقنت أنه وقع وأنها كذلك وقعت في شباك غرامه، لذا تغيرت معاملتها، وأصبحت أكثر التزاماً نحو علاقتهما، أصبحت هي من تبادر بالإتصال، هي من تهتم به أكثر وانقلب السحر على الساحر، عادت إلى أنس نشوة الإنتصار القديمة، أصبح لا يأبه بها وقد يقفل هاتفه لبعض الوقت كي يعذبها، تعلقت به كثيراً، ولا ينكر هو أنه أحبها جداً، وفي يومٍ من الأيام كانا يتمشيان على الرصيف وأشعة الشمس ترسم طريقهما، همست لهُ بحنوّها المعتاد ورقتها الساحرة، وأفشت له بسرها، طلبت خطة لإتمام الزواج، في هذه اللحظة استيقظ أنس من حلمه الجميلْ على واقع العادات والتقاليد التي تربى عليها، والتي تحكم تصرفاته، إن ارتباطه بها لا يعني فقط نهاية قصة حب جميلة، بل بداية صراع ثقافي حاد بين مجتمعه المحافظ جداً والملتزم اكثر وبين مجتمعها المتحرر الذي لا يعترف باللباس المحتشم جداً، والأحكام الخانقة في نظرها، فكّر كثيراً، وبعد صمتٍ دام دقائق، قال لها: (لا يا ريم، هذه العلاقة لن تكون أكثر من حب جميل ومشاعر دافئة، لم يُرَد لها أن تصل الزواج، فأرجوكِ قرري من الآن إما البقاء على حالنا هذا أو الإنسحاب).

صعقت بما قاله، وكأنه ألقى في قلبها جمرةً أحرقت مشاعرها وأحاسيسها الطفولية البريئة، ارتبكت وأسندت جسدها على الحائط، شعرت بالضعف بالمرض بالبؤس ..حدّق في عينيها ودعاها لتسامحه، وأخبرها بأنه لم يعدها بشيء من هذا القبيل، وأنه لن يستطيع أن يتزوج بها! لم تحتمل النظر في وجهه، لم تحتمل تصوّر الموقف الراهن، فسقطت مغشياً عليها.

بعد شهورٍ من الإنقطاع، من البعد، اقتربت أيام الجامعة على الإنتهاء بعد أن حُدِّدَ موعد حفلة التخريج لفوج أنس، كان يسبق ريم بسنتين، تخرّج أنس وعمل في إحدى شركات عمّان، حاول أن ينساها بشتى السبل، انهمك في العمل، لكن ما إن تنتهي ساعات العمل حتى تعود ريم لترتسم في مخيّلته من جديد، قرر أن يتعرف على غيرها، علّه ينساها، لم يستطع، فتّش عن أي شيء يلهيه عنها، لم يستطع، كانت ذكراها تلاحقه في كلّ مكان. وفي يومٍ من الأيّام اتصلت به أخت ريم الكبرى وهي التي كانت معهم يوم الرحلة تذركها لأنها هاتفها من قبل، خمّن أن اتصالها بسبب قصتهما هو وريم، لكنها طلبت منه طلباً عادياً كخدمة في إحدى الدوائر الحكومية حيث لعائلته نفوذاً فيها، خدمها بكل احترام وتفانٍ، بعد أسابيع رنّ جرس هاتفه فكان رقم هاتفها الذي لن ينساه أبداً، فكّر كثيراً قبل أن يجيب، وكان يقول في نفسه، ربما كان الأمر طارئاً! فأجاب وبدأ صوتها يتسلل إلى مسمعه بعذوبته ورقته، (كيف حالك يا أنس؟ أريد فقط أن أشكرك على موقفك النبيل مع أختي) بدا الحديث رسمياً أكثر من العادة، فارتاح لهذا أنس، واعتقد بأن ريم نسيت القصة وأنها الآن إنسانة جديده، لم يكن بمقدوره البوح بشوقه لها لأنه لن يكون هناك أمل للإرتباط لذا حاول بالصكمت والتهرّب أن يلجم مشاعره، وبعد اتصالاتٍ عديدة، بدأ الشوق يشتعل في قلبيهما، وعادا من جديد لكلام الحبّ والشوق والغزل، كان كم ارتوى بعد عطش سنين، وكانت كمن عاشت بعد موت، لم تدم سعادتهما كثيراً حين جاءت فرصة مروان ليعمل هنا حيث نجلس وحيث يبوح بقصته لنا، كان يقول بينه وبين نفسه، هذه فرصتي الوحيدة لأنهي الموضوع بالبعد، ويوم سفره، كان يحضر حقائبه ويودّعه أهله حين اتصل به صديقه ليخبره بأن ريم أمام بيت أنس! صعق أنس، كيف استطاعت هذه الأنثى من القدوم إليّ من مدينة أخرى، كيف استطاعت أن تقطع هذه المسافة لوحدها! نزل إليها وصرخ فيها (هل أنت مجنونة؟ نحن لن نكون لبعضنا! فلماذا تعذبين نفسك وتعذبينني؟؟!) وبدمعةٍ نزلت على خدمها ترشّها بسكّر فرحها بلقائه..(أنس.. كل ما أريده أن أكون معك في وداعك ..) .. قال: (لن تكوني معي.. ولن تذهبي إلى أي مكان، لأنك ستغادرين الآن يا ريم) .. صمتت .. وأعادت من جديد (أرجوك فقط في المطار..!) أجابها (لا .. وألف لا .. سأوصلك إلى مجمّع المواصلات لتعودي إلى مدينتك).

وفعلاً أعادها إلى المجمع، وأدخلها عنوة في الحافلة المتجهه إلى مدينتها، ثم انطلق مع صديقه إلى المطار، أنهى معظم اجراءات السفر ودّع صديقه بحزن وألم، دمعة الشوق لريم باغتته فجأة، تمناها معه الآن رغم كل شيء! أدار ظهره ليبدأ رحلته إلى الغربة، لكن صوت ريم شقّ صمت مشاعره (أنس .. أنا هنا أرجوك انتظر..) تبكي بحرقة بشوق بألم ..

(أنس حبيبي .. لن أنساك .. لن أنساك أيها الشقي.. لن أكون لغيرك ..) ، تجمّدت الدماء في عروقه وكم احتقر نفسه في هذا الموقف بالذات، وكم غضبنا عليه وهو يقصّ هذا المشهد المؤلم، حتى أنني هممت بضربه من شدّة الغضب والألم على هذه العاشقة الطاهرة. لم ينطق بكلمة أمام عظمة وفائها وحبها وعشقها، لم يستطع أن يتكلم إلى بعيونه مودعاً محباً للأبد.. أحبها ولكن بضعف .. وهزيمة، باستكانة وانكسار لعاداتٍ وتقاليدٍ بالية!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى