الاثنين ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩

حلقةُ الراقصين

بقلم: رضا الحربي

جلس السيد أمام المرآة متحسساً بيده المرتجفة شعر رأسه المشتعل شيباً نازلاً بتلك اليد على عينيهِ الشاحبتين والمتعبتين في ذلك الوجه الدقيق الملمس، كانت نافذة غرفته الزجاجية تهتز أمام الريح ألأتيه من الخارج،كان شارد الذهن لا يعبأ لما حوله، بينما أخذ يزداد صوت اهتزاز النافذة التي أحدثتْ صريراً طالما أزعجه، أنزل يده بكل هدوء ليفتح الدرج وقد سحبه حول بطنه الظامره، فالتقط ذلك الملقط الأسود ماراً على بعض شعيراتٍ بدأت تكسوأعلى خده، وأسفل أنفهُ رافعاً ذقنه إلى الأعلى، فجاه فتحت النافذة ودخلتْ الريح للغرفةِ كوحشٍ هائج ذوأجنحه رمادية وعابثه بكل ما يعترض طريقها، لم يواجه السيد الريح إلا بهدوئه، وليقترب منها، اطل على ذلك الشارع حيث تلبد الجوبالغيوم، أغلق النافذة وأسدل ستارتها، وشرد به ذهنه لذلك اليوم،كان يأكل عشاءه واللقمة في فمه، رن جرس الهاتف.

نعم

كيف حالك؟

بخير

الخميس أنت مدعومع المدعوين لحفلةِ ذكرى مولدي.

شكراً لك فاتنتي

نلتقي

أعاد ألسماعه إلى مكانها، وانتابته قشعريرة من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، شعر بالبرد يهزّ كيانه،كانت الغرفة ذات موقد، وشعر أن جبينه بدأ يتصبب عرقاً،كان خائفاً من المجهول، تزاحمت الأفكار في ذهنهِ وسيل من الأسئلة اللامتناهيه ماذا لولبست بدلتي الزيتوني؟ربما الرصاصية أجمل لأنها لوني المفضل، وماذا سأهديها؟ قطعه صغيرة من الماس؟ لكنها تبدوغير جذابة لها لكثرةِ ما سيقدمون لها من عقدٍ ولآلي، هل أستطيع إرضائها؟وان أسرقها من جميع الحضور.....أهلها... أصدقائها... أوحتى ضيوفها، مد يده في درجِ منضدته الخشبية القديمة ذات الصاج الفاخر، والتي أهديتْ له حين تخرجه يوم ذاك من الكلية، لونها يشبه لون الباذنجان ورائحة اليَّود لا زالتْ فيها كما لوصنعت حديثاً، فتح صندوقه القديم واخرج مجموعهٌ قصصية وشعرية معاً... أحبها جداً كما لوكانت قطعهٌ من كبدهِ، وكثيراً ما كان يردد بعض مقاطعها حتى حفظها عن ظهر قلب همس في سرهِ
لا بأس أن اهديها الكتاب فقد توحدا فيَّ هووهي

( عدتُ إلى مضجعي، شيءٌ في صدري يَمور..!!

من جديدِ أسمع الطرق أقوى..

لا شك، مطمئناً خوفي، أن شيئاً على نافذتي

لا شك، إنها الريح، مطمئناً، وتحركت لأبعد الفزع،

وأكشف وجه الحقيقة.. )(1)

إنها قصيدة أعجبته وتعلق بها، وضع الكتاب على المنضدة بتردد كما لوكان ممسكاً بفراشه.... شم عطرها واندلق ذلك الشيء الناعم الملمس والجذاب تحت أنامله، ارتدى معطفه الصوفي، وبخطوات رابطه الجأش تقدمَ نحوالباب خارجاً، هبط السلم وهويفكر في هذا اليوم انه الخميس يوم الدعوة الذي لم يتبق من موعدها سوى ساعتان إلا ربع،كانت قطرات المطر تتساقط مخلفه رذاذاً جميلاً ومنعشاً للنفس، السماء غائمة، رأى السحب تسير تترى بعض يتبع بعض، فيما كانت المتاجر مضاءة، تبدوأكثر بهاء في هذا الجوالغائم، السيارات تَسير بتمهل فيما مياه الأمطار قد انتشرت حول الرصيف فقد قذفتها إطارات السيارات بعد هطول سريع لليلتان متواصلة غدتْ في نظرهِ نوم التنين ما أن يستفيق ليعبث بالمدينةِ من جديد، أقترب من أحد المتاجر، ونظر من خلال الزجاج إلى المناديل المعروضة، وقع نظرة على منديل مطرز بالذهبِ تذكر عينيها العسليتين وشعرها الأصفر الكثيف ككثافة نور الشمس الذهبية، بحث عن حرف N فلم يجده قال للبائع.

أيوجد عندك حرف Nلم أره بين الحروف؟

سمعا وطاعة سيدي.

أخذه بعد أن أنقد المبلغ لصاحب المتجر، وتنفس الصعداء وشعر أنْ رئتيه قد امتلئتا بالهواء،وخرج، بدأ المطر أشَّد كثافة وأسرع بمشيتهِ مخافةٍ أن يبتل، وقد تَحولتْ الأمطار إلى مزنه شديدة لاعنه من يسير تَحتها، أبتل شعَ رأسه ومعطفه، فيما دس يده والعلبة تحت أبطه واضعها فوق نبضات قلبه، أدار المفتاح في الباب ليفتح من جديد، نظر إلى الموقد كانت نيرانه متقدة لم تطفئ بعد، خلع معطفه واضعاً إياه فوق مسند الكرسي القريب من المدفأة، وليجلس عليه ماداً يَديه من فوق النار التي أخذ سناها يَعلومن جديد حمراء متقدة، وفجأة تحرك بسرعة مجنونه، فاتحاً الدولاب ليخرج بزته الرصاصية وربطهُ عنقه الزاهية مرتدياً إياها أمام المراه، نظر إلى تجاعيدِ وجهه التي حرص أن تكون أكثر نظاره وشباب رغم سنيَّ عمره التي شارفت على الخمسين.

إنها تصغرني بنصف عمري، هل أروق لها؟ الكتاب والمنديل بالتأكيد سيعجبانها، تناول المنديل ووضعه بجيب بزته الأمامي ومسك الكتاب بيده اليسرى تخيل كيف سيقدمه لها، وخرج مزهواً، وقف أمام ذلكَ القصر الفخم رأى المدعوين وهم يتوافدون إلى الحفلِ، كان هناك خدم يستقبلون الوافدين بزيهم الرسمي الموحد، وهم ينحنون أمام الوافدين، استقبلوه ببعض انحناءات ردها مبتسماً، وهويدلف إلى فناءِ القصر،كانت الأنوار مشعه من حول الحديقة الندية وليصعد بضع درجات للسلم لتتجلى له رويداً رويداً الصالة التي بدأت تمتلئ بالحضور من شخصيات ذات أبهة ودلال، رسم على محياهِ ابتسامه عريضة وهويدنومن المنصة التي تقف عليها صاحبه الدعوى، استقبلته بابتسامه هي الأخرى، صافحها واستدارت على ذلك الشاب الواقف إلى جانبِها قائله.

أقدم لك خطيبي.

أهلاً سررت بلقائك.

ناولها الكتاب بكلتا يديه اللتان بدئتا تتكسران ؛ وأحجم أن يعطيها المنديل في اللحظات الأخيرة،

وما كان منها إلا أن وضعته بين كومهُ النفايات عفواً الهدايا ألمقدمه لها، أخذ ذلك الشاب نجلى وهما يوزعان ألابتسامات على الحضور، رفع ربطه عنقه أحس بضيقٍ في صدره من ذلك المكان، وكأنه تائه بلا دليل، موسيقى الجاز تصدح، وكؤوس الناخبين أخذت تقرع، والقهقهات مستمرة، واخَذ الرقص يشتد لدى الحاضرين نساء ورجال، فألفى السيد نفسه ساهماً واجماً وَمندهشاً ليختفي بين حلقة الراقصين

الهوامش

(1) من قصيدة الغراب للكاتب الأمريكي ادجار ألن بوالذي ولد عام 1809في بالتيمور ويعتبر من أساطينِ الشعر الرمزي كتب قصصاً عده، ومجموعة من القصائد أهمها الغراب.

بقلم: رضا الحربي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى