الاثنين ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم زهير الخراز

نبـاح

وأنا أفترش عرقي.. سافر الجسد إلا من لباسي الداخلي.. أتوسد ضوء القمر المتسلل عبر نافذة مشرعة على ليل لا ينتهي.. وأنا أطفو فوق عرقي في ليلة قائضة من ليالي صيف «شركي» المزاج.. يجافيني النوم وأجافيه.. أمني النفس بيقضة الديكة.. بصراخها المبشر بأفول الليل، وبالصباح حينما يتنفس.. وأنا أصيخ السمع، فلا ألتقط سوى نباح، بعيد.. يتعملق بتعملق الرياح.. ويخمد بخمودها.. نباح لا يفتر، تحمله الرياح.. تنقله من أماكن بعيدة.. فيثير حفيظة كلاب حينا القديم، فتصاب هي الأخرى بعدوى النباح الديكة حتما لازالت نائمة.. هذا يعني أن الملائكة غائبة، وأن الشياطين تملأ الفراغ.. فقد قيل عن الديكة بأنها تصيح لرؤية الملائكة، بعكس الكلاب والحمير فهي لا تنبح أو تنهق إلا لرؤية الشياطين.. وأنا أتساءل عن سر خلو الأثير من نهيق الحمير في ليلة من الليالي العجفاء، كان نباحها يعلو ثم يخبو، ثم يبدأ في الصعود من جديد على إيقاع رياح السموم.

هذه ليلة تنشط فيها شياطين الإنس بلا ريب، هذه ليلة تنسحب فيها شياطين الجن من ساحة الوغى.. هذا ما استنتجته من صمت الحمير في هذه الليلة الشهباء..

لكن لما تنبح الكلاب كل هذا النباح؟؟؟

قد يقول قائل: القافلة تمر والكلاب تنبح.

وقد يعلق آخر: قد تنبح الكلاب بدون سبب يذكر.

وقد يحشر شخص ما أنفه ويضيف: ربما تنبح على قطط تزاحمها على القمامة.

«وقد تنبح منبهة أسيادها بقدوم ضيف غير مرغوب فيه بالمرة.» هذا ما أضفته أنا الآخر إلى أجوبة مفترضة، من قبل أشخاص مفترضين!

لكن تبقى أفضل أنواع الكلاب وأغلاها ثمنا تلك الوديعة، الهادئة التي لا ينم عنها صوت قط وهي تغرس أنيابها في أجساد ضحاياها المغفلين...

وأنا أصيخ السمع في ليلة غبارية الهوى، فلا تلتقط أذناي سوى نباح تنقله الرياح من أماكن سحيقة، كنت أتساءل عن نوع الكلاب .. عن موقعها .. عن عددها .. قد تكون مائة .. ثلاثة مائة .. ألف أو يزيد .. عددها قد لا يضر .. قد لا ينفع .. لكنها تبقى كلاب .. مجرد كلاب من أصغرها حتى أكبرها .. وقد تتواجد في كل زمان .. وتستوطن كل مكان .. ففي الظلام يتساوى كل شيء .. الحرة والأمة السوداء وحتى الكلاب.

نباحها لا يحتاج إلى شفرة لحل رموزها .. ولغتها في متناول الجميع بما في ذلك البشر .. وربما تتفاوت الكلاب في حدته في عمقه، في مدى وقعه على النفس لكنه يبقى نباحا .. مجرد نباح .. بعيد .. قريب.. لذيذ.. يؤنس النفس، تماما كما تفعل حكايا الجدات في الليالي الموحشة ...

وأنا استل جفني من غفوة لا أدري إن هي طالت أم قصرت .. وأنا أستفيق على نسمات فردوسية المنشأ .. أصخت السمع من جديد، فلم تلتقط مسامعي هذه المرة سوى صياح لديكة مشاكسة تضج في سكون الفجر .. كانت ساعة الملائكة .. وكان القمر قد سحب ضوءه من تحت وسادتي .. وكان الصبح قد بدأ توا يتنفس ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى