الأربعاء ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم مصطفى أدمين

في الحمّام

من يريد منكم الوقوف على بعض مظاهر التخلف، فليذهب إلى الحمّام البلدي! حيث المستحمّون المجّانيون الذين يدخلون إلى الحمّام مجرّدين من أبسط أدوات الاستحمام، معتمدين على الكدّ والسعاية. وهناك طلبة الدلك والفور الجحودين ممن يتصبنّون بصابونك، ثم يدلقون عليك أوساخهم. وهناك المتلصصون عليك من خلف نظرات مشبوهة. وهناك بنو عراء الذين يستغرقون ساعات طوال وهم يكشطون عضوهم، كأنّما يكشطون لِحاء شجر البلوط. وهناك من هم أسوأ من كلّ هولاء؛ والذي بسببهم، أقلعتُ عن الذهاب إلى الحمّام العمومي.
ففي آخر مرة خرجتُ من جحيم "تافضنة"، إلى نعيم "الجلسَة" الباردة، وأنا أتصببُ عرقا، وفي يدي سطلٌ مطّاطي أسود، اعترضني أحدُهم ليطلبَ منّي أن أعيرَه سروالي القصير:

 عفواً! تريد منّي أن أقلعَ سروالي هذا لكي تستحمّ فيه أنت؟

وكان بصحبة الرجل ذاك، طفلٌ عارٍ نزقٍ لم يتوقّف عن النظر إليَّ بعينين متّقدتين خبثا.
 نعم! ـ قال بكل وقاحة ـ أريد منك أن تسلِّفني سروالك التحتاني لكي أستحمّ فيه.
 قد أكون مريضا في حجري... من أدراك؟... جرب، تؤلال، سيلان، سيدا...؟
 لا تخف عليَّ فأنا لا أمرض أبدا!

تفرّسْته ببرودة دم مصطنعة. بدا لي من البدو الذين يأتون إلى المدينة للاستحمام مرّة في السنة. أسنانه متقلّحة. عيناه تضحكان في بلادة يُحسَدُ عليها. ينتظر. وطفلُه يلعبُ بعضوه الصغير. فقلت له:

 ألا ترى بأنّني ذاهبٌ إلى حالي؟
 ليس هناك أيّ مشكل. بإمكانك أن تنتظرني حتى أنتهي، فأردُّ لك سروالَك.
"ماذا يجب عليّ أن أفعل الآن؟" قلتُ في نفسي؛ ولمّا رأى الطفلُ منّي علامات الاستغراب، والحيرة، والرفض؛ سدّد عضوَه ناحيتي، وشرع يتبوّلُ على رجليّ...

هل أصفعه؟ لا! لقد منحني ذلك الطفلُ الحلَّ للمشكلة "التواصلية" التي بيني وبين والدِه:

 هل ترى ما فعله ابنُك؟ الآن أنا مجبرٌ على الاستحمام من جديد، ولا أمل لك بعدُ في سروالي الداخلي.

فما كان منه إلاّ صفعَ ابنه، وشرعَ يُمطّطُ به أذنه، وما عرفتُ لحدّ الساعة هل عاقبه لكونه تبوّل عليّ، أم لكونه فوّت عليه فرصة اقتناء سروال قصير؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى