الثلاثاء ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

قرأت لكم : (القلب والدم)

يقول الدكتور كينيث ولكر في كتابه: (فسيولوجيا الإنسان) (.. المضغة تتألف من مجموعة عضلات لا تستغني عن علاقتها الوثيقة جداً التي تربطها بالجهاز العصبي المركزي، الذي يمدها عبر أسلاكه بالحافز الكهربائي حتى تقوم بمهمتها، إلا أننا نجد أن عضلات القلب أكثر استقلالاُ من بقية العضلات، وأقل اعتماداً على الجهاز العصبي المركـزي، وأن انقباض هذا القلب إنما يتم آلياً، بمعنى أنه لا يعتمد في حركته على إشارات عصبية تصل إليه عن طريق الأعصاب، وأن انقباضه يكون من حافز كيماوي داخلي قرر أحد الباحثين أن هذا الحافز "هرمون"- أي رسول كيماوي للقلب- وأنه استخلص هذا الهرمون من جدران القلب، وبواسطته استطاع أن يعيد الضربات إلى قلبٍ توقفت ضرباته لمدة ثلاثة أيام ونصف يوم، ومهما يكن من أمر، فالمهم الذي يجب أن نتذكره هو أن ضربات القلب لا تبدؤها الحوافز العصبية، بل الأهم من كل ذلك هو أن الدراسة التفصيلية لهذا الجهاز الدوري المكون من هذا القلب (كمضخة مركزية)، ومن الشرايين، والشعيرات، والأوردة، دلت على وجود دورتين دمويتين، إحداهما كبرى- وهي التي تجري خلال الجسم كله- والأخرى صغرى- وهي التي تجري خلال الرئتين، (وفي الواقع هنالك أربع دورات دموية- واحدة لامتصاص الغذاء-والأخرى للإخراج) وأن لكل دورة- من الدورتين الكبرى والصغرى- قلب خاص بها، ولكن بما أن القلبين اللَّذين يدفعان "الدم" في هاتين الدورتين (متحدان) تماماً من الوجهة التشريحية فنحن نتكلم عنهما كقلب واحد، ظلت جهته "اليمنى" هي المسئولة عن هذه الدورة الدموية الصغرى أو الدورة الرئوية، وظلت جهته "اليسرى" هي المسئولة عن دفع الدم إلى الدورة الكبرى الجامعة، وهي التي عبؤها أكبر، ولذلك فهي أقوى وأكثر سمكاً من الجهة اليمنى..

وهذان النصفان متماثلان، إذ يتركب كل منهما من حجرتين، أُذّين وبطّين، وبين كل أذين وبطين يوجد صمام يسمح للدم بالمرور في اتجـاه واحد فقط، أي من الأذين إلى البطين، ويسمى الصمام الأيسر بـ (التاجي) ، أو الصمام ذو الشرفتين، لأنه عندما تقترب الشرفتان من بعضهما فإنهما يشبهان التاج (القلنسوة) ، ويوجد بين الأذين الأيمن والبطين الأيمن صمام مكوَّن من ثلاث شرفات لا تنفتح ناحية الأذين لأنها مرتبطة بجدار البطين بواسطة أحبال وترية متينة، وتتجمع نهايات هذه الأحبال لكي تتصل بأعمدة لحمية (عضلات حلمية) تبرز من جدار البطين..) ..

وقبل أن نسترسل دعونا نتساءل: ما هو هذا (الـدم؟!)

يقول د. كينيث: (إنه سائل ينقل الغذاء المهضوم من القناة الهضمية إلى جميع أجزاء الجسم، ثم يجمع منها الفضلات المتخلفة من عمليات التحول الغذائي، ثم هو يحمل الأكسجين من الرئتين بواسطة كرات الدم الحمر إلى الأنسجة حيث تحصل عملية أكسدة في بعض المواد الغذائية لانتاج طاقة حرارية أو خلافها، وبعد ذلك ينقل الدم المواد المتخلفة من عملية الأكسدة وأهمها ثاني أكسيد الكربون والماء والمخلفات الأزوتية إلى الأعضاء المخرجة حيث يتخلص منها الجسم، والدم أيضاً هو الوسيلة التي تتوزع بواسطتها الحرارة التي تكونت في الأنسجة، على جميع أجزاء الجسم بانتظام، وبذلك يحتفظ الجسم بدرجة حرارة ثابتة منتظمة، والدم أيضاً ينقل الرسل الكيماوية والهرمونات، أو الإفرازات الداخلية للغدد اللاقنوية إلى حيث تعمل عملها، وأخيراً فان الدم يلعب دوراً هاماً كبيراً في الدفاع عن الجسم ضد الغزو البكتري..

ومع تباين هذه الوظائف التي يؤديها الدم، فليس من الغريب إذن أن يدل فحص الدم على أنه سائل معقد جداً!!)

هذا ومن المعلوم أن مكونات الدم عند الأنثى هي غيرها عند الذكر، فقد ذكروا بأن الهيموقلوبين في دم الأنثى أقل منه عند الذكر، في صحة وفي مرض على حدٍ سواء، فعند الذكر الطبيعي نسبته كما ذكروا 13،5– 17،5غم/ سم3 من الدم وعند الأنثى الطبيعية 11،5– 15،5 غم/ سم3 من الدم، وقد عزوا ذلك لعوامل الدورة الشهرية التي يبلغ معدل فقدان الدم في الحالة الطبيعية 30 سم3 من الدم وقد تصل إلى 80 سم3 منه في الشهر، ثم حالات الحمل، ثم حالات النزف عند الولادة.

ووظيفة الهيموقلوبين- كما نعلم- هي التي تقوم بنقل الأكسجين إلى خلايا الجسم المختلفة، وهو إكسير الحياة الذي يموت الجسم بعد 3 دقائق من حرمانه منه لا أكثر.
وبينما هو يوصل الأكسجين إلى كل خلية فإنه يساعد وبوسائل معقدة على استلام ثاني أكسيد الكربون الذي يدخل الخلايا الحمراء، ثم هو يساعد في الرئة، وبطرق معقدة أخرى على التخلص منه مع هواء الزفير.
وهو، فوق ذلك، يساعد على الاحتفاظ بقلوية الدم ضمن حدودها الطبيعية.
وهو الذي يسمى بخضاب الدم، لأنه هو الذي يعطي الدم لونه الأحمـر، كما أن الحديد يدخل في تركيبه.

* ولتتبع سير هذا الدم عبر هذه الدورة الدموية الكبرى(وهي الدورة التي اكتشفها (وليم هارفي) يقول د. كينيث بأنها (.. تبتدئ من هذا البطين الأيسر، وإذا ابتدأنا من هنا فإننا نجد أن الدم يندفع إلى الشريان الأبهر أو الأورطي نتيجة انقباض البطين الأيسر، والأورطي هو أكبر الأوعية الدموية لأنه القناة التي يصل منها الدم إلى جميع شرايين الجسم ما عدا الشرايين التي تتجه إلى الرئتين، ويتفرع الأورطي إلى فروع، يتجه بعضها إلى الجزء العلوي من الجسم، ويتجه البعض الآخر إلى الجزء السفلي منه، وهذه الفروع هي شرايين تتفرع بدورها إلى فروع أصغر فأصغر حتى تؤول في النهاية إلى شبكة دقيقة من شعيرات دموية، وهذه الشعيرات هي من الدقة والصغر بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولا تلبث هذه الشعيرات أن تتجمع شيئاً فشيئاً لتكوِّن أوعية أوسع فأوسع تسمى الأوردة، وهذه بدورها لا تلبث أن تتجمع حتى تكوِّن في النهاية الوريدين الأجوفين، العلوي والسفلي، ويصب هذان الوريدان الكبيران محتوياتهما في الأذين الأيمن ، ويتخلى الدم- أثناء رحلته خلال الجسم- عن معظم ما يحمله من الأكسجين وفي الوقت نفسه يتحمّل بكثير من المواد الإخراجية، ولقد دخل الدم إلى الأذين الأيسر كدم مؤكسد، ثم عاد إلى القلب في الأذين الأيمن دماً غير مؤكسد، وقبل أن يصبح الدم ذا فائدة للجسم مرةً أخرى، فلا بد أن يتحمّل بالأكسجين مرة أخرى، كما لابد أن يتخلص من ثاني أكسيد الكربون الذي تحمل به، ويتم تبادل الغازات هذا أثناء مرور الدم في الرئتين..) ..

* وعن دورة الدم في الرئتين (وهي الدورة التي اكتشفها الفيلسوف العربي (ابن النفيس) يقول د. كينيث بأنها (.. تبتديء من الأذين الأيمن، حيث يندفع الدم إلى البطين الأيمن، ومن هناك عن طريق الشريان الرئوي وفرعيه، إلى الرئتين، وكما هو الحال في الدورة الدموية الكبرى الجامعة، فإن الأوعية الدموية في الرئتين تتفرع إلى عدة أفرع، وهذه بدورها تتفرع بدورها إلى فريعات أصغر فأصغر حتى تنتهي بشبكة دقيقة من الشعيرات الدموية، وهناك- من خلال هذه الشعيرات الدموية- يخرج ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الرئتين، وكذلك جزء من الماء، بينما يتحمل الدم بالأكسجين، ويصبح دماً مؤكسداً، ولونه أحمر فاتحاً، ولا تلبث الشعيرات الدموية الموجودة في الرئتين أن تتجمع في فروع أوسع فأوسع حتى تكوِّن في النهاية أربعة أوردة (وريدان في كل رئة) تسمى الأوردة الرئوية؛ وهذه تحمل الدم المؤكسد وتصبه في الأذين الأيسر، وبهذا يكون الدم قد أكمل دورته: دورة رئوية صغيرة، ودورة جامعة كبرى..

وبالرغم من أن القلب يضرب ضرباً آلياً، إلا أنه- مثل أعضاء الجسم الأخرى- يتسلم أعصاباً من الجهاز العصبي المركزي، فإثـارة مجموعة من الألياف العصبية المتجهة إلى القلب (العصب التائه) تسبب بطئاً في ضرباته، بينما إثارة مجموعة أخرى (العصب السمبتاوي) تنشأ عنه سرعة في ضرباته، والأعصاب الحاثَّة على سرعة الضربات تبدأ عملها في حالات الخوف، فتعد الجسم للنضال أو الفرار، ذلك إن سرعة ضربات القلب معناه إرسال مواد أكبر من الدم إلى العضلات، وبهذا يجعلها قادرة على بذل مجهود أكبر، وهي كذلك بالنسبة إلى الشرايين، فإن إحداهما قابضة للأوعية والأخرى موسعة للأوعية..

والخوف لا يسبب تزايداً في عدد ضربات القلب فحسب، ولكنه يسبب أيضاً تضييقاً في الشرايين، ويدل على ذلك شحوب لون الجلد في شخص خائف مرتجف، وعلى النقيض من ذلك، فإن تمدد الأوعية يحدث نتيجة حالة نفسية من الخجل والحياء، وبواسطة هاتين المجموعتين المتضادتين من الألياف العصبية، تنظم كمية الدم التي تحتاج إليها الأعضاء المختلفة في جسم الإنسان، حيث احتياجات كل عضو..

وهدف الدورة الدموية أنها تحمل إلى الأنسجة المواد الضرورية اللازمة لتغذيتها ثم تجمع منها فضلات عملية الهضم أو التنفس، ولا يمكن تبادل هذه المواد إلا عن طريق شبكة من الشعيرات رقيقة جداً بحيث يسمح لنفاذ المواد منها وإليها، وكذلك فإن جُدُر هذه الشعيرات رفيعة جداً بحيث لا تتسع إلا لمرور صف واحد من كرات الدم الحُمْر خلالها، ويمر الدم من الشعيرات الدموية إلى أوردة صغيرة، وفي النهاية- كالنهر الذي يصب فيه عدد لا يحصى من النهيرات- يصل الدم إلى الأوردة الكبرى للجسم..)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى