السبت ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

رجل آيل للسقوط 

 
هناك، في ذلك المقهى كنت تركن إلى طاولة منفردة وحيدا معزولا كأنما لفظتك الحياة من رحمها حشرة حقيرة لا تستحق البقاء، السجائر اللعينة تأبى مفارقة شفتيك، تسكنهما عمدا وعلنا، سعال حاد نشب في قفص صدرك كالنار الحارقة فلسعتك، والتهمت أضالعك، غائب عما يدور حولك من جلبة وضوضاء كأنك تحت مخدر بغيض لن تستفيق منه إلا بعد أعوام، مشرد، تائه في بيدر تعاستك، متقطع الأنفاس، تقبض بأصابعك العشرة على خيوط وهمية من فراغ. 

تركض نحو اللانهاية في هوس غريب، تتعثر، تتهاوى كجذع أيكة هرمة في عمق المتاهة، مجددا تحاول النهوض من نكستك، والوقوف على قدميك عسى أن ترمم ما تصدع وتداعى بداخلك، ولكنك لن تظفر بالفوز أبدا ما دامت صقور اليأس الجشعة تعشش في عالمك الباهت اللون، وتوزع سموم الإحباط القاتلة في دمك. 

الهروب من الواقع مكتوب على لافتة عريضة أمام عينيك، ويسكن كالطحالب المميتة تضاريس روحك.

ترتعش عيناك الزائغتان في محجريهما، ويأتيك الصدى الغرير هاتكا ستار وحدتك، وانفرادك: ماذا جنت يداك في نهاية المطاف يا عبد الله؟ ألا ترى بأن تدليلك الزائد عن حده لولدك أفسد رجولته حين كبر، واستحال إلى جاحد عاق لا يعترف مطلقا بصنيعك عليه؟

قلت لزوجتك حانقا: سأترك البيت في الحين، وأفر من جحيمه من غير رجعة.

وأضفت وأنت تلوح بتوبيخك لتداري به خطأك الفادح: تقاعست في تربية ولدك، لم تحسني تربيته أبدا.

ردت عليك مدافعة عن نفسها بثقة: أليست تربية الأولاد قاسما مشتركا بين الزوجين؟ أهي منصبة على الزوجة فقط دون زوجها؟ 

تقزمت أمامها، فرت من فمك الكلمات فرارا، معها حق في ذلك، لقد أخطأت في تهذيبه، وتقويمه حتى صار عنصرا همجيا لا يتقن لسانه سوى الكلام البذيء، والمعاملة السيئة لإخوانه، وأقرانه.

مازلت معتصما في ذلك المقهى، تركن إلى طاولة منفردة وحيدا معزولا، تحاول الهروب من ذاتك، من واقعك لتتنصل تماما من كامل مسؤولياتك، ولتصير حرا لن يلومك أحد على ما اقترفت. 
 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى