الأربعاء ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
العربية بين الثنلغويّة وقسريّة الرباعيّة اللغويّة
بقلم إلياس عطا الله

اللّغة العربيّة فى إسرائيل، الواقع والتّحدّيات

-١-

مكانة الخاصّ/ اللغة فى العامّ/ القومى.

ليس من شأن هذه الدراسة التشخيصيّة لحالة اللغة العربيّة فى إسرائيل، البحثُ فى القوميّة من منظور علمى شامل، ولكننا ننطلق من الفرضيّة الساذجة بأن القوميّة هى إحساس بالانتماء إلى شعب/أمّة/ قوم على أسس من الروابط العرقيّة والتاريخيّة والعاطفيّة، أسس تشمل، إضافة إلى رابطة الدم والرحم، التماثلَ مع هذا التاريخ بمجمل ما وضعه أبناء "القوم" من حضارة بمركباتها المختلفة، والمتمثلة، على الغالب، بما خلّفه من تراث فى مجالات المعرفة، ومن تاريخ صنعه، ويعيشه، وسيعيشه. هذا الانتماء، يفترض شعورا بالتماثل والتداخل والتدخّل، يصل إلى حد التماهى فالانحياز [1]. تعمّدت إقصاء الكثير من المركّبات المقحمة فى تعريف القومى، كالدينى والإقليمى والمذهبى، فهذه جميعا قد تكون أو لا تكون محورا ذا أهميّة، وفى حالتنا العربيّة الراهنة، لعبتْ دورا سالبا، فربط الدينى بالقومى على مستوى أنّ الواحدَ منهما هو الآخر، عمليّة هادمة ومقوّضة للخاصّ والعامّ معا، وكذا الأمر بالنسبة لبقيّة المركّبات والتى لا تسمو إلى كُلانيّة القومى. عرفنا عبر تاريخنا أنّ الخاصَّ كثيرا ما نُهش فأوهَن العامَّ، وجعله غرضا مستهدفا، وحيث إننا قد نختلف ضمن العامّ فى أنواع من الخاصّ، مذهبيّة دينيّة أو حزبيّة أو إقليميّة أو لهجاتيّة، بل قد نختلف فى بعض مركبات الخاصّ، فإن ما تبقّى لنا من الخاصّ الذى لا مراء فيه هو تواصُلنا عبر لغتنا العربيّة الفصيحة أو الفصحى، وحيث إن الرابصين بالقومى فينا استطاعوا عبر التاريخ أن يوظفوا أو ينهشوا كلّ أنواع الخاصّ فى هذا العامّ لمآرب لا تصبّ فى صالح القومى، لم يبق لنا إلا هذه الوشيجة ندافع عنها - بل تدافع عنا- ولم يبق إلا هذا "العدوّ" توجّه إليه أساليب الهدم، وهذا ما ستدور حوله هذه العجالة مع شىء من العرض التاريخى واللغوى.

-٢-

ميزة الخاصّ.

مقارنة بسائر الخاصّ الذى يشكل العامّ، فإنّ الخاصَّ اللغة، هو أسمى المركّبات، لأنه الوعاء الذى به ولد التراثُ وحفظ، والمتكأ الذى عليه يستند، والوسيط الذى به يُتواصَل. وخصوصيّة هذا الخاصّ فى القومى العربى العامّ تتمثل فى أنّه أطولُ اللغات المعروفة حياة وبشكل استمرارى، وأنه أوسع هذه اللغات ثروة [2]، ففى الوقت الذى انقرضت فيه لِداتُ العربيّة، وسابقاتها، وصارت مباحث تدريس فى أقسام الألسنيّات فى الجامعات، أو صارت لغات طقسيّة( =liturgical languages)، فإنّ العربيّة بقيت فتيّة، تحمل فى رحمها وبِنيتها قدرة على التوالد والتجدد ومواكبة المتغيّرات، تُكتَب، يُتحدَّث بها، ويُدرَّس بها، ويدرَّس عنها بها، وبقيت قواعدها راسخة متكاملة منذ وضع أقيستها وعللها على الاستقراء الخليل بن أحمد الفراهيدى (170 هـ) وسيبويه (180 هـ)، ولا تكاد التغييرات التى طرأت عليها تذكر، لأنها لم تبدّل شيئا فى جوهر البِنية والنظم ( =structure & syntax )، وجُلّ ما فعلته يدور فى مجالات تبسيط الموادّ والمباحث بما يتلاءم والمستجدّات وطرائق التدريس، وهذا راجع إلى المأثور الدينى الحضارى الضخم المتمثل بالقرآن الكريم والأدب العربى منذ الجاهليّة وحتى بدايات العصر العباسى [3]، فهذا المأثور، ما زال حيّا إلى اليوم، وسيبقى، مشكِّلا اللبِنة الأساس فى لغتنا، والدرع الواقى لها، ونموذجا للإبداع المحفّز الرافد بثروته وجماليّته لإبداعات الآتى.

-٣-

أهميّة المحافظة على الخاصّ.

تتأثر مكانة الخاصّ اللغة، صعودا أو هبوطا، بمكانة العامّ القومى، أى بأوضاع أصحاب هذا الخاصّ، والعلاقة بين الاثنتين تتّسم بالتناسب الطرديّ؛ تسمو فيه العربيّة حين يكون أهلُها أسيادَ أمرهم، وبتناسب طردى آخر يُقلَق فيه على العربيّة حين يفقد أهلها السيادة، ولعلّ المعادلة الثانية، - والتى قد تكون تناسبا عكسيّا فى بعض الحالات- نابعة من قدرة هذه اللغة على البقاء، ومن غَيرة أهلها عليها، فعبر التاريخ- وهو تاريخ طويل- انهارت سلطة العرب، وخضعوا لأنواع من الاحتلال والاستعمار والانتداب، ولكننا رأينا العلماء يعكفون، لأسباب دينيّة وغير دينيّة، على صون وإحياء هذا الخاصّ، وكفانا أن نمثل بفترة المماليك والأتراك العثمانيّين، حيث دأب العلماء على بعث كنوز العربيّة وذلك بوضعهم شروحا لكتبٍ فى القواعد من عصر الازدهار، وشروحا على الشروح، وحواشى على الشروح، ولعلّ فى حقيقة هذا الجهد، وهو جهد قد لا يوسم بالإبداع تعسّفا، إشارة إلى ضرورة البقاء، والإبقاء على هذه اللغة [4].

-٤-

تأثير العاميّة فى العربيّة المعياريّة.

غير خافٍ أنّ العربى فى أى وطن عربى، يعيش حالة من الثِنْلُغويّة (الازدواجيّة اللغويّة = diglossia): محكيّته، وهى فى الأساس لغة الخطاب فى التعامل اليومى غير الرسمى، والرسمى فى كثير من الأحيان، وفصحاه، وهى لغة التلقى الشخصى، أى لغة الخلود إلى ما كتب بالفصحى أو نطق بها، ولغة الكتابة، ولغة التدريس، وخاصّة فى دروس اللغة العربيّة فى المؤسسات التعليميّة وفى أقسام اللغة العربيّة والدراسات الإسلاميّة، والدراسات الماسّة بهما - هكذا يفترض-، هذا بالإضافة إلى ضرورة التعامل الرسمى بالحدّ الأدنى من المعرفة اللغويّة فى بعض المستندات والاستمارات الرسميّة، وإنْ كنا نعوّل فى الأساس على الفصحى، لغةَ تواصل فى أقسام اللغة العربيّة، فإننا لا نستطيع بشكل مطلق أن نتحدث عن فصحى بمعياريّة محدّدة، فهى رهنٌ بالأستاذ وملكاته اللغويّة، ومعرفته العربيّة بقواعدها وبلاغتها وأساليبها، ورهن بشخصيته من حيثُ ارتباطه بهذه اللغة والتزامُه الحديثَ بها، إذ كثيرا ما يكون الأستاذ غيرَ عربى، أو من "المصابين" بلغة الجامعـيين (= U. Language)، المُكثرين من إقحام الدخيل لسبب أو لغير سبب.

قد يقول قائل إنّ الثنلغويّة ليست وقفا على العرب، إذ إنّ شعوبا كثيرة تتحدث بلُغَيّات تختلف عن لغتها الأمّ بعضَ الشىء، ورغم صحة هذه المقولة، فإن المسألة فى الحالة العربيّة تختلف عن الحالات المشار إليها، وذلك للخلاف الجذرى فى بنية الفصحى والمحكيّة، فالمحكيّة / العاميّة / الدارجة، لغة تحليليّة ( =analytic language) تعتمد على نظام الكلمات فى الجمل، ولا تخضع لقواعد الضبط الشكلى الإعرابى (vocalization)، وتتّسم برحابة الصدر فى تقبّل كلّ دخيل، وتتبدل فى فترات زمنيّة متقاربة بتبدّل الأنماط الحياتيّة، أما الفصيحة فهى لغة تركيبيّة تأليفيّة (= synthetic language)، لها أصولها ونظمها واعتمادها على علامات الإعراب المرتبطة بوظيفة الكلمة فى الجملة، ولا تتّسم بمرونة العاميّة من حيث سرعة تغيرها أو انفتاحُها على الدخيل، بل إنها تقف سدا مانعا فى وجه هذه المقتحِمات، وتدأب على دراسة الأمور، ولا تقبل الدخيل إلا بعد تطويعه لقوالبها وصِيَغِها(= adaptation)، وقد تتيح له الاستيطانَ إن لم يكن جافيا على الأذن واللسان والإدراك، ورغم أن كمّا كبيرا من الثروة اللغويّة مشترك بين الاثنتين، إلا أنّ الخطر كامن فى ما يلى:

  1. الأداء الصُّواتى المختلف للكلمة ذاتها فى اللغتين.
  2. الاقتحام السالب (= interference) لظواهر لا قواعديّة من المحكيّة للفصيحة، تزعزع معياريّة الأخيرة وتعرّضها للّحْن، وهذه صِنافة أخطاء(taxonomy of errors =) انتقائيّة فى عدد من علوم العربيّة جرّاء الاقتحام العامّى السالب:

المبحث عيّنة الخطأ ملاحظات

النحو

أ) نجح ثلاثين طالب: ( ثلاثون). لا ترد فى العاميّة إلا هذه الصيغة لحالات الإعراب المختلفة.*

ب) نجح ثلاثين طالب: ( طالبا). العاميّة ليست لغة إعراب.

ج) نجحوا ثلاثين طالب: قواعد اللغة الفصحى المعمول بها، لا تجيز استعمال هذا التركيب ذى الفاعلين، رغم وروده فى الشواهد وبعض اللهجات القديمة.

د) نجح ثلاث طلاب/ طالبات - يظلّ العدد فى العاميّة خاليا من علامة التأنيث إذا سبق المعدود دون اهتمام بجنس المعدود، ويتحوّل إلى عدد مع علامة التأنيث الموقوف عليها إذا جاء بعد المعدود: نجحوا الطلاب الثلاثِ (ـه)، نجحوا الطالبات الثلاثِ (ـه)، مكتفين بالكسرة، أو بالسكون على الثاء.

هـ) خمسة عشر طالبة: (خمس عشرة)، للأعداد المركّبة فى العاميّة 13-19 صيغة واحدة تظهر فيها التاء فى صدر العدد وتسقط من عجُزه، وتلفظ كأنّها جزء من عجز العدد: خمسْ تَعْشَرْ، خمسْ تُرُغْفِه ( خمسة أرغفة)... والأمر مختلف فى الفصحى لأنّه رهن بجنس المعدود بحيث يؤثر على الجزأين. أمّا 11 و12 فيبقى صدرهما مذكّرا فى كلّ الحالات.

الأصوات

نجح تلاتين طالب- من باب الترقيق المطّرد فى بعض لهجاتنا العاميّة، قلبت الثاء تاءً، والترقيق شائع في: ث > ت، س- ذ > د، ز، ض( على قلّة)- ط > ت- ظ > ض، ز( مفخّمة)- ق > أ. كثيرا ما ولّدت هذه الترقيقات ظهور حالات من فرط التصحيح (hypercorrection).

الصرف

أ) توَفَّى فلان: لا تعرف العاميّة صيغة المبنى للمجهول وتستعيض عنها بالمبنى للمعلوم أو بصيغة " انفعل". على ندرة وردت الصيغة العاميّة "فِعِلْ" بمعنى " فُعِلَ" ولم أسمعها إلا فى الفعل قِتِل أى قُتِلَ فى لهجتنا الفلسطينيّة، ولعلّ فُعُلْ فى المحكيّة المصريّة من هذا القبيل، نحو قولهم: قُطُع.

ب) مبيوع، مهيوب...: إجراء الصيغة على التتميم دون إلتفات للإعلال. والتتميم من الظواهر اللهجاتيّة القديمة، تحفظ منه المعجمات وكتب الصرف نماذج معدودة، وهو خاصّ بصيغة اسم المفعول من الثلاثى الأجوف الواو وبعدم حذف الصوائت حيث تقتضى القاعدة ذلك.

ج) يِحْبِى، يِجلِى، يِخلَى: اقتحامات عاميّة نابعة من غياب الناقص الواوى، وقلب الواو ياءً أو ألفا.

د) التهاب اللِّثِّة: تثقيل ( تشديد) المخفّف، ومن هذا أيضا: ديّة ( دِيَة)، دخّان ( دخان)...

هـ) قرأت الصحيفة الأفضل:( الفضلى)، غياب صيغة التفضيل للمؤنث.

و) عربى، شرقى... : (عربى، شرقى...) غياب ياء النسبة مع المفرد المذكّر.

* تتميز العاميّة بعدم التفاتها إلى المعربات بالحروف، سيرا على منهجها فى إسقاط علامات الإعراب الأصليّة، ويظهر هذا فى الاكتفاء بصيغة" X ين" لجمع المذكّر السالم فى حالات إعرابه المختلفة، وفى جعل الواو لازمة فى الأسماء الخمسة رفعا ونصبا وجرّا مع "أخو، أبو"، وجعل الألف لازمة مع "حمو"، أمّا " ذو" فليست من معجمها، و" فو" تصبح" ثمّ / تمّ ". بالنسبة للمثنّى، فهو غير وارد مع الأفعال والضمائر والمبهمات، ويستعاض عنه بعلامات الجمع، أما فى الأسماء فنجد غيابا لعلامته: ـَـ ـْـ ـِـ بحيث تصبح ـِـ ى ـْـ : مُعَلِّمَيْنِ > مْعَلّمِينْ، وتلفظ " مِيـ" مُمالة كما فى:male, mail. ويكثر التعبير عن المثنّى باسم العدد ثنين/ ثنتين مع صيغة جمع. أما الأفعال الخمسة فالنون ساقطة منها رفعا ونصبا وجزما. تتغلغل هذه الأخطاء فى كتابات الطلبة بشكل بيّن [5]. (نستطيع إضافة هذه القضايا إلى الصنافة أعلاه).

 ٣- انتشار غير المعيارى، واستغلاله لمآربِ تشرذم قومى، حيث ظهرت هنا وهناك دعواتٌ إلى اعتماده بدلا من الفصيح [6]، بحجة أنه أيسرُ وأكثرُ مقبوليّة على عامّة الشعب، وهذه الحجّة، على صحّتها، نمّت على مرّ العصور، عن نوايا تجاوزتِ ادّعاءَ التيسير والتسهيل، ولعلّ بعضا ممّن حاولوا هذا، حذوا حذو تجربة مصطفى كمال أتاتورك بتخلّصه من الخط العربى فى كتابة التركية، واعتماده الخطَّ اللاتينى، وعليه رأينا مَن لم يكتفِ بالنداء إلى إعلاء شأن العاميّة وإهمال الفصحى فحسب، بل نادى- من باب الحداثة أيضا ومن باب قصور العربيّة الصّواتى - (وهذه بدعة باطلة ساقطة علميّا لأنّ المتحدثين عنها حتى اليوم لا يفقهون كميّة الحركات فى العربيّة وفى غير العربيّة) إلى اعتماد الأبجديّة اللاتينيّة فى كتابة الكلمة العربيّة [7]، ناسين أنّ أتاتورك، حين دعا إلى ما دعا إليه، ما كان يعتمد على موروث حضارى خاصّ بشعبه، لا فى مجال المقدّس، ولا فى مجال الإبداع الأدبى، ناهيك عن أنه لا ضير فى أن تكتب لغة تركمانيّة منحدرة من الفرع الجنوبى للعائلة الأوراليّة الألطيّة المنحدرة من العائلة الهندوإيرانيّة، كالتركيّة بحروف لغة هندوأوروبيّة كاللاتينيّة مثلا لانّها جميعا تعود إلى الهندوأوروبيّة الأمّ، رغم أنه لا حاجة لذلك، فالفارسيّة من أمّهات الهندوأوروبيّات، ومثقلة بالحضارة، ولم تجد سببا لهذه " النقلة الحضاريّة" المدّعاة.

غنى عن التذكير أن دعاة تَرْك الخط العربى، التقوا مع أتاتورك فى مجال واحد فقط لا علاقة له ببنية اللغة وصوائتها وتبسيطها، وهو الانسلاخ عن الشرق والإسلام " موطِنَين للتخلف"، ومحاولة الانتماء إلى مجتمعات "حضاريّة غربيّة".

-٥-

أثر الحاكم ولغته واستجابة المحكوم.

خضعت الأقطار العربيّة لأنواع من الاحتلال والانتداب تفاوتت زمنا ثمّ زالت، وتركت اللغات المهيمنة dominant languages =)) أثرَها فى لغة المحكوم (= substratum وهذا المصطلح يعبّر عن تأثير لغة الغالب المتفوّق فى المغلوب، ويعبّر أيضا عن التأثير العكسى، أى تأثير المغلوب فى لغة الغالب. انظر المصطلح ومصطلحَى super stratum, ad stratum في: بعلبكى، رمزى، معجم المصطلحات اللغوية) بتفاوت نابع من مدّة الحكم ونوعيّة سياسته، ومن حصانة المحكوم وتمسّكه بتراثه وحضارته، ومن حضور أو غياب مؤسساته، والقضيّة هذه ليست وقفا على العرب. على صعيد الوطن العربى نستطيع أن نلمح عربيّة الجزائريين ولفترة طويلة من الزمن، جرّاء منهجيّة سياسة فرنسا فى الجزائر، إذ عُدّت الأخيرة جزءا من فرنسا وصار من العسير على العربى الجزائرى التحدثُ أو الكتابة بالفصحى تحت سياسة فرْنسة شرسة كانت فيها الفرنسيّة اللغة الرسميّة [8]. ونستطيع أن نوازن بين دولتين وقعتا تحت احتلال وانتداب وهما مصر ولبنان، فرغم طول احتلال وانتداب البريطانيين فى مصر، ورغم قِصَر انتداب فرنسا فى لبنان، رأينا الاستجابة اللبنانيّة للتمغرب أشدّ من الاستجابة المصريّة، ولعلّ هذا عائد إلى قوى محليّة قاومت أو لم تقاوم، شجّعت أو لم تشجع ما آلت إليه حالة العربيّة فى البلدين، وفى أقسى وأقصى الحالات قد يكون مردّ الأمر إلى الحصانة القوميّة والحضاريّة لدى أبناء الشعب الواحد، وليس لنا أن نعمّم بحيث نقول إنّ المصريّين جميعا ذوو حصانة وإنّ اللبنانيّين مصابون بفشل مناعى، إذ إنّ ثمّة دوافعَ استغلّتها بعض الطبقات الحاكمة المتنفّذة وبعضُ السّراة لغايات خاصّة دينيّة أو اقتصاديّة أو اجتماعيّة، وهى التى قررت، سلبا أو إيجابا، فى النتيجة، ولا نستطيع أن ننكر دورَ الأزهر فى التصدّى لهذه المحاولات وعلى خلفيّة دينيّة حضاريّة بحيث حدّ من انتشار التمغرب بين ظَهْرانَى المصريين، ولقد تعمّدت التمثيل بمصر ولبنان، لما سُمِع فيهما من دعوات آنذاك إلى فرعونيّة هذه وفينيقيّة تلك، ولأنّ دعوات التجديد وترك الإعراب واعتماد الخط اللاتينى ظهرت فى كلتيهما.

-٦-

حالة الخاصّ فى إسرائيل.

يعيش العربى فى إسرائيل حالة من رباعيّة لغويّة قسريّة (= compulsory quadrilingualism)، وفى بعض حالات "الترف" حالة من خماسيّة اللغة (= quinquelingualism)، إذ تضيف بعض المدارس الأهليّة اللغة الفرنسيّة أو الإيطاليّة ابتداء من الصفوف الدنيا، وعندها يزدحم كمّ كبير من اللغات على الطفل العربى، يزاحم العربيّة الفصحى التى يتعلمها كغيرها من اللغات، ذلك لأنّ كلّ لغة بعد العاميّة هى لغة ثانية (= second language)، لا يواجهها الطالب إلا على مقاعد الدراسة، فمن ناحية تُضرب الفصحى باقتحامات سالبة من العاميّة، ثمّ تتلقى ضربات من العبريّة التى تدخل مجال المزاحمة فى سنّ مبكّرة لكونها اللغة المسيطرة ولغة التعامل الرسمى وغير الرسمى فى شتى مجالات الحياة العلميّة والعمليّة. لم يكن التّماسّ بين العربيّة والعبريّة فى المؤسسة المدرسيّة فحسب، إذ إنّ التماسّ الواسع المنفلت المهدّد للعربيّة نشأ من جملة عواملَ أدّت إلى فتح ثغرات لدخول العبريّة فى حديثنا، أهمّها:

١- لامناصيّة العلاقات التجاريّة والخدماتيّة اليوميّة بين العامل / الموظف / المستهلِك العربى، والتاجر/ الموظِّف/ ربّ العمل اليهودى، الأمر الذى خلق عربية عاميّة هجينا(= pidgin)، توسّعت مع الزمن فى أوساط عربيّة تجهل الفصحى أو تتسم بالأميّة.

٢- تجنيد وتجنّد عدد من المواطنين العرب فى الجيش وأذرع الأمن المختلفة.

٣- وكان أن انضاف عنصر ثالث أملنا منه خيرا، وهو شريحة الأكاديميين، ولكنهم أسرفوا فى لغتهم الجامعيّة المشربة بالدخيل، وعلى هذا وُلِدَت محكيّة جديدة مُعبْرَنة، محكيّة لا يفهمها آباؤنا المتواصلون بما ورثوه عن الآباء والأجداد، ولا أسوق الأمر على محمل التهمة، حيث إنّ مؤسسات الدراسات العليا فى إسرائيل تعتمد العبريّة والإنجليزيّة لغتين للتدريس والمرجعيّة العلميّة حتّى فى أقسام اللغة العربيّة.

٤- غياب مؤسسة أكاديميّة( جامعة) تعتمد العربيّة لغة تدريس.
من الطبيعى أن تتأثر اللغة بلغة مجاورة أو معايِشة، وهذا لا يشكّل خطرا عادة، وكما أننا لا نؤمن بالنقاء العرقى، لا نؤمن بالنقاء اللغوى، والعربيّة منذ ظهورها، أعارت واستعارت، والأمر لا يعدو مجال المفردة والمصطلح، وظلّت العربية محصّنة معتمدة على تراث واسع وقواعد راسخة، ولكن لكثرة المؤثرات الضاغطة المخترقة، اتّسع مجال تحييدها وتهميشها بل ومحاولة تذويبها. قد تُضرب قدرة الناطقين بها، لا من حيث الثروة المعجمية، بل من حيث الأسلوبية والصّواتة، والخطر قد يكون ساحقا إن كان أهل اللغة مصابين بفشل مناعى، حيث إنّ الأمر لن يقف عند التحييد والتهميش، بل سيتجاوزهما إلى الطمس فالاندثار، نضيف إلى الواقع المذكور، غيابَ المؤسسات العربية الراعية لشئون اللغة وتطويرها، وكونَ رسميّة اللغة العربيّة فى إسرائيل والمنصوص عليها بحكم قوانين عام ١٩٢٢، وبحكم البند ٨٢ المصحّح عام ١٩٣٩، رسميّة مع وقف التنفيذ ومع سبق الإصرار، لا شكّ فى أنّ هذه المؤثرات مجتمعة كافية لإدراك الضغط الواقع على اللغة وعلى أهلها الذين ظلّوا بمنأى عن أمّتهم، فيزيائيا، أعواما على أعقاب أعوام. ازدادت الأمور تعقيدا مع دخول الإنجليزيّة، وهى اللغة الدوليّة (= lingua franca)، ويكفى أن تأخذ المزاحِمات الحصّة المخصّصة لتدريس العربيّة من حيث الزمن ومن حيث الانشغال بها عن اللغة القوميّة لنعرف سبب الضعف، وما خصّص للعربيّة كان قليلا، مشوّها ومبتورا. لسنا بحاجة إلى شفيع من الإخصائيين فى الألسنيّة النفسيّة أو التطبيقيّة لإدراك الأثر السيّئ على العربيّة الفصحى، فقد شخّص الجاحظ هذا الخطر، قال:

"ومنَ القُصّاص موسى بن سيّار الأسوارى، وكان من أعاجيب الدنيا، وكانت فصاحته بالفارسيّة بوزن فصاحته بالعربيّة، وكان يجلس فى مجلسه المشهور، فتقعد العرب عن يمينه، والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسّرها للعرب بالعربيّة، ثم يحوّل وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسيّة، فلا يُدرى بأى لسان هو أبيَنُ، واللغتان إذا التقتا فى اللسان الواحد أدخلتْ كلّ واحدة منهما الضيمَ على صاحبتها..." [9].

-٧-

منهجيّة زعزعة الخاصّ فى إسرائيل.

لا نعدو الحقيقة حين نقرّر أنّ السلطة فى إسرائيل على اختلاف أحزابها وتوجّهاتها( ولا يشمل مصطلح السلطة الأحزابَ العربيّة) تضع أمامها رؤية ورؤيا، تتلخص فى تحقيق الدولة اليهوديّة المتحدّث عن سِمَتها هذه صباح مساء [10]، وهذا الواقع يحمل فى أحشائه مجملَ نظريات النقاء العرقى المنصهر فى الدينى فى الحضارى، ولا يتأتى هذا إلا بتطبيق نظريات إفراد المُغاير، أو تفريغِهِ من المقوّمات التى يهدّد بقاؤها رؤية ورؤيا الدولة اليهوديّة، وعلى هذا سارت وفق متتالية حلقاتُ الاقتلاع من الوطن، مصادرة الأرض، الاستيطان، التهويد، الأسرلة وأخيرا العَبْرَنة، وهى أخطر ما يتعرض إليه العربى المواطن فى إسرائيل لأنه موجّه إلى صميم الخاصّ الأسمى فى العامّ القومى، فالناظر إلى منهجية تعامل وزارات المعارف قادر على تشخيص الحالة المَرَضيّة لمنهج اللغة العربيّة والمتمثلة بالانحطاط (declination =) والانحلال والتفسّخ (degradation = ) وبتر الأعضاء (= (amputation، ولو حيّدت عمدا حقيقة أنّ ضرب اللغة كفيل بقطع التواصل مع ما أنتجه أصحابها من إبداع عبر العصور فى مجالات المعرفة العامّة، فى التاريخ والطب والفلك والفلسفة والمُجْتمَعِيّة والجبر وفقه اللغة والأدب... فإننى لا أستطيع إلا أن أضع هذا " المريض القسرى " على سرير التشريح لتوضيح الحالة:

الجسم(اللغة العربيّة): الأعضاء

(المباحث):

١- تاريخ الأدب العربى. ٢- البلاغة. ٣- الصّواتة/ علم الأصوات. ٤- النصوص الأدبيّة.
٥- التعبير- الشفوى والكتابى. ٦- الأدب الفلسطينيّ( مبحث خاصّ). ٧- تاريخ الكتابة- الخطّ. ٨- العروض. ٩- النحو. ١٠- الصرف.

(لم أشمل فى علوم العربية: التأثيل، المعجميّة، المصطلحيّة، الألسنية المقارنة وغيرها من المقررات الجامعيّة).
الأعضاء: "٢"، "٣"، "٥"، "٦"،"٧"، "٨"، أعضاء مبتورة كليا، أمّا العضو"١" فهو شبه مبتور لأنّ ما يشمله المنهج فتاتٌ معرّى من الفائدة لإدراك المعلّم والطالب مسبقا أنه لا يُشمل فى الامتحانات الرسمية وغير الرسمية، ولولا غيرة المعلمين على تاريخ أدبهم لما سمع الطالب العربى عن الأدب وبداياته وتطوره وأجناسه. أما العضو "٤" فنصوصه، على كثرتها، موصومة بغياب النصّ الفلسطينى وبالانتقائيّة المتعمَّدة لتغييب عدد من الأسماء أو النصوص الإبداعيّة [11]، ناهيك عن تأجيل الكثير منها لتدرَسَ فى وحدة التوسع، وعلى ندرة يتعلم الطالب العربيّة بتوسّع لأنها لا تكسبه علاوة كبقية المواضيع فى حساب علامات الدخول فى معظم الجامعات الإسرائيليّة.

لعلّ بترَ البلاغة أكثرُ المواطن خطرا، ففى البلاغة جماليّة العربيّة وخصوصيتها وتفرّدها، بل إنّ البلاغة هى الرابط الرشيق للإنسان العربى بلغته وتاريخ أمته وحضارة شعبه، ولا أعرف خسارة أكثر فَدَحًا من أن يحرم الطالب معرفة أجمل ما فى لغته من مباحث علوم المعانى والبيان، وميزة العربيّة أنها مفصِحة، معرِبة، مبلِغة، مبينة، ولذا تقوم على أربع ركائزَ غير منفكّة: الفصاحة،الإعراب،البلاغة والبيان، ناهيك عن أن الكثير من مباحث النحو يقوم على البلاغة كالتقديم والتأخير والحذف وغيرها.
أما علم الأصوات اللغويّة، وهو ما جهدنا، ونجحنا، فى جعله مادة منهاج [12]، فقد هُمّش بالطرق الالتفافيّة، إذ لا يتعلمه أحد لغيابه من مقرر الامتحان، فأصبح حاضرا غائبا، ونحن حين أكدنا أهميته، كان ملءَ العين والخاطر ما نراه من تشويه يضرب اللغة بشكل عشوائى أو"عشوائى مدروس"، ونحن لا نرى المدرسة المكان الوحيد للتدريس، فلافتات الشوارع والحوانيت مدرسة ذات شأن، فالعربيّة على إشارات المرور والتوجيه فى شوارع إسرائيل طولا وعرضا تجعل كلّ "حاء" عبرية "خاء" عربية، اللهم إلا عند مدينة الخضيرة حيث تكتب "حديرا / حديره"، ولم تستقم الحاء هنا فى اللغتين إلا لضرب ذاكرة المكان فينا، (وسيرا على منهجيّة الإفساد الصائتى المتعمّد أو غير المتعمّد، رأينا الحاء فى اسم هذه البلدة تصير خاء عند مفترق العفّولة / هزوريع، حيث كتبت "خديرا"، وإمعانا فى هذه الفوضى غير البريئة، وجدنا اسم البلدة نفسها عل مفترق باقة الغربيّة: "حديرا"، وبشكل مفاجئ: الخضيرة!) ولا ننسى أنّ شهرة اسم المكان عالميّا وتاريخيّا تلجم هذه الظاهرة أحيانا كما فى "أريحا" والتى تقابلها العبريّة "يريحو"، تماما كما أبقوا اسم "الناصرة" بالعربية، وسمّوا البلدة التى أخذت من الناصرة اسمَها وأرضَها "نصرات عيليت" (العليا)، حينا، و"نتصرات..." حينا، "ونتسرات..." أو "ناتسرات" حينا آخر، وكما رأينا اسم "عكّا" العربى، رأينا "عكو" فى شمال المدينة اليهودى.

نميّز أكاديميا بين نقحرة كتابيّة متعارف عليها وبين أخرى لفظية تعين القارئ أو توجهه، وحيث إن اليهود ذوى الأصل الأوروبى مأزومون فى عدد من الصوامت نحو: ض، ص، ظ، ط،ع، غ، ق، ح، ذ، وحيث إنّ الفروق اللفظية ذابت أو تكاد بين: ق / ك، ع / أ، ح / خ، و- ط / ت، فإننا نقرأ حينا: "قريات آتا" وحينا "كريات آتا"، أما ال "تصادى / تصادق" فتأخذ أربعة مقابلات: ص/ تص/ س/ تس، كما أشرنا فى اسم الناصرة، و: فى "سومت" أى مفترَق، و"تسفات" (صفد)، وكذلك الطاء العبريّة حيث تنقل طاء أو تاء بشكل مزاجى.

إنّ الارتياب فى مثل هذه الحالات خيرٌ من حسن النوايا، فالأمر فى النهاية رهن بكمّ الأذى والرطانة الذى سينعكس عبر أصواتنا وعلى المدى البعيد. نعرف جيّدا أن الأصوات (الحروف) العربيّة أكثر من الحروف العبريّة، وفى هذه الحقيقة نكون الأقرب إلى الساميّة الأمّ، وهذا التلميح أو التصريح ممّا لا يرضي! فمن باب الأذى جرّاء ما ذكِر أن يكتب طفل عربيّ- رغم الحصة المكرّسة لتدريس العربيّة [13]، وتحت تأثير الكلمة المطبوعة فى اللافتة وفى خياله وذاكرته- كلمة " مستشفه " بدلا من " مستشفى" لكثرة ما رآها على الشارع الرئيس الموصل لمشفى نهاريا الحكومى (صُحِّحتْ مؤخرا)، ولا يستغربنّ أحد أن تنطبع فى ذاكرة الطفل العربى صيغة ياء المخاطبة تالية لكاف المخاطب/ ـة، فمن باب المحافظة على حياتنا، تذكرنا اللافتات صباح مساء بالسرعة القصوى القانونيّة " نذكرك/ ي"، على اعتبار أن الياء لخطاب المؤنث والكاف لخطاب المذكّر! (والقاعدة فى العربية والعبرية فى هذا الأمر سواء!).

أما على صعيد الأسلوبيّة فنرى تصعيدا فى الأذى المقوّض للعربيّة، إذ إن أنماطا تعبيريّة لا تمتّ إلى العربيّة وبلاغتها وقواعدها بدأت تغزو اللسان والقلم العربيّين، وهى محاكاة قسريّة أو لاقسريّة لأساليب عبريّة أو أوروبيّة عبر العبريّة، منها:

-١-

تزايد وتيرة غياب علامات الإعراب الأصلية متمثلا بالتسكين الذى تتسم به اللغات التحليليّة، والفرعية، متمثلا بإحلال حرف بدلا من الآخر، ومن هذا مثلا النداء الذى وجهته مطبوعا لجنة متابعة التعليم العربى فى حيفا واستهلته بـ : " يسكن فى حيفا حوالى ثلاثون ألف مواطن... "، ولتمَكُّنِها من العربيّة ختمته بـ: " إن المستقبل هو التعليم التكنولوجى "، ولا أعرف تخريجا لهذه الثلاثون، أما " حوالى " المكانية المستعملة مع العدد فلا أشتهيها رغم إجازة المجمع القاهرى لها [14]. أما على لوحة الإعلانات قرب الغرفة التى درّست فيها فى جامعة حيفا، فقد علّق الطلبة العرب دعوة فيها:

"مرور ٣٠ عام..." ولم أكمل القراءة مدركا حسن التخلص فى استعمال العدد بدلا من اسم العدد، أما "عام" غير المنصوبة، فمن المراقبة لما يكتب، نقرر أن المنصوبات أكثر مواطن اللحن، لكثرة المنصوبات، ولأنّ حالة النصب تفرض على الغالب تغييرا إملائيّا بزيادة الألف كسعا (= suffix)، وحيث إن العبريّة ليست لغة إعرابيّة، والاسم يبقى على حالته وإن تغيرت وظيفته، فإن العدوى بدأت تتغلغل فى العربيّة، معزّزة بالاقتحام العامى كما ذكرت.

-٢-

ذكر الفاعل فى الصيغ المبنية للمجهول والمناقض لمنطق الصيغة، فبتأثير من العبريّة اللامعياريّة تقرأ فى العربيّة نماذج نحو: فُعِلَ على يد / من قِبَل / بواسطة مع ذكر الفاعل، ترجمة لـ " عَلْ يِدِي" أو "by ".

-٣-

تختلف العربيّة عن العبريّة بعض الشىء فى حروف الجرّ الواصلة بين الأفعال والأسماء، وهذا باب واسع للّحن، فمنه مثلا يستعملون فى العبريّة "عَلْ" (= على) بعد الفعل: "حَشَفْ- والفاء تلفظ كالحرف الإنجليزيّ- v "(= فكَرَ/ فكّر )، وعليه تجد من يكتب: "فكر على" بدلا من "فكر فى"، وتجد وبتأثير العبريّة من يستعمل " عن " ترجمة لِـ -"أُودُوتْ ".

-٤-

استعمال "الباء" بدلا من "فى" بشكل عشوائى، لا من باب التضمين، بل بتأثير العبرية التى يقوم الجارّ "الباء" فيها بالمهمة.

-٥-

تغيير بنية الجملة العربيّة، فتقرأ مثلا: " ما هى تعمل من أجله؟ " ترجمة حرفيّة عن: " مَه هِى عُوسَه لِمَعَنُو؟".

-٦-

إضافة إلى هذا تقرأ: "تحدّثا بأربع عيون"، أو: "حسنا! ما السطر الأخير؟"، أو: "مرّر الدرس" أو: "خطّر" نقلا حرفيا عن العبرية وبدلا من، على التوالى: تحادثا / اختليا للحديث، وخلاصة القول؟، درّس، هدّد.

-٧-

إن بنية العربيّة الجُمليّة لا تعرف فعل الكون، ولكنّنا كثيرا ما نقرأ "يوجد" ترجمة عن" يِشْ" العبريّة و "is " الإنجليزيّة، ومن هذا: "يوجد رجل يقول..."، و"يوجد هنالك حلّ للمشكلة"، فالعربيّة مستقيمة بدون يوجد هذه [15].

-٨-

تذويت بعض المفردات العبريّة بحيث تصير جزءا من المخزون المعجمى العربى، يستلها الطالب دون تلكؤ فيكتب: "الكاتب يَدُونُ فى الموضوع..."، بدلا من: يبحث، يعالج... و "يَدُونْ" هذه عبريّة بمعنى يبحث، وهى مضارع الفعل " دَانْ".

-٩-

وتأكيدا لهذه العبريّة الهاجعة أذكر، وإن كان السياق فى العاميّة، ما جادت به قريحة إحدى الزميلات وهى تساوم بائعا فى خان الخليلى فى القاهرة على سعر ما ترغب فى شرائه قائلة- كى تبعد عنها شبهة كونها سائحة- : "هُوَّ دَا مِحِيرُو كامْ؟" مستعملة "مِحِيرْ" (= ثمن) العبريّة، مطوّعة إياها لقالب عربى بموسيقة مصريّة.

-١٠-

يشترط بعض المعلنين عن وظيفة شاغرة أن تتوفر فى المتقدم لإشغالها بعض المؤهلات، ونجد من يكتب معبرا عن هذا: "على... أن يجيب على..." ترجمة لـِ : "عُونِه عَلْ هَدْرِيشوتْ".

-١١-

وعلى صعيد الصرف أخذ بعض الطلبة شيئا من قواعد العبريّة ليطبّقها فى العربيّة، ومن هذا الاقتحام السالب يكتبون: "هنّ تفعلن" بدلا من "يفعلن"، حيث إن صيغة "تِفْعَلْنَ" فى العبرية للمخاطبات والغائبات معا.

-١٢-

تتسلّل الأسلوبية العبريّة فى قول بعضهم: "يعلو السؤال" ترجمة حرفيّة لـ "عولَه هَشِئِلَهْ"، بدلا من ويُسأل، يطرح السؤال... الأمر الذى يبعث على التساؤل" وما إليها.

-١٣-

تنتشر صرعة جديدة فى التعبير وهي: "نتحدّث على مستوى العينين"، ترجمة حرفيّة عن العبريّة: "مِدَبْرِيمْ بِجُوفَهْ هَعِينَيِمْ" وتعنى: نتحدّث بِنِدّيّة.

-١٤-

أمّا: "أنزل/أرفع قبّعتى احتراما لـ..." فأترك أمرها، مؤثرا البقاء "مفرّعا" فى جحيم قيظ الربع الخالى على الخوض فى جنتلمانيّتها.

-١٥-

هذه عيّنة بسيطة من الاقتحامات "اليوميوميّة " كما يكتب أحدهم!

-٨-

خلاصة واقتراحات.

١- يمارس الحاكم أو المحتلّ ضروبا من وسائل الهيمنة وفرض الظلّية، منظورة أو غير منظورة، والاحتلال لا يتمثل بوجود كتائب من العسكر مدجّجة بآلياتها، ولا بحواجز مسوّرة بشائك أسلاكها، فهذا، على همجيته، أسهل أنواع الاحتلال وأسرعها إلى الزوال. ليس الاحتلال إلا ذلك الذى نفتح له صدورنا وألسنتنا وأذهاننا طوعا لاحتواء غريبه وتبنّى دخيله. يقدر المحتلّ أو الحاكم أن يربض على صدور المغلوبين ما رضوا بالهزيمة، ولكنه لا يقدر أن يبدّل فى فكرهم وحضارتهم ولغتهم إن هم رفضوا، ولنأخذ نموذجا من الأحد عشر قرنا التى خضع فيها العرب، ولكنّ لغتهم ما خضعت، ولا خبت لها جذوة، ومن هنا غَيْرَتنا على هذا الخاصّ ومحافظتنا عليه.

٢- الخاصّ اللغة( الفصيحة/ المعياريّة) مركِّبٌ من مركّبات العامّ القومى، وهو أهمّ المركّبات، وحيث إنّ المركّبات الأخرى قد تتعرّض للضرب فتوهن العامّ- ولقد حصل هذا فعلا-، فإنّ المحافظة على الخاصّ اللغة من أقوى الوسائل لبقاء العامّ.

٣- تختلف حالة العربيّة فى إسرائيل عنها فى الأقطار العربيّة، فإن كانت اللامعياريّة اللغويّة فى الأقطار العربيّة نابعة من اقتحام عامى، فإنّ ثغرات الاقتحام عندنا مضاعفة، لأنّها تأتى من العبريّة والعاميّة معا، أو من العبريّة عبر العاميّة المتّسمة بالانفتاح، وعليه تأخذ الدعوات للغة عربيّة وسيطة فى بلادنا بُعدا قد تترتّب عنه آثار وخيمة من شأنها أن تضرب قدرتنا على التحدّث بالعربيّة المعياريّة على مدى ليس بالبعيد، ومن هذا المنطلق، فإنّ دعوتنا للعناية بالفصحى لا تعنى أنّنا نناصب العاميّة العداءَ، فالعاميّة باقية، شئنا أم أبينا، لأنها بنت أهلها ووسيلة تواصلهم ورهن إشارتهم فى التغيّر مع تغيّر أنماط حياتهم، ولكنّها لن تشكّل بديلا للفصحى، ولا يجوز أن تكون كذلك.

٤- رعاية أدب الأطفال بأجناسه المختلفة، وزيادة الإصدارات الراقية الهادفة المكتوبة بالعربيّة السليمة خاصّة لأجيال 3-13 عاما، والإكثار من البرامج المتلفزة الناطقة بالعربيّة السليمة.

٥- زيادة عدد حصص اللغة العربيّة فى المرحلتين الابتدائيّة والإعداديّة إلى ثمانى حصص أسبوعيّة بحيث تكرّس اثنتان منها للكتابة الإبداعيّة والتعبير الشفوى.

٦- إرجاء تدريس العبريّة والإنجليزيّة إلى الصفين الرابع والخامس الابتدائيين، وتكثيف تدريس العربيّة فى الصفوف الأولى حتى الثالثة وفى منأى عن المزاحمة.

٧- تقسيم موضوع اللغة العربيّة فى المرحلة الثانويّة بحيث يصير الأدب موضوعا مستقلا يدرسه الطلبة بمعدّل خمس وحدات، منها وحدتان إلزاميّتان لكلّ الطلبة، أمّا بقية مباحث العربيّة فتنضوى تحت اسم اللغة العربيّة وتشمل القواعد والكتابة الإبداعيّة والإملاء والخطّ وتاريخ الكتابة والبلاغة، وتدرّس بمعدّل خمس وحدات أيضا.

٨- فرض تدريس المواضيع الأخرى بلغة عربيّة سليمة، وهذا يتطلّب إعداد المعلّمين كافّة لإجادة العربيّة. من الخطل والخطأ أن يُحَمَّل معلمُ/ة العربية همومَ القوم جميعا وهمومَ لغتهم، ولو افترضنا أنّ كلَّ معلم للعربية هو مزيجٌ من الفراهيدى والمتنبى والمعرى، فما تراه صانعا وسط هذا المحيط من اللاحنين المجيدين للعاميّة أو المجيدين للعبريّة؟ يخرج من الدقائق التى خُصّصت له ثلاثَ مرات فى الأسبوع، تاركا بقية ساعات الأسبوع مجالا رحبا للاعربية واللامعيارية، فهل شغلتْنا عربية معلم الحاسوب والفيزياء والتاريخ وعلوم الاجتماع وغيرها؟ ماذا قدّمنا لهم؟ أطلَبْنا إليهم أن يلتحقوا بدورة استكمال إلزامية فى العربية؟ أقول هذا مكتفيا منهم بأن يتحدثوا لغة عربيّة سليمة وفى منأى عن الشكل، وأكتفى بأن ينتقوا المفردة الصحيحة، وأن ينطقوا بوضوح، وأن يجيدوا الكتابة، أقول هذا دون تعميم، فبعضهم مجيد للعربية عاشق لها.

٩- إعداد مناهج لغة عربيّة إلزاميّة لطلبة المؤسسات التعليميّة فوق الثانويّة على اختلاف تخصّصاتهم فى معاهد إعداد المعلّمين،( وهذا ما تعكف على وضعه لجنة خاصّة).

١٠- إقامة جامعة عربيّة (لا كليّة جامعيّة) تكون العربيّة فيها لغة التدريس الرسميّة فى كلّ المواضيع عدا أقسام اللغات الأخرى، على أن يكون تدريس العربيّة أمرا إلزاميّا لكلّ الطلبة كما هو حال الإنجليزيّة فى الجامعات.

١١- على صعيد الجامعات العاملة فى إسرائيل، يجب التصريح قانونيّا بأنّ اللغة العربيّة هى لغة التدريس فى أقسام اللغة العربيّة، إذ إنّ الأمر غير مصرّح به، ولذا ليست العربيّة لغة هذه الأقسام.

١٢- تكثيف ودعم الأجسام الراعية للّغة العربيّة( كاللجنة العليا لشئون اللغة العربيّة)، ورصد الميزانيّات لتمكينها من مواصلة عملها وزيادة إنتاجها.

١٣- التركيز على ترسيخ المعياريّة فى لغة الصحافة ووسائل الإعلام لكونها الأكثر انتشارا وتأثيرا فى سيرورة الكلمة العربيّة وأسلوبيّة الكتابة. ولنا أن نسأل: ما هى مسئوليّة العاملين فى الإعلام بوسائله المختلفة؟ أى عربية يكتب بعضهم؟ وأى عربية يتحدّث؟ وحين أتحدث عن لغة وسائل الإعلام أشمل البرطمة من عدد كبير من مذيعى التلفزيون الناطق بالعربية من يهود وعرب، وكذلك عربية بعض الفضائيات ذات السيرورة فى الحال التى يصبح فيها المذيع/ة محللا أو محاورا، فتضيع عربية العرب، ويسود أسلوب " يعني" المعادة بين الكلمات دون أن تعنى شيئا! إن النقلة من سرد ما هو مكتوب إلى الارتجال "الإبداعيّ" تفضح فدح حالة العربية هنا وفى الأقطار العربية.

١٤- مراقبة ما ينشر بالعربيّة على إشارات التوجيه والإرشاد واللافتات فى الشوارع والمرافق العامّة، لتصحيح ما يجب تصحيحه.

١٥- بعض ما ذكر أعلاه، فى مرحلة ما من مراحل إنجازه، وبعضه يحتاج إلى رعاية سلطة تملك القدرة على الإعداد والتشريع والتنفيذ، ولا أرانى متفائلا بصدد قبوله، ومن هنا تصير الحاجة إلى الاستقلاليّة الثقافيّة للعرب من مواطنى الدولة مطلبا ملحّا وضربا من الاستحالة، إذ لا أتوقّع من الشارع ( = الكنيست / البرلمان) إسباغ الشرعيّة عليه، ولذا سنظلّ آنيّا ندور فى حلقة البحث عن الثغرات التى قد نفلح خلالها فى إيصال ولو قَطْرًا، ومن باب التفاؤل علينا أن نخلق جسما واضح الاستراتيجيّة والأهداف، ذا آليّات مدروسة، تتعهده كوادر تتسم بعمق المعرفة والخبرة الأكاديميّة الخلاقة، ولا أرى فى أى من الأجسام العربيّة القائمة حتّى الآن من حيث تركيبتها ومناهجُ عملها ومواردُها القدرة على حمل هذا المشروع.

١٦- أشرنا إلى عدد من العوامل التى تركت آثارها فى اللغة العربية فى إسرائيل، وثمّة مؤثرات أخرى، أساسية وفرعية، وليس من المصداقية فى شىء أن نكتفى بإسقاط الأمر على الآخر، فلنا، فى مواقع مسئولياتنا، دور سالب زاد من وهن العربيّة، وأكتفى بطرح جملة من التساؤلات:

• أدركنا أن الأمور قد تغيرت منذ إقامة الدولة، وأدركنا أن العربية فقدت مكانتها إلى درجة التهميش، ومرّت اللغة وأهلها فى ما يربو عن نصف قرن من الزمان فى متغيرات كثيرة، فماذا فعلنا على صعيد العربية فى المدارس؟ وماذا فعلنا على صعيد مستوى العربية على ألسنة المعلمين العرب؟ وهل انتبهنا- على صعيد الإدارات المدرسية- إلى أنّ خيرة طلبتنا يتعلمون من العربية الحدّ الأدنى، وذلك فى غمرة لهاثنا ولهاثهم وراء العلاوة الجامعية؟ سقطنا فى امتحان التصنيف بين الانتماء والعلاوة، وكأنّ العلاوة الجامعية التى حرمت منها العربية إلى حين، سبب كاف لإسقاط هويتنا وحضارتنا! تنبه بعضنا مؤخرا إلى حالة العربية، وبدأ بفرض دراسة العربية بمستوى خمس وحدات على كلّ الطلبة، حتى لو تقدّم الطالب إلى مستوى أقلّ فى الامتحانات الحكوميّة، وجاء هذا التغيير متأخرا، تماما كما تهمَل بعض الظواهر الصحية والاجتماعية إلى أن تضحى وباء، وعندها تبدأ عمليات الترقيع والتنفّس الآلى ومحاسبة النفس، وإن قلت: " تنبه بعضنا" فإننى أشير إلى أن الغالبية العظمى من المدارس ما زالت تكتفى بأضعف الإيمان فى تدريس العربيّة، وليس لأحد أن يدّعى أن سياسة الوزارة تفرض علينا هذا، هى أزمة خبوّ انتمائى يجب أن تعالج، وعلى القيمين على شئون المدارس من المديرين والمعلمين والأهلين تدارك الأمر دون إرجاء.

• مَن المسئولُ عن رقابة ما يُنشر(ولا أقصد الرقابة السياسيّة) من كتب، ابتداءً من قصص الأطفال وحتى السيل الجارف من أنواع الأدب من" دواوين" شعريّة أو شَعْثَريّة (= الشعر النثرىّ) وقصص ومذكّرات ومقدّمات ومؤخرات وما إلى ذلك من شعوذات؟

• الأكاديميّون العرب مطالبون أكثر من غيرهم بتجنّب الدخيل، وإن كانت المشكلة فى مجال المصطلحيّة، فهنالك معجمات مختصّة، وثمّة أجسام تعنى بهذا الأمر.
هذه بعض التساؤلات، وبين السؤال والتساؤل بون، فإن كان السؤال ينتظر الإجابة، فإن التساؤل ينتظر محاسبة النفس المفضية سريعا إلى العمل والتقييم والتقويم.


[1وصفت هذا الحدّ بالساذج لوجود تحفّظ من مقوّماته فى الكثير من الأبحاث التى تناولت القوميّة ومفهومها، فالخلاف نابع أصلا من الأوضاع الفاعلة فى تشكّل المجتمعات، وحيث إنّ الظروف السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة هى الأكثر أثرا فى بنية المجتمعات والأمم، وجدنا من يرجّح هذا الظرف على غيره، ولا شكّ فى أن وضع الحدّ اعتمادا على ظرف واحد أو مذهب عقيدى واحد لن يكون جامعا مانعا.

[2هذا التحديد الزمنى المنتهى سنة ١٥٠ هـ. يشمل الفترة المعروفة بـ " عصور الاحتجاج"، والتى يرى الدارسون أن النصوص المكتوبة فيها يعتدّ بفصاحتها. لا أرى فى هذا التحديد شيئا منزلا، ففيه الكثير من مواطن الضعف، ناهيك عن الإجحاف اللاحق بمن كتب بعد السنة المذكورة من عمالقة اللغة العربيّة فى الشعر والأجناس الأدبيّة الأخرى وعلوم اللغة المختلفة. لا أعرف، والسنة المذكورة شبه مجمع عليها، كيف ننفى الفصاحة عن الخليل وسيبويه والأخفش الأوسط والفراء والنواسى والمتنبى وأبى تمام وغيرهم ممن جاء بعد سنة الحسم (١٥٠هـ.)، كفانا إساءة لفهم الغاية من عصور الاحتجاج، إذ إن الشاهد الذى كان شيوخنا يبحثون عنه عند " من لا يُشَكّ فى عربيّته" غايته شرعنة ما هو غريب أو غير مألوف أو غير خاضع لأغلال القاعدة، وبهذا أنظر إلى رحلة البحث عن الأعراب الفصحاء وعن أحكامهم من الزاوية المعاكسة.

[3من حيث الإحصائيّة الحسابيّة التى وضع أسسها الخليل بن أحمد فى معجم العين، واعتماده تقاليب الأثل (الجذر= root)، فإنّ الأثل الثنائى يشكّل أثلين قابلين للتوسيع بالإلصاق Affixation نحو: عق↔ قع، عج ↔ جع، العين ١/ ٦٥،٦٧، وأنّ الأثل الثلاثى له ستّة تقاليب نحو: عجل، علج، جعل، جلع، لعج، لجع، ( والأخيرة غير مستعملة)، وكذا الأمر بالنسبة لبناءى الرباعى والخماسى، وفى المحصّلة تتولّد فى العربيّة ١٢٠٠٠٠٠٠ كلمة! أشار الخليل إلى أنّ الكثير من الأثول غير مستعمل أو ناقص التصرّف أو مُمات أو غير جائز صُواتيّا، وعليه فإنّ الكمّ الحقيقى للثروة المفرديّة العربيّة دون هذا بكثير، ففى الصحاح للجوهرى أربعون ألف مادّة، وفى القاموس المحيط للفيروزأبادى ستون ألف مادّة، وفى لسان العرب لابن منظور ثمانون ألفا، وفى تاج العروس للزبيدى مائة وعشرون ألفا.

[4يكفى أن نعرف أنّ قواعد لغتنا المدرَّسة اليوم بمنهجها وتبويبها ومباحثها والكثير من شواهدها، منقولة بتصرّف وتبسيط عن مصنّفات الحريرى (٥١٦هـ.)، الزمخشرى (٥٣٨هـ.)، ابن يعيش(٦٤٣هـ.)، ابن الحاجب (٦٤٦ هـ.)، الأستراباذى (٦٨٦ هـ.)، ابن مالك (٦٧٢ هـ.) وابنه: ابن الناظم (٦٨٦ هـ.)، ابن آجرّوم( ٧٢٣ هـ.)، ابن هشام (٧٦١ هـ.)، ابن عقيل (٧٦٩ هـ.)، الأشمونى (٩٢٩ هـ.)، السيوطى (٩١١ هـ.) والصبّان(١٢٠٦ هـ.)... وكلّها وضِعت فى فترة انحسار الحكم العربى.

[5للعاميّة مميّزات غير المشار إليها فى هذا البحث، ولكنّنى اكتفيت بإيراد هذه العيّنة لكثرة تأثيرها فى كتابات الطلبة، ومن أراد توسّعا فالمراجع كثيرة، منها:
 Versteegh, Kees, Pidginization and Creolization: The Case of Arabic, Amsterdam: John Benjamin Publishing Company, 1984.
 DE Lacy O’Leary, Colloquial Arabic, London, 1971(1st publ. 1926).
 المعلوف، عيسى إسكندر، " اللهجة العربيّة العاميّة"، مجلّة المجمع اللغوى، القاهرة، ج.1 أكتوبر 1934.
 "اللهجات العاميّة فى سوريا ولبنان، ن. م.، ج.4/1937.
 اليسوعى، الأب أنطوان صالحانى، " خطر جسيم أو اللغة العاميّة"، مجلة المشرق، مجلد23، عدد1، كانون الثانى،1925.
 سعيد، نفوسة زكريا، تاريخ الدعوة إلى العاميّة وآثارها فى مصر، القاهرة، دار المعارف،1964.

[6يُنظر من باب المثال ما دعا إليه الأب مارون غصن فى كتابه حياة اللغة وموتها، وأنيس فريحة فى كتابه نحو عربيّة ميسّرة.

هذا نموذج لنصّ عامى على لسان داع للعاميّة يخاطب متمسّكا بالفصحى:

"بدّا تاكْلَكْ الِقْرود وِالعفاريت، وما بيْعودْ حدَن يِفْتْكِرْ فيكْ. شو مْحسِّبْ بدّك تْخلِّدْ على وِجّ الأرضْ؟ هيدى كِلّ اللِّغّات القديمه خلِّفِتْ وْماتِتْ وْطِلْعوا وْلادا مَطرَحا، قِلْلى تشوفْ : وَين السريانيّه إختَكْ..."

"بْحيسْ إنَّكْ تْقيلِ الدمّ وْما بْتَنْحْمِلْ لا علْضهِر وْلا علبطِنْ! شو كإنّكْ مش عارفْ إنّك عمّال بْتِهلِك الناس... والتْلاميز بالصرف والنحو والإعلال... وْكِرْسِة الهمزِه، رَيْتا عُمرا ما تِقعُدْ عَكِرسى وِتْضلّ مْبَطّشه علأرضْ... أمّا أنا... لا بدّى قاموس ولا كتب نحو، فى هوْنى خورى عَمَلْلى قواعدْ بسيطه هيّنه بيِقدر الفلاح من حْراجلْ وميروبا وداريّا وبطحا وعِندارا يِتْعلَّما بْجِمعه واحدِه بَسّ...".

أكتفى بهذا النموذج مشيرا إلى تعمّد ذكر "الخورى" مرارا فى النصّ الكامل بحيث تعرض القضية وكأنّ الأمر مسألة طائفيّة فيها ردّ على دعوة ربط العروبة بالإسلام، أو أنّ مصنّفاته هى الثقل المضاهى لما تركه الخليل والكسائى والفرّاء والأخفش والسيوطى وغيرهم، أو أنّ ما سيبدع بالعاميّة اللبنانيّة سيضاهى روائع ماكُتب بالفصحى! وهذا - رغم عذوبة العاميّة وسحرها - خطل لعدّة عوامل، يكفينا منها لهذه العجالة أنّ إقليميتها تظلّ موطن ضعفها، وليس لى أن أفترض لها سيرورة لأنّ على التعامل معها من منطلق غير فردانى، إذ لا أفترض فى اللبنانى أو غيره أن يدرك المُراد من: "لازمْ اِنْكاسِرْ " (= يجب أن نساوم )، أو "خُوشْ دْرَيوِلْ اِنْتْ " (= أنت أفضل سائق)، أو:

"بعظِ المُقنْطرينْ مِنْ العِيَمْ " (= بعض المقاولين من العجم)، أو:" شـْ – تَبِ؟ " ( = ماذا تبغي؟) فى اللهجة الكويتيّة.

للتوسّع فى لهجات شرق الجزيرة، ينظر: جونستون، ت. م.، دراسات فى لهجات شرقى الجزيرة العربية، تر. أحمد الضُّبيب، ط 2، بيروت، 1983.

[7كان (مرغوليوث) المستشرق الإنجليزى من الطلائعيين فى الدعوة إلى الكتابة بالحرف اللاتينى، بل إنّ حكومته أوفدته إلى المشرق العربى للترويج لهذا اعتمادا على أنّ القراءة والكتابة بالإنجليزيّة أيسر منهما بالعربيّة، ولا أعرف حتّى الآن سببَ غيرة هذا المستشرق على العربيّة!

من أشهر المنادين بالانتقال إلى الخط اللاتينى، من العرب، حنا أبو راشد، سلامة موسى، لويس عوض، أنيس فريحة وسعيد عقل،( ولكلّ منهم حجج وغايات متباينة)، والحرف الذى يقترحه فريحة لا يختلف عن الحروف المستعملة فى النّقْحرة (النقل الحرفى) فى الدراسات الجامعية: الثاء = θ، الخاء = x أو kh، والشين= š أو sh وهكذا. أما سعيد عقل فيرى فى الحرف العربى إحدى المعضلات التى تمسّ "صميم الروح اللبنانيّة" ولذا وضع لنفسه أبجديّة خاصّة أضاف إليها رموزا وعلامات يرى فيها حلا لقصور العربية الصّواتى، وهذه عيّنة منها:

W ʔalu calaxli ward ʕa takti,
W cebbaqna byeʕla,
W cu ʕarrafu ʔayyah
Takti ʔana
? W ʔayya taket ʔekhti
Biylaffʔu ʔakhbar
W mecwar ya ʕyuni maraʔ...mecwar

والنصّ أعلاه من قصيدته "مشوار" من ديوان" يارا" التى شدت بها فيروز.

تصدّى الكثيرون من اللبنانيين والمصريين لدعاة العاميّة والخط اللاتينى، ومن أشهرهم إبراهيم اليازجى فى مقالة له باسم " العاميّة والفصحى"، وحفنى ناصف.

لم يكن مصطفى كمال من علماء اللغة الفاقهين لأثر ما نفذه فى عملية تبنى الخط اللاتينى، ولم تكن الفكرة أصلا من عبقرياته، حيث شهد العقد الأول من القرن العشرين إتجاها يدعو العرب والأتراك والإيرانيين إلى استعمال الحروف اللاتينية، وذلك فى رسالة نشرها الدكتور داود الجلبى الموصلى سنة 1326 هـ.، ووزعت على أعضاء مجلس "المبعوثان"، أى قبل نقلة أتاتورك بثمانية عشر عاما، وكذا فعل عبد العزيز فهمى فى اقتراح قدمه إلى مجمع اللغة العربية، ولم يلق اقتراحه القاضى بإضافة بعض الحروف اللاتينية إلى الحروف العربية قبولا، وعلل المجمع رفضه هذا بأن الحرف العربى مشخّص من مشخصات الحضارة العربية والإسلامية وله مكانته فى وجدان الأمة وقيمته فى تاريخ الحضارة.

شهدت الفترة عينها محاولات أخرى تدعو إلى التّعديل لا الاستغناء، ويتمثّل التّعديل بتبنى نمط الحروف غير الموصولة رسما كما هو الحال فى قولهم: "زرْ دار ودّ إن أردت وداده..."، وبالتّغلب على إشكاليّة الحركات وذلك بوضع الصّوائت بدلا منها مع تغيير طفيف فى شكلها، وكان من دعاة التعديل " جمعية تعميم المعارف وإصلاح الحروف" ( 1327 هـ.)، حيث إن هذه الجمعيّة قامت بطبع رسالتين بالخطّ الجديد، ثم طبعت جزء " عم " من القرآن الكريم.

للتوسّع:

 الأفغانى، سعيد، من حاضر اللغة العربيّة، ط2، بيروت، 1971، ص. ص. 182-184.
 حسن، عباس، اللغة والنحو، 1970. ص ص. 280- 291.
 القاسم، رياض، اتجاهات البحث اللغوى الحديث فى العالم العربى، ج 2، بيروت،1982، الباب الخامس.
 أمين، محمد شوقى، الكتابة العربية، دار المعارف، القاهرة، 1977.

[8يراجع: خضر، سعاد، الأدب الجزائرى المعاصر، بيروت، 1976، الفصل الخامس: الأدب الجزائرى باللغة الفرنسيّة.

[9الجاحظ،البيان والتبيين، تح. عبد السلام هارون، 1/369.

[10إنّ الحديث عن مقوّمات الدّولة اليهوديّة ينسجم والفكرة الصّهيونيّة المنبنية على وجود ثلاثة مركّبات أساسيّة وهى: الأرض، اللّغة والسّيادة أو الاستقلال، ولا تتحقّق الفكرة إلا بتضافر العناصر الثّلاثة معا، فالأرض وعد إلهى فى معتقدهم الدّينى، واللّغة هى التى تحدّث بها الخالق إليهم وبها خلق لهم أرضا واصطفاهم( الشّعب المختار)، والسّيادة لا تتأتّى إلا بوجود وطن قومى، فيه يحافَظ على المقدّسَين الآخرين، ولتأكيد المحافظة قد ينصبّ إحياء العبريّة الحديثة وحروب إسرائيل فى إطار واحد، ومقارنة بعلاقة العرب بفصحاهم ودعوات عاميّاتهم، نشير إلى أنّ دولة إسرائيل أفلحت فى جعل العبريّة لغة اليهود فيها بعد أن كانوا يتحدّثون زهاء سبعين لغة ولغيّة جاءوا بها من أصقاع الأرض، ولهذا النجاح قيمة قد "تضاهى إقامة الدولة نفسها".

[11يُعكَف الآن على وضع منهاج جديد للأدب العربى.

[12أدخله مؤلّفو الجديد فى قواعد اللغة العربيّة / الصفّ الثانى عشر، مادّة منهجيّة وذلك لتدريس موضوع الإعلال والإبدال والإدغام على أساس علم الأصوات اللّغويّة.

[13فى قضيّة قرب العربيّة للساميّة الأمّ يراجَع: نولدكه ثيودور، اللغات الساميّة: تخطيط عامّ، تر. رمضان عبد التوّاب، القاهرة، المطبعة الكماليّة، ص.ص. 8-13.

تدرس الشّريحة الكبرى من الطّلَبة الثّانويين العرب اللّغة العربيّة المعياريّة بمعدّل 3 حصص أسبوعيّة = 135 دقيقة! وحيث إن أيّام التّدريس السّنويّة تقترب من 170 يوما، فإنّ ما يتعلّمه الطّالب العربى هو:
170 ¸ 5 ’ 3 = 102 حصة = 4950 دقيقة فى السنة= 4.6 اليوم! ( تحسم منها أيّام الرّحلات والمرَضيّة وأيّام الامتحانات والإضرابات!). وحيث إنّ عربيّة التّدريس فى بقيّة المواضيع غيرُ معياريّة على الغالب، فإنّ المقارنة بوضع العبريّة فى المدارس اليهوديّة من حيث الكمّ والمعياريّة من شأنها إلقاء بعض الضّوء على أزمة اللّغة وأصحابها.

[14ناقشت لجنة الألفاظ والأساليب فى الدّورة الأربعين(25 شباط - 11 آذار عام 1974) قول بعضهم: "حضر حوالى عشرين طالبا"، وأجازت استعمال حوالى المكانيّة فى غير المكان مستأنسة بتسويغ الكسائى والسُّهيلى وابن مضاء لهذا الأسلوب على أن يكون الفاعل محذوفا على الإطلاق، وعدم جعله مضمرا قبل الذِّكر لأنّ الكسائى لا يجيز ذلك. اتّفق المشتركون على عدم جواز وقوع هذا الظرف فاعلا.

[15رغم أنّ جمهور النحاة يرى وجوب حذف الكون العامّ، فقد أقِرّ استعماله، ينظر: فى أصول اللغة-2، ص.122، القاهرة، 1975 (مقرّرات المجمع من الدّورة التاسعة والعشرين إلى الدّورة الرابعة والثّلاثين).


مشاركة منتدى

  • تقول الأعاجم لمن يُحسن قولاً :"زِه!" ، وها نحن نقول بدورنا للدكتور عطا الَّله "زِه!".
    مستعرب مهتمّ بما تكتٌب.

    • انا عربية اعيش في اسرائيل

      واحب ان اوافق مع الاستاذ في كلامة فانا لا استطيع ان اتحدث من دون ادخال اللغة العبرية في كلماتي

      انا اعمل معلمة مدرسة والطلاب هناك يكتبون الكلمات العبرية وكانها كلمات عربية

      فالى اين سيصل مستوى اللغة العربية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى