الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥
بقلم ميساء قرعان

فخ العولمة وفخ الأحلام

حينما قرأت مؤلف "فخ العولمة" لكاتبيه الألمانيين منذ حوالى ست سنوات أصبت ببعض الإحباط، لكن تبقى لدى بعض الأمل فى أن لا تصدق كل نبوءاتهم السوداوية حول المستقبل، أو أن لا تصدق تلك النبوءات المتعلقة بمصير الفقر والفقراء وغياب الطبقة الوسطى وانحسار الثراء الفاحش فى عصر الرأسمالية النفاثة بخُمس سكان العالم، وفى انتشار الإرهاب والحروب على مستوى المجتمعات وعلى مستوى أممى.

أعدت قراءة الكتاب منذ أسبوع وقد بدا لى تحول الكثير من رؤاهم إلى واقع وفى وقت قياسى، فكما هى العولمة متسارعة فإن آثارها قد تستبق التنبؤات، لكن الفارق على المستوى الشخصى بين قراءتى تلك وبين قراءتى الحالية للمؤلف هو فى الآثار النفسية التى تسبب بها المؤلّف، وقد بدا لى أن ست سنوات كافية لتجعل أحدنا أكثر نضجا وأكثر تفاعلا مع المحتوى، فلم يعد فخ العولمة مجرد كتاب يضاف إلى القراءات الشخصية، بل أصبح الهمَ الإنسانى والعالمى الذى ينطوى بين دفتى كتاب، هذا الهم الذى لا يعنى سوى القلة على الرغم من أن آثاره تكاد لا ترحم حتى أولئك المولعون ببريق ومزايا العولمة.

أعدت قراءته نهارا وطويت الكتاب وانطويت معه حتى ساعات الليل الأولى، أرهقتنى قراءته إلى درجة ظننت فيها بأننى سأنام نوما شبيها بالموت المريح، النوم وحده سيخلصنى مما علق فى ذهنى من أفكار ومخاوف، لكن الأحلام كانت لى بالمرصاد، أو الكوابيس -فى تعبير أدق-.

أزعُم دوما بأننى أفسر الأحلام تبعا لمدرسة التحليل النفسى وأزعم بأننى أستطيع على الأقل تفكيك وتحليل رموز مناماتى وربطها بالعقل الباطن، إلا أننى ولشدة ما عانيت لجأت فى الصباح إلى تفسير الأحلام من خلال موقع على الإنترنت، وكم سخرت من نفسى حينها! وكم شعرت بأننى لا أختلف عمن أصفهم بأنهم متناقضون ولديهم ازدواجية وشرخ على مستوى الفكر والسلوك! ولأن التفاسير التى أتحفتنى بها شاشة الإنترنت لم تكن فى صالحى وكان بعضها يتنبأ بأحداث سيئة للأبناء، فقد قلبت الصفحة وعدت إلى "فرويد" ومن تبعوه.

طرقات ضيقة ومفخخة بالمجهول، وأماكن معتمة، وغرباء يتربصون فى كل مكان، وأصوات وأحداث سأقفز عن ذكرها، ورعب لازمنى طوال ساعات كنت فيها بين الصحو والنوم، كل هذا العناء كان أحلام مفخخة، ودليل لانعدام الشعور بالأمان وبتأثير من فخ العولمة، وحينما استعدت توازنى حدّثت نفسي: صدقت نبوءات كل من "هانس-بيترمان" و"هارالد شومان"،وسأضل أعتمد مدرسة التحليل النفسى لتفسير أحلامى فذلك يقينى من مخاوف أخرى،أما علماء التربية فعليهم أن يعيدوا النظر فى تركيزهم على السنوات الست الأولى فى تشكيل شخصياتنا، لأننا فى عالم مزدحم ومأزوم قد نتغير من النقيض إلى النقيض فى ظرف ست ساعات ودون أن يكون لمرحلة الطفولة المبكرة أثر.

فى سنواتى الست الأولى كنت طفلة وديعة وسعيدة ولدى شعور دائم بالأمان، وفى سنواتى الست التى قد تكون الأخيرة عدت طفلة أتجول رغما عنى فى حقول من الألغام وأصحو من نومى مفزوعة أبحث عن الأمان لأهرب من فخ الأحلام وفخ الواقع الذى نحياه، أليس هذا مدعاة لإعادة النظر فى الكثير من النظريات؟..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى