الاثنين ١٥ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم السعيد موفقي

اللعب بالنار

هاجس هزيمته ما يزال ساكنا داخله ولأنّه فقد ثقته بنفسه ، حاول التخفي وراء الأشياء

والأشخاص ، صورته الحقيقية بادية وأثر الضعف واضح ، لا يخفى ذلك على أحد ، عانى كثيرا من شراسة نفسه...

كانت رغبته شديدة في جمع أشياء الآخرين وصور أبطالهم و تتبع مآثرهم والتنقيب في مجازات الخوف والمفاجآت ...ومساحات الألغام ....

كانت رغبته مجرد التخفيف بلعبة تسليه ، وتواسيه ، ترفع غبنه...، تشابهت عليه الألعاب القديمة والجديدة.... ، البريئة و.....، لكنّها تحاصره في زوايا المدينة و مضايق إقامة الأشباح...

كان يلح على اللعب بها في إسراف ، يتأمل وجهه في المرآة المائلة كلما شهق ، يحلم كثيرا وعلبة الكبريت التي لا تغادر يده ...، يتردد في رميها في كل وقفة أمام المرآة ، يشعر بالحسرة و الندم على ما جنته يداه المشوهتان ، يلعنهما كلما مسح على وجهه بمنديله القذر ، ومن حوله أشياء مبعثرة ، يعبث بها كلما شعر بالضيق ، يرسم حدودا وهمية وخريطة مزيفة ، يحب التنقل بين الأماكن الملغمة التي يظنها ألعابا أيضا ، هاجس الخوف يلاحقه في كل مكان وزاوية ، لا يدري متى .... ، يصيبه القلق ويتوقف عن التفكير طويلا يتردد في كتابة بعض الحروف في ذهنه ثم يبحث عن طريق آمن لنشرها هنا أو هناك... ،

لعل اهتمامه بالجهات الثقافية أأمن بعدما فشل في خوض معركته السياسية ليجد ضالته عند العرب والأحرار وغيرها مما يراه مناسبا ، يحتوي نزواته الكثيرة و أفكاره الشاردة ، لا يملك لنفسه أدنى صدق فيما يقول أو يفعل أو يكتب ، تحدوه مشاعر الغضب ، تغمره فرحة العبث وتسعده لذة الإثم وتغريه شهوة الحقد ...، ويوما بعد يوم تذوي ذاته ، ولا شعوريا يوثق للآخرين مجدهم و إن كانت بقذارة .....، يخطو خطوات مرتبكة ، تكثر عثراته ، يستند إلى جدار هشّ تآكلت زواياه وفقد تماسكه إلاّ من حزم قش باتت ملاذا لبيض الحشرات محدثة خشخشة ضئيلة مهملة....

ازدادت كوابيسه وأصبحت في النّهار أيضا ، هاجسه الذي لا يتوقف ، أحيانا يشبّه نفسه بكاتب محترف وليس في جعبته إلا قذارة يتلصص بها على الآخرين ويتطفل على موائد الكرام... ،

تحدثه نفسه باشتهاء عن صنع المجد المفقود ، تدفعه إلى جمع أقوال من أرشيف حلف الشمال و مدونات الجنوب و تقارير البطولة الشرقية و الغربية التي وقعتها أقدام خشنة تؤمن بمعادلة الخطأ والصواب ولا تعرف الاستسلام ، تدهس قوى الشرّ بما نسجته من قصص عربية وعبر من سير كتاب عظام ، أسلوبها مبهر ومفحم تقديراتها موجعة ....،

أصابه الوهن في التفكير ، يعيد نشرها بأسماء مستعارة مخادعة ومخاتلة ، بالإذن أو بدونه....ولا أحد يسمعه كالعدم ....، الجميع يدرك هذه الحقيقة ، حتى الأشباح و الجن ...،

لا يحسن التلفيق في جمعه لعذب الكلام و تأويل جواهره ، يظنّ نفسه يصنع بطولة وفي اليوم يموت ألف مرة ، ينتابه شعور الخيبة كلّما تصفح يوميات الحياة ، تعتصره حسرة التحدي ، يحتقر نفسه عندما يتذكر علاقاته المشبوهة مع الآخرين ويظن نفسه بعيدا عن تعفنه ولا أحد يدرك فضيحته ، يتوهم الأمر بسيطا عندما يركبه شيطانه ، يتذلل إليه ليعينه على لعبته القذرة يطلب وشاية ينشرها في أي فضاء يدخل السعادة إلى نفسه لتنزل به سبعين خريفا في جهنّم و بئس المصير ، في كثير من سقطاته حاول عبثا الجمع بين رأس حيوان و جسم إنسان فيما لفت انتباهه من المقالات و القراءات التي باتت هاجسه المزعج ، ولأنّ شظية أصابته ذات ليلة من ليالي الحرب و أخرى تنتظره ، ولأنّه لا يدرك ما مدى وقع الصاعقة التي تمحقه فترديه حطاما و إن عاش ، ولأنّه انضم إلى ذاته بحب أعمى قال : سأكتب مقالا ملفقا من دون استئذان وأنشره لعليّ أحظى بشيء أحبّه أمحق به عدوي الموهوم ها آه ها آه ها آه ها آه آه آه...........

كانت ضحكاته عليلة ممزوجة بشهقة مكبوتة ، يردد سيرة الأبطال بألم : ليتني كنتهم !!!

لم تتوقف هواجسه .

ينشر وشاياته بغباء يلفق بين كلمات من هنا و هناك ويجترها ، يتسلل إلى حدود العبقرية فتصعقه شراراتها...، ولأنّه لا يحسن غيرها ، يتنقل بين فصول المواقع والكتابات يتطفل على أهلها ، هنا وهناك كالطفل الهائم بين ألعاب لا يعرف سرها ولا يفقه لغتها والحال هو الحال ، معتقدا غفلة النّاس عن صبيانياته ....ولأنّه اعتقد ما في نفسه من كوابيس بطولةً ، ظلّ هاجس الآخر جاثما أمامه ليل نهار، ولأنّ الآخر يدرك ما تمليه عليه نفسه من نصائح خائبة أيقن بأنّه لم يستطع التخلص من أوهامه ....

فيتسلل إليه من النافذة صوت عابر ساخر مقتحما صمته البائس : ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها......ثم ينقطع وسط الظلام ......

ومرات يتردد مجددا في موقفه ، يتساءل : ماذا فعلت بنفسي المجنونة وفعلت بي ، من حولي أبطال يصنعون مجدا ويبيتون لياليهم هانئين فكهين ؟ كم أسرفت على نفسي وكم أهدرت من وقتي في حرب الطواحين ، ولو قدر لي لكتبت فيما ضاع ما يجعلني استعيد صورتي الجميلة ، وأتقرب إلى نفسي بصفاء لا بخبث و دهاء ، وأنتصر على غوايتها الفاشلة ، هل يمكنني بهذا أن ألفت انتباه الآخرين ليعجبوا بانتصاري على عدوي الموهوم ، أ هم يسخرون لي أم مني ؟

ما الذي يمنعني من إنجاز نص ماتع أسعد به وأُسعد به الآخرين ؟

ما أغباني لمَ لمْ أتفطن إلى هذا وأنا أبيت ليلي أخوض حربا خاسرة ، وألعب بنار قد تأتي على الأخضر و اليابس ....، الله أكبر ألله أكبر الله أكبر ، هذا آذان الفجر و إنذار...، يودّع الليل .....

يجمع أشياءه البالية في حقيبة رثة ضربت عليها المسكنة و تداولتها سنون عجاف .

يخرج عود ثقاب ، وباب الغرفة كان مواربا بإحكام ، ينظر من النافدة ، يسترق مشهدا لتعانق النجوم ... ، يتنهد بعمق ، ثم ينام ....تراوده أحلام كثيرة لكنّها مزعجة وعود الثقاب ينتظره وقدمه على فتيل لغم لا يراه .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى