الاثنين ٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
بقلم وليد الزريبي

تغريبة تونسيّة

1

ليكن أنّ السّروة انكسرت ،
ليكن أنّها تنحّت عن سمائها
واندثرت ،
ليكن أنّها مالت قليلا لشدّ السّحاب
أو لرسم شجرة .
السّروة انكسرت /
قال المحارب ،
وانفصل عن نشيده السّماوي القديم .

هنا بعيدا عن الأرض ، قريبا من القلب .
أحتاج إلى أزليّة الإيقاع الملصق على خشب الوقت .
أحتاج إلى بوح إضافي خفيف و غابات من الصمت .
أحتاج إلى واصف وراء حدود النصّ البلاغيّ المفتوح على البحر .
أحتاج إلى ألف واقف بين لحظتين مختلفتين من زمن الطّلق .
أحتاج إلى حودي غامض و فرس من الرّمل .
أحتاج بينهما إلى جنديّ افتراضيّ يثرثر في المنام .
أحتاج إلى جديّة التّطابق الأبديّ بين نثر إلهيّ و حصان على وجه الخطأ .
أحتاج إلى كفّ زيّنت هدنة العناصر لراهب انشغل بجدار .
يحتدّ الكلام المضاف :
غجر / رسائل / سلالم / فوضى أصوات .
عربة خيل محطّمة / موسيقى على المنحدر
وكمنجات بحزام أمنيّ في منتصف العمر من فرط الغناء .

طرق خلف الطرق ،
سفر الرّصاص المطارد إلى الزّنبقة .
من مسلك مـَا تطارد الخطوات ، ومن فخاخ أرجأت احتراق الزّغاريد
يمرّ الكلام المثير طلقة كاتمة .

النّواقيس على الأبواب لفظا إباحيّا يغمّد قامة الفصول لاستعارة تالفة .

أنالا أسمّي حين أسمّيك .
ولا أرى في الأرض جرحك .
ولست أدري هل التّطابق في الكلام أم الحمام أم الضّجر
أم في معرّف حبريّ عالق بين فاصلتين للانتماء .
أحتاج إلى كفّي / فراشة تبدأ بالانحراف الخرافيّ عن الشّكل .
كنت وحدي أمشي و لا أمشي .
وأفكّر في جدار يسيل من النّعش .
ومئذنة أصواتها تعلو على العرس .
ولا أبكي / إذا ما بال الحرّاس في عشّ دوريّ أخطأه العزف .
فلا بحر ترفّع عن ساحل حجاجيّ أخضر .
ولا سؤال ترابيّ تعلّم قراءة الحجر .

ينأى أو لا ينأى .
أيّها الذبيح الفسيح ..
لا شيء أبعد / لا شيء أقرب .
صليب تعلّق ظلّـه بجرح أرجوانيّ لأرض قد لا تصل .
سأنفصل /
عن حركتين قمريّتين ..
و قد أصل إلى فكرة غامضة .
لا شيء أبعد / لا شيء أقرب .

2

كأنّي بعيد / كأنّي قريب .
كأنّي هنا .
أجتاز بساقين مضمومتين فكرة الرّيح العميقة بالاختزال .
واقفا بين المنزلتين .
ضدّي : أنا و أنا : ضدّي .
أ ُقرأ من النّاحيتين الطّبيعيّتين للماوراء .
وأرى /
كطفل ورقيّ ماش إلى جملة إبتدائيّة زرقاء :
مراهقات بمواعيد مفصّلة تتوحّد في النوافذ المسائيّة
وأصدقاء بأقلام عسكريّة و مناطق منزوعة الذكريات .
سأثبّت بين حصّتين مدرسيّتين جنديّا يتيما و غيابا .
أضيق أنا و أنا " أنا " بعلاقات سريّة مع الفوضويّ منّي
وامرأة قمريّة ببرجين من العاج ..
تتّسع هي و أضيق كما سنبلتين في سؤال .

من قرأ بريدا نباتيّا أخضر ؟
من تعوّد على الصّعود الجبليّ لبكاء أحدب ؟
من صفّق مع حرّاس الليّل ؟
من أرجأ طفولته النّتنة ؟
من وصل ؟
من انطفأ ؟
صدأ على الجرس و نشيد صباحيّ تأخّر عن الدّرس .

لي معجم طبقيّ كسول عصيّ على المسح .
ولي فصل قديم في الأرض .
ولم أكن فضوليّا على المسرح .
ولا غامضا في النصّ المسائيّ للبوح .
لكنّي ، أرتــدّ بين حجرين على الشاطئ و أتّحد مع الحمام .
وأنحاز إلى وصفي البربريّ في السّياق .
وأشهد أنّي لا قريب و لا بعيد .
كأنّي هنا . ضدّي أنا و أنا ضدّي .
ولأنّي الشّاهد الأوّل على ظلّي
أفتح نافذتي الحياتيّة على أزرق قدريّ غامض و بالهمس
أفسّر الحلم .
ولأنّي الطّريق اللاّمتناهية و الضّمير الأفقيّ الممتدّ .
أسأل عن سبب تحيين الفراش و تسويف العدد .
أسأل عن الوقت الغامض في جملة إعتراضيّة على الزّمن .
أسأل عن التّقديم و التّأخير في المتوسّط الأبيض .
أسأل عن تغريبة تونسيّة تشكو من العطب .
أسأل عنّي .
كيف أحالني إلى امرأة خبريّة في هامش الجسد ؟
حبل من المسد .
ممنوع من السّفر .
ممنوع من الجنوبيّ الأسمر .
ممنوع من الوتريّات و البنفسج .
ممنوع من المناديل للأفق المعبّأ .
ممنوع من الضّوء بمنديل من الفلّ .
ممنوع من الحبّ المترجم .
ممنوع من العزلة المهرّبة في كتاب الوهم .
ممنوع من النّشيد الممطر .
ممنوع من الشّقائق و الورد .
ممنوع من التّاريخ السرّي لأرخبيلات الشّمس .
ممنوع من الذكريات اللّقيطة لعجائز البحر .
ممنوع من الصّرف الغنائيّ و الأداء المفرد .
أ ُقرأ من النّاحيتين الطّبيعيّتين للماوراء .
أنا ضدّي / ضدّي أنا .

3

لا شيء أبعد / لا شيء أقرب .
أيّها البنفسج القريب .. البعيد .. البعيد ..القريب .
الحائر كما القنديل تضيء قبرا أم طريقا .
واقفا شاهدة حياتيّة على الماء ،
تشهق بين سمكتين و تغرق في الأشياء .
أيّها السّؤال التّرابيّ العالق بدم غزال
لمادا الماء ؟
أراك من ثقب في باب القلب اليتيم
عُواءً مجروحا ..
تقايض بحرفين من إسمي العائليّ و تلفظ بالأسماء .
يا انتماء الفراش إلى حكمة الأضداد .
يا تجانس التقمّص الخرافيّ لنبوءات الغيم و السّاعات .
يا أنوثة الانزياح الوطنيّ و البكاء المرّ في الحانات .
يا زقزقات الجريح بحمّى الغنائيّ .
يا شغف الإنتماء المشاع .
يا حياد الدّم في الرّخام .
يا مسامير اللّيل الملطوخة في الشّهوات .
يا رفيق البنّ و الطّعنات .
يا حوافر الأصدقاء المثـقوبة و الحمحمة .
يا مسيح الوسطيّة في السّياق الهجريّ لخطاك .
يا قدسيّة المعنى في منفاك .
يا ثغر الشّموس العطشى .
يا بكاء الكمنجات .
يا بكاء الكمنجات .

4

أنحني على سكّر ورقيّ عالق في الحساسين و النوافذ .
أحال على وَرَمِ شفويّ بنجوم كثيرة و أبواق .
أجرّب في القدرين الشّاحبين ..
شعريّة البكاء الحرّ .
والعاطفيّ المفرط في الإنشاد .
أتوحّد في الأضداد ..
يا أيّتها البلاد .. المُنتقاة .
سنكبر كثيرا من وطأة ظلّك .
سنكبر كثيرا يا غزال النّغمات .
يا غزال النّغمات .

من دَمِ علّـق غصّة الذاتيّ في العلّة الحرام .
نحْل في الكلام الجهويّ ،
وسهام من الصّلصال بعناوين غامضة و جناح .
يا سيّدي المصباح :
هدي شموعي و دواتي و أحزاني كلّها
اغفر لي حدودي و لا تجعلها كَمَنْ جاوَرَ النّخل
وانحنى على وخز طينيّ في الألواح .
تلك حدودي ..
تلك حدودي فلا تنكرها يا الله .


مشاركة منتدى

  • السيد : وليد الزريبي

    قرأت قصيدتك مرات و أحسست برغبة في البكاء .
    ثمة حزن عميق و هاجس مؤسس . شعرت ببحة في صوتك الغير مسموع
    على النت .
    النص متميز خاصة لكونه نص تونسي . فنحن لا نقرأ كثيرا نصوصا تونسية بفرادة لغوية و حقل دلالي مختلف .
    يحيلنا نصك على مراجع كثيرة و كتب قرأناها و أحببناها و على أساطير موغلة في النقاء .
    ننتظر نصا آخر لنتعرّف على كتاباتك التي تأخرت في النشر الكترونيا .
    بحثت على النت لم جد لك شيء آخر نقرأه .
    دمت وفيا لديوان العرب .
    و شكرا .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى