السبت ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
في العصيان المدني:
بقلم مروة كريديه

تمرد العدالة على القانون

«إن شعبًا مستعبَدًا وخانعًا، سواء استعبده الخوفُ أم قنع بهزيمته، هو الحليف الأمثل للحكم الذي يضطهده. فالرأي العام يتعلم الخضوع، وعندئذٍ يترسخ لديه الشعور بالقَدَرية. عند ذاك لا يكون التمرد معارضةً للنظام فحسب، بل احتجاج على صمت العامة السلبي»1

فيال أولفييه

يرى الانسان المعاصر نفسه اليوم مضطرا للبحث عن خلاص فيما المجتمعات برمتها، لاسيما في منطقتنا، تعاني من تراكم مزمن للمظالم وتجذرها العميق في بنية المجتمع وسلوكيات أفراده، سواء كانت تلك المظالم سببها المباشر أنظمة داخلية رديئة ام كانت مظالم خارجية سببها المحتل العسكري بقوة الحديد والنار وسفك الدماء، الأمر الذي دفع بالسواد الأعظم من ابناء تلك الشعوب نحو اليأس.

غير أن تجذُّر المظالم هذا، يعود بالدرجة الأولى إلى قبول أعضاء المجتمع وتواطؤهم بل وقبولهم وتعاونهم مع مضطهديهم وقامعيهم.

إن عملية تقديم رؤية فكرية تحررية، تتمحور حول وقف الهتاف باسم «الزعيم» بالدرجة الأولى، ووقف عملية تمسيح الجوخ تجاه أي محتلّ تحت أي مسمى أو ذريعة، ومن ثم مواجهة التعاون الذي يمارسه معظم أعضاء المجتمع المتعاونيين مع الظلم القائم، لهو أمر يحتاج الى تصوّر فكري واستراتيجية عملية استطاع غاندي أن يقدمها لأبناء شعبه ممن ذاقوا الأمريّن من أوضاع أقل ما يقال فيها انها مزرية ولا إنسانية.

وإذا كان من الأهمية بمكان اعتماد استراتيجية عمليَّة سلوكية غير عنفية، فإننا ينبغي ألا ننسى عمل الروح والاخلاق في هذا السياق حيث أن فاعلية أي عملٍ لا تكتمل إلا عبر تحرر من بؤس النفوس وشقاء الأرواح، وانبثاق رؤية فكر تشع كالنور تؤمن بقيم العدالة وترتكز على كسر التعاون مع الظلم ومصادره ومكافحة شتى أنواعه، من خلال ممارسة ضغط اجتماعي وعملي، يُرغم «المسؤولين» و«صناع القرار» و «اصحاب النفوذ» على الاذعان والرضوخ لمطالب الناس العادلة، وذلك من خلال الرّفض الحاسم لأية مشاركة في اي وظيفة تؤدي ممارستها الى الحفاظ على موقع الخصم المتمسك بجوره، كما سيرغم اي محتل على الرحيل عندما يعدم امكانية ايجاد من يتعاون معه وييسر له مهامه.

لقد أصر بعض النقاد على إظهار أعمال غاندي وكأنها دعوة للرجوع إلى العقل والضمير وان الهدف منها احياء ضمائر الناس، واذا كان هذا الأمر من فلسفة الرجل، إلا ان الهدف المباشر من حملاته كان القضاء على أُسس وبنى التعاون القائم بين الشعب الهندي والمحتل البريطاني وتقصير أمد الاحتلال ودفعه الى الرحيل لذلك فإنه يقول:
«إذا كانت الحكومة تعمل بشكل سيئ نكون مسؤولين عن سيئاتها عبر تعاوننا معها في جعل هذا الشرّ ممكنًا. لذا يجب عليَّ سحبُ دعمي لهذه الحكومة، ليس بدافع الانتقام، بل لكي لا أشارك في تحمُّل مسؤولية الشرِّ الذي تسبِّبه»2
العصيان المدني بين العدالة و القانون :

إن عملية تقديم رؤية عن العدالة، تدفعنا الى تمييزها عن القانون،إذ ليس القانون هو الذي يُملي ما هو عادل، بل إنّ العدالة هي التي تفرض القانون، فحين يكون هناك تعارض بينهما، علينا أن نختار العدالة وأن نعصي القوانين، لأن ما يجب أن يُلهِم الإنسانَ في سلوكه ليس ما هو «شرعي» بل ما هو «مشروع».

وحول هذا السياق عدَّل غاندي في كانون الأول سنة 1920 النص الذي يحدد أساليب عمل حزب المؤتمر الهندي حين كانت قوانين الحزب تؤكد في وضوح أن عليه متابعة أهدافه «عبر وسائل قانونية»، أي شرعية، استطاع غاندي أن يجعل حزب المؤتمر يصوّت لصالح قرار يقضي بأن يعمل الحزب «وفق الوسائل المشروعة والسلمية كلها3»، وهنا نضيف قائلين إن كلّ مجتمع يُفترَض فيه أن يستعمل الوسائل التي تسمح له بحماية نفسه من الأفراد والجماعات الذين يجتهدون لزرع الفوضى ويهددون بذلك تماسك المجتمع واستقراره.

إن على كلِّ مجتمع يتطلع إلى ضمان الحرية والعدالة المثلى لأفراده أن يطالب بحق، لا بل بواجب التنظيم، حتى تبقى هذه الحرية وهذه العدالة في مأمن من أذى أعدائها.

"لذا يتخذ اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضه، منها الصوم، والمقاطعة، ورفض الضريبة، والاعتصام، والعصيان المدني، والعرقلة اللاعنفية، والترحيب بالسجن إذ حصل، ورباطة الجأش أمام الموت.

«اللاتعاون ليس حركة تبجح ولا هو تظاهُر. إنه امتحان لإخلاصنا. على أتباعه أن يعقدوا العزم على التضحية بأنفسهم. إنه نداء موجَّه إلى صدقنا وإلى مقدرتنا على العمل من أجل الأمة وحركة تهدف إلى ترجمة الأفكار إلى أفعال.... من يمارس اللاتعاون يسعى إلى لفت الانتباه وتقديم القدوة الحسنة، ليس بالعنف لكنْ بالتواضع الراغب عن الظهور. فهو يترك عمله المكين ينطق عن إيمانه، وقوته تكمن في ثقته بعدالة قضيته.... الكلام، خاصة إذا نطق عن غرور، يشي بنقص في الثقة .... لذا فإن التواضع هو مفتاح النجاح السريع.»

هذا مردُّ دعوة غاندي أتباعَه إلى الانتصار بالمحبة، لأن من شأنها وحدها أن تعطي الساتياغراهي المنعة الروحية، والتواضع، والإقدام، والاستعداد للتضحية من أجل رفع الظلم،«الظلمة»، عن الذات وعن الخصم. صحيح أن غاندي يشترط لنجاح هذا النهج تمتُّع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكِّنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع خصمه، لكنه لم يفقد لحظه إيمانه بأنه لا يوجد إنسان واحد على الأرض يعدم هذه الصفات تمامًا."4

إن هدف العصيان المدني لا يقوم على إلغاء القوانين، بل على تطويرها ،إعادة إصلاحها، بحيث تستطيع معها أن تكون منسجمةً أكثر مع متطلبات العدالة والحرية. يؤكد غاندي:

«العصيان المدني هو التأكيد على حقٍّ يجب أن يعطيه القانونُ لكنه يرفض إعطاءه»5.

كما أن العصيان المدني ليس عملا سريًّا فعندما كان مارتن لوثر كنغ يخطط لتعطيل العمل العادي لمؤسسات المجتمع الأمريكي، من خلال حملات اللاتعاون، أوضح قائلاً:

«هذه المقاطعة يجب ألا تكون سرِّية أو في الخفاء. ليس ضروريًّا أن نُلبِسَها ثوبَ حرب المغاوير الرومانسي، بل يجب أن تكون علنيةً وأن تقوم بها جماهير كثيرة، دون أيِّ لجوء إلى العنف. وإذا كانت السلطات تريد إفشالها وإغراق السجون بنا فإن معناها بذلك يصبح أوضح»6

[1] أولفييه فيال، كلنا منشقون، مجلة خيارات لاعنفية، العدد 34، تموز 1979، ص 34.

[2]جان ماري مولّر، استراتيجية العمل اللاعنفي، ترجمة ماري طوق ومراجعة أنطوان طوق ووليد صليبي، حركة حقوق الناس، بيروت 1999، فصل: مبادئ العصيان المدني وأسسه ، كما أورد رأي س. پانتر بريك في: غاندي في مواجهة مكيافللي، ص 125 وقد نُشر في مجلة معابر. راجع أيضًا: جان ماري مولر، اللاعنف: المبادئ الفلسفية، واستراتيجية العمل اللاعنفي، أوراق بحثية ألقاها خلال محاضراته في ورشة عمل المنعقدة تحت عنوان، اللاعنف الثقافة والتربية، مرمريتا 20 – 22 حزيران 2008.

[3] المرجع السابق ص 132-133.

[4]ديميتري أفييرينوس، غاندي بين القداسة والسياسة ، محاضرة القاها في ورشة عمل حول اللاعنف وضبط النفس 11 تموز 2009.

[5]جان ماري مولر، قاموس اللاعنف، ص 188 و 189، وايضا استراتيجيات العمل اللاعنفي، ص 222.

[6]Martin Luther King: La seule révolution – Casterman – 1968. Page : 34


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى