الثلاثاء ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم فؤاد قنديل

زوجتي الوحيدة.. الكتابة

لا أجد غضاضة في الاعتراف بأن زوجتي الحقيقية والوحيدة هي الكتابة.. ليس في اعترافي هذا أي فجاجة أو مزايدة أو كذب ولا حتى مجاز، لأنها بالفعل زوجتي التي لا تموت والتي أمارس معها كل ما يندرج تحت كلمة زواج من حب وغذاء ونجوى وسكن وذرية.

منذ الصبا عشقتها شعرا وقصة ورواية، وهي التي اكتشفتني وكشفت ما بيننا من قربى.. كنت قد أحببت جدا أختها القراءة، ولكن علاقتي بالقراءة ظلت علاقة مودة واحترام، فهي صديقتي الغالية التي أجلس إليها وأستمع إلى كلامها الذي لا أشبع منه، لأنها تتمتع بقدر كبير من الحكمة، صحيح أنها أحيانا يمكن أن ترقص وتغني وقد تسخر، لكنها في الأغلب رصينة ونافعة وجادة.. ألجأ إليها كثيرا طالبا النصح والمشورة أو بحثا عن كل ألوان المعرفة.. وهي جميلة، لكنه الجمال المحايد مثل عارضة الأزياء أو المضيفة أو الطبيبة، وقد عرفتني حدودي التي لا أتجاوزها وأنا راض بصداقتها.

أما أختها زوجتي فهي مثلي مجنونة ومتوهجة المشاعر والغرائز.. دفاقة بالحب ولديها كل ما أبتغيه من الحياة وزيادة، لذلك لم أفكر يوما أن أخونها مهما استعصت أو تدللت.. ما أروع زوجتي التي هداني الله إليها فهي تليق بي وخاصة لأنها لا تميل للكلام.. إذ تحب أن تستمع إلىّ بكل دمائها وحرارة قلبها وكل خلجة من خلجاتها، وترحب بكل كلامي وتشجعني، وتشعرني أني بالنسبة لها العاشق والزوج والأخ والصديق والابن.. ولا تضيق إذا مسحت جزءا مما كتبت ورجعت عما وعدت.. هي راضية بي في كل حالاتي إلا قليلا.

دهشت جدا منذ أيام عندما أمسكت بالقلم إذ لم تتمدد ككل مرة على المكتب حتى أمليها ما برأسي.. فوجئت بها تقول بامتعاض: انزل إلى الشارع أو النهر أو النادي.. اذهب إلى السوق بطاريتك فارغة وما برأسك لم ينضج بعد.. ألقيت بالقلم ونزلت إلى الشارع ومنه إلى السوق والمقهى ومنذ أسبوعين نزلت إلى السلخانة بناء على طلبها وإلى الجبل ومرة إلى المستشفي.. أنا زوج مطيع.. ليس لأني زوج خرع أو عبد زوجتي ولكن لأنها قرينتي.. لا شيء بداخلي ليس بداخلها، حتى لقد أصبحت تسبقني وتفكر قبلي ومعي فيما بالضبط أفكر فيه.

تعترف لي بأن أسعد لحظات حياتها إذا رأتني أمسك بالقلم أو لمحتني شاردا فهذا يعني أني أحاول التقاط فكرة فتبدو على ملامحها كل علامات الفرح والحبور لأن وراء الأكمة ما وراءها من أفكار على وشك أن تولد..تستشعر الأمل في سعادة قريبة ستستمتع بها وتروي ظمأها وتضخ فيها الدماء.. فلا حياة لها بدون هذه الأفكار التي تبدأ في التسلل كالثعابين الصغيرة ثم ما تفتأ حتى تصبح شياطين وملكات جمال وحوريات.

الغريب أنها تشعرني أني حين أكتب كأنما أدغدغ لحمها وأدلك عظامها، وإذا أعجبتها فكرة جديدة، قالت: ما أجمل هذا العطر الذي تنثره، وأدهش لأنه ليست هناك أي نفحة من عطر. وقد تزيد فتقول: ما أحلى شفتيك وأدفأ حضنك.. ومرة قالت لي: أنت بالأمس لم تكن كالعهد بك.. كنت باردا وتقليديا وتكتبني بنصف تركيز، وتمر على كلماتي بغير اهتمام وترصها رصا وهذا يسبب لي الهرش بل النكد والسأم.. مزق ما كتبته بالأمس أرجوك.. أنت تعلم أنني بنت سبعة. صدري يضيق بسرعة إذا لم تكن كتابتك مشرقة وجديدة.. انت أحيانا تنسي كلمة إبداع.. واصل ما تكتبه الآن فهو حديقة ربيعية فاتنة.. كل عبارة تفوح برائحة الورد وتعزف أبدع الأنغام وتهمس بأرق الكلمات وتستنفر مشاعري لأكون ملائمة لك، ومتدفقة معك.. كن كذلك دائما يا حبيبي ويا مهجة قلبي ويا من وهبه الله لي، حتى آتيه بأجمل الأبناء.

أتمني أن تنسي العالم من أجلي وألا تفكر إلا في شكلي وجمالي.. اجعلني كل يوم أجمل مما سبق.. اجمع كل ذرات فكرك وشعورك وموهبتك وحولني إلى ملكة بكلماتك التي تنفخ فيها من روحك.. وتأكد أني لن ألوذ إلا بك، ولن أنعم بذرة من السعادة إلا على سن قلمك المرهف والملهم.

لا تبالغي في وصف شعورك نحوي..فأنا بدونك لا شيء.. بل أنت الذي تبالغ لأني من صنع يديك ... دمت لي يا زوجي الحبيب.. دمت لي يا زوجتي الحبيبة التي أتوج بها عمري ووجودي.. فتحت كفها فجأة وكشفت عن أصابعها الخمسة ودفعتها للأمام وقالت بجدية.. خمسة وخميسة في عيون حسادنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى