الخميس ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم زياد الجيوسي

آهات رام الله (فراشة أم ضوء)

من عمّان إلى رام الله العشق والجمال، ترافقني روحكِ وتهمس لي بمجرد عبوري النهر: (كيف يُعزف الحُلمُ.. بعيداً عن ملكوتِ النومِ؟!)، فأرد على همساتك: على لسانك (كلامٌ.. أشبه بتراقصِ الأصابع على الأسطر)، فأنت وحدكِ من كانت وستبقى (سِر جناحينِ لحُلمٍ مسروقٍ)، وأنتِ من أريدها حباً لا يعرف التوقف، لا أن يكون قد بدأ في هزائم الأفكار (وبدأ بالتلاشي)، ولا أريد أن أكون في حياتك (لحنٌ واحدٌ لا يكفي لتقليمِ فوهةِ الفراغِ)، بل أريد أن أكون في قلبكِ (رطباً كغيمةِ شتاءٍ)، وقُرب روحك التي عشقت (عبيرَ ماءٍ اقترب من شِبَاكِ نومها)، وأريدك كما عشقت رام الله (حُلمٌ يتجددُ بالوصول إلى حافته اللامرئية).

من اللحظات الأولى، أمارس مع رام الله عشقي المقدس (كموسيقيًّ؛ أهرق وقودَ فرحهِ)، أجول شوارعها وأتنشق الياسمين المتدلي على أسوارها والحيطان، أنظر لتلكَ النافذةِ وأشعر أن (ثمة لذةٌ خلف الجدران)، أجلس تحت شجرة البركة، أحتسي قهوتي وحيداً إلا من طيفك الذي لا يفارقني، وأجول الدروب حتى (تغور اللحظاتُ في ضجيج فوضى)، وفي كل زاوية وشجرة ياسمين تلامسني روحك (وكل ملامسة مخاضُ تراتيل تتسربُ بين الآم الشقوق)، وتلامس روحي (لتصل ينابيعَ عطشةِ المنال)، فأجول دروب المدينة كلها، ففي رام الله وحبك (وجودي يؤكدُ أنني حتى الآن أعيش الحُلمَ).

في شارع الإرسال أسير وأنظر للساحل المغتصب من بعيد، تداعبني النسمات الغربية، و (أداعب شُحوبَ ظِلالي، وصدىً لنورِ قمرٍ)، فتعود لذاكرتي كلمات ألمكِ في ظلالِ ألمي وصمتي، فأتساءل: (هل لعشبٍ بأرضه الخصبَةِ وهبَ نبضاً لجُثًّةٍ؟)، ومن هناك أنحدر إلى عين مصباح التي كانت تروي واد بأكمله، فأراها الآن (رقصةُ بردٍ مثقوبة الشعُور)، وأنظر من البعيد للبنايات التي احتلت فضاء رام الله (تُعانقُ ألوان زيفها) وتحجب نسمات الريح، فلا تكاد تبقي لنا من رام الله التي عشقنا إلا القليل وكأنه (إنكسارٌ لشعاعِ مصابيحه المُعِتمة)، ولا أرى في هذا الإتساع إلا (اتساعُ رقعةِ انعدامِ الطعمِ بعد انهمارهِ)، وأواصل التجوال ف (هكذا يعزفُ الحلمُ صحوته، ويكونُ حدائقَ من حريقٍ).

أضم خاصرتك، نسير في شارع السهل، نستمع معاً لهمسات الأشجار الباسقة، تروي لنا حكاية مدينة، أصمت؛ فتهمسين لي: (حتى متى يُفقدكَ الأبيضُ شَهيَّةَ الكلامِ؟) فأهمس بيني وبين نفسي: (كيف يتخلى البحرُ عن موجهِ ويغضبُ من أجسادٍ قَبَّلتهُ؟)، وتهمس رام الله رغم البثور التي بدأت تنتشر على وجهها: (ما تبقى من ملامحي؛ سأُشرَّعهُ نوافذ لشهواتِ القلبِ)، وأهمس لكِ: دعينا نواصل المسيرة (في ريعان يقظتنا الأولى)، ولا نتحول إلى (صراخٌ مبحوحٌ لرداءٍ ممزق)، فما زلت (أنا أتأملُ بعض حُلمٍ يكتبني على صفحات غيابك)، فأسمع همساتك من البعيد تتسلل إلى روحي وتقول: ما زلتَ ترافقني (بين إغماضة الروحِ وروعة الأبيض)، فأبق في رام الله التي تعشق، فأنا أريدك هناك حيث (للحلمِ نورُ الحقيقةِ)، ولا تلقي بالاً لجنونٍ (جعلني أحيا في شكل وردةٍ دونَ عِطرِها)، فانظر إلى روحكِ وأهمس: (كيف العيشُ بعبقٍ دونَ وردةِ الحياة؟!).

أجلس في الحديقة الصغيرة التي تضم بقايا عين مزراب، أنظر لما يواجهني من أحياء رام الله، أذكر كم المهاجرين منها والمغتربين فيدور في ذهني سؤال: (كيف يحيا البنفسجُ بغير أرضهِ، ويتندى ليزهر؟)، أقرأ في ديوان شِعر لرانية إرشيد ابنة الناصرة، فيجتاحني حنين لأرضٍ مسلوبةٍ بقوة إحتلال وتمزقنا، فأصرخ: (أنتظر مرورَ اللاَّمرور.. أيتها المُسماة، على قلبي، نبضته)، وأصعد لتلة الماصيون وأنظر لنور القدس وأنادي: (أعيدي إليّ صدى ألواني التي جَعلتُها تُرددُ صوتها الواحد)، وأنظر لرام الله من فوق المرتفع وأهمس بصمتٍ: (تعبت من أصابعِ المخيلةِ لتنقلني ثانيةً وأخرى لمعبرِ الأحلام).

هي أنتِ ورام الله الحبَ ، قصة عشقٍ لا تعرف التوقف، (تجسُ نبضَ قطراتها المتلاحقات)، فليس هناك إلاك من تهبني (معنى روحٍ تسكن جسدَ الحياةِ)، ولا أسطورة أنثى غيركِ (تتكدسُ بي كالضَّوء)، وليس هناك مثل رام الله من (تعيد الندى لذاكرِتنا حين تجاوز انهمارها المدى)، فكوني معي ولا تبتعدي، كوني لي كما أريدك حباً وعشقاً، تعالي (إليَّ بفجرٍ آخر.. إليَّ بفجرٍ يشهدُ تتويج النهايةِ)، وأضم مدينتي قلبي وأهمس: أيا رام الله.. (عليك.. سلام).

* كلّ ما هو بين أقواس للشّاعرة رانية ارشيد، من مجموعتها الشّعريّة "فراشة أم ضوء؟"، 2008م.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى