الأربعاء ٢٦ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم مــصــطــفــى بــوعــزة

الانتماء والاقتداء

راج بين المهتمين بالمعرفة كلام عن عزوف المتعلمين عن الدراسة. وشغل المحللون بالتحليل وصنفت المقالات وبرمجت البرامج وتصدر "شيوخ الفرص" للكلام وظهرت الإحصاءات والمقارنات. وتحدثوا وكتبوا وعلقوا ونصحوا ولم يتغير شيء، بل ازداد الأمر سوءا وهوى إلى درك ينبئ عن كارثة مهولة، حذر منها أهل الحكمة وما زالوا. لكن الأمر محوج إلى فضل تأمل. ثم إحلال حلول قائمة على إرادة منبعثة من نفوس محبة للمعرفة راغبة في نشرها بين أهلها، على الوجه الذي ينهض بالأمة ويرفع قدرها أو بالأحرى يعيد لها قدرها.

ألم تكن أول كلمة نزلت من القرآن هي "اقرأ " وقرأ الناس. و"اقرأ " فعل أمر بالقراءة. والأمر له عند الأصوليين أوجه ومصارف، لكنه يبقى أمرا بالقراءة للنبي، ولمن وراءه أو يأتي بعده . واللافت أنه لم يأت من أولُ أمرا بالصلاة ولا بأي ركن من أركان الإسلام الأخرى. وكأن هذا الفعل هو مفتاح الإيمان، وعليه يقوم وجود الإنسان في هذا الكون. ألم يعزم النبي عليه السلام على أسرى بدر، من يحسن منهم القراءة والكتابة، أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين، فداء لنفسه؟ يوم كان الفداء بالمال أعز، لأنه أظهر سندا لبناء الدولة الناشئة. لكن كما قالوا إن أردت نتاج عام فازرع قمحا ، وإن في بضع من السنين فاغرس شجرا، وإن بعد سنين عددا فاغرس "رجالا". وقد غرس محمد رجالا أثمروا بعده حضارة ملكت الدنيا وما زالت ، ذهب رجالها وبقيت آثارها. ولن يعود لها أخلاف إلا بغرس جديد لسنوات مديدة بنفس الهمة وعلى قدر العزم السابق.

إن الأمر ليس جديدا، والظاهرة عرفتها الأمة على فترات من حياتها .يقول "ابن قتيبة" (ت 276 هـ) في مقدمة كتابه "أدب الكاتب" إني رأيت أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين... ولأهله كارهين أما الناشئ منهم فراغب عن التعليم، والشادي تارك للازدياد...فالعلماء مغمورون وبكـَـرّ ة الجهل مقموعون .وصار العلم عارا على صاحبه، وأموال الملوك وقفا على شهوات النفوس". هكذا كان الوضع سجالا طويلا منذ قرون. لكن الزمان اختلف والتحديات هالت واستعظمت، والأمر طغى واستفحل وغدا يهدد الهوية في صميمها الآن، بعد أن أخذت الدول زمام الأمر لتوجه التعليم كيف تشاء. وبدا وكأننا أمام قصد مبيت ونية مغرضة تدفع إلى هذا الوضع دفعا بخطى حثيثة. إن نظرة سريعة إلى تطلعات الصغار بل والكبار أيضا ، مما نراه على الواقع ، مما يكتب على الجدران، وطاولات المدارس وأغلفة الدفاتر والكتب، وعلى الملابس ... ومما يعرض في وسائل الإعلام ، تكشف عن هول الكارثة لقد أضحى النموذج المؤمل والمثال المحتدى،مطرب أو مطربة، لاعب كرة، ممثل أو ممثلة. تقام لهم الدنيا ولا تقعد وتشرئب إليهم الأعناق متلهفة مسلوبة حالمة. بينما المعلم يحاصر ويحجب، ويفرض عليه في دولة مسلمة أن يحلق لحيته أو تنزع حجابها. ويسخر منه في المسلسلات والأفلام، ويضرب في القسم ويهان،ويرشق بالحجارة في أبواب المدارس... وألهب الصراع فغدا التلميذ والمدرس عدوين إذا اجتمعا حمي الوطيس واشتد الصدام. جسمان يتنافران كما يتنافر الزيت والماء. لكن أين الخلل ؟ وما منشأ هذا السلوك؟ فلنتأمل قليلا فيما حولنا ولننظر إلى الكائنات التي تعيش في مجموعات ولنأخذ الأسماك في البحر. إن سربا هائلا من سمك السردين مثلا، قد يصل إلى الملايين عدا، يتحرك وكأنه كتلة واحدة ويحول اتجاهاته كذلك، في انعطافات هائلة انضباطا وسرعة، صعودا ونزولا، يمنة ويسرة يكاد لا يشذ عن الكتلة سمكة. وكذلك الطيور في السماء والنمل والنحل والغزلان... ونتأمل وتأمل العلماء فإذا تلك الحركات كلها تبدأ من نقطة من قائد، وتسري في المجموعة كلها في تناسق وانسجام معجز. وانظر إلى المصلين في المساجد، بل في الحرم المكي أيام الحج لا في صلاتهم، ولا في طوافهم. لكن مجتمع الإنسان مختلف. يقول ابن خلدون في تاريخه في الباب الذي خصصه للعلوم والتعليم "وذلك أن الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته، من الحس والحركة والغذاء والكن، وغيرذلك، وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به". وهكذا فالإنسان ليس جسما فقط، بل روحا وعقلا. فكما تتجه الأجسام بقيادة جسم منها، تتحرك بحركته، وتسكن بسكونه، فكذلك النفوس والعقول تندفع لفكرة وتستجيب لدعوى. فيكون حراك المجتمع على قدر أثرها وسيادتها وقيادتها. وهذا التكوين الفريد للإنسان، من روح وجسد، هو الذي خلق عنده هذا التميز أو لنقل هذا التوسط بين الحيوان والبهيمة التي تندفع مسيرة بغريزتها، وبين الملائكة الذين خلقوا للعبادة وجبلوا على الطاعة "لايعصون الله ما أمرهم". ومن هنا يمكن أن نفهم قوله تعالى "لقد خلقنا الإنسان في كبد" . فهو في صراع دائم، بهذه الطبيعة التي خلق عليها، بين جسد يميل للدعة والمتعة ويعشق اللذة، وبين روح تميل إلى المثل العليا والأخلاق الفاضلة والقرب من الحق، وتحن إلى أصلها وصعودها بعد هبوطها:

هبطت إليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع

لكن كـَبَــد الإنسان لا يأتيه من من جهة جسده، لأن الاستجابة للغرائز والشهوات البدنية الترابية ،سهل ميسر. بل يأتيه من جهة روحه التي ترى أن سموها وصفاءها، يكمن في إنهاك هذا الجسد والثورة عليه، ورفض إرضائه، بل في إيلامه وإيذائه. أو ما يُـتصور إيلاما وإيذاء. فلأن يتابع شخص مباراة في كرة القدم، جالسا في دعة أو حتى صارخا صخابا، في ملعب، أيسر عليه من أن يتابع درسا أو يأخذ كتابا يطالع فيه . فتراه ضيق الصدر ،حرجا يعد الصفحات ويقلبها، ويستثقل الوقت ثم يرمي به جانبا. ذلك لأن الفعل الأول يخلد به صاحبه إلى الأرض، ويتبع هواه منساقا بتكوينه الترابي، والثاني يسمو به إلى أصله، إلى تكوينه الروحي الرباني . والصعود أبدا أشق من النزول.ولعل ما ذكره التوحيدي في "الهوامل والشوامل" عن "ابن مسكويه" يكون أقرب إلى هذا التصور حيث قال "ولما كانت النفس التي فينا هيولاتية، صار الشر لها طباعا، والخير تكلفا وتعلما . فاحتجنا - معاشر البشر- أن نتعب بالخير حتى نستفيده ونقتنيه...فأما الشر فلسنا نحتاج إلى تعب في تحصيله، بل يكفي أن نخلي النفس وسَـوْمَها، ونتركها على طبيعتها فإنها تخلو من الخير، والخلو من الخير هو الشر".

لقد قرأنا عن العقاد أنه كان يجلس للقراءة لا يتحرك ثمان ساعات في اليوم . وذكر الفيلسوف المسلم " ابن سينا " على ما حكاه عنه "الصلاح الصفدي" في كتابه "الوافي بالوفيات" قال " وقرأت كتاب (ما بعد الطبيعة) فما كنت أفهم ما فيه. والتبس علي غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة، وصار لي محفوظا. وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا أعلم ما المقصود به وأيست من نفسي، وقلت هذا لا سبيل إلى فهمه" ثم ذكر في كلام طويل أنه وقع في يده بعد ذلك كتاب للفارابي في نفس الموضوع فاشتراه وقال" فرجعت إلى بيتي وقرأته فانفتح علي به في ذلك الوقت أغراض ذلك الكتاب، بسبب أنه كان لي على ظهر قلب وفرحت بذلك". وجاء في كتاب "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي" لتلميذه ابن العطار(ص 7) حكاية عمن عاصر الإمام قال" رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم" وقال عنه في نفس الكتاب على لسان الإمام نفسه "كنت أقرأ في كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا "...وآخرون وآخرون... لكن هؤلاء أفراد لا يؤثرون إلا بقدر ما يوضعون مثلا أعلى يحتذى وقدوة.وعلى قدر الهمة يكون المثل وعلى قدر المثل تحفز الهمم. هي جدلية صاعدة نازلة في تناسق محكم كما صورها المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
فتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم

لكن كيف يهيأ النشء لرفع المثل الأعلى ونصب النموذج؟ تلك هي عين المسألة ومفتاحها. ودون دركها خرط القتاد، إنه غرس الرجال. ولنقلب الأمر مليا ولنخصصه في وجه من وجوه القضية فالأمر متشعب ويصعب جمعه.

إن مفهوم الطفولة كما فرضه الفكر الغربي المركزي فرضا، يمتد بالإنسان إلى متم الثامنة عشرة من عمره. فيمضي كل هذه الفترة وهو في عين المجتمع قاصر، فنرى بالغين ذكورا بأجسام الرجال كاملة البنية، وهم في عرف المجتمع قاصرون ، ونرى بالغات بأجسام نساء تامات الخلقة قد اكتملت أنوثتهن نضجا. وهن في عرف المجتمع بعد قاصرات. والقاصر هو الذي لا يستطيع تحمل مسؤولية ذاته، قاصر عن التمييز والتفكير، قاصر عن الإفادة، قاصر عن المشاركة في الحياة العامة، إلا في غرائزه واندفاعاته الجسدية فهو يلبيها كيف شاء وأنى شاء، ويُـتساهل معه فيها. فإن أتى جلالا صراحا قيل ما هو إلا طفل، وما هي إلا طفلة فكيف نحاسب طفلا (ذكرت بعض المصادر الأمريكية أن حوالي مليون فتاة أمريكية من المراهقات يحملن كل عام، أكثر من ثلثهن دون الخامسة عشرة) . وهكذا يختم هذه المرحلة وهو لايعي من كَـبَد الدنيا شيئا. أو هكذا أرادوا له أن يكون. حتى إذا أنهاها من غـد، قالوا له أنت الآن ناضج كل النضج، فأقبل على الحياة وخض غمارها فأنت الآن مسؤول عن نفسك وأفعالك ، عليك واجبات ولك حقوق ، ومنها حق التصويت في الانتخابات، فاختر مرشحك واجتهد في أن يكون على مواصفات من النزاهة والاستقامة. فادخل تلك الغابة التي تجهلها واحذر من وحوشها:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء

وهكذا يكون البناء قد بني واهيا من أساسه. لهذا لم يثمر غير اللامبالاة والاستخفاف واستعجال الثروة بلا أدنى جهد أو تعب. شباب تـُرك لنفسه وهواه، فكون لها مثلا أعلى زائفا وبنى تصورا للحياة على غير ما هي عليه، فضل وأضل.

لقد جعل النبي عليه السلام "أسامة بن زيد" أميرا على جيش المسلمين الخارج لأطراف الروم وهو ابن سبع عشرة سنة. ومن بعده فتح محمد بن القاسم الثقفي السند والهند وهو في نفس السن .وفيه يقول الشاعر "زياد الأعجم":

قاد الجيوش لسبع عشرة حجة
يا قرب سورة سؤدد من مولد

وهارون الرشيد أعظم خلفاء بني العباس، بويع وعمره ثلاث وعشرون سنة. وعبد الرحمان الداخل ، صقر قريش أسس دولة الأمويين بالأندلس، وقد دخلها مطاردا هاربا وعمره خمس وعشرون سنة. وغيرهم وغيرهم كثير...

هكذا كانوا، وهكذا أضحى نشؤنا .أو بالأحرى هكذا أرادوا له أن يكون فيما مضى، وهيأوه لذلك وهكذا أردنا له أن يكون اليوم، وهيأناه لذلك. إن النماذج التي ذكرناها لم تكن من خلق الصدفة. لكنه بناء مجتمع يقام، وتحركه فكرة كلية مستبطنة نبتت منه، وغذاها رجال صدقوا وأخلصوا، بثوها ودعوا إليها، فتقبلها الناس تقبلا رضيا، فأثمرت رجالا. إنه الانتماء والاقتداء أصلان عليهما يقوم كل مشروع مجتمعي أصيل لبناء مجتمع المعرفة الأصيلة الراشدة؛ أن تنتمي أي أن تحس أن لك جذورا راسخة تشدك فلا تقتلع ولا تستلب، وأن تقتدي أي أن تثبت على مقومات هذا الانتماء ومكوناته ثباتا يسنده الفخر والاعتزاز والمنافحة.

إن ما يحدث الآن من عزوف المتعلمين عن الدراسة،لا ينفك عما أسلفنا. فالمتعلم ليس إلا فردا في المجتمع . وما قلناه سابقا عن الفرد يصدق على المجتمع كله وكما قال الشاعر الجاهلي:

وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد

لكن غي غزية أو رشدها يأتي من أفرادها والشاعر ليس سوى فرد فيها. إنها كالقطرة والماء، وكالنقطة والخط. إنها الانعطافات الهائلة التي ذكرناها سابقا عند الكائنات الحية التي تعيش في جماعات، كتلة واحدة تندفع منقادة لحركة نقطة قائدة فيها، والتي هي نفسها جزء منها. فهذا المتعلم ينقاد لتيار جبار جارف، يندفع في كتلة هائلة، مستجيبا لفكرة غلابة قاهرة توجهه، قليل منهم يمضي عن وعي منه، وكثير ينقاد عن غير وعي. وكل قد فقد الإحساس بالانتماء فانسلخ من جذوره وألقى بنفسه في بريق أول سراب لاح له، وطلب في انبهار أصلا دخيلا مزيفا،ترفضه أعماقه وتلفظه. فيزداد عذابه، وكلما ازداد تورطا، ازداد عنادا وإصرارا وتمادى في الرفض أو اللامبالاة.واقتدى، إذ لم يجد انتماء، بمن يخالفه في الفكر والثقافة والعقيدة، وأسس على ذلك مثله الأعلى. ورمى بنفسه في أتون التعصب له كأشد ما يكون التعصب، ودافع واستمات وخاصم وجادل ليقنع نفسه، قبل الآخرين، أنه راض كل الرضى. وهو في الحقيقة كاره لنفسه ساخط على مجتمعه. فلو كانت الفكرة غير الفكرة لكان السلوك غير السلوك.إنها منظومة متكاملة تحكم السياسة والاقتصاد والثقافة وتتشعب لتشمل كل حركة وسكنة؛ من النوم والاستيقاظ إلى الأكل والشرب إلى اللباس والاحتفال....

وإذا صح ما ذكرناه من قبل، صح أن نقول إن هؤلاء المتعلمين ليسوا عازفين عن الدراسة، بل عُــزّفوا عنها، ودُفعوا إلى ما هم فيه دفعا. وإلا فما الفرق بين الياباني والعربي. بل ما الفرق بين العرب أنفسهم في ماضيهم وحاضرهم؛ الأجساد هي الأجساد، والتكوين الترابي هو هو سواء بسواء، لكن الفرق كبير فيما يستبطن ذلك. إنه هذا الجانب الروحي الخفي عن الظهور، القوي في التأثير.. ترى ما الذي جعل الفلسطيني مستميتا في ارتباطه بأرضه، بحقه فيها منذ ما يناهز قرنا من الزمان. ذهبت أجيال وجاءت أجيال والفكرة هي الفكرة، والضمير الجمعي هو هو لم يتغير، داخل الأرض وخارجها، وكثير منهم يحتفظون بمفاتيح منازلهم، ذهبت البيوت دمارا خرابا، فلم يبق عين ولا أثر، لكن المفاتيح ما زالت شاهدة على الحق لتدمغ به الباطل وتزهقه. ثم... ما الذي يجعل الآلاف المؤلفة من الشباب، يركبون قوارب الموت يعبرون البحر المتوسط، فرارا من أوطانهم نحو حلم وسراب، بل نحو أرض يعرفون أنهم مرفوضون فيها، وأنهم إن أدركوها، عاشوا تحت الذل والمهانة رقيقا مستعبدا. فتأمل هذا فلن تجد إلا هذا الذي ذكرناه؛ الإحساس بالانتماء، ثم الاقتداء اعتزازا وتلمسا، ونصب مثل أعلى. هي حلقات بعضها يشد بعضا ويسلم بعضها إلى بعض في جدلية دائرة لا تبدأ إلا حيث تنتهي، ولا تنتهي إلا حيث تبدأ. فإذا اختلت حلقة منها ينهار البناء كله. وإن أهم حلقة في ذلك هي "القدوة" فالأبوان قدوة والإخوان قدوة والأستاذ قدوة والتاجر قدوة والحاكم قدوة..." كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". لقد كان النبي عليه السلام خير قدوة "، ولكم في رسول الله أسوة حسنة".. " والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".لذلك جمع حوله أمة منحها انتماء واعتصمت به اقتداء.ومضى الركب الحضاري على هذا النهج انتماء واقتداء وقدوة.

إن تحمل المسؤولية في الصغر يبني الفرد المسؤول، ويعزز الثقة بالنفس. ومن وثق بنفسه زاد احترامه لها، ومن ثم احترامه للآخرين من حوله . لأنه يدرك المعنى الحقيقي للحياة، فيدرك معه مكانته ودوره في إعمار الأرض وإصلاحها . والإصلاح لا يأتي عبثا ولا هو حظ يُـستجدى من ههنا وثم، بل هو جهد وعرق وابتلاء، إنه انكسار ونهوض، وتعثر واستواء... وليس لذلك من مدخل سوى المعرفة، فيستقوي بعقله على جسده، ويجعل فكره خلف لسانه.

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

إنهما الأصغران الخفيان.. "المرء بأصغريه عقله ولسانه". لكن لا سبيل إلى ذلك إلا بالرعاية والرحمة، الكبار تجاه الصغار، لزرع هذا الإحساس بالانتماء، والعزة بالاقتداء ،في غير ما خجل ولا مواربة. وتأمل معي هذا الأثر المحمود عن السلف، بعضهم يرفعه خطأ إلى النبي عليه السلام، وبعضهم ينسبه إلى عمر أو علي:" لاعبه (الابن) سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا، ثم اترك له الحبل على الغارب". فتأمل تعرف مفهوم الطفولة وموقعها الحق من حياة الإنسان. والأب المربي والأم كذلك ، حاضر في كل وقت وحال يراقب ابنه وتطوره الجسدي والروحي والعقلي..ألم تر أن الله كلف الإنسان عند بلوغه الحلم وبلوغ الحلم يتفاوت من شخص لآخر فقد يبدأ في سن الحادية عشرة أحيانا خاصة عند البنات .ففي هذه السن تبدأ المحاسبة الإلهية وكذلك البشرية وتحمل المسؤولية في الأفعال والأقوال والتزام الطاعات . فإذا زرع في الفرد في هذه السن المبكرة قيم هذه الثقافة وجبل علي هذه التربية، كان له بعد من نفسه هادٍ نحو الحق والصواب والعدل. ومن أصوب الصواب البحث عن المعرفة، وباب المعرفة القراءة والتعلم، استجابة للأمر الإلهي الخالد "اقرأ باسم ربك الذي خلق".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى