الأربعاء ٢٦ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم جيهان الشعراوي

صمت البلابل أمام صراع الأشقاء

في منزل يطل على النيل العظيم... تفتح وردة كل صباح شرفتها، تتنفس هواء مصر فتملأ به كل خلاياها، ومع الزفير... ترسل قبلة مبللة بالدموع إلى الجزائر، بحيرة طفل صغير يرى صراع مدمر يحتدم بين والديه الحبيبين، قام بسبب وشاية مغرضة، وحقد أسود من قلوب مريضة، فيهدد استقرار الأسرة العربية بالكامل...

فكان الحزن أقوى من أن يجعلها تتحدث، فآثرت الصمت، وهكذا هو الفنان لا يستطيع أن يعبر عن حزنه الكبير إلا بالصمت، فتعجز حنجرته عن الغناء.. وكيف تغني حنجرة محتقنة بالبكاء؟!!.

حين استمعت لمبادرة الأستاذ وجدي الحكيم ودعوته لكل المصريين بداية من الفريق القومي والاعلاميين الرياضيين والجمهور لاستقبال الفريق الجزائري في المطار بالورود عند مجيئه للعب المبارايات القادمة ... لا أدري لماذا فكرت على الفور في وردة، تذكرتها وحاولت أن أشعر بما قد يكون عليه شعورها الآن، ربما لأنها ابنة الجزائر التي قربت بصوتها كثيرا بين مصر والجزائر، فبالرغم من أن هذا الخلاف شغل الكثيرين منا، وأحزن ذوي العقول منا، وأسعد ذوي الأغراض بيننا، فقد عبر كل من هذه الأطراف عن رأيه ، إلا واحدة فقط... وهي وردة.. التي التزمت الصمت... وتقوقعت داخل شرنقة أحزانها ولم يشعر بها أحد.... فحين تصارعت طوائف لبنان صمتت فيروز طويلا، وحين نشب الخلاف بين مصر والجزائر صمتت وردة عن الغناء... ولكن أما آن الأوان لصمتها أن ينتهي؟.

في الفترة التي سبقت مباريات مصر والجزائر، كانت وردة قد بدأت تستعيد نشاطها الفني ... فحين تصارعت طوائف لبنان صمتت فيروز طويلا، وحين نشب الخلاف بين مصر والجزائر صمتت وردة عن الغناء... أما آن الأوان لصمتها أن ينتهي.وتوهجها الغنائي، كانت أحلامها وأشواقها بالعودة للقاء جماهيرها العريضة الممتدة شرقا وغربا، تزودها بالطاقة والإرادة التي تدفعها للعمل، وكان حفلاتها في الاسكندرية والمغرب و تونس خلال العام الماضي مظاهرات حب دللت على أن اشتياق الجمهور لها، كان ولا يزال أكبر من اشتياقها إليه، فقد كانت وردة تستعد لإنطلاقة جديدة في مشوارها الفني، حتى أنها وقعت عقدا خلال العام الماضي مع شركة روتانا للإنتاج، ولكن على مدى شهور سبقت الأزمة التي وقعت بين مصر والجزائر لم يكن التعاقد بين روتانا ووردة قد أنتج أية ثمار غنائية، حيث كانت وردة في مرحلة الإعداد لألبوم جديد لم تكن قد انتهت منه بعد.... فجاءت هذه الأزمة لتوقف مسيرة وردة التي آثرت الصمت، صمت يليق بها كفنانة قديرة تنأى بنفسها وبتاريخها وبانتمائها القومي العربي أن تكون طرفا في مثل هذا الصراع السخيف الذي ثار بلا سبب مقنع ولا ضرورة له، فكيف لها أن تقف مع طرف ضد آخر وهي مقسومة على الطرفين، نشأة وإنتماء وأبناء وصلات دم بالجزائر، وقصة حب ونجاح ودور عربي قومي في مصر، كيف للطفل الصغير أن يختار بين أبويه الحبيبين وهو الذي فتح عينيه على حبهما الكبير لبعضهما وتضحية كل منهما بالعزيز والغالي من أجل الآخر... كيف تنتمي إلى فريق دون الآخر وهي التي تعلمنا على نبرات صوتها حب مصر وهي تغرد " وأنا على الربابة باغني... تحيا مصر وتحيا مصر"، وترسخت داخل وجداننا معاني القومية العربية حين احتضنت نغمات عبد الوهاب نبرات صوتها التي تضافرت مع صوت عبد الحليم وصباح وفايدة كامل ونجاة وشادية في أوبريت "الوطن الأكبر".

وردة التي أحيت أعياد الثورة وأهدت مصر مليون بوسة من الجزائر، وأحيت أعياد الجزائر القومية بنغمات ألحان بليغ حمدي الذي نزل ضيفا مرحبا به في الجزائر، وبدعوة رسمية لتلحين أغنيات الاحتفال بعيد الثورة.

صمتت وردة وكان صمتها نبيلا يليق بعظمتها كفنانة تربت وغنت للقومية العربية ونادت بالوحدة، فكان من الطبيعي أن تحزنها الفرقة والوقيعة بين وطنين يتوزع وجدانها عليهما، ولها في كل بلد منهما حكايات وحكايات.

إن العاقلين والمنصفين من أبناء البلدين الشقيقين، وهما جمهور الفن الحقيقي، يدركون جيدا أنه من الغباء والخطأ الفادح أن يزج باسم وردة في مثل هذا الصراع السخيف، ومن يطلب منها تحديد موقفها مع أي من الفريقين، فهو شخص لا يرى حتى موضع قدميه، ولا يدرك من تاريخها ولا تاريخ مصر مع الجزائر إلا ما يشعل أحقاده، ولا يريد إلا أن يلقي بالزيت على النيران المشتعلة، وهو بذلك لا يكون إلا متآمر وخائن لدماء الشهداء وقضية الوطن ومنكر لتاريخ طويل ربط بين الاشقاء الذين اختلطت دماء أحيائهم بصلات النسب، واختلطت دماء شهدائهم في ساحات المعارك.

هل تظل وردة على صمتها، أم تحاول بصوتها رأب الصدع الذي أصاب جدار العروبة الواصل بين مصر والجزائر ، وتحاول بفنها أن تداوي ما أحدثته الكرة من جراح، أو على الأقل تعود للغناء لتداوي آذاننا مما نسمعه من صياح... الجواب عند وردة ونحن في الانتظار.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى