الأربعاء ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم عادل سالم

الأرملة

بعد زواجها بعامين توفي والدها فاجتمع الإخوة الثلاثة معها لتقسيم الميراث، كانت أختهم الوحيدة وقد توفيت أمهم قبل وفاة أبيهم بسنوات. اقترحوا عليها التنازل عن حصتها في الميراث حتى لا يذهب مال أبيهم إلى عائلة زوجها. خجلت آمنة من المطالبة بحصتها في الميراث، فماذا سيقول عنها الناس في القدس؟! أيقولون إنها طالبت إخوتها بميراث أبها؟!

قال لها أخوها الكبير مصطفى:
  اسمعي يا أختي، نحن لا نحرمك ميراث أبيك ولكنا لا نريده أن يصرف على زوجك وأولاده.
فأكمل أخوه الأصغر علي:
  ماذا لو طلقك في المستقبل؟ (لا سمح الله )، لن تجدي سوى اخوتك ليقفوا معك.
أما أخوها الأوسط شعبان فقال:
  أنا اقترح أن نشتري لها سوارين من الذهب تزين بهما معصميها بدل حصتها في الأرض، وسيكون الباقي لها إذا حصل لها مكروه.

وافقت آمنة على طلبهم، ووقعت لهم على أوراق التنازل عن حصتها في ميراث والدها. كانت سعيدة بسواري الذهب، وصارت تباهي بهما زوجها بأن اخوتها اشتروا لها هدية ثمينة. قال لها:
  يا مسكينة لقد خدعوك! إنهم أخذوا نصيبك من ميراث والدك، أليس أولادك أحق منهم؟!
فقالت له:
  إنهم اخوتي، والمال ليس خسارة فيهم أما أولادي فيسلم لهم أبوهم.
هز رأسه وكتم غيظه ولم يعد يسألها عن الميراث.

بعد ثلاث سنوات من وفاة والدها وخمس سنوات من زواجها كان لديها ولدان، توفي زوجها سعيد وتركها أرملة.

ولأنه كان فقيرا فلم يترك لها شيئا. فاضطرت أن تعيش في بيت أخيها الكبير، الذي بدأ بعد فترة يتذمر من أولادها ويطالبها أن تتنازل عنهم لأهل والدهم، لكنها رفضت ذلك فكيف تتنازل عن طفلين فقدوا أباهم ويفقدون أمهم. قالت لهم:
  الميراث تنازلت لكم عنه، ولكن الأولاد لا يمكن. لو كان أبوهم حيا لاختلف الأمر.

اجتمع الإخوة وتشاوروا مع بعضهم حول أمر أختهم آمنة فقرروا أن يزوجوها لأول شخص يطلب يدها. كانت آمنة جميلة، عمرها 25 سنة. شعرها أسود طويل، عيونها واسعة، عسلية العينين، ليست ممتلئة ولا رفيعة، قوامها جميل، يتمناها كل عريس. لكن من سيقبل بأولادها؟

قال أخوها الأكبر سيقبل بهما رجل طاعن في السن دعنا نعلم زوجاتنا لعلهن يساهمن في الدعاية لها.
سعدت زوجات إخوتها للخبر، وطفن ينشرن الأخبار عنها، لكي يتخلصن منها، فقد أضحت عالة عليهن. ولم تكن تعلم المسكينة ما يخبئ لها إخوتها. بعد شهور جاءها أخوها الكبير يقول لها:
  لقد جاءك عريس (لقطة)، غني، توفيت زوجته منذ سنوات ويبحث عن عروس وعندما سمع بك ورآك قرر أن يطلب يدك.

سألتهم: هل يعرف أن معي ولدين.
  طبعا وقد كان سعيدا بذلك فهو بحاجة إلى أولاد في البيت فأولاده الآخرين كبار يعيشون مع زوجاتهم.
  وكم عمره
 يعني 40.
  ومتى سأراه؟
  غدا إن أحببت.

جاء العريس في اليوم التالي، لابسا أجمل ما عنده، لكن شكلة لم يكن يوحي أنه في الأربعين من عمره وقد خجلت أن تسأله عن عمره أمام إخوتها، فماذا سيقولون.

توكلت آمنة على الله ووافقت وبعد شهر كانت في بيت زوجها سعيد. وقد كان سعيدا جدا بها فهي أصغر من إحدى بناته. ولكنها لم تكن سعيدة عندما علمت أن عمره 59 سنة.

كان الاحتفال متواضعا بضم بعض الأهل، ولم يحضر أحد من أولاده أو بناته، فقد اعترضوا على زواج أبيهم، وقالوا له: هل تريد أن تحضر لنا من يشاركنا في الأموال؟

لكن أبوهم لم يهتم بهم ولم يسأل عنهم، فقد كان يتمنى قبل موته أن يتزوج شابة جميلة مثل آمنة. كان شعاره دائما
  ألذ شيئ أكل اللحم، واللحم على اللحم.

رضيت آمنة بنصيبها واضطرت أن تصبح خادمة لدى زوجها ابن الستين عاما الذي لم يعد يقوم بواجبه كرجل بعد عدة سنوات في حين كانت هي في عز شبابها كلها حيوية وجمالا وإثارة.

رزقت آمنة منه بولد أسمته صابر لأنها صبرت على الأسى والذل. لم يعش زوجها سعيد كثيرا فقد توفي في السبعين من عمرة، بعد زواج استمر 11 سنة وولد عمره 9 سنوات.

ترملت آمنة من جديد، لديها الآن حمل كبير، صابر9 سنوات، وحمزة 15 سنة، وإياد 13 سنة.
بعد أن علم أولاد زوجها بوفاته، جاءوها إلى البيت يحاولون طردها لكنها تصدت لهم مع أطفالها ومنعتهم من دخول البيت بعد أن استعانت بالشرطة.

تدخل الأخل والجيران واخوتها بعد علمهم بالخبر واتفقوا على تأجيل الموضوع إلى ما بعد دفن زوجها سعيد وإقامة العزاء له.

بعد انتهاء فترة العزاء طالب أولاده منها ترك البيت ورفضوا أن تشاركهم هي أو أخوهم صابر الميراث ولكنها رفضت العرض وهددتهم بالاستعانة بالشرطة مرة أخرى إن حاولوا اقتحام البيت. وكانت الشرطة قد أنذرتهم إن اقتربوا من البيت بسجنهم جميعا.

كان والدهم قبل وفاته قد سجل أملاكه كلها باسم ابنه الجديد نكاية بهم. أما أمواله في البنك فقد جعلها كلها باسم زوجته في حال وفاته.

لم تعترض آمنه رغم ذلك على توزيع ميراث زوجها حسب الشرع الإسلامي، لكنهم رفضوا ذلك وأصروا على مطالبهم، وعندما عرف إخوة آمنه أنها سترث أكثر من مليون دولار بدأوا يتوددون إليها، ويطالونها بتوكيلهم بميراثها لكي يقوموا باستثماره لصالحها، لكنها رفضت كل عروضاتهم.

  لقد صدقتهم في الماضي فخدعتموني مرتين لكن الآن لن أصدق أحدا.

لم تكن آمنة تعلم ما يضمر لها أولاد زوجها الأربعة وبناته الثلاثة من شر، وفي أحد الأيام، اقتحم البيت عدد من الشباب، كانوا أولاد زوجها وأولادهم وأولاد بنات زوجها، كسروا الباب، وكسروا آثاث المنزل، ضربوها وأولادها وأجبروهم على مغادرة البيت، وعندما قاومهم ابنها حمزة دفعوه عن الدرج فسقط يتدحرج حتى أسفله ثم ارتطم رأسه بالحائط فتوفي على الفور.

صارت آمنه تصرخ، وتولول على موت ابنها، التم عليها الجيران لمعرفة ما حصل، وعندما عرف المهاجمون بموت ابنها هربوا من البيت.

بعد ساعة حضرت الشرطة والإسعاف. نقل ابنها إلى المستشفى للفحص الجنائي، بينما أصدرت الشرطة أمرا باعتقال أولاد زوجها وكل أولادهم، ولم تعتقل أحدا من أولاد بنات زوجها لم تكن تعرفهم.
وجهت الشرطة للمهاجمين جميعا تهمة القتل العمد وقدمتهم للمحاكمة ولم ينقذهم سوى اعتراف أحد الأبناء (بالتآمر مع أهله) بأنه هو الذي دفعه دون علم أحد. فحكمت المحكمة عليه بالسجن لعشر سنوات وعلى البقية بالسجن لستة أشهر بتهمة اقتحام البيت.
كان اخوة آمنة قد شمتوا بها وتمنوا لو مات كل أولادها لأنها لم تعد تسمع كلامهم الآن، ولكن لو لم يكن لها أولاد كبار يتابعون حصتها في الميراث.

وافق أبناء زوجها على تقسيم الميراث حسب الشرع الإسلامي لكنها تراجعت عن موافقتها، فبعد مقتل ابنها لن تكافئهم على ما رفضوه وهو حي.
لم يستطع الأولاد كسب القضية لأن كل أملاك أبيهم باسمها واسم ابنها صابر.
هدأت الأمور لفترة بعد سجن حفيد زوجها صالح ابن ابنه الأكبر صبحي. وقاطعها اخوتها لأنها لم توافق على رأيهم بتوكيلهم في أموالها.

بعد سنة على الحادث، حاول صبحي الابن الأكبر لزوجها الكرة معها لحل الخلاف وديا فأرسل لها احدى النساء تتوسط في الموضوع لكنها فوجئت أنها باعت البيت واختفت من البلد مع ولديها.
اتصل صبحي بإخوتها يسأل عنها فبهتوا بالخبر، لم يعرف أحد أين ذهبت ولا أين اختفت.

بلغوا قسم الشرطة الذي أعلمهم بعد أيام أنها سافرت مع ولديها إلى أستراليا.

جن جنون إخوة صبحي، وحاولوا الاتصال مع السفارة الأسترالية لمعرفة أين وجهتها لكن السفارة رفضت أن تعطيهم أية معلومات وأغلقت الخط.

قال أخوها الأصغر للأكبر:
  أرأيت سافرت دون أن تودعنا، هربت بالمال لوحدها ماذا ستفعل الآن بمليون دولار. لعنها الله.
فقال له أخوه:
  أتمنى لها السلامة أينما ذهبت.
بصراحة لقد ظلمناها، وظلمتها الحياة، لماذا لا يرضى الناس بما قسمه الله لهم؟!
فقال أخوهما الأوسط:
  الآن تشعر بالذنب؟! أين كنت حين تقاسمنا ميراثها ألم تقبض مثلنا؟!
  نعم قبضت مثلكم وزوجناها سعيد الذي يكبرها بأكثر من ضعف عمرها، لكن الآن بعد أن سافرت أشعر بالندم.
  الندم؟! لماذا؟
  لأننا فقدنا أختنا وإلى الأبد. لقد فقدت بلادنا أما وولدين إلى بلاد الاغتراب، يعلم الله متى سيعودون، ولكني أشك بأنهم سيعودون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى