الأحد ١٣ حزيران (يونيو) ٢٠١٠

فيلم نقطة تحول خلف الشمس

رشيد شاهين

لم يكن فيلم نقطة تحول- خلف الشمس، الذي عرض يوم الأربعاء الماضي في قاعة سينما القصبة، العمل الأول الذي يجمع بين الكاتب الفلسطيني سليم دبور والمخرج رفعت عادي، فلقد عمل هذا الثنائي على انجاز أكثر من عمل مسرحي وسينمائي خلال الفترة القريبة الماضية، وللتذكير فقط يمكن الإشارة هنا إلى فيلم – شباك العنكبوت-الذي لاقى قبولا ممتازا من كل من شاهده عندما عرض في العام الماضي، برغم انه عرض في قاعة غير مجهزة بالتقنيات اللازمة للعرض.

لقد استطاع الكاتب سليم دبور أن يجسد الواقع الفلسطيني بشكل فيه الكثير من الموضوعية والواقعية، فيما تمكن المخرج رفعت عادي من تجسيد رؤية الكاتب بشكل رائع، وقد كان للتعاون الدائم والمتابعة الحثيثة من قبل الكاتب والمخرج خلال عمليات التصوير، الأثر الأكبر في خروج هذا العمل الذي شاهدناه في القصبة، بصورة جيدة جدا كما نعتقد.

لا شك ان استخدام التقنيات العالية والكاميرات الحديثة التي قام المنتج بتوفيرها، كان لها أيضا الدور البارز في أن يكون هذا العمل من الأعمال المميزة في الدراما الفلسطينية، بغض النظر عما سمعناه من انتقادات بعد عرض الفيلم مباشرة، وخلال المؤتمر الصحفي، والتي كانت في كثير منها للمماحكة أكثر مما كانت لتوجيه النقد الموضوعي لهذا العمل، كما انها وفي كثير من الأحيان تنم إما عن جهل شبه تام بالحقبة التي عالجها الفيلم، أو عدم متابعة جيدة لأحداث الفيلم، وقد كان واضحا من خلال بعض الأسئلة التي وجهت من قبل من قدموا أنفسهم على انهم ممن يهتمون بالدراما الفلسطينية او من رجال الصحافة والإعلام، (لسنا هنا بصدد إيراد أمثلة على ذلك لان جمهور الحاضرين سمع ذلك وسمع الردود) ان تلك الأسئلة لا تمت إلى موضوع الفيلم بصلة، او انها تنم عن رغبة في البحث عن تفاصيل بعينها لا تؤثر بشكل من الأشكال على جوهر أحداث الفيلم.

ان البحث في الجوانب السلبية أو الايجابية لأي عمل مهما كان، تعتمد على سوء أو حسن النية بالنسبة إلى الشخص الذي يوجه انتقاداته أو إعجابه بهذا العمل أو ذاك، وعلى أي حال، فان لا شيء مثالي في هذا الكون، ويمكن ان نفهم توجيه الانتقادات والأخذ بها، إذا ما صدرت عن جهات أو أشخاص نعتقد بأنها ترغب فعلا في رؤية أعمال أكثر اتقانا أو "كمالا"، أما ان يتحول النقد إلى "طوشة" فهذا غير مقبول، ولا نعتقد بأنه يفضي إلى الغرض المقصود.

لقد استطاع فيلم – نقطة تحول/ خلف الشمس- من خلال الشخصيات التي تم رسمها بشكل واع في السيناريو ( الذي اطلعنا عليه قبل ان تبدأ عمليات التصوير، وبعد بدايتها)من إيصال الكثير من المعلومات عن حقبة سابقة، كانت نقطة تحول يشهد عليها العالم في الواقع الفلسطيني، وإذا ما حدثت بعض " الهنات" هنا أوهناك، فان ذلك كان بسبب هذا الواقع الموجود في الأراضي الفلسطينية، والذي يعود بشكل أساسي إلى وجود قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وسواء قبلنا أو رفضنا فان وجود قوات الاحتلال هو السبب في كل المعاناة وتردي الأوضاع في كل مجالات الحياة في فلسطين.

ان من غير الممكن لأي عمل درامي مدته لا تزيد عن 90 دقيقة، ان ينقل الواقع بكل تفاصيله، فنحن هنا أمام فيلم محدود الوقت، وليس أمام مسلسل "رمضاني او تركي" يمكن من خلاله الخوض في تفاصيل التفاصيل بالنسبة للواقع المعاش في تلك الفترة او الحقبة الزمنية، وليس المطلوب على أي حال من أي كاتب من يكون أن يفعل ذلك. إن إيراد بعض "العناوين" أو "السمات الرئيسية" أو "الخطوط العريضة" للواقع المعاش في حقبة زمنية معينة، قد يكون هو المطلوب، خاصة إذا ما استطاع الكاتب ان ينقل ذلك بشكل موضوعي، وان يتمكن المخرج من تحقيق رؤية الكاتب، وهذا بتقديرنا ما حدث في هذا الفيلم، الذي نعتقد بأنه رسم ملامح رئيسية معينة كانت هي المطلوبة لتلك الفترة.

لقد سمعنا بعض الملاحظات التي أبداها البعض بعد عرض الفيلم، والواقع ان بعض الذين وجهوا تلك الملاحظات هم من الشباب صغيري السن، والذين هم في واقع الأمر يجهلون التفاصيل الحقيقية لتلك الحقبة الزمنية، وقد كانت ملاحظاتهم تعكس رؤيتهم للواقع المعاش الآن وليس للواقع الذي كان معاشا في تلك الحقبة، وهذا إنما يدلل على قصور في عملية النقد وفهم غير صحيح لما كان عليه الحال عندئذ.

من خلال الأحداث التي دارت في الفيلم، كان واضحا اختلاف الفهم بين شخصيات الفيلم لموضوع المقاومة على سبيل المثال، وقد سمعت احدهم يقول ان الفيلم يحرض على المقاومة السلمية، هذا الفهم بحد ذاته كان فهما قاصرا، الفيلم تحدث عن حقبة بعينها، ساد خلالها هذا النوع من المقاومة، وعندما قام الكاتب والمخرج بنقل ذلك بطريقة متقنة بحسب ما نرى، فان ذلك لا يعني بحال من الأحوال تبني هذه الفكرة أو النهي عن فكرة المقاومة بشكل آخر، حيث ان أحداث الفيلم تدور في فترة تجسدت خلالها طريقة معينة من المقاومة، وهي الانتفاضة الأولى التي تميزت "بسلميتها". ومن هنا كان الخلط بين ما هو جار حينئذ وما جرى بعد ذلك من انتفاضة مسلحة – الانتفاضة الثانية-، هذا الخلط بين الفترتين كان سببا في الإرباك لدى البعض عندما حاول ان يوجه انتقاداته لمجريات الفيلم من خلال الخلط بين فترتين مختلفتين كل الاختلاف. وهذا ما ينطبق على موضوع إعدام العملاء، وهي على أي حال ظاهرة كانت موجودة سواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف، وهي استمرت حتى خلال الانتفاضة الثانية، برغم ان اتفاقات أوسلو وفرت الحماية اللازمة لهؤلاء، ومن هنا ربما كان هذا الخلط او سوء الفهم، حيث اعتاد الجمهور الفلسطيني على رؤية العملاء يسرحون ويمرحون دون ان يتعرض لهم احد، وقد يكون لهذه الثقافة التي سادت بعد عام 1994، الأثر في ان البعض لم يعجبه مشهد إعدام العميل في الفيلم.

ان فيلم نقطة تحول- خلف الشمس، هو فيلم مميز بغض النظر عن النقاش الذي أراده البعض ان يكون كما ذكرنا – طوشة- حيث أثار البعض موضوع اسم الفيلم، ولماذا تم اختيار هذا الاسم بالرغم ان هذا ليس هو الموضوع الأكثر حساسية في الفيلم، وفي النهاية فان هذا الفيلم سوف يحسب في رصيد الثنائي دبور وعادي، وسوف يكون نقطة تحول في مسيرتهما الثنائية بحسب ما نعتقد، متمنين لهما التوفيق في مسيرتهما العملية وان يتمكنا من خلال هذا التعاون ان يردفا الدراما الفلسطينية بأعمال مميزة في المستقبل.

رشيد شاهين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى