الأحد ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم زينب خليل عودة

كتابه الجديد بعنوان «قالت لنا القدس»

يقدم الكاتب والقاص الفلسطيني محمود شقير في كتابه الجديد بعنوان «قالت لنا القدس» (منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية 2010) عرضاً عن تفاصيل الحياة اليومية في المدينة، وتضاريس المكان بما فيه من شوارع وبيوت ودور للعبادة، وأماكن للترويح عن النفس، على خلفية ما طرأ على الفضاء العام في المدينة المقدّسة من تغيّرات.

وما طرأ على الفضاء العام، نجم عن سياسة الاحتلال الرامية إلى تهويد المدينة، وتبديد هويتها العربية الفلسطينية. وهذه السياسة، بدورها، أسهمت في نشوء ظواهر وتحوّلات اجتماعية وثقافية تعيشها المدنية منذ وقوعها في قبضة الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967 وحتى اليوم.

ويقع الكتاب في مائتي صفحة من القطع المتوّسط، ويضم مقالات نُشرت متفرقة من قبل، لكنها تمتاز بوحدة الموضوع، وتتمحور حول ثلاثة مداخل أساسية. في المدخل الأوّل يعيد شقير رسم تفاصيل المشهد المقدسي، بعين الكاميرا مرّة، وبعين الشاهد الناقد مرّة أخرى. أما المدخل الثاني فيتمثل في مقاطع من مذكرات يومية يرد فيها ذكر المدينة، وتمتد على قرابة عقد ونصف العقد من الزمن، من أواسط التسعينيات وحتى العام 2009. وفي المدخل الثالث والأخير يحاول الكتاب تأمل تجربته الذاتية في الكتابة، وكيفية تجلى المدينة في نصوصه، والمؤثرات الاجتماعية التي حكمت تلك العلاقة.

وقد نشأ محمود شقير وترعرع في مدينة القدس، وفيها بدأت حياته الأدبية والسياسية، وعاش منفيا عنها بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي سنوات طويلة، ثم عاد إليها في أوائل التسعينيات، وما يزال مقيما فيها حتى اليوم. وفي أعماله الأخيرة ازداد حضور القدس، كما كرّس من أجلها مجموعة قصصية بعنوان ’القدس وحدها هناك’ (صدرت عند دار نوفل في بيروت 2010) قبل ’قالت لنا القدس’ بوقت قصير.

يكتب شقير عن القدس باعتبارها كينونة حيّة، فتحضر نوافذ البيوت، والشوارع، كما كانت في زمن مضى، وكما هي اليوم. وفي هذا الحضور تتوّسط الذاكرة بين الماضي والحاضر. وبقدر ما يحاول الكاتب تفسير العلاقة المتبادلة بين فنون العمارة والثقافة السائدة، يحاول، أيضا، تفسير ظواهر جديدة طرأت على المدينة، إذ أصبحت أكثر ميلا إلى المحافظة، نتيجة التأثير السلبي للأصولية من ناحية، وسياسة الاحتلال الرامية إلى تبيد الهوية، وتفتيت المجتمع المدني من ناحية أخرى.

وفي هذا السياق يعود القارئ مع شقير إلى المقاهي، ودور السينما، والمكتبات، التي عرفتها القدس في زمن مضى، فدور السينما وقد كانت في زمن مضى جزءا من المشهد الثقافي في المدينة، كفت عن الوجود، بينما غالبية المقاهي أغلقت أبوابها، أو تحوّلت إلى محلات تجارية، ولم يكن مصير المكتبات أفضل حالا. والشوارع التي ارتبط اسمها بتاريخ الحركة الثقافية والسياسية في القدس، شارع صلاح الدين، وشارع الزهراء، تعاني بدورها من وطأة التحوّلات السياسية والاجتماعية.

وعلى الرغم من قسوة ما طرأ من تحوّلات على المشهد المقدسي، يكتب شقير عن المدينة بقدر كبير من الحب والتفاؤل. لا يكتفي بالوقوف أمام سماتها العامة، بل يستعيد بعض الوجوه التي أسهمت في إضفاء حيوية ثقافية على الحياة فيها، يكتب عن فرانسوا أبو سالم، وعادل الترتير، عن الحركة المسرحية الرائدة في السبعينيات، وعن استمرار هؤلاء، مع آخرين، في إضفاء حيوية على المشهد الثقافي في القدس.

وفى خاتمة كتابه يقول شقير القدس مدينة لا تستنفدها الكتابة، وهي مثل طائر الفينيق تنبعث من تحت الرماد. لا تشبه أية مدينة أخرى في العالم. وبعد خمسين عاما من الكتابة، والعيش في المدينة، وعلى تخومها، يزداد قربا منها، ويصغي إلى نبضها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى