الثلاثاء ٦ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم بلقاسم بن عبد الله

وثـيـقـة أديـبـة سـجـيـنـة

.. وماذا لو دونت وكتبت كل مجاهدة أو مناضلة أو سجينة مذكراتها الخاصة عن مساهمتها الفعلية في ثورة التحرير المجيدة؟.. هكذا تساءل صاحبي العزيز المعزز، قبل أن يسترجع شريط الذكريات في غمرة احتفالنا بعيد الإستقلال. تذكر قصة تلك المجاهدة المثقفة، وحكاية وثيقتها المهربة من داخل السجن الإستعماري اللعـين..

كان يومئذ تلميذا مجدا تستهويه مطالعة النصوص الأدبية ذات البعد الوطني الثوري، يساعد والده الكريم أحمد في قراءة صحيفة المجاهد ومناشــير الثورة، ليقوم بدوره بشرحها وتوضيحها للمجاهدين والمناضلين. حدث يوما أن وصلت رسالة خالته يامنة بن دياب التي كانت رفقة رضيعها ميلود، من داخل السجن الإستعماري بتلمسان، قرأها على مسمع والديه، ثم أخـذ القلم والورقة، وكتب بدوره رسالة دبجها بأسلوبه السهل المشبع بمعاني الوطنية والثورة.

و تمر الأيام، ليأتي الرد من خالته ضمن رسالة من صفحتين، عليهما ختم المراقب العسكري الفرنسي، خالته تعرف الحساب العادي، وتجهل تماما القراءة والكتابة، والحق يقال، ومع ذلك فالرسالة مكتوبة بأسلوب عربي فصيح، توضح وضعية المعتقلات السجينات وظروفهن القاسية، ومع ذلك تشير هذه الرسالة الوثيقة إلى معـنوياتهن المرتفعة، لإيمانهن العميق بحتمية انتصار الثورة، وانبلاج فجر الحرية بعد ليل الإستعمار البغـيض.

و تتحول هذه الرسالة الوثيقة إلى علامة فرحة بين الأسرة والأهل والمقربين، الكل يرغب في قراءتها مرات و مرات. و سرعان ما امتد حماس الوالد الكريم، ليحمل الرسالة إلى أحد رفاقه المجاهدين، قرأها بدوره على إخوانه المناضلين. و تـنتقل الرسالة الوثيقة من يد إلى يد لتنشر روح التفاؤل باقتراب موعد النصر الأكيد.

و تمر الشهور و الأعوام، لينتقل التلميذ المجد إلى جامعة جزائر الحرية والسيادة، ثم إلى معترك العمل الميداني، و يظل لغز الرسالة الوثيقة قائما، من كتبتها لخالته المجاهدة؟.. أين هي الآن؟.. أي روح معنوية كانت تتمتع بها داخل السجن الإستعماري الرهيب؟..

و يأتي يوم، يجلس فيه صاحبنا إلى جوار خالته المجاهدة، يتذكر تلك الرسالة، ليسألها: من كتبتها؟.. فتذكر له اسم المجاهدة التلمسانية زليخة خربوش.. إنه يعرفها جيدا، وسبق له أن طالع مجموعتها القصصية: الحيطان العالية، وكتابها الأنيق: حديث الوسادة، ويتابع نشاطاتها المتواصلة في حقول التعليم والأدب والصحافة.. وبعد أيام قليلة يتصل بها ليسألها، فتأكـد باعتزاز وتواضع أيضا، بأنها كثيرا ما كانت تكتب رسائل السجينات معها، وتتذكر بالفعل رفيقتها المجاهدة يامنة بن دياب ورضيعها السجين ميلود بابتسامته الملائكية البريئة، وستحكي الكثير من التفاصيل كما تقول في كتابها المقبل: مذكرات أسيرة.

ترى، ماذا نقول عنها وعنهما وعنهن اليوم بالمناسبة.. هل تكفي أصدق عبارات التقدير والتكريم، لهذه المثقفة المجاهدة الوطنية. وما أكثر مثيلاتها في جزائرنا الحبيبة؟..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى