الجمعة ٢٣ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم فادي فوزات شنان

وَصِــيَّــة من المرايا

وَصِــيَّــة

(اللهمّ اجعلهُ خيرا)

" لا يستطيع بنو البشر احتمال َ الكثير ِ من الواقعية و الحقيقة " ت.إس.إليوت

قال لي يوماً أبي:
إلى ها هُنا رحلتي ...
إلى اللا هنا !!
الطريقُ
بلا نهاية ..
والحقيقةُ ..
تنتحل الله
فترشحُ من أوهامنا!
*
أسرَجتُ رحيلَه ،
صنعتُ من درع "أخيلَ " اللجام!
ألبستُهُ خلخالين:
حمامةً
وغصنَ زيتون .
ثمّ حملتُه ,
ومضيتْ ..
مضيت ْ ...
**
همتُ على بطاح السؤال،
أقيل ُ تحت ظلال ِ سراب ِ الطفولة ,
غباش ِ النقاوة ِ,
أنبش مقبرةَ الـ مَضى ،
أعلل ُ بالغد نفْسي ،
وأوغلُ في غياهب ِالأمل ْ..
مضيت ْ ...
**
وعلى جسد اللجاة الحارّ ,
اعوجّتْ زهرةٌ ..
وحيدةً كانت ,
تعدّ نجومَ الظهيرة ِ ،
تشتُمُ الشمسَ ،
وتنتظرُ الحافلة!
همَسَتْ لي:
لااااا متّسعَ لك ,
.... حتّى و لو جئتَ وحدك .
*
من جيبي أنا
أخرجتُ الحقيقةَ،
معدنياً كان بريقُها!
أحكمت ُعليها ,
ومضيتْ ..
مضيت ْ ...
**
النبعُ،
على حضنِ جرفٍ طازج،
يقيلُ في ظلّ السماء ..
يغني لامرأةٍ بدايةٍ ,
لامرأةِ ما
ما قبلَ الحِمم ْ ...
لا يقبّلُ عصفورةً ,
لا يبكي على حضن ِ شجرة ْ,
ولا يرتعشُ لظبيٍّ
يصلّي فوقَه .. و يبتهل ْ!
يغنّي النبع ُ:
أوووف ... أوووووووووووف ..
الجرف ثقيل وساكنْ
لكنْ ...
هل تراه الترابُ
تحتَه؟!
همسَ نحوي:
كسّرتُ كلَّ المرايا ..
ولا أطيق
إلّاي!
*
والحقيقةُ ..؟!
أغمضَتْ على المدى عينيها ..
ومضيتْ ..
مضيت ْ ...
**
المَدى ,
فسيحٌ ومقترِب ْ ..
و المسافةُ وحشٌ يطارد أنثى ...
تربّع على سُدّتها،
نهلَ
من حنجرتها..
فتّش عن قلبها
حتى ابتلعه..
بأظافرِه ِ .. بعينيه ِ
ابتلعَه!
ثم ملا وجهَهُ بالسماء,
أذُناه
إصبعان في قبضةِ رأسه,
وافترَّ للشمس ْ!
انتفضَت الظبيةُ،
لَمَزَ لي:
لا بد سينضب ..,
لا بدَّ للدمّ ..
و طاردها ..
المدى بهيمٌ ومبتعدْ،
والحقيقةُ حين نظرت ُ إليها ,
تورّدتْ كبرتقالة!
و مضيتْ ..
مضيت ْ ...
**
صدى الليل في الغابةِ الغامضة ْ
تسعٌ وتسعون ...
و تسعون .. و تسعون .. و تسعوووون ...
وكهلٌ أبيضُ
يذرعُ صاعداً
تسعاً
ويعود ..
وتسعين!
ثمانٍ و تسعون ..
تسعٌ وتسعون ..
.. و ..
_ كأنه لا يراني _
تسعٌ وتسعون!
والحقيقة
زيتُ جبينه!
مالحةً رأيتُها,
ومضيتْ ..
مضيت ْ ...
**
خلعَ البدرُ ...
وأماطت الشمسُ
عن وجوهٍ أربعة ٍصيف ٍ ..
و اثني عشر طقساً ...
و عشرين جُثّة ً فاسخة ً,
و قُبّة ِ ماء ٍ عماء ْ!
فآبَ "كيوبيد",
بلا جانحين
إلى رَبْلة ساق "فينوس"!
وخرّ قابيل ُ
يبكي على ضريح ْ ..
وحوّاء ُ
جاءتْ تعقرُ بطنَها .. و لا تستريح ْ!
وكان آدم
يصلّي حاسي َ العينين
و الكفّين
يُثقلُه ُ الزَرَد ْ!
كانت ْ صامتةً الحقيقة ُ,
بصقتُ في وجهها ..
صفعتُها بنعلي َ
المهترئِ الطويل ِ المُضنى ْ!
فصارت ْ ندىً،
ثم طيفاً .. يختال ُ أمامي!
ركضتُ خلفَه ُ ..
أُسرِعُ
فيسْرع ..
أهادنُه ُ
فيسرع!
وكلما فكّرتُ أن أعود ...
_ " لماذا لا أعود ؟!" _
يسحرُني رماداً !!
شتمتهُ ..
حاورتُهُ ..
لاحقتهُ ..
انقلبتُ عليه ...
وما اعتقلتُ
إلا روحيَ فيه!
صارحتني الحقيقة ُ أنّ بها بعضَ حاجة ٍ
ثمّ
هبّتْ الشمسُ تعدو معي ...
لَبِست ْ جِلدي ..
امتطتْ قُبّةَ رأسي،
أحصدتْ شَعري،
وطهتْ تلافيفي!
و الغيومُ تهدهدُ حمأتي تارة ً,
و تارةً
تبصِّقُ عليّ السّماء ْ!!
وعلى اللازَوَرد
العتيق ِ .. الرّفيق ..
_ بلا وصيّة ٍ _
آمنتُ بالسماويةِ الرابعة,
وعانقني أبي!!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى