السبت ٣١ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم فاطمة عاصلة

صباح شرقي جدا

امرأة وسط حلقة نسائية
تحت عريش الدوالي
ترتشف القهوة ببطئ متعمد دون ان تمس شفتاها حافة الفنجان حقا
تطل عيناها من فوق الحافة على امرأة اخرى
تقص حكاية اعمالها اليومية المنجزة والتي سوف تنجز..
تجفل الاولى, وكأن انوثتها استفزت...
ترفع جسدها عن الكرسي الخشبي القديم قليلا..
تضع فنجان قهوتها من يدها...
وكانها في صدد الدخول الى معترك!!
وتسترسل الحديث بفخر..
فتوافيهن بموجز او بنشرة مفصلة جدا حتى الساعة..
لاعمالها البيتية
التي تباهي بانهائها برقم قياسي نسوي...
قصص,روايات وتاريخ مبسط...
يلخص اخبار قرية باكملها
يحلقان ويدوران في هذه الحلقة ..
بألسن النسوة.
********
رجل ينصرف للعمل ...
تاركا زوجته تعد اطفالها للحياة..
وفي عينيه ارادة كصخر محموم...
وهيجان امواج بحر من السعادة الغامضة للعيان..
يعلو هيئته فخر وكبرياء..
لايجاده حيز له...
ولعائلته كثيرة الابناء..
في الصباح العملي الشاق..
ليبدو رجلا شرقي بحق.
********
بائع كهل يفتح باب دكانه الحديدي البالي..
يصدر صريرا مدوي.(ولكن جميل)
فيعلن لصغار يلهون ببضع حجارة..
ابتداء يومهم العبثي...
يعلو وجهه الكامد بسمة جلية للبؤس!!
رغم هيئته اليائسة..
بسمة تسللت بين زخات نكسات
وخيبات!!
بسمة توحي بالحياة والموت..
الخيبة والامل..
والخير المتدفق اليوم كنهر جارف على هذه البقعة..
بسمة لا يفهمها سوى سامعي ذلك الصرير
كل صباح ومساء..!!
كمعزوفة كلاسيكية لاحداهم...
وحدهم قادرون على فهم محتواه وتقسيم نغماته!
*********
تلك مشاهد لبدء نهار شرقي اصيل ومتأصل!!
الف الف مشهد لصباح واحد...
صباح يطل على وطن منكوب ومفعم بامل التحرير..
كيف لا..
وللصباح عندنا شكل اخر ونكهة لغوية اخرى؟..
لا يفهمها سوانا ولا يتكلمها ايانا!!
نحن من صاحبنا تلك التفاصيل المثقلة بجماليتها لايام مكدسة...
فالصباح عندنا معلم اخر...
تتجسد فيه كل ملاحمنا ..
الشرقية جدا!!
انظر بحواسك الثائرة كلها..
لتفهم تفاصيل وطننا وتفهمنا
من راسنا حتى اخمص قدمينا...
لتدرك ما حدث ويحدث...
وتتنبأ بما سيحدث ايضا!!
صباحنا متبرج بنشاط وثرثرة..
وحده ينفض الذاكرة..
ويغسلها من غبارها الفاسد
ببضع قذارة للحياة...
ويوقظها بعنف....
وحده يعيدك الصباح الى المكان والزمان
ان كنت خارج الوقت..
ويبث فيك روح نقية نشطة..
وفي الصباح...
للجدران العتيقة ثوبا اخر!!
مغسول بنشاط نسائي...
وللشوارع والزقاق.
من قال ان شوارعنا بلا اسماء؟
وذاكرة؟
وكل طريق يحكي رواية مدججة بالاسماء والاحداث...
والكلام الصباحي الخالي من اللغة!!
وحده الصباح يعيدنا الى ذاتنا..
وماضيتا التقليدي الاصيل..
باشراقة شمسه الضاحكة لتلك المشاهد البهية...
ووحده الشتاء الملعون قادر على نسف تلك المعالم..
وقتل ربيعالحياة..
وحده الشتاء يسدل الستار على المشاهد النابضة اعتزازا وفخرا..
بتهكم وازدراء...
لا احب الصباح الشتائي العاري من ثياب شرقنا..
والذي يطفي على فجرنا..
الكسل او الموت..
او كلاهما معا
وكاننا اصبحنا منذ الان
نعيش في اللاشيئ واللاوطن..
خارج الوقت والزمان
والذاكرة!
وحين ينتقل فرسان الصباح الى مكانهم الابدي..
يزول اي اثر لفجر اصيل...
لاننا في كسلنا الشبابي الغارق بالتجديد..
نغتال نشوى ذاكرة ...
يوما بعد الاخر..
بعد تشويه راسها برصاصة غادرة..
تقطف زهر الصباح الابيض..
المحمل بندى الاحلام
وتسحقه تحت اقدامنا الغارقة والذات...
في سبات الغفلة.
ولكن يا صباحي...
هون علي وعليك...
ما زال هناك صوت يتسلل بخفة واثقة..
الى مسمعي ...
ويبشر بان تفاصيل الصباح ..
ما زالت حبلى بعراقة واصالة..
وان تلك الحياة ..
تلك المعالم..
وهذا الوقت والمكان ..
ما زال يفخر بمجد الشرق!

 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى