الجمعة ١٣ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم عادل سالم

الزواج الغبي

طلق زوجته بعد ثلاث سنوات من زواجه غير آبه بطفله الصغير الذي حرمه من أمه، ولم يكتف بإعادة زوجته إلى أهلها بعد دفع مهرها المؤجل، بل قرر الزواج من فتاة أصغر منها سنا قبل انتهاء عدته من زوجته الأولى ليغيظها، ويشفي غليله منها، لأنها كما يقول لم تعد تسمع كلامه، ولم تنفذ أوامره مما أجبره على طلاقها.

كعادة أهل الخليل في فلسطين فقد توجه في أواسط ثمانينات القرن العشرين وفد من النساء مع عدد محدود من الرجال لاصطحاب عروسهم إلى مكان الاحتفال ثم إلى بيتها الجديد. وقد اصطحبهم أهل العروس في موكب كبير من بيت أهلها إلى مقر العريس (الاحتفال). كانت السيارات كثيرة من العائلتين، مزينه بالورود، والبلالين، والزمامير تصرخ من كل السيارات تخبر الناس بالمناسبة السعيدة ، والناس يطلون من نوافذهم متسائلين من يكون صاحب هذا الموكب الكبير؟

اختار العريس الذي كان في السيارة الأولى مع العروس ووالدته ووالدتها الطريق الأبعد للوصول إلى قاعة الاحتفال في مقر ديوان عائلته ليمر بالموكب من أمام بيت أهل مطلقته، فقد أراد أن يغيظها حتى اللحظة الأخيرة. وعندما وصل موكب العرس أمام بيت أهل مطلقته بالقرب من مدرسة طارق بن زياد وسط الخليل، مد يده للزامور وضغط عليه دون توقف، فاستجاب له أقاربه وضغط كل منهم على زامور سيارته، مما أزعج السكان، وأثار أهل المطلقة، وأغضبهم فشعروا بالإهانة، فغلا الدم في عروقهم، وعندما لاحظوا أن سيارة العريس تبطئ من سيرها متعمدة إثارة كل هذا الضجيج، قرروا مهاجمة الموكب بالحجارة والأسلحة البيضاء والعصي، وكان لهم أقارب يسكنون بجوارهم فشاركوهم الهجوم. وعندما شاهد أهل العريس والعروس الجديدة الحجارة تنهال عليهم حاولوا الدفاع عن أنفسهم فاشتبك الطرفان بمعركة لم يحسب أهل العريس حسابها.

كانوا في الطريق إلى الاحتفال بابنهم لا يحملون العصي ولا السكاكين، فيما أهل المطلقة متمرسون في بيوتهم، مسلحون بكل أنواع الأسلحة غير النارية، والشرر يتطاير من عيونهم.

أكثر من ساعة والمعركة دائرة لم تتوقف إلا بسقوط القتلى والجرحى من الطرفين، كان العريس أحد المصابين بجرح بليغ في بطنه. أعلنت الهدنة بين الطرفين بعد توسط الجاهة المكونة من وجهاء الخليل برئاسة الحاج موسى أبو سنينة حتى عودة الجرحى إلى بيوتهم. والتزام أهل العائلتين بالاتفاق وابتعد كل منهم عن الاحتكاك أو التواجد في منطقة العائلة الأخرى. كان عدد القتلى أربعة اثنان من كل طرف، والجرحى أكثر من ثلاثين أكثرهم من أهل العريس. أما عائلة العروس الجديدة فلم يصب أحد منهم فقد كان الرجال المتواجدون منهم قلة فالعادة تقضي أن يصطحب العروس نساء عائلتها وبعض أقاربها المقربين كوالدها فيما يتوجه الآخرون مباشرة إلى قاعة الاحتفال.

بعد ثلاثة أيام كما جرت عليه القوانين العشائرية التي تتبعها الجاهة تم تحديد الهدنة لفترة أخرى (شهر) لتهدأ النفوس ويصبح بالإمكان إصلاح ذات البين.

لم يستطيع العريس إقامة الاحتفال بعد وفاة بعض أقاربه، ولكن العروس الجديدة أصبحت زوجته، فقد عقد قرانها ونقلت من بيت أهلها فاضطر الانتقال معها إلى عش الزوجية دون احتفال ولا طبل ولا زمر مما أشعرها بالحزن، فيما شعر هو بالهزيمة خصوصا بعد أن حمل عليه أقاربه واتهموه بإثارة كل هذه المشاكل واستفزاز أهل مطلقته دون مبرر.

أهل القتلى وبعض الجرحى من عائلته لاموه على فعلته وقاطعوه.

بعد شهر اجتمعت الجاهة بحضور وفد كبير من وجهاء الخليل وقضائها، ومخاتيرها وكبار عائلاتها وحاراتها وحمائلها مع وفدين كبيرين من أهل العائلتين المتخاصمتين.

وقف الحاج موسى أمام الجميع، ليبدأ حديثة بالصلاة على النبي محمد، والحديث عن الصلح سيد الأحكام ويدين الاقتتال كوسيلة لحل الخلافات العائلية. حول القتلى والجرحى من الجانبين أعلنت الجاهة أن كل عائلة تتكلف بقتلاها وجرحاها لان كلا منها لديها قتلى وجرحى.

وحول مجرى الخلاف من البداية فإن أهل العريس يتحملون المسؤولية وعليهم أن يدفعوا الحق الواجب عليهم لأهل العائلة الأخرى. لكن من أجل أن تصفى النفوس، ويحل الوئام محل الخصام ومن أجل أرواح الأبرياء الذين سقطوا من الطرفين نتوجه إلى أهل العائلة المتضررة بضرورة التنازل عن حقهم.

بعد انتهاء كبير الجاهة من حديثه، وقف عدة أفراد من شخصيات الخليل ليثنوا على كلامه ويناشدوا الجميع التسامح وعدم إثارة الأحقاد، وضبط الشبان المنفعلين من كلا العائلتين.

على الفور وقف وجيه عائلة المطلقة، وأعلن أنه استجاب لهذه الجاهة الكريمة، وللنبي محمد (ص) ومن أجل التسامح وإنهاء الخصام، ثم قال:
 نتنازل عن حقنا ونضمد جراح أبنائنا ونترحم على أبنائنا الذين قتلوا وندعو لهم ولنا ولكم جميعا بالرحمة.

أهل القتيلين من عائلة العريس لم يعجبهم القرار رغم التزامهم به. وطالبوا العريس بتعويضهم عن مصابيهم خصوصا وأن احد القتيلين ترك ثلاثة أطفال وزوجته. وأمام ضغط مجلس العائلة فقد اضطر العريس أن يدفع معظم ثروته إلى أقاربه من أهل القتيلين. بعد انتهاء الخلافات، جلس معه أبوه على انفراد وقال له:
 يا بني، لقد حملتنا أوزارا كثيرة بسبب طيشك.

هز العريس رأسه وقال :
 لو كنت أقرأ الغيب ما أقدمت حتى على طلاقها.
لعن الله الشيطان الذي وسوس لي وأثار صمتي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى