السبت ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٥
بقلم مهند عدنان صلاحات

" تغار من الأقلام"

أيقظني صوت الجرس في الصباح الباكر، أفقت وأنا أتساءل من هذا يا ترى الذي يسبق الديك في الصباح ... إنه يوم إجازتي الذي أنتظره كل أسبوع كي أنام فيه فمن يا ترى هذا الذي يقطع علي راحتي وجاء يشاركني قهوة الصباح.

فتحت الباب فإذا هي بالباب واقفة خجولة، وبمجرد أن فتح الباب حتى انطلقت وبداخلها تنهيدة دافئة وقالت:

اعتذر عن إزعاجك في الصباح الباكر وأعلم أنك كنت نائم لأن اليوم إجازتك ولكني أحببت أن أطل عليك قبل أن تدخل الشمس إليك من النافذة. فأنا أعلم أنك لن تفيق إلا عندما تدخل الشمس من الشباك وتدفئك بحرارتها فأحببت أن أسبقها إليك...

  لا عليك عزيزتي ادخلي فأنت شمسي وقمري ومواسمي الأربعة، سأذهب لغسل وجهي وحلاقة ذقني فتكوني قد أعددت القهوة.

توجهت للصالة، وفتحت المذياع، فركضت باتجاهه معترضة وقالت: أيضا فيروز لن تكون عروس الصباح ولن تقول لك (أنا لحبيبي وحبيبي إلي) فاليوم أنا من سيقول لك : أنا لحبيبي فقط.

  كما تريدين، لكن كيف يكون الصباح بلا فيروز وشمس.

تقدمت مني بجرأتها المجنونة قبلتني وقالت: أما زلت مصراً أن الصباح لم يزل نائماً بعد هذا !!
لم يبق عندي ما أقوله فابتعدت عن المذياع واتجهت للشباك وأسدلت الستارة كي لا تدخل الشمس وقلت:

إن كان كل الصباحات القادمة ستكون بمثل هذا الصباح المجنون فإني لن أكون بحاجة لشمس أو فيروز أو غيرها، وربما طعم القهوة كذلك.

رفعت حاجبيها للأعلى في حركة توحي بالتعجب واتجهت للمطبخ قائلة: نسيت وضع القهوة، وسألتني : كالعادة "مرّة".

 وهل يعقل أن تكون غير ذلك، ثم أين كنت البارحة لم أرك طوال اليوم؟

 كنت في السوق طوال اليوم.

 اليوم بأكمله في السوق ماذا كنت تفعلين؟

 كنت أبحث لحبيبي عن هدية.

 وهل وجدت هدية، وهل يستحق هو تعب يوم كامل للبحث له عن هدية !!
 بصراحة لا أدري إن كان يستحق أم لا طالما هو كعادته ينتقص من نفسه ولا يعرف قدره بالنسبة لي لكني بكل الأحوال تعبت واحترت كثيراً في اختيار الهدية فذهبت لبيت صديقتي وأحضرتها لتساعدني في اختيار الهدية معي.

 وهل وفقتم الاثنتان باختيارها؟

 كلا ... لقد كانت معظم اختياراتها سيئة وتقليدية.

 ولماذا؟

 تصور أني عندما قلت لها أريد شراء هدية له واحترت كثيراً ولم أجد ما يناسبه ضحكت مني ساخرة وقالت: أنا أعرف ما يناسبه .. واتجهت بي باتجاه المكتبة في آخر الشارع، وأحضرت مجموعة أقلام وقالت: أنا متأكدة أنه سيعجب بها كثيرا.

  واااااو، أقلام، لقد أحسنت الاختيار.

قاطعتني بصوت غاضب وهي تقول: أجننت أنت الآخر مثلها!!! هل أحضر لك "ضرتي" بيدي !!! أتريد أن تقتلني غيرتي.

 غيرة؟ عن أي غيرة تتحديثن، إذا كنت تغارين من قيام صديقتك باختيار الهدية لماذا أحضرتها؟

 ومن قال أني أغار من اختيار صديقتي، بل أغار من الأقلام ذاتها أشعر بأنها مقتلي. أغار منها وأكرهها.

 مقتلك!!! لطالما عرفت أن الأقلام والكتابة هي مقتل صاحبها وكم من أديب ومفكر ورسام كاريكاتير كانت أقلامه سبب مقتله.

  أعرف ذلك، ولكني أتكلم عن شيء آخر. عن مقتلي أنا بأقلامك، أحضر لك أقلام لتكتب فيها لغيري، للناس، للعشاق، للوطن، ربما لأنثى أخرى.

ألا تدرك أنني لا أغار من هذه الأقلام فقط، بل من سجائرك أيضا تلك التي تشاركك أنفاسك، من قهوتك المرّة التي تستنشق أوراقك رائحتها، من فيروز، من شمس الصباح التي تستلقي أشعتها بجانبك كل صباح لتدفئك.

انتهيت من حلاقة وجهي وأزلت ما تبقى من رواسب رغوة الحلاقة بالماء عن وجهي، وكانت القهوة تنتشر برائحتها في كل الأجواء، تناولت فنجان القهوة وقلت لها: يا غالية، هل تغارين من الجماد الذي لا يحمل إحساس بداخله، حتى لو كان للأقلام والقهوة والشمس مشاعر أنا على يقين بأنها لن تكون بحجم مشاعرك المجنونة التي حملتك هذا الصباح لي كقطرات الندى في الفجر.

لكن لماذا هذه الأشياء ترافقك وتؤدي دورها في حياتك بشكل يومي وأنا لا أراك إلا عندما تنفك عنك هذه الأشياء، وخصوصا أقلامك، دوما منشغل بها دوما تعبث بها بأصابعك.

 يا عزيزتي هذه الأشياء التي ذكرت تدور في الأيام بروتين يومي، بينما أنت الاستثناء الوحيد الذي لا يشبه إلا نفسه في حياتي. لا تضعي نفسك في مقابل الأشياء العادية، لست كالشمس تأتي من الشباك في الصباح، لا موعد لحضورك ولا موعد لغيابك أيضا.

  وأنت كذلك استثناء لا يتكرر في حياتي.

لذلك أمضيت البارحة اليوم كله بحثا لك عن هدية استثنائية مثلك، رفضت اقتراح صديقتي بأن أحضرك لك أقلام أو كتاب جديد أو تبغ أو ساعة لكن خشيت أن تستخدمها وقت غيابي عنك فتشعر بوجع الغياب.

ولكني حين عدت في المساء للبيت متعبة ودخلت غرفتي وبدأت أفكر في شيء سيكون استثنائي ومجنون مثلك، اكتشفت ضالتي في نفسي، فلم أجد شيء أكثر جنونا من حضوري لك دون موعد، لذا جئتك بالصباح الباكر.

( انتهت )


مشاركة منتدى

  • المقال اكثر من رائع لقد بكيت عندما قرأته لانه يعبر تماما عن ما أشعر به ولكن لم أسطتع الافصاح عنه بهذه البلاغة الرائعة انه احساس لكل عاشقة تعشق حبيبها بكل كيانها ووجدانها وتقتلها الغيرة التي من ممكن ان تغضبه لكنها تكون خارج ارادتها فطالما عشقت لابد ان تغير بكل عشقها فلو استطاعت ان تعبر الى داخلة بدلا من هواء التنفس لفعلت.

    اشكرك على هذا المقال واتمنى ان اقرأ الكثير لك.وارجو ان استطعت ان تمدني بمقالاتك الرائعة على البريد الاكتروني.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى