الاثنين ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم أوس داوود يعقوب

تفاصيل الوعود الغربية البلفورية

 نحو مؤتمر دولي لبحث مسؤولية بريطانيا في ضياع البلاد.
 تفاصيل الوعود الغربية البلفورية منذ عام 1799 وحتى عام 1917.
 تاريخ صدور (وعد من لا يملك لمن لا يستحق).
في الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر تمر الذكرى الـ 93، على صدور (وعد بلفور) أهم الوثائق في الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني. وقد أخذ الوعد الذي أعد بصيغته النهائية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر عام (1917م)، على شكل رسالة بعث بها اللورد آرثر جيمس بلفور في 2 كانون الثاني/نوفمبر(1917م) إلى اللورد إدموند دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية، ونشر في الصحف البريطانية صباح يوم (23 من المحرم 1336هـ /الموافق: 8 من كانون الثاني/نوفمبر من نفس العام )، وهـو العـدد نفسه الذي نُشرت فيه أنباء اندلاع الثورة البلشفية، وقامت طائرات الحلفاء بإلقاء آلاف النسخ من (وعد بلفور، وأنباء صدوره) على يهود روسيا القيصرية وبولندا وألمانيا والنمسا.

ويعد صاحب الوثيقة اللورد آرثر جيمس بلفور، من (الصهاينة غير اليهود)، ومع أن الوعد صدر من بريطانيا، إلا أن صياغته وصدوره كان جهداً بريطانياً أمريكياً مشتركاً. أما الفائدة الكبرى من إصداره ، فهي تأسيس دولة وظيفية في فلسطين تُوظَّف في إطارها المادة البشرية اليهودية في خدمة الاستعمار الغربي. وقد كان الدافع الحقيقي لهذا الوعد هو رغبة الإمبراطورية البريطانية في زرع دولة استيطانية في وسط العالم العربي في بقعة مهمة جغرافياً لحماية مصالحها الاسـتعمارية، وخصـوصاً في قناة السـويس ولحماية الطريق إلى الهند.

وحينما صدر (وعد بلفـور)، سماه الصهاينة (الميثاق أو البراءة). وقد كانوا، في ذلك، أكثر دقة من كثير من العرب ومؤرخي الصهيونية، فوعد بلفور كان الميثاق الذي يشبه البراءات التي أُعطيَت لبعض الشركات الغربية في أعقاب تقسيم أفريقيا في مؤتمر برلين. وقد أصدرت بريطانيا البراءة بعد التفاوض مع الحلفاء، ووافقت عليه مسبقاً كلٌّ من فرنسا وإيطاليا، ثم أيَّدته الولايات المتحدة الأمريكية، وعليه يعد هذا الوعد وعداً غربياً، وليس وعداً إنجليزياً، كما هو شائع، وقد سعت الدول الاستعمارية العظمى منذ تأسيس الكيان اليهودي الصهيوني، أن يتم توظيفه في خدمة المصالح الإمبريالية الغربية كافة.

ومما يثير الاستغراب أن السواد الأعظم من الساسة والبحاثة والكتاب، لا يتعاطون مع هذا الوعد الاستعماري، إلا من باب الندب والتباكي والتظلم، والأجدر بنا جميعاً (فلسطينيون وعرباً) أن نعد العدة لمحاكمة هذا الوعد الكارثي، من حيث صياغة وتوقيت صدوره ونواياه ومراميه، وباعتبار ما شكله لاحقاً من خلق (أرضية أخلاقية- دولية) لإقامة الكيان العنصري اليهودي الصهيوني. وذلك من خلال الإعداد لمؤتمر دولي خاص بوعد بلفور، وتسليط الأضواء على ما أفرزه من آثار مدمرة على أرضنا وشعبنا في فلسطين، وفي المنطقة العربية بشكل عام. واعتبار بريطانيا مسؤولة، مسؤولية قانونية وأخلاقية عن ضياع البلاد وتشريد العباد ، وتحميلها مسؤولية تجريد الشعب الفلسطيني من السلاح قبل النكبة عام (1948)، وتحميلها كذلك جزءاً من المسؤولية القانونية عن الجرائم الصهيونية التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني منذ بداية عشرينات القرن الماضي وحتى عام (1948). باعتبارها الجهة القائمة بالانتداب، وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية كل ما جرى طيلة فترة الانتداب وحتى عام النكبة، وعليه وجب دعوة الحكومة البريطانية للاعتراف بمسؤوليتها عما حدث للشعب الفلسطيني، والتأكيد بعد تقديم اعتذار تاريخي للشعب الفلسطيني أن تعمل على تعويضه بالطرق التي يراها الفلسطينيون .

فخلال 28 عاماً من الحكم البريطاني، سنت سلطة الانتداب سلسلة من القوانين ، واتخذت العديد من الإجراءات التي سهلت إنشاء الكيان اليهودي الصهيوني .

وهنا وجب التأكيد أن كثيراً من السياسيين والمؤرخين يدفعون ببطلان هذا الوعد، وبالتالي بطلان كل ما ترتب عليه من مغالطات وأكاذيب، لأن فلسطين لم تكن، عند صدور الوعد جزءاً من الممتلكات البريطانية. كما أن المؤامرة الدولية على فلسطين، كانت تحاك من قبل الدول الاستعمارية العظمى قبل توقيع اتفاقية سايكس - بيكو عام (1916)، ذلك أن صك الانتداب على غير فلسطين نص على تمكين الشعوب ذات العلاقة من الوصول إلى مرحلة الاستقلال الوطني، إلا أن صك الانتداب على فلسطين تضمن (في المادة الثالثة منه) على تهيئة الأوضاع في فلسطين لإقامة كيان يهودي فيه. وقد تجاهل صك الانتداب واقع فلسطين التاريخي والقومي، ووجود الأكثرية العربية السـاحـقة فيها، والتي لم يأت ذكرها إلا بشـكل عرضـي ومنقوص. رغم أن عدد الفلسطينيين كان يفوق، عندئذ، 90%من مجموع السكان، بينما يمثل اليهود 10% فقط ولا تتجاوز أملاكهم 2% من عموم أراضي فلسطين.

الوعود البلفورية الغربية .. تعددت الصيغ والهدف واحد.
استناداً إلى المعطيات التاريخية، وجبت الإشارة إلى أنه يجب ألا ننظر إلى (وعد بلفور) بمعزل عن ما يمكن أن نطلق عليه (الوعود الغربية البلفورية) ـ أي تلك الوعود السابقة عليه أو اللاحقة له ـ وكذلك عن الاتفاقيات الاستعمارية الدولية التي أُبرمت أثناء الحرب العالمية الأولى، والتي كانت تهدف إلى حل المسألة الشرقية عن طريق تقسيم تركيا، وأهم هذه الاتفاقيات: (اتفاقية سايكس ـ بيكو) و(اتفاقية ماكماهون ـ حسين). كما لا يجب النظر إلى (الوعد البلفوري) بعيداً عن البراءات التي كانت تُعطَى للشركات الاستيطانية في آسيا وأفريقيا، ولا عن تقسيم العالم من قبَل القوى الإمبريالية الغربية وإعادة تقسيمه عام (1917)، ولا عن الرؤية المعرفية الإمبريالية، فضلاً عن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي كانت كامنة في الحضارة الغربية.

وقد بدأت الصيغ الأولى لـ (الوعود الغربية البلفورية) منذ القرن الثامن عشر، حيث ترجع البدايات الأولى لفكرة إنشاء وطن خاص باليهود، يجمع شتاتهم إلى ما قبل الحملة الفرنسية على مصر، وقد ظهرت أولى العلامات في وعد الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت بإنشاء دولة لليهود في فلسطين، حيث دعاهم (لإعادة بناء الهيكل باعتبارهم ورثة إسرائيل الشرعيين!)، وقد جاءت هذه الدعوة في شهر آذار/مارس من عام (1799) أي قبل أكثر من قرنين من الزمن.
ومما جاء في نص الوعد الفرنسي:
(من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسـية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين.
أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط.
إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين ـ وإن لم تكن لهم مواهب المتنبئين مثل أشعياء ويوئيل ـ قد أدركوا ما تنبأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع من دمار وشيك لمملكتهم ووطنهم: أدركوا أن عتقاء الإله سيعودون لصهيون وهم يُغنّون، وسيُولَد الابتهاج بتَملُّكهم إرثهم دون إزعاج، فرحاً دائماً في نفوسهم [أشعياء35/10 ].

انهضوا إذن بسرور أيها المبعدون. إن حرباً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، تخوضها أمة دفاعاً عن نفسها بعد أن اعتبر أعداؤها أرضها التي توارثوها عن الأجداد غنيمة ينبغي أن تُقسَّم بينهم حسب أهوائهم. وبجرة قلم من مجلس الوزراء تقوم للثأر وللعار الذي لحق بها وبالأمم الأخرى البعيدة. ولقد نُسي ذلك العار تحت قيد العبودية والخزي الذي أصابكم منذ ألفي عام. ولئن كان الوقت والظروف غير ملائمة للتصريح بمطالبكم أو التعبير عنها، بل وإرغامكم على التخلي عنها، فإن فرنسا تقدم لكم إرث إسرائيل في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات.
إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، والذي يقوده العدل ويواكبه النصر، جعل القدس مقراً لقيادتي، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تَعُد تُرهب مدينة داود.
يا ورثة فلسطين الشرعيين:
إن الأمة التي لا تتاجر بالرجال والأوطان، كما فعل أولئك الذين باعوا أجدادهم لجميع الشعوب [يوئيل 4/6]، تدعوكم لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء.
انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تُخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تَحالُفهم الأخوي شرفاً لإسبرطة وروما [مكابيون 12/15]، وأن معاملـة العبـودية التي دامت ألفي عام لم تُفلح في إخمادها.
سارعوا! إن هذه هي اللحظة المناسبة ـ التي قد لا تتكرر لآلاف السنين ـ للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سُلبت منكم لآلاف السنين، وهي وجودكم السـياسي كأمة بين الأمم، وحقـكـم الطـبيعي في عبادة يهـوه، طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد [يوئيل 4/20]).
غير أن وعد نابليون البلفوري ، صدر في وقت لم يكن فيه تنظيم يهودي يمكنه تلقِّي هذا الوعد والعمل على تسخير المادة البشرية لتنفيذه.

ومن الأمثلة الأخرى على (الوعود الغربية البلفورية)، الوعد الروسي القيصري. حيث قام ثيودور هرتزل بمقابلة فون بليفيه، وزير الداخلية الروسي المعادي لليهود، بتفويض من المؤتمر الصهيوني الخامس عام (1901)، حتى يَحصُل على تصريح يعبِّر عن نوايا الروس يتلوه في المؤتمر الصهيوني السادس المزمع عقده سنة (1903.( وبالفعل، صَدَر (الوعد البلفوري الروسي القيصري)، في شكل رسالة وجهها فون بليفيه إلى هرتزل، ومما جاء فيها:
(ما دامت الصهيونية تحاول تأسيس دولة مستقلة في فلسطين، وتنظيم هجرة اليهود الروس، فمن المؤكد أن تظل الحكومة الروسية تحبذ ذلك. وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا إذا ساعدت الإجراءات العملية التي يفكر فيها على تخفيف عدد اليهود في روسيا).

كما يمكن أن ننظر إلى مشروع شرق أفريقيا باعتباره أحد أهم (الوعودالغربية البلفورية) وهو لا يختلف كثيراً عن (الوعود البلفورية) السابق ذكرها، كما أنه يشبه في كثير من النواحي (وعد بلفور) الذي صدر في نهاية الأمر. ويُعرَف (مشروع شرق أفريقيا) أيضاً باسم (مشروع أوغندا) وهو الاسم الذي يُطلَق عادةً على الاقتراح الذي تقدمت به الحكومة البريطانية عام (1903) لليهود، لتنشئ لهم مقاطعة صهيونية في شرق أفريقيا البريطانية (كينيا الآن، وليس أوغندا كما هو شائع) في هضبة وعرة مساحتها 18 ألف ميل مربع ليست صالحة للزراعة.
ويبدو أن الخطأ في التسمية يعود إلى أن تشامبرلين، أشار أثناء حديثه عن المشروع مع هرتزل إلى سكة حديد أوغندا، فتَصوَّر هرتزل أن أوغندا هي الموقع المقترح للاستيطان. وقد تقدَّمت الحكومة البريطانية بالاقتراح في وقت تزايد فيه النشاط الاستعماري الألماني والإيطالي، وفي وقت تزايدت فيه هجرة يهود اليديشية إلى إنجلترا. ومن ثم، سنحت الفرصة لوضع الصيغة الصهيونية الأساسية موضع التنفيذ بتحويل المهاجرين إلى مادة استيطانية تُوطَّن داخل محمية إنجليزية تقوم بحماية الموقع الإستراتيجي الجديد.

وقد عرض البريطانيون شرق أفريقيا لا فلسطين، مكاناً للاستيطان، لأن الدولة العثمانية كانت حليفة لبريطانيا التي قررت الحفاظ على وحدة الدولة العثمانية لتقف ضد الزحف الروسي، أي أن تقسيم الدولة العثمانية لم يكن قد تقرَّر بعد. وقد كان المفترض أن تكون المقاطعة محمية خاضعة للتاج البريطاني يحكمها حاكم يهودي، وكانت ستُسمَّى (فلسطين الجديدة). وقد أعد مكتب لويد جورج ، رئيس وزراء بريطانيا حين صدور الوعد ، براءة الشركة التي ستقوم بتنمية المنطقة. وكان هرتزل من بين الموافقين على المشروع.
وقد كتبت مجلة (جويش كرونيكل) ، في ذلك الوقت ، أن المشروع كان يحظى بتأييد اليهود الروس بدرجة تفوق كثيراً تأييد قيادتهم الصهيونية له، كما يُلاحَظ أن المستوطنين الصهاينة في فلسطين كانوا من أشد المتحمسين للمشروع. ولكن المندوبين الروس عارضوا المشروع بشدة حينما عُرض على المؤتمر الصهيوني السادس (1903)، وكان من المعارضين أيضاً حاييم وايزمان. وقد أطلق على المعارضين تسمية (صهاينة صهيون) لإصرارهم على تشييد الدولة الصهيونية في (صهيون نفسها)، أي في فلسطين.

وقد صدر آخر) الوعود الغربية البلفورية) عن ألمانيا بعد صدور (وعد بلفور) نفسه عن إنجلترا، إذ استغل الصهاينة الوضع الدولي الناشيء عن الجمود الذي ساد جبهات القتال عام (1916) واتجهوا إلى حث الحكومة الألمانية على إصدار بيان رسمي يتضمن العطف على الصهيونية في فلسطين. ولكن الحكومة الألمانية كانت لا تزال مرتبطة بتحالف مع الحكومة العثمانية . كما كانت تخشى أن يؤدي تدهور الوضع العسكري إلى أن تسارع الحكومة العثمانية بعقد صلح منفرد مع الحلـفاء. وحـيث إن ألمانيا لن تضـحي بتحالفها من أجل الصهاينة، فإنها ترددت كثيراً في الاستجابة للمطلب الصهيوني.

واقتصر الأمر على تصريح من وكيل وزارة الخارجية الألمانية في اليوم التالي لتصريح الصدر الأعظم طلعت باشا ، اثر مقابلته للزعيم الصهيوني ألفريد نوسيج ، في مطلع شهر كانون الثاني/يناير (1918) ، والذي بُحث فيه موضوع اليهود في الدولة العثمانية ، ومما جاء في تصريح الصدر الأعظم ، أن الباب العالي سوف يعيد تنظيم الأوضاع حالما تعود القدس وجنوب فلسطين إلى السيادة العثمانية بصورة تَكفُل الرضا التام لليهود وتحقق أمانيهم كافة. وقد نُشر هذا التصريح في الصحف الألمانية في اليوم التالي للقاء ، أما نص تصريح المسؤول الألماني فقد جاء فيه:
(نحن نؤيد رغبة الأقليات اليهودية، في البلدان التي لهم فيها ثقافة متطورة، في أن تختط طريقها الخاص بها، ونميل إلى دعم أمانيها. أما بالنسبة إلى أماني اليهود، وبخاصة أماني الصهاينة منهم في فلسطين، فإن الحكومة الألمانية ترحب بالتصريح الذي أدلى به مؤخراً الصدر الأعظم، طلعت باشا، والذي يعبِّر عن عزم الحكومة التركية، المتفق مع نظرتها الودية نحو اليهود بوجه عام، على تنمية استقرار يهودي مزدهر في فلسطين، عن طريق الهجرة غير المُقيَدة والاستيطان ضمن قدرة البلاد الاستيعابية وقيام حكم ذاتي يتفق وقوانين البلاد والتطور الحر لحضارتها.)

وبعد صدور (الوعد البلفوري الألماني)، استمر الصهاينة في الضغط على الدولة العثمانية. وكلَّف الصدر الأعظم، بعد عودته من برلين، النائب اليهودي التركي قاراصو بتأليف لجنة يهودية عثمانية لوضع التفاصيل العملية لإنشاء شركة ذات امتياز في إستنبول تتولَّى العمل في المناطق المأهولة باليهود لإقامة حكم ذاتي فيها. وأمر طلعت باشا بدراسة الخطة التي وضعهتا اللجنة ووعد بتبنيها عند بَحْث شروط الصلح بعـد انتهاء الحـرب. وقد سعى الصـهاينة، انطـلاقاً من هذا الوعد، إلى الحصول على مزيد من التنازلات من الجانب العثماني، وإصدار تصريح عثماني مماثل لـ (وعد بلفـور). وقد تمكنـوا من الحصـول على هذا التصريح في 4 1 تمـوز/يوليو (1918)، وتشكلت لجنة عثمانية لوضع ما جاء فيه موضع التنفيذ.

السمات الأساسية للمشروع الصهيوني:
(ولفهم طبيعة ( الوعد البلفوري ) ، وإدراك نواياه ومراميه، لابد للقارئ من فهم السمات الأساسية للمشروع الصهيوني ، والتي تتضح أساساً في عدة حقائق أهمها:
أن الفكرة الصهيونية ظهرت في أوربا في القرن التاسع عشر، وهو عصر الاستعمار الأوربي القومي للقوميات الأخرى، وقد استمد كثيراً من مبرراته ، من الأفكار القائمة على التمييز العنصري.

كما أن فكرة قيام كيان يهودي، ثم تحوَّل إلى صهيوني ، انطلقت من قبَل الزعامات الأوربية قبل أن تتحول إلى تنظيم لليهود والصهاينة ، حيث ـ كما بينا سابقاً ـ كان نابليون بونابرت أول من أعلن عام (1799) ، عن استعداده للسماح لليهود بإعادة بناء الهيكل في القدس إذا ساعدوه في حربه مع بريطانيا العظمى من أجل السيادة على الشرق الأدنى والطريق إلى الهند.
كما أعلن بسمارك عن رغبته في إنشاء كيان يهودي ، حول نهر الفرات لحماية مشروع خط الملاحة الألماني التجاري الذي فكرت ألمانيا ، آنذاك ، في إنشائه لتخرج من دائرة احتكار بريطانيا للطرق التجارية المؤدية إلى الشرق الأقصى.

وفي عام (1837) طلب بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا ، من سفيره في استنبول الاتصال بيهود الشرق الأدنى ليطلبوا حماية بريطانيا ، لتتمكن من تحقيق وجود لها على غرار الوجود الذي حققته فرنسا في الشرق الأدنى ، تحت شعار (حماية المسيحيين الكاثوليك) ، وذاك الذي حققته روسيا القيصرية أيضاً تحت شعار (حماية المسيحيين الأرثوذكس).

وبعد قيام الحركة الصهيونية بتشجيع ألماني بريطاني جرى صراع حول الاستقطاب إلى أن نجحت بريطانيا في احتواء الحركة الصهيونية وإبعاد النفوذ الألماني، بوصول حاييم وايزمان وديفيد بن جوريون إلى موقع القيادة الأول . وقد قامت (إسرائيل) كدولة صهيونية من خلال ما يُسمَّى بالشرعية الدولية المتمثلة في قرار الجمعية العمومية المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر عام (1947) بتقسيم فلسطين، مع أن هذا القرار يتناقض مع المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، لأنه صادر إرادة شعب فلسطين وحقه في تقرير مصيره، فضلاً عن أن تهجير تجمعات بشرية إلى وطن يسكنه شعبه رغم إرادة هذا الشعب، ثم إعطاء هؤلاء المهاجرين حق سلب جزء من الوطن، عمل يتناقض مع الحقوق الطبيعية للشعوب التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان.

وتعد دولة (إسرائيل) الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بفعل الغير ، ووفق شروط تفصيلية تناولت حتى مبادئ الدستور ، ونصت على عدم المساس بالحقوق السياسية والمدنية والثقافية والدينية والاقتصادية لغير اليهود في القسم المخصص لليهود في فلسطين.

كما أنها الدولة الوحيدة التي وضع على قبول عضويتها في الأمم المتحدة شروط حددها (بروتوكول لوزان) الذي وقعته حكومة (إسرائيل). وأهم هذه الشروط قيام) إسرائيل) بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين ، بما في ذلك شروط قرار التقسيم وقيام دولة (إسرائيل)، وقرار حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وبيوتهم وممتلكاتهم، والتعويض لمن لا يرغب في العودة منهم. ولكن (إسرائيل) ترفض حتى الآن تنفيذ أي قرار من قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك ما يتصل بحدودها ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ، وهو ما يجعل عضويتها في الأمم المتحدة باطلة وغير شرعية.

وجدير بالذكر أن القادة الصهاينة لم يعلنوا قبل قيام دولة (إسرائيل) موافقتهم على قرار التقسيم ورفضوه كما رفضه شعب فلسطين، ولكنهم في الاجتماع الذي عُقد في تل أبيب في كانون الأول/ ديسمبر عام (1947) ، قرروا عدم إعلان رفضهم له أو موافقتهم عليه، والعمل على تنفيذه كمرحلة أولى من مراحل العمل من أجل تحقيق الاستيلاء على كل فلسطين كقاعدة انطلاق باتجاه تحقيق (إسرائيل الكبرى) كهدف نهائي جغرافياً.

وترفض (إسرائيل) كذلك عملياً الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان على غير اليهود، كما ترفض الالتزام بالمواثيق الدولية ومنها اتفاقيات جنيف في كيفية التعامل مع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ولا توجد دولة في الأمم المتحدة، صدرت بحقها قرارات إدانة في هذا المجال ، ومجال رفضها الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ، كما صدر بحق دولة (إسرائيل)، بما في ذلك ما يتصل بانتهاكاتها سيادة دول البلدان العربية (لبنان ـ السعودية ـ سوريا ـ مصر ـ تونس ـ العراق ـ الأردن ( ، وكذلك انتهاكاتها المستمرة لاتفاقيات الهدنة مع دول الطوق .

الانجليز « أصل الداء والبلاء» ..
وجه البريطانيون أنظارهم في بدايات القرن الماضي ، بكونهم القوة الاستعمارية العظمى، نحو الشرق الأوسط، وسعوا لاعتبارات إستراتيجية واقتصادية إلى توطيد سيطرتهم ونفوذهم في المنطقة.

طبقاً لقرار مؤتمر (سان ريمو) لدول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وفي سياق اقتسام مناطق النفوذ في العالم بين الدول الاستعمارية الكبرى ، وُضعت فلسطين عام (1920) تحت الانتداب البريطاني، ورأت الحكومة البريطانية أن تحصل على تصديق دولي لهذا القرار، فعرضته على عصبة الأمم التي أصـدرت (صـك الانتداب) عام (1922)، وضمَّنته بريطانيا نص (وعد بلفور) ، فأصبح الوعد بذلك وثيقة دولية،
وقد اتبعت سـلطات الانتداب البريطاني سياسة موالية للصهيونية، فعُيَّن الصهيوني السير هربرت صمويل مندوباً سامياً بريطانياً، وتم إفســاح المجال لعمل المؤسسات الصهيونية المختلفة، مثل ) : الصندوق التأسيسي الفلسـطيني، الهستدروت، والمجلس القومي وغيرها من المنظمات والجمعيات والحركات العسكرية والاستيطانية).

كما مُنحت عدة امتيازات للمستوطنين الصهاينة مكنتهم من السيطرة على كثير من المصالح الاقتصادية الحيوية في فلسطين، وجرى تعاون واسـع بين سـلطات الانتداب والوكالة اليهودية. وفي ظل هذه الأوضاع، تزايد النشـاط الصهيوني واتجه إلى وسيلتين: الأولى: تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين على أوسع نطاق، والثانية: تشجيع انتقال الأراضي من العرب إلى اليهود بالطرق المختلفة؛ كشراء الأراضي، ومَنْح القروض لليهود، وتقديم المساعدات لتشييد المستوطنات. ومن ناحية أخرى، شجعت سلطات الانتداب تأسيس المنظمات العسكرية الصهيونية، مثل: (الهاجاناه، إتسل، وليحي). وشاركت هذه السلطات في تدريب أفرادها وتطوير وسائلها، وتسترت على نشاطها الإرهابي ضد السكان العرب.

وأمام تَصاعُد الرفض العربي للسياسة البريطانية الجائرة في فلسطين ، وللإرهاب الذي تمارسه المنظمات المتطرفة الصهيونية، ولمواجهة الانتفاضات العربية المتتالية، أوفدت بريطانيا عدة لجان لدراسة الأوضـاع في فلســطين واقتراح حلول لمشـكلتها، وهي: لجـنة هيكرافت (1921)، لجنة شو( (1930، لجنة بيل (1936)، اللجنة الملكية للتحقيق (1936)، ولجنة وودهيد (1938) ، كما أوفدت عصبة الأمم لجنة البراق الدولية إلى فلسطين عام (1930) لدراسة الأوضاع إثر انتفاضة البراق عام (1929)، كما أوفدت بريطانيا أيضاً سير جون سمبسون إلى فلسطين لهذا الغرض، وشكلت مع الولايات المتحدة لجنة مشتركة لتقصي الحقائق هي اللجنة الأنجلو ـ أمريكية عام (1946).

ودرجت الحكومة البريطانية أيضاً، خلال فترة الانتداب، على إصدار الكتب البيضاء لمعالجة الأوضاع المتفجرة في فلسطين. وقد قوبلت هذه الإجراءات بالرفض من الجانب العربي الذي لم يأل جهداً في سبيل التخلص من الاحتلال البريطاني والتغلغل الصهيوني في فلسطين. أما الجانب الصهيوني، فقد اتسمت علاقته مع سلطات الانتداب بالتعاون والتنسيق التام، عدا بعض الفترات القليلة التي شهدت خلافات بينهما نظراً لرفض الصهاينة نصوص الكتب البيضاء ، ولرغبتهم في الضغط على بريطانيا لدفعها إلى مواقف أكثر تأييداً للمشروع الصهيوني. وقد وصلت الخلافات إلى حد الصدام المسلح بين الطرفين في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وقد كان الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان يعرف جيداً ، أن ما يحرك الإنجليز وغيرهم من القوى الغربية ، هو دوافع المصالح الإمبريالية، وأن مهمته تتلخـص في تقديم المادة البشـرية حتى يمكنهم توظيفها ، حيث صرح قائلاً: ( إن وافقت إنجلترا على منحنا فلسطين، فإننا سنحصل على وطن وستحصل هي على سند فعَّال ).
وأضاف وايزمان إنه لم يحلم قط بوعد بلفور، وإنه جاء بكل صراحة بشكلٍّ مفاجئ. إذ كان قد أعد نفسه لأن يبدأ نشاطه بعد انتهاء الحرب، ولكن الإمبراطورية الإنجليزية كانت قد قررت أن تُوظِّف اليهود لمصلحتها. ومن ثم، لم يكن هناك مفر من إدخالهم في الصورة. ولذا، وعلى عكس المُتصوَّر، لم يبادر الصهاينة بالمفاوضات مع الحكومة الإنجليزية ، وإنما نجد أن الحكومة البريطانية هـي التي بادرت بالاتصـال بهم. وقد تَقـدَّم الصهاينة بمطالبهم، ولكن رئيس الوزراء إسكويث ، آنذاك ، كان ملتزماً بسياسة إحلال العرب محل الأتراك. ولكن قبل استقالة إسكويث، كانت الحكومة البريطانية قد درست مستقبل فلسطين وتوصلت إلى مخطط بشأن هذا المستقبل. وما يثبت هذا القول المذكرة التي تقدَّم بها السير هربرت صموئيل في شهر آذار/ مارس عام (1915) للحكومة البريطانية ووضَّح فيها الاحتمالات الممكنة لمستقبل فلسطين بعد انهيار الدولة العثمانية. وقد تضمنت المذكرة خمسة احتمالات كان أهمهما :
 الأول : هو (الإقامة المبكرة لدولة يهودية وإنشاء محمية بريطانية). لكن هذا الاحتمال تم رفضه لأن اليهود كانوا لا يشكلون ، يومها ، سوى أقلية صغيرة لا تُذكَر (الأمر الذي سيؤدي إلى تلاشي حلم الدولة الصهيونية). وتضيف المذكرة أن زعماء الحركة الصهيونية (كانوا على إدراك تام لهذه الاعتبارات).
 وأما الثاني: فهو الاحتمال الأوحد القابل للتحقيق حسبما جاء في المذكرة، ويتمثل في عدة نقاط هي:

  1. يشكل إنشاء المحمية ضماناً لسلامة مصر (أي سلامة المصالح الإمبراطورية البريطانية التي كانت مصر تشكل إحدى ركائزها الأساسية)
  2. سوف يُقابَل إعلان الحماية البريطانية بالترحيب من السكان الحاليين (وسيتم بالتالي تحاشي الصدام مع اليهود)
  3. ستُعطَى المنظمات اليهودية تحت ظل الحكم البريطاني تسهيلات لابتياع الأراضي وإنشـاء المسـتعمرات وإقامة المؤسـسات التربوية والدينية، والتعاون في إنماء البلاد اقتصادياً، وستنال مسألة الهجرة اليهودية مركز الأفضلية بحيث يتحول السكان اليهود إلى أكثرية مستوطنة في البلاد [أي توطيد دعائم الاستيطان الصهيوني].
  4. ستؤدي هذه الخطوة إلى شعور يهود العالم بالامتنان تجاه بريطانيا وسوف يؤلف اليهود كتلة متحيزة للإمبراطورية البريطانية .

وإذا كان هذا هو الإطار العام، فإن التحرك من خلاله كان يتطلب استقالة إسكويث عام (1916)، وقد حل محله لويد جورج كرئيس للوزراء وبلفور وزيراً للخارجية. وهنا ظهر السير مارك سايكس (1979-1919) ، المهندس الحقيقي لوعد بلفور ، الذي عُيِّن مستشاراً لوزارة الخارجية البريطانية لشؤون الشرق الأوسط. ويكاد يكون هناك ما يشبه الإجماع بين المؤرخين على أن الإمبراطورية البريطانية كانت شديدة الاهتمام بفلسطين، وقد أبرمت معاهدة (سايكس ـ بيكو) لتحديد طريقة تقسيم الدولة العثمانية. ولم يشترك الصهاينة في المفاوضات المؤدية، ولم يُدعَوا إليها، ولم يعرفوا بها حتى بعد توقيعها، أي أن مصير فلسطين تقرَّر دون مشاركتهم. وتجدر الإشارة إلى أن (وعد بلفور) قد تأخر صدوره بعض الوقت بسبب معارضة يهود إنجلترا المعادين للصهيونية، إذ قاد لوسيان وولف وسير إدوين مونتاجو حملة ضد الوعد وإصداره لأنه يُسقط حق المواطنة عن اليهـود ويجـعلهم مواطنين في دولة أخرى. واسـتجابةً لهذه الضغوط، أُسقطت من صياغة الوعد الأولى ، عبارة (الجنس اليهودي) وحل محلها عبارة (الشعب اليهودي) ، كما أضيفت عبارة أن ( الوعد لن يؤدي إلى الإخلال بالحقوق والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى ).

بريطانيا .. دور مشبوه منذ منتصف القرن الثامن عشر.
في مقال له بعنوان ( قرنان على وعد بلفور ) ، يسلط الناشط السياسي الفلسطيني الدكتور إبراهيم حمامي الضوء على خفايا الدور البريطاني ، والمراحل المتلاحقة التي أدت إلى صدور الوعد المشؤوم ، حيث تمثلت مصلحة الاستعمار الأوروبي والبريطاني بالذات، في فصل الجزء الآسيوي عن الجزء الأفريقي من الوطن العربي، وخلق ظروف لا تسمح بتحقيق الوحدة بين الجزأين في المستقبل . ووجدت بريطانيا في فلسطين مكاناً ملائماً لبسط نفوذها بسبب الموقع الجغرافي الذي تتمتع فيه وسط الوطن العربي ، وباعتبارها البوابة التي تربط بين أسيا وأفريقيا . وقد بدأ الموقف البريطاني يتضح بعد حملة محمد علي باشا والي مصر إلى بلاد الشام، عندما أرسل ابنه إبراهيم باشا إلى المنطقة، مما أثار بريطانيا لأنها خشيت أن تتوحد مصر مع بلاد الشام في دولة واحدة، لهذا ساهمت الحكومة البريطانية مع الدولة العثمانية في إفشال حملة إبراهيم باشا.

وبعد تدخل بريطانيا، أرسل بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا مذكرة إلى سفيره في استانبول في عام (1840)، شرح فيها الفوائد التي سوف يحصل عليها السلطان العثماني من تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين وقال: (إن عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين بدعوة من السلطان وتحت حمايته يشكل سداً في وجه مخططات شريرية يعدها محمد علي أو من يخلفه).
وفي آذار/مارس عام (1840) وجه البارون اليهودي روتشيليد خطاباً إلى بالمرستون قال فيه : (إن هزيمة محمد علي وحصر نفوذه في مصر ليسا كافيين لأن هناك قوة جذب بين العرب، وهم يدركون أن عودة مجدهم القديم مرهون بإمكانيات اتصالهم واتحادهم، إننا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض، فسوف نجد أن فلسطين هي الجسر الذي يوصل بين مصر وبين العرب في آسيا. وكانت فلسطين دائماً بوابة على الشرق. والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر في هذه البوابة، لتكون هذه القوة بمثابة حاجز يمنع الخطر العربي ويحول دونه، وإن الهجرة اليهودية إلى فلسطين تستطيع أن تقوم بهذا الدور، وليست تلك خدمة لليهود يعودون بها إلى أرض الميعاد مصداقاً للعهد القديم، ولكنها أيضاً خدمة للإمبراطورية البريطانية ومخططاتها، فليس مما يخدم الإمبراطورية أن تتكرر تجربة محمد علي سواء بقيام دولة قوية في مصر أو بقيام الاتصال بين مصر والعرب الآخرين).

وعلى الرغم من أن النجاح لم يكتب في هذه الفترة للمخططات الاستعمارية الأوربية ، الفرنسية والبريطانية ، إلا أن الفكرة لم تمت، ولم يستسلم خلفاء بالمرستون فعادوا للتمسك بمخططهم الداعي إلى توطين اليهود في فلسطين. حيث تبنى ديزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا ووزير خارجيته اللورد سالزبري عام (1875) ، مشروع بالمرستون فشجعا اللورد لورنس اوليقانت بالتفاوض مع الحكومة العثمانية حول أرض يمكن لليهود استيطانها، غير أن الأحداث تلاحقت ففي عام 1880 فاز حزب الأحرار في الانتخابات وتولى غلادستون خلفاً لديزرائيلي منصب رئاسة الحكومة البريطانية ، ولم يكتب ، اثر ذلك ، النجاح للمشروع

وبعد اتفاقية سايكس - بيكو (1916) التي حصلت فرنسا بموجبها على أجزاء من سوريا وجنوب الأناضول وعلى منطقة الموصل في العراق (لونت باللون الازرق)، وحصلت بريطانيا على أراضي جنوب سوريا إلى العراق شاملة بغداد والبصرة والمناطق الواقعة بين الخليج العربي والأراضي الممنوحة لفرنسا وميناءي عكا وحيفا (لونت باللون الأحمر) ، أما بقية مناطق فلسطين فقد لونت باللون البني، واتفق على أن تكون دولية. في أعقاب تلك الاتفاقية عمد قادة الحركة الصهيونية وعلى رأسهم اللورد روتشيلد وحاييم وايزمان لإجراء اتصالات مع بريطانيا أدت إلى إصدار (وعد بلفور)، وكان من الأسباب التي دفعت بريطانيا للموافقة على الوعد هو أن تكون الدولة اليهودية خط الدفاع الأول عن قناة السويس واستمرار تجزئة الوطن العربي.
ولم يتوقف دور المنظمة الصهيونية العالمية بعد موت هرتزل، بل استمر بنفس الوتيرة ولنفس الهدف وبعد اتفاقية سايكس - بيكو (1916)، التي حصلت فرنسا بموجبها على أجزاء من سوريا وجنوب الأناضول وعلى منطقة الموصل في العراق (لونت باللون الازرق)، وحصلت بريطانيا على أراضي جنوب سوريا إلى العراق شاملة بغداد والبصرة والمناطق الواقعة بين الخليج العربي والأراضي الممنوحة لفرنسا وميناءي عكا وحيفا (لونت باللون الأحمر)، أما بقية مناطق فلسطين فقد لونت بـ (اللون البني)، واتفق على أن تكون دولية. في أعقاب تلك الاتفاقية عمد قادة الحركة الصهيونية وعلى رأسهم اللورد روتشيلد ووايزمان لإجراء اتصالات مع بريطانيا أدت إلى إصدار (وعد بلفور)، وكان من الأسباب التي دفعت بريطانيا للموافقة على منح الوعد هو أن تكون الدولة اليهودية خط الدفاع الأول عن قناة السويس واستمرار تجزئة الوطن العربي.

واستمرت الضغوطات الصهيونية والمؤامرات الدولية دون توقف ومرت بعدة مراحل تمهيدا لصدور (وعد بلفور)، وقد كان الدور البريطاني في هذه المؤامرة حاسماً بدعم وتأييد من الدول الاستعمارية العظمى .وما إن وضعت الحرب تركة الإمبراطورية التركية على جدول الأعمال حتى تقدم هربرت صموئيل الذي اشترك في الوزارة البريطانية في هذه الفترة بمشروع يقوم على ضم فلسطين إلى الإمبراطورية البريطانية وزرع ثلاثة أو أربعة ملايين يهودي فيها وبذلك تحقق حلف بين الفريقين يخدم مصالح بريطانيا.

وفي هذا الوقت بالذات، أي في نهاية عام (1914)، ومطلع عام (1915) كان حاييم وايزمن يكاتب محرر المانشستر غارديان س.ب. سكوت قائلاً: (في حالة وقوع فلسطين في دائرة النفوذ البريطاني وفي حالة تشجيع بريطانيا استيطان اليهود هناك.. فستستطيع خلال عشرين أو ثلاثين سنة من نقل مليون يهودي أو أكثر إليها فيطورون البلاد ويشكلون حارساً فعالاً يحمي قناة السويس).

كما كتب رئيس وزراء بريطانيا هربت اسكويث في كتابه (شكريات وتأملات 1852-1928)، تحت التاريخين ( 28 كانون الثاني/ يناير و 13 آذار/ مارس 1915 )، يصف بعض ملامح مشروع هربرت صموئيل ، ولاحظ أن (الغريب في الأمر أن يكون نصير المشروع الوحيد الآخر _ في الوزارة ـ لويد جورج ولا حاجة بي للقول انه ـ لويد جورج ـ لا يهتم بالمرة باليهود، لا بماهيتهم ولا بمستقبلهم ولكنه يعتقد أنه من انتهاك الحرمة السماح بانتقال الأماكن المقدسة ـ في فلسطين ـ إلى حوزة أو حماية [فرنسا اللا إدارية الملحدة]).

وكتب كذلك لويد جورج في كتابه (الحقيقة حول معاهدات الصلح)، [لندن 1938 المجلد الثاني]: (إن نوايا الدول الحليفة بشأن فلسطين حتى عام 1916 جسدها اتفاق سايكس- بيكو، بموجبه كانت البلاد ستشوه وتمزق إلى أقسام لا تبقى هناك فلسطين).

وقد كان وزير الخارجية البريطانية آرثر جيمـس بلفـور عام (1917) من أكثر المتحمسين للفكرة الصهيونية وحاول إقناع أعضاء الحكومة في اجتماعهم ، في 4 تشرين الأول/أكتوبر (1917) بأن يهود روسيا وفرنسا يدعمون فكرته بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين معتمداً على تقارير من الصهاينة المقيميين في لندن ومتجاهلاً التقارير الرسمية من مندوبي وسفراء الحكومة في مواقع الحدث.

وفي اجتماع الوزارة البريطانية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر أوضح بلفور نفسه ما يفهمه من التعبير (وطن قومي يهودي). يعني شكلاً من أشكال الحماية البريطانية أو الأمريكية أو غيرهما ستتوفر لليهود في ظلها مرافق وتسهيلات كافية تتيح له بناء مقومات خلاصهم الذاتي فيرسون بالمؤسسات التربوية والصناعية قواعد مركز حقيقي للثقافة القومية وموئلاً للحياة القومية، وهو لا ينطوي بالضرورة على تأسيس دولة يهودية مستقلة في أمد قريب، إذ يتوقف هذا الأمر على التطور التدريجي وفقاً لسنة التطور السياسي المعهودة).

ردود فعل الدول العظمى على «وعد بلفور».
كانت فرنسا صاحبة أول بيان صدر تأييدًا لذلك الوعد المشؤوم، فقد أصدر وزير الخارجية الفرنسي بيانًا مشتركًا مع ممثل الجمعيات الصهيونية في فرنسا، عبّرا فيها عن ارتياحهما عن التضامن من بين الحكومتين الإنجليزية والفرنسية في قضية إسكان اليهود في فلسطين.
الدور الأمريكي:

في عام (1844) قامت أمريكا بفتح أول قنصلية لها في القدس ، وهناك بدأت تقارير القنصل الأمريكي تتوالى على رؤسائه ، وقد كانت تتمحور حول ضرورة التعجيل في جعل فلسطين وطناً لليهود.
وفي عام (1891) قام أحد أبرز زعماء الصهيونية المسيحية في ذلك الوقت ، وهو القس ويليام بلاكستون بعد عودته من فلسطين ، برفع عريضة إلى الرئيس الأمريكي بنيامين هاريسون دعاه فيها إلى الاقتداء بالإمبراطور الفارسي قورش الذي أعاد اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين.

وبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام (1897) قام القس بلاكستون بتوجيه انتقاده إلى زعيم المؤتمر ثيودور هرتزل لأنه وجد منه تساهلاً في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
الدور الألماني:
في عام (1898) زار الإمبراطور الألماني غليوم مدينة القدس ، وقد سعى ثيودور هرتزل إلى التقرب من الإمبراطور طلباً لدعم مشروعه ، فتحقق له ذلك اثر لقاء ضم وفداً من الشخصيات الصهيونية الرفيعة المستوى ، وقد أكد الإمبراطور للوفد بأن (المساعي الصهيونية في فلسطين التي تحترم سيادة حليفته تركيا تستطيع أن تعتمد على رعايته الكاملة) ، وترجم الإمبراطور غليوم وعده بهذه الرعاية بتوثيق العلاقة بين المستوطنين الصهاينة والمستوطنين الألمان ، من جماعة جوتليب هوفمان والد كريستوف هوفمان ، مؤسس جمعية الهيكل الألمانية ، الذين بدأوا عام (1870) بإنشاء مستوطنات زراعية ألمانية في القدس وحيفا ويافا. (أنظر مقالنا :أبرز الحركات والجماعات والمنظمات الأصولية اليهودية والصهيونية ودورها الإرهابي في القرنين الماضيين ـ [جمعية فرسان الهيكل])

وبعد المذابح والمضايقات التي تعرض لها اليهود في روسيا عام (1881) ، اثر اغتيال القيصر ألكسندر الثاني ، وما نتج عن هذه المذابح من هجرة واسعة من يهود روسيا إلى أوروبا الشرقية والغربية ، مما أسرع في انهيار حركة الاندماج ، وتشكلت مراكز يهودية متبنية دعوة ليوبنسكر في كتابه (التحرر الذاتي) وظهرت منظمة (أحباء صهيون) في أوكرانيا، الداعية إلى الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها.

الموقف العثماني:
حاول زعماء الحركة الصهيونية يتقدمهم هرتزل ، بدعم أوروبي شاركت فيه، آنذاك، ألمانيا وبريطانيا، الضغط على الخلافة العثمانية لانتزاع ميثاق من السلطان عبد الحميد الثاني يمنح اليهود حق الاستيطان في فلسطين والسماح بهجرتهم إليها، غير أن السلطان العثماني رفض الضغوط الأوروبية وإغراءات اليهود.

وفي الفترة بين عامي (1900- 1901) أصدر السلطان عبد الحميد بلاغاً يمنع المسافرين اليهود من الإقامة في فلسطين لأكثر من ثلاثة أشهر، كما أمر بمنع اليهود من شراء أي أرض في فلسطين، خشية أن تتحول هذه الأراضي إلى قاعدة لهم تمكنهم من سلخ فلسطين عن بقية الجسد المسلم.

وفي عام (1902) تقدم اليهود بعرض مغر للسلطان عبد الحميد ، يتعهد بموجبه أثرياء اليهود بوفاء جميع ديون الدولة العثمانية وبناء أسطول لحمايتها، وتقديم قرض بـ(35) مليون ليرة ذهبية لخزينة الدولة العثمانية المنهكة، إلا أن السلطان رفض العروض وكان رده كما جاء في مذكرات ثيودور هرتزل: (انصحوا الدكتور هرتزل ألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، لأني لا استطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يميني بل ملك شعبي، لقد ناضل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت إمبراطوريتي يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من الإمبراطورية الإسلامية، وهذا أمر لا يكون، فأنا لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة ..).
وعندما أيقن اليهود فشل جميع المحاولات الممكنة بدأوا بالعمل على إسقاط الخلافة العثمانية، حيث استطاعوا التسرب عن طريق طائفة يهود الدونمة التي تظاهر أفرادها بالإسلام وحملوا الأسماء التركية، ودخلوا في جميعة (الاتحاد والترقي) ووصلوا إلى الحكم عام (1907)، وتصاعد النشاط الصهيوني في فلسطين بدعم من أنصار الاتحاد والترقي ويهود الدونمة الذين سيطروا على مقاليد السلطة في الآستانة حيث سمح الحاكم العثماني الجديد لليهود بالهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي فيها، مما فتح الباب أمام المنظمات الصهيونية للبدء بالنشاط العملي على نطاق واسع حتى سقطت الخلافة رسمياً عام 1924.

من تاريخ الحركة الصهيونية في بريطانيا
من أجل فهم طبيعة العلاقات البريطانية الصهيونية ، ومعرفة مدى التغلغل الصهيوني في الحياة السياسية والعامة البريطانية، ومحورية الدور البريطاني في الشؤون الصهيونية، والتي أدت في نهاية الأمر إلى إصدار (وعد من لا يملك لمن لا يستحق )، نرى وجوب معرفة تفاصيل وتاريخ الحركة الصهيونية في بريطانيا ، وماهية العلاقات الصهيونية البريطانية، حيث ارتبطت حركة أعضاء الجماعات اليهودية وهجرتهم بالتشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي (وخصوصاً الإنجليزي). ويُلاحَظ أن الفكر الصهيوني قد وُلد في البداية في الأوساط الإنجليزية البروتستانتية قبل أن يصل إلى أعضاء الجماعات اليهودية. فمفكرون مثل شافتسبري وأوليفانت، كانوا قد توصلوا إلى كل الأطروحات الصهيونية قبل ثيودورهرتزل ـ مؤسس الحركة الصهيونية ـ بعشرات السنين. كما أن أوليفانت وغيره كانوا قد بدأوا بوضع مشروعهم الصهيوني موضع التنفيذ. ومقابل ذلك، كان هناك معارضة للصهيونية بين يهود إنجلترا المندمجين. ولم تبدأ الأفكار الصهيونية في الظهور إلا مع هجرة يهود اليديشية في أواخر القرن التاسع عشر.

ويقسم البحاثة والمؤرخ الموسوعي الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري تاريخ الحركة الصهيونية في إنجلترا إلى أربع مراحل:
 المرحلة الأولى: (منذ نشأة الحركة حتى 1914):
وفيها اتسمت علاقة الحركة الصهيونية باليهود البريطانيين بالمعاداة أو اللامبالاة ، حيث اعتبرها معظم الرموز اليهودية في إنجلترا حركة خرافية خيالية تضر بمصالح اليهود، وكان الأنصار الأساسيون للحركة الصهيونية في بريطانيا هم الساسة غير اليهود الذين وجدوا فيها وسيلة جيدة لتحقيق الأطماع البريطانية الاستعمارية في الشرق العربي.

وكانت لندن أول العواصم الأوروبية التي عبَّر فيها هرتزل عن فكرته الصهيونية في النادي المكابي في عام (1895) ، ونشر برنامجه الصهيوني لتوطين اليهود في فلسطين في جريدة (جويش كرونيكل) في كانون الثاني/يناير (1896) قبل نشره كتاب دولة اليهود . وكما هو متوقَّع أخذت الصهيونية في بريطانيا الشكل التوطيني. وعندما وصل هرتزل إلى لندن عام (1896)، لم يُقابَل اقتراحه بحماس كبير بين اليهود الإنجليز المندمجين.

وقد أثارت كلمة هرتزل مخاوف جماعة أحباء صهيون اللندنية برئاسة الكولونيل ألبرت جولد سميد من أن تثير خطته السلطات التركية فتمنع إقامة المستوطنات اليهودية في فلسطين، وهو ما حدا بالجماعة إلى رفض دعوة هرتزل لها لحضور المؤتمر الصهيوني الأول عام (1897) الذي حضره ثمانية مندوبين بريطانيين ، من بينهم (إسرائيل زانجويل) معظمهم ليسوا من أصل بريطاني بل مهاجرون من أصول شرق ووسط أوربية. وقد تعرَّضت الحركة الصهيونية في بدايتها لانتقادات ومعارضة شديدة من قبَل اليهود البريطانيين حتى أن الحاخام الأعظم الدكتور هرمان أدلر أصدر مرسوماً يحذر فيه من (الأفكار الخرافية والخيالية حول الأمة اليهودية والدولة اليهودية). وقد تطلَّب الأمر من هرتزل، الذي كان يطمح إلى الحصول على تأييد بريطاني لمشروعه، أن يعمل جاهداً على ضم حركة أحباء صهيون. وبحلول المؤتمر الصهيوني الثاني عام (1898)، كان عدد الجمعيات الصهيونية في بريطانيا 26 جمعية، ومَثل تلك الجمعيات في بازل 15 مندوباً. وفي عام( (1899، تَشكَّل اتحاد صهيوني برئاسة السير فرانسيس مونتفيوري . وفي العام نفسه، نجح هرتزل في تسجيل الصندوق اليهودي الاستعماري، وهو أول أداة مالية صهيونية لتمويل المشروع التوطيني في لندن، كشركة بريطانية. وقد أدَّى هذا إلى القضاء تماماً على جمعية أحباء صهيون كجماعة مستقلة حيث اشترك أغلب أعضائها البارزين في الصندوق وبالتالي في الاتحاد الصهيوني.

وقد عُقد في لندن المؤتمر الصهيوني الرابع عام (1900) ، وحضره 28 مندوباً يمثلون 38 جمعية أعضاء في الاتحاد الصهيوني الإنجليزي. وفي محاولة من المؤتمر لكسب الرأي العام السياسي البريطاني للفكرة الصهيونية، وزَّع المؤتمر على النواب البريطانيين في مجلس العموم (دوريات) تشرح أغراض الصهيونية وتدعوهم إلى الرد وإبداء آرائهم حول هذا الموضوع.

 المرحلة الثانية: (1904 ـ 1939):
اتسمت تلك المرحلة بازدياد أهمية لندن كمركز للحركة الصهيونية وتلاشي دور برلين الصهيوني، وازدادت العلاقات بين الحكومة البريطانية وبين الصهاينة توثقاً، وشهدت مرحلة صدور (وعد بلفور) ، ومن ثم أصبح بإمكان الحركة أن تتغلغل سريعاً وسط اليهود البريطانيين. وقد مثَّل عام (1904) نقطة تحوُّل مهمة في تاريخ الحركة الصهيونية البريطانية والحركة الصهيونية ككل، إذ مات هرتزل وانتقلت القيادة إلى ولفسون. وعارضت جماعة من البريطانيين هذه القيادة الجديدة الموالية لألمانيا، كما أن موت هرتزل أضعف التوجهات الألمانية للحركة. كما ساعد على تقوية التوجهات البريطانية ظهور وايزمان وتشكُّل ما عُرف باسم (جماعة مانشستر)، وهي جماعة من المثقفين اليهود الشبان من بينهم ( إسرائيل موسى سيف وسيمون ماركس وهاري ليون سيمون). وكانت تربط هذه الجماعة علاقة قوية بشخصيات إعلامية بريطانية. وعن طريق هذه الوسائل ازدادت أهمية (جماعة مانشستر)، وزادت أهمية وايزمان كقائد جديد للحركة الصهيونية، وخصوصاً من خلال دعوته الملحة للتركيز على التأثير في بريطانيا العظمى والتخلي عن فكرة (الدبلوماسية التركية الألمانية) ، التي كان هرتزل يتبناها وكذلك فكرته حول العمل على زيادة عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين لخلق تجمُّع يهودي استيطاني قوي يُوظَّف لصالح بريطانيا. وقد أدَّت هذه العوامل إلى أن يُنتخب وايزمان عام (1914) نائباً لرئيس الاتحاد الصهيوني البريطاني.

ومما زاد من أهمية الحركة الصهيونية في بريطانيا، ازدياد اهتمام حكومة بريطانيا بمنطقة الشرق العربي ليس فقط جغرافياً، بل اقتصادياً، مع ظهور البترول وازدياد أهميته كمصدر للطاقة. ومع نشوب الحرب العالمية الأولى، أصبح الاتحاد الصهيوني البريطاني الذي كان يضم ، في هذا الوقت ، حوالي 50 جمعية في موقع رئيسي حيث فقدت اللجنة التنفيذية دورها القيادي لأنها تقع في برلين وبالتالي انعزلت فعلاً وقولاً عن العالم كله. وقام ناحوم سوكولوف عضو اللجنة التنفيذية بالانضمام إلى وايزمان، ومن ثم أصبحت اتصالات وايزمان بالساسة البريطانيين أكثر رسمية. ومما ساعد على تقوية موقع وايزمان، تأييد لويس برانديز رئيس اللجنة التنفيذية المؤقتة في نيويورك. وفي الوقت نفسه، عمل هربرت صمويل، وهو عضو في الوزارة البريطانية، على أن يحصل على وعد من الحكومة بإقامة دولة يهودية في فلسطين. وفي كانون الأول/يناير عام (1916)، كُوِّنت لجنة استشارية من ( ناحوم سوكولوف وياحيل تشيلينوف وموسى جاستر وحاييم وايزمان وغيرهم). بيد أن عمل اللجنة انتهى عام (1917) بعد استقالة هربرت بنتويتش منها لإتاحة الفرصة لوايزمان ليصير رئيساً للاتحاد الصهيوني الذي كان يخوض معركة شرسة على جانبين: الأول مع اللجنة التنفيذية العالمية ذات الاتجاه الألماني، والثاني ضد قادة التجمع اليهودي البريطاني من غير الصهاينة الذين كانوا يرفضون الصهيونية بعنف، حتى أن مؤيدي الصهاينة وبرنامج بازل لم يتعدوا 5% من جملة يهود بريطانيا ، آنذاك.

ومع صدور (وعد بلفور) وتَواجُد العديد من القادة الصهاينة في لندن أثناء الحرب مثل أحاد هعام وفلاديمير جابوتنسكي، ازدادت قوة الاتحاد الصهيوني سواء عددياً أو من حيث تأثيره وسط الجماعة اليهودية. ومن الواضح أن الاعتراف الرسمي من قبَل الحكومة البريطانية بالحركة الصهيونية وتبنيها موقفاً صهيونياً حَسَم الموقف لصالح المنظمة الصهيونية وسط الجماعة اليهودية. وقد عُقد مؤتمر صهيوني في عام (1920) قام بانتخاب وايزمان رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية، وسوكولوف رئيساً للجنة التنفيذية. وبمعنى آخر، كرس هذا المؤتمر سيطرة الاتجاه البريطاني وأنهى تماماً الاتجاه الألماني. وحظي الاتحاد الصهيوني بتأييد سياسيين بريطانيين كبار من أمثال لويد جورج ولورد ملنر ونشرت الصحف البريطانية الصهيونية مقالات تؤيد وضع فلسطين تحت حكم الانتداب.

وقد أنشأ المؤتمر الصهيوني في لندن عام (1920) ، الصندوق التأسيسي الفلسطيني (الكيرين هايسود)، وأصبحت لندن مقره الرئيسي حتى عام (1926) عندما انتقل إلى فلسطين. وهي خطوة ارتبطت بتنامي قوة الاستيطانيين وتأسيس مؤسسات خاصة. ثم انتقلت اللجنة التنفيذية إلى لندن وبقيت بها حتى عام (1936)، ومنها انتقلت إلى القدس. ويتبدَّى تنامي نفوذ الصهاينة وسط اليهود البريطانيين، وبكل وضوح، في تكـوين الوكالة اليهودية الموسـعة التي كانت تحت سيطرة الصهاينة تماماً.

 المرحلة الثالثة (1939 ـ 1948):
اتسمت تلك المرحلة بسيطرة الحركة الصهيونية تماماً على حياة ومقدرات اليهود في بريطانيا وكذلك سياسة الشد والجذب بين الصهاينة والحكومة البريطانية، ويمكن أن نعزو هذا لازدياد أهمية الولايات المتحدة الأمريكية وسط القوى الإمبريالية العالمية وازدياد ارتباط الصهاينة بالولايات المتحدة.

وكتعبير آخر عن محورية الدور البريطاني في الشؤون الصهيونية في ذلك الوقت، استقر فلاديمير جابوتنسكي في لندن منذ عام (1936) لإدارة أعمال المنظمة الصهيونية الجديدة التي أنشأها. وتم تأسيس الصندوق البريطاني المركزي لمساعدة اليهود الألمان، وكان الغرض الأساسي منه هو تهجير اليهود من ألمانيا وتوطينهم في فلسطين.

وقد ساعدت النازية أيضاً على إثارة مخاوف بعض القطاعات بين الجماعة اليهودية في بريطانيا، وهو ما شجع على ذهاب بعض منهم إلى فلسطين. ونقل هؤلاء عند عودتهم آراء المستوطنين الصهاينة في فلسطين وكيفية التعامل مع العرب. ومع الانتفاضة العربية عام (1936)، وقبل ذلك مع ثورات أعوام (1921 ـ 1929)، كانت بريطانيا تلجأ لإصـدار الكـتب البيضـاء من أجـل إدخال الطمأنينة على قلوب العرب، وخصوصاً أعضاء النخب العربية المرتبطة بإنجلترا، وكان هذا يثير حفيظة الاستيطانيين الذين بدأوا في التفكير في أن الاعتماد الكامل على بريطانيا غير ممكن، ومن هنا كانت زياراتهم المتكررة للندن بهدف الضغط على الدولة البريطانية عن طريق التأثير المباشر في الاتحاد الصهيوني.

وقد خلقت الحرب العالمية الثانية وضعاً صعباً لليهود الإنجليز، فمع اشتداد الأزمة في بريطانيا، اعتبرت الحكومة البريطانية كل اليهود الألمان الموجودين في بريطانيا جواسيس ممثلين للعدو، ( أي أنها نظرت إليهم النظرة التقليدية على أساس أن اليهودي هو دائماً الخائن/الجاسوس/المرابي الأبدي، أي الجماعة الوظيفية التي تعمل دائماً في خدمة من يدفع لها أجرها، ولم تقم الجماعات الصهيونية في بريطانيا بمعارضة هذا العمل).

وقد شهد عام (1942) تطوراً مهماً في تركيبة الاتحاد الصهيوني البريطاني، فقد انضمت إليه حركة (عمال صهيون) ذات الصلات القوية بحزب العمال البريطاني. وتجدر الإشارة إلى أن هذا يُعدُّ مؤشراً على ازدياد أهمية الاستيطانيين وغالبيتهم من حركة عمال صهيون وأيضاً على توثيق الصلة بين الصهاينة في بريطانيا وبين القوى السياسية المختلفة، فقد كانت حكومة كلمنت إتلي العمالية هي التي وصلت إلى الحكم عام (1945) قبل نهاية الحرب العالمية وانتهى في عهدها الصدام المسلح بين الاستيطانيين والبريطانيين على أرض فلسطين. وقبيل تقسيم فلسطين عام (1948)، وأثناء انعقاد مؤتمر حزب العمال البريطاني عام (1947)، طالب مندوب حركة (عمال صهيون) في كلمته الموجهة للمؤتمر ـ الذي حضره كمراقب زائر ـ باتخاذ قرار بصدد قضية فلسطين يراعي روح وعود الحزب قبل الانتخابات البرلمانية، أي الإقرار بحق اليهود في كامل فلسطين.

 المرحلة الرابعة (ما بعد عام 1948):
تتسم هذه المرحلة بضعف الحركة الصهيونية نسبياً ، وانشغالها بأمور ثقافية وشكلية طقوسية. ويعود هذا بالطبع لتضاؤل أهمية بريطانيا في السياسة الدولية وزيادة أهمية الولايات المتحدة بشكل ضخم واعتماد القادة الصهاينة عليها.

وبعد إنشاء الكيان الصهيوني ، استمر الصهاينة البريطانيون في عملهم الدعائي وفي خلق مؤسسات لرعاية مهاجري اليهود إلى فلسطين، وقد مثلت المنظمة الصهيونية جسراً بين الدولة الوليدة وأوربا. وساهمت الحركة الصهيونية في دعم الكيان الصهيوني مادياً بمبلغ يزيد على سبعة عشر مليون جنيه إسترليني خلال الأيام الأولى لحرب (1967). وتندرج كل هذه المساعدات في الإطار التوطيني. ويتضح الطابع التوطيني للصهيونية البريطانية في المساهمة الفعلية في الهجرة لـ(أرض الميعاد) ، وقد صارت البلاد بالنسبة للصهاينة البريطانيين مركزاً روحياً أو بقعة مقدَّسة يتطهر فيها يهود المنفى مما علق بهم من أدران.

نقد الصهيونية للوعد المشؤوم!!
ورغم المكاسب العظيمة التي جناها اليهود والصهاينة من (وعد بلفور)، غير أن هناك الكثيرين من الصهاينة ينتقدون ذلك الوعد، وكذلك الموقف البريطاني برمته، ومن هؤلاء المنتقدين الكاتب والمؤرخ الصهيوني د. يحيعام شورك (المحاضر في كلية بيت بيرل)، حيث يرى شورك أن: (وعد بلفور كان يهدف، أو من المفروض أن يؤدي، إلى دفن مشروعين سابقين فيما يتعلق بالشرق الأوسط: رسائل ماكماهون واتفاق سايكس- بيكو، بما يفضي إلى شرعنة وتكريس الكولونيالية البريطانية ). ويتابع شورك :( لعله يكفي التعرف على السيرة الشخصية لبلفور وفلسفته السياسية والأخلاقية من أجل تخمين ومعرفة حجم الدهاء البريطاني الذي عبّر عن نفسه في ذلك الوعد الشهير. فقد أخذت الكولونيالية تظهر كمشروع بغيض ومرفوض في نظر الدول المنتصرة في الحرب وكعارض سرطاني خبيث يقبع في أساس عوامل وأسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى ولذلك أُخترعت لتحل مكان هذا الاصطلاح [أي مكان الكولونيالية] كلمة جديدة أو اصطلاح جديد وهو [انتداب] الذي لا يعدو كونه قناعاً للكولونيالية).

ويضيف يحيعام شورك: (في المحصلة فضّل البريطانيون إصدار وثيقة مؤيدة ومنحازة للصهيونية، على الرغم مما يمكن أن يقال عنها بأنها وثيقة غامضة وقابلة للتأويل. فالوثيقة تضمنت عبارات أو تعابير غير ملزمة من قبيل [تنظر- بريطانيا- بعين ايجابية..] أو [ستبذل قصارى جهدها... للتخفيف]، كما ويمكن التساؤل بشأن ما يعنيه تعبير [بيت قومي] وما هي حدود صيغة [في أرض إسرائيل] وغيرها؟ فهذه التعابير يمكن أن تفسر في الحدود القصوى كأساس لدولة حقيقية، وفي الحدود الدنيا، ككيان يتمتع بحكم ذاتي، مجرّد من الصلاحيات.
علاوة على ذلك فإن الجزء الأخير من (الوعد) يقوّض تماما جوهر (الوعد) ويحطم الحلم الصهيوني.

فنهاية صيغة (الوعد) تعلن بصراحة ووضوح أن تجسيده لا يمكن أن يمس أو يضرّ بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين.
 من هو اللورد آرثر جيمس بلفور(*) ؟:
آرثر جيمـس بلفـور ( 1848- 1930م (صهيوني غربي بريطاني ، يُنسَب إليه التصريح الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام (1917) ويُسمَّى (وعد بلفور).

تلقَّى بلفور تعليماً دينياً من أمه في طفولته، وتشبَّع بتعاليم العهد القديم، خصوصاً في تفسيراتها الحرفية البروتستانتية. ورؤية بلفور لليهود متأثرة بالرؤية ، التي تراهم باعتبارهم شعباً مختاراً ، ومجرد وسيلة للتعجيل بالخلاص، وهي الرؤية التي تمت علمنتها فتحوَّل اليهود إلى الشعب العضوي (المختار) المنبوذ.

تبنَّى بلفور قانون الغرباء الذي صدر بين عامي (1903 و1905) ، والذي كان يهدف إلى وضع حدٍّ لدخول يهود اليديشية إلى إنجلترا. وقد أدَّى موقفه هذا إلى الهجوم عليه من قبَل المؤتمر الصهيوني السابع (1905)، حيث وُصفت تصريحاته بأنها (معاداة صريحة للشعب اليهودي بأسره)، كما هاجمته الصحافة البريطانية.

وفي عام (1905)، قام بلفور بمقابلة حاييم وايزمان في مانشستر وأُعجب به كثيراً، ولكنه نسي فكرته الصهيونية إلى حدٍّ كبير في فترة الحرب. ثم قابله مرة أخرى عام (1915) وناقش معه الأهداف الصهيونية ، بعد أن كانت الوزارة البريطانية قد ناقشتها عام (1914) ، وعندما عُيِّن وزيراً للخارجية في وزارة لويد جورج عام (1916)، عاد بلفور لاهتمامه القديم بالصهيونية بسبب تزايد أهمية فلسطين في المخطط الإمبريالي البريطاني وبسبب تصاعُد الجو الثوري الذي ساد أوربا والشرق العربي ، وقد كان بلفور يرى أن الصهاينة حماة مجتمع ذي تقاليد دينية وعرْقية تجعل اليهودي غير المندمج قوة محافظة هائلة في السياسة العالمية.

وفي عام (1917) زار بلفور الولايات المتحدة في إطار محاولات إنجلترا حث الولايات المتحدة على دخول الحرب إلى جانب الحلفاء، وقابل الزعـيم الصهيوني الأمريكي لويـس برانديز. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العـام نفسه، أصدر بلفور تصريحه أو وعده المشهور نيابةً عن الحكومة الإنجليزية. وقد شهد العام نفسه رفضه التدخل لدى الحكومة الروسـية لإزالة القـيود المتعلقة بإعـطاء اليهود حقوقهم المدنية.

وبعد ذلك، استمر بلفور في دعم الصهيونية عدة سنوات وفي حزيران /يونيو عام (1922)، ألقى خطاباً في مجلس اللوردات البريطاني يحث فيه بريطانيا على قبول فرض الانتداب على فلسطين، وتقدَّم بمسودة قرار الانتداب لعصبة الأمم، كما شارك في افتتاح الجامعة العبرية عام 1925 .

وقد بيَّن بلفور تصوُّره لمستقبل فلسطين في إحدى المذكرات حيث قال: (إن الصهيونية، سواء أكانت على حق أم كانت على باطل، خيِّرة كانت أم شريرة، فإنها ذات جذور متأصلة في [تعاليم قديمة وحاجات حالية وآمال مستقبلية غربية]. ولذا، فإن أهميتها تفوق رغبات وميول السبعمائة ألف عربي قاطني هذه الأرض). وقد أكد بلفور في مذكرة أخرى أن الحلفاء لم يكن في نيتهم قط استشارة سكان فلسطين العرب.

وانطلاقاً من إدراك الأهمية الجغراسياسية لفلسطين، طلب بلفور أن تكون فلسطين متاحة لأكبر عدد من المهاجرين (الذين رفض من قبل دخولهم إنجلترا) ، وأن تُوسَّع حدودها لتشمل الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن.

ويوجد في الكيان الصهيوني (موشاف) [قرية تعاونية ] يُدعَى (بلفوريا) أسسه مستوطنون من الولايات المتحدة، كما توجد شوارع في القدس المحتلة وتل أبيب سُمِّيت جميعها باسمه، ويطلق كثير من اليهود على أبنائهم اسم (بلفور) مع أنه ليـس اسماً عبرياً أو يهودياً. وقد ألَّـف بلفور عدة كتب في الفلسفة الدينية، من أهمها: دفاع عن الشك الفلسفي (1879)، و أُسس الاعتقاد الديني: ملاحظات أولية لدراسة اللاهوت (1893)، والإيمان بالله والفكر: دراسة في العقائد المألوفة (1923).

نص الوعد/الإعلان: كما نشر في الصحف البريطانية صباح (23 من المحرم 1336هـ: 8 من نوفمبر 1917م) وكان نصه:
وزارة الخارجية
2 من نوفمبر 1917م
عزيزي اللورد روتشلد
يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته:
(إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح).
المخلص
اللورد آرثر جيمس بلفور

الحواشي:
 (*) المصدر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د.عبد الوهاب المسيري، دار الشروق، القاهرة، عام 1999.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى