الأحد ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم تيسير الناشف

الغُلُوّ في الإطراء والتقييد الفكري

تشيع ظاهرة لا تساعد في التوصل إلى الحقيقة. وتتمثل هذه الظاهرة في المبالغة أو الإفراط أو الإسراف أو المغالاة أو الغلو في المديح أو الإطراء. ومما له صلة بالإفراط في المدح شيوع الظاهرة المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم. وتتمثل هذه الظاهرة في قول اناس بأفواههم ما ليس بقلوبهم. النفاق من صفاتهم. ويتخذ بعض الناس النفاق وسيلة لحمايتهم ولدرء الشر عنهم في البيئات الإجتماعية والسياسية المهددة لحياتهم أو وسيلة للتقرب من أصحاب النفوذ، من قبيل أصحاب السلطة الحكومية وغير الحكومية، للنهوض بمصالحهم من قبيل الحصول على المال أو شغل وظيفة.

ويعني الإفراط في المديح تراخي معايير الاستحقاق، وقد يعني زوال هذه المعايير. أحيانا كثيرة تُستعمَل عبارات الإطراء لشخص إلى أبعد حد، إلى حد لا تمكن عنده زيادة في ذلك الإطراء، ويكون الإطراء كاسحا وشاملا دون تحفظ. على هذا النحو لا يمكن وصف شخص آخر يتفوق على الشخص الأول الممدوح بوصف اقوى من الوصف الذي استعمل في وصف الشخص الأول، على الرغم من أن الشخص الآخر قد يستحق ذلك الوصف لمواهبه وكفاءاته ومنجزاته.

الناس الأكثر نضجا وواقعية وتواضعا لا يقبلون بكيل المديح المبالغ فيه على أنفسهم وأدبائهم وشعرائهم وفلاسفتهم ومفكريهم وفنانيهم وقادتهم. ليس من السليم من الناحيتين الموضوعية والقيمية ومن ناحية التنشئة كيل المديح الكاسح الشامل لفرد لا يستحقه، او لفرد لعله نبغ في لون من الوان الإبداع والعطاء الفكري أو الأدبي أو الفني ولكنه لم ينبغ في ألوان اخرى. قد يكون فرد قاصا بارعا ولكنه قد لا يكون فيلسوفا مبدعا، وبالتالي لا يجوز أن يوصف بوصف يشمل جميع وجوه النبوغ والإبداع.
وإذا نبغ فرد أو تميز في لون من هذه الألوان فهو يستحق المديح والتقدير على نتاجه في ذلك اللون، غير أن ذلك المديح الذي يستحقه على نبوغه وإبداعه في هذا اللون أو ذاك يجب ألا يحظرعلى النقاد أن ينتقدوه - إذا استحق الانتقاد، وهو لا بد من أن يستحق الانتقاد لعدم كمال البشر كافة – على نتاجه في ألوان أخرى. إن نبوغه في لون ينبغي ألا يعني أنه يجب أن تكون نتاجاته في مجالات أخرى معفاة من الإخضاع للنقد، ويمكن للناقد الواحد أن يشير إلى جوانب نبوغ النابغة وإبداعه في لون وإلى وجوه تقصيره في ألوان أخرى. كيل المديح على كل جوانب نتاجات فرد لمجرد أنه نبغ في لون واحد أو ألوان محدودة من العطاء من أشد السلوك الفكري خطرا لأن هذا السلوك يقيد الفكر تقييدا قويا، مما يحد من القوة على الانطلاق الفكري وعلى التصدي للتحدي المتمثل في اكتشاف الواقع ومعرفته.

تدل هذه النزعة العقلية إلى التقسيم الثنائي الفكري على النقص في تطور العقل. العقل البشري لم يتجاوز في أدائه طريقة التقسيم الفكري الثنائي الأكثر بساطة. وتحول هذه الطريقة دون تطوير الفكر البشري ودون توليد فكر أكثر تعقدا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى