الاثنين ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم ماهين شيخاني

ليس هناك دافع آخر...؟

منذ أربعة أيام وزوجتي تتأفف وتطلب مني السم، لا تجزعوا ولا يخطر ببالكم أي سوء أو مكروه، إنها لا تفكر بالتخلص مني بالرغم من أنني أسهر ساعات طوال على قراءة الكتب أو تصفح الإنترنت (ضرتها) حسب ما تقول، كل ما في الأمر أن جواري بيوتهم أثرية قديمة ومن الطين باستثناء الجهة الغربية حيث هناك جدار كونكريتي عازل بيني وبين دار والدي منذ أن طالبتهم بالإرث, أجواؤنا هذه الأيام تذكرنا بقيظ جهنم ولهيبها جيداً، فقد اشتدَّ غباره وخرجتْ العقارب من أوكارها وأصبحتْ تغزونا من كل الجبهات.
في منتصف الليل وأنا أسهر كعادتي انتابني إحساس غريب، دفعني للذهاب نحو المطبخ، صدقوا لو قلت لكم غدوتُ أسمع دبيب العقرب أو هكذا خُيَّلَ أليَّ ولدى قيامي بفتح الباب وإضاءة النور، صدق حدسي، ولم أتذكر لحظتها كيف كنت رافعاً سلاحي الذي كان بقدمي وبحركة فنية مدربة لقذف الحذاء، والتدريب جاء نتيجة عرض التلفزيونات لرمية (منتظر الزيدي) المعروفة ورميات أخرى أصبحت اعتيادية على وجوه بعض الشخصيات السياسية، صار العقرب في خبر كان، التصق بالبلاط تماماً, تناثرت أحشاؤها وصغارها منتشرة حولها، حينها أدركت بأنها أنثى، لحقتها بخبطة من مداسي الآخر الذي بقي برجلي على ذيلها المتحرك، دهستها بقوة وعصرتها، ثم قمت بتنظيف أرضية المطبخ دون أن تحس زوجتي النائمة على فعلي، لو علمت بأن العقرب قد دخل المطبخ ستترك المطبخ والبيت والحارة كلها ومن الممكن أن تهجرني.

 كعادتها على آذان الصبح نهضت من جانبي لأداء الصلاة، ذهبتْ لبهو الصالون ومدَّت سجادتها باتجاه القبلة. وما أن هيأت ذاتها على أداء الفريضة، حتى أحست بشيء ما على قدمها الأيمن، نظرت بفزع وهي إمرأة ترعابة، انتفضت صارخة بصوت عالٍ، أرعبتني وأرعبت الحارة بكاملها.

فزتُ من فراشي مذهولاً باتجاه الصراخ وإذ هي واقفة على الكنبة ترتجف مذعورة وتصرخ لا تقترب، ابتعد، ظننت لحظتها بأنها قد جُنت أو لمسها الشياطين بالرغم من أنني لا أؤمن بهذه الخزعبلات فالمرأة هي بحد ذاتها تعقد الأنس والشياطين وصارت تؤشر بيدها انظر حولك، خُذ حذرك من العقرب..؟.

أي عقرب يا امرأة..؟

هناك....هناك في الزاوية.

صدرت مني قهقهة لدى اقترابي منه، ثم تحولت إلى ضحكة هستيرية.

أتضحك، أصبحت سخريتك أليس كذلك..؟. – قالتها بغصة.

قلت: ابن الحرام جاء ليثأر.

ليثأر ممن..؟.

مني أنا, لقد قتلتُ زوجته الحاملة بصغارها، هدئي من روعك سألحقه بهم..؟!.
ثارت ثائرتها وقالت: لن أبقي لحظة في هذا المسكن المسكون بالعقارب وجميع أنواع الحشرات.

طبعاً هذا الموشح بقي طيلة أربعة أيام، وهي تطالبني بالحل الجذري لهذه المشكلة التي باتت تعكر صفوة حياتنا بل تهددها.

رغماً عن أنفي صرتُ أبحث عن حلول، فتوجهت إلى مجلس البلدية بعدما علمت من مصادر مؤكدة بأن البلدية لديها سم قوي المفعول كالذيفان، فعَّال لدرجة إنها تقضي على البشر والحيوان، تأبطت ُ قارورة فارغة ملفوفة بكيس نايلون أسود ودخلت الباب دون أن أعلم بأن هناك اجتماع عمل حضره مسؤول كبير، على ما يبدو أنني كنت مراقبا بأجهزة الكترونية حديثة، لحظات وإذ أجد نفسي محاصر وفوهات البنادق موجه صوبي، زأر أحدهم:

قف مكانك وارفع يديك عالياً..؟.

بذهول ولاشعورياً رفعت يدي، سقطت القارورة على بلاط، ارتطمت...أصدرت صوتاً وأصبحت جُذاذات, نظرتُ حولي وإذ بهم منبطحين أرضاً وفي حالة تأهب تام، بانتظار أمر من مسؤولهم بإطلاق النار.

ارتعدت فرائصي، شعرت بدوار من الهلع والخوف،كما أنني شعرت بأن الدم قد جف تماماً من عروقي، خارت قواي وتهاوت كل أجزاءي دفعة واحدة كبناية تتهاوى.

إلا أن الحظ أسعفني حين تدخل أحد المعارف في المجلس وبعدها تدخلوا كبار الوجهاء والمسؤولين في البلدة وبعد التدقيق والتمحيص، تأكدوا من حقيقة الأمر، بأن سبب مجيئي كان محض صدفة في هذا الحين ولأجل كمية من سم العقارب وليس هناك دافع آخر من وراء ذلك. جاءني أحدهم واضعاً يده على أنفه وناولني قنينة جاهزة من السم، حدق بيَّ و قال:

خذ وانقلع، ولا ترني وجهك ثانية، أكان هذا وقتك..؟. لقد سببت لنا مشكلة وخيمة، سُدت شهية السيد المسؤول عن الطعام، أصابه غثيان في معدته وجاءه الرجيعُ مرتين، رأيته مُبَرْطِماً لدى سماع الخبر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى